نتنياهو سيلقي خطابا الأسبوع المقبل يطرح من خلاله سياسة إسرائيل

وثائق وتقارير

* مندوب "المشهد الإسرائيلي" يقدّم تغطية خاصة ليوم دراسي في "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية" حول "المبادرة العربية ومدلولاتها"* من عناوين هذا اليوم الدراسيّ: - مصدر الصعوبات هو وجود حكومة غير مستقرّة في إسرائيل ومجتمع فلسطيني متشرذم وصراع داخلي في لبنان وإدارة أميركية غارقة في العراق والانتخابات القريبة للرئاسة الأميركية، - في 15 آب المقبل يبدأ العدّ التنازلي لاحتمال نشوب حرب إسرائيلية- سورية، - الذي بادر إلى المبادرة العربية يعتبر أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني قابل للحلّ لكن هذا الصراع غير قابل للحلّ على الأقل في المرحلة الحالية *

 

 كتب مندوب "المشهد الإسرائيلي" بلال ضاهر:

 تُبدي إسرائيل اهتماما بمبادرة السلام العربية التي أقرتها مجددا القمة العربية التي عُقدت في الرياض في نهاية شهر آذار الماضي (2007).

 ورغم أن الحكومة الإسرائيلية، على لسان رئيسها إيهود أولمرت، قد رحبت بتحفظ بالمبادرة إلا أنها تتردد في كيفية التعامل معها وأعلنت مسبقا أنها ترفض البند الذي يتحدث عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وأن حل قضية اللاجئين ممكن فقط من خلال الدولة الفلسطينية في حال قامت ومن خلال التوطين في الدول التي التجأوا إليها وتعويضهم.

 

وصرح أولمرت بأن المبادرة العربية تتضمن "عناصر إيجابية" من شأن إسرائيل أن تقبلها. وتعتزم الحكومة الإسرائيلية إجراء مفاوضات مع مصر والأردن، اللتين انتدبتهما جامعة الدول العربية، حول المبادرة العربية، معلنة أنها ستعمل على تغيير بعض البنود فيها وعلى رأسها ما يتعلق بعودة اللاجئين.

 

وفي موازاة ذلك، عكف أكاديميون إسرائيليون متخصصون في الشؤون العربية وتاريخ الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي على دراسة مبادرة السلام العربية وتحليلها من كافة جوانبها.

 

وفي هذا الإطار عقد "مركز القدس للدراسات الإسرائيلية" في مقره في القدس الغربية الأسبوع الماضي (4/6/2007) يوما دراسيا حول "المبادرة العربية ومدلولاتها" تناول فيه باحثون أكاديميون إسرائيليون عددا من جوانب المبادرة العربية. وأجمع الباحثون على وجوب قبول إسرائيل للمبادرة بتحفظ. لكن بعض هؤلاء الخبراء اعتبر أن المبادرة غير قابلة للتنفيذ على الأقل في المرحلة الحالية.

  

نقطة انطلاق لعملية سلام شاملة

 ورأى الدكتور يتسحاق رايتر، من كلية أشكلون الأكاديمية والباحث في "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية"، أنه تقف خلف إطلاق القمة العربية لمبادرة السلام العربية عدة أسباب أهمها تعاظم قوة إيران و"ذراعيها"، حزب الله وحماس؛ السبب الثاني، هو التطرف، الذي يقلق السعوديين والدول العربية "المعتدلة" الأخرى ولمواجهة الإسلام المتطرف على اعتبار أن "بإمكان مبادرة كهذه أن تضعف شرعية الإسلام المتطرف وأن تكون في صالح الدول العربية المعتدلة"؛ السبب الثالث هو العراق، "الذي يسير على قنبلة زمنية ولا يزال من غير المعروف بعد متى سينسحب الأميركيون من العراق كما أنه ليس معروفا بعد التبعات الإقليمية للانسحاب الأميركي من العراق"؛ وسبب رابع هو أن "الصراع المتصاعد في فلسطين/ أرض إسرائيل في هذه الفترة لا يصب في صالح العرب وبالتأكيد فإنه أيضا ليس في صالح إسرائيل، فالصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو عامل يثير غليان العالم العربي، ويجب مشاهدة الفضائيات العربية لكي نفهم كيف تؤثر الأحداث في قطاع غزة والضفة الغربية على مشاعر العالم العربي ووقف هذه العملية الدموية واستبدالها بعملية سلامية من شأنه أن يخدم الدول العربية المعتدلة".

وأشار رايتر إلى أن الأردن ومصر تشكلان طرفا في المبادرة كونهما تقيمان علاقات سلام مع إسرائيل ولديهما مصلحة بالانفراد في إقامة علاقات سلام مع إسرائيل ولذا تعملان كل ما بوسعهما من أجل دفع عملية سياسية. وتسعى سورية إلى استعادة هضبة الجولان حتى حدود الرابع من حزيران 1967، بينما لبنان مهتم بحل قضية اللاجئين، و"هي قضية تقلق اللبنانيين". وبحسب الدكتور رايتر فإن اللاجئين الفلسطينيين في الدول الأخرى ربطوا مصيرهم بالدول التي تستضيفهم فيما يريد لبنان أن يغادره اللاجئون من خلال إعادة قسم منهم إلى فلسطين التاريخية.

واعتبر رايتر أن الفلسطينيين يواجهون مشكلة تتمثل بأنه لا يوجد طرف واحد في الساحة الفلسطينية. وأنه لا يوجد لدى إسرائيل اليوم عنوان واحد في الساحة الفلسطينية. وهذا إدعاء يكرره السياسيون الإسرائيليون بشكل دائم. ورأى رايتر أنه بالنسبة لإسرائيل فإن إجراء مفاوضات مع جامعة الدول العربية، في إطار المبادرة العربية، يُمَكّن من ممارسة ضغوط على الجهات الأكثر راديكالية، مثل حماس، وحتى جعل مطالب سورية أكثر اعتدالا. وأضاف "نحن عادة لا ننظر إلى اللاعب الإسرائيلي وأعتقد أن اللاعب الإسرائيلي هو لاعب مهم جدا في الساحة الإقليمية. وإذا نظرنا إلى موقف حكومة إسرائيل فإن إسرائيل هي لاعب ذو رأسين: أولمرت من جهة وليفني (أي وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني) من جهة أخرى. أولمرت يحاول دفع المفاوضات مع سورية وليفني تحاول أكثر دفع الاتصالات لجهة المبادرة العربية. وعمليا فإن إسرائيل تحاول الدخول إلى حمام السباحة من دون أن تتبلل. وهذا يعني الانضمام للمبادرة من دون أن تؤثر عليها العوامل الثلاثة التي ذكرتها سابقا، أي تحييد العبوات التي تتعلق بانسحاب لحدود 67 وقضية اللاجئين وقضية القدس. أي عمليا ثمة محاولة إسرائيلية هنا لتضمن مسبقا ألا يؤثر نص المبادرة على إسرائيل وألا يستخدم كسابقة، في حال انضمام إسرائيل للمبادرة، بأنها توافق على شروط جامعة الدول العربية.

وأشار رايتر إلى جانب آخر هو الإستراتيجية الإسرائيلية التقليدية وهي "قوننة عملية السلام" أي منح خبراء القانون صلاحية تفسير النص وتحليله وهذا يعني أن إسرائيل تشترط ولا تنضم مباشرة للمبادرة. الأمر الآخر المتعلق بإسرائيل، ويتعلق بالدبلوماسية الإسرائيلية التقليدية، هو أن إسرائيل تفضل عادة مفاوضات منفصلة مع كل واحد من أطراف الصراع على إجراء مفاوضات شاملة. وإسرائيل اعتقدت حتى الآن أن مفاوضات مع كل جانب هو أمر مريح أكثر وأسهل لحل المشاكل "ويبدو لي أن هذا هو توجه خاطئ. وأنا أعتقد أنه فقط بإمكان دول الجامعة العربية بتركيبتها الحالية، ولأن السعودية هي التي تقود المبادرة، فقط تركيبة كهذه قادرة على جعل حماس أكثر اعتدالا ولا يوجد أي احتمال لمفاوضات ثنائية مع الفلسطينيين، في الوقت الذي بمقدور حماس إحباط أي مبادرة، فإن السعوديين فقط قادرون على ممارسة تأثير على حماس لتوافق على مبادرات وجعل مواقفها أكثر اعتدالا باتجاه هدنة".

وقال رايتر إن الثمن الذي يتوجب على إسرائيل دفعه يمنع انضمامها للمبادرة لأنها تخشى من منح الشرعية لحدود 1967 وتخشى من صراع كبير مع المستوطنين في الضفة الغربية. وأشار إلى أن فقط حكومة مستقرة وقوية في إسرائيل يمكنها صنع سلام لأن الحديث هنا عن خطوة بالغة الأهمية وتاريخية، بينما حكومة ضعيفة ولا تحظى بدعم كبير من جانب الجمهور الإسرائيلي يصعب عليها الانضمام للمبادرة. رغم ذلك دعا رايتر إسرائيل للانضمام للمبادرة وتفضيل مفاوضات شاملة على إستراتيجية مفاوضات ثنائية.

من جهة أخرى رأى أفضلية كبرى في مفاوضات ثنائية مقابل سورية ومصلحة إسرائيل هنا أكبر لأنه سيتم جعل الجولان منطقة منزوعة السلاح وهذا أهم من الحديث عن انسحاب عشرات الأمتار في بحيرة طبرية، لأن هضبة الجولان هي ذخر إستراتيجي وجغرافي وسياسي، مثلما هي بحاجة إلى اتفاق مع الفلسطينيين حول جعل محور فيلادلفي منطقة منزوعة السلاح.

وخلص رايتر إلى أن "هذه المبادرة يمكنها أن تكون نقطة انطلاق لعملية سلام شاملة، لكني أشكك على ضوء الظروف الراهنة في إمكانية التوصل لسلام شامل. على إسرائيل الانضمام للمبادرة لكن من خلال معرفتها بأن هذه المبادرة ستقود بشكل سريع إلى اتفاق مرحلي، مثل هدنة لعشر سنوات، وسيكون بإمكان حماس الموافقة عليه لأنها لن تضطر إلى منح إسرائيل شرعية والاعتراف بإسرائيل. ونتيجة مبادرة كهذه ستؤدي إلى إضعاف حماس بشكل متواصل. أي أن عملية سلام شامل تكون حماس فيها عاملا واحدا وصغيرا ستؤدي لإضعاف حماس وهذا ما سيساعد إسرائيل لمواجهة ما يحدث بين الفلسطينيين".

 

 

"السلم" يعني السلام أو الإسلام!

 

 

من جانبه أجرى البروفيسور إلعاي ألون، من جامعة تل أبيب، مقارنة بين قرارات القمة العربية في القاهرة العام 1966 وتصريحات ولي العهد السعودي عبد الله للصحافي الأميركي توماس فريدمان في شباط 2002 وقرارات القمة العربية في الرياض في آذار الماضي. وتطرق ألون إلى عبارة أن على إسرائيل "أن تجنح للسلم" الواردة في قرار القمة العربية الأخير. وترجم ألون العبارة للغة العبرية وقال إن كلمة "السلم" تعني السلام أو الإسلام. وأضاف أن "أحد المفسرين، على الأقل، يدعي ذلك". ورأى أن هذا التفسير لمعنى كلمة "السلم" هام. وأشار إلى أن الترجمة الانجليزية لنص مبادرة السلام العربية الذي وزعته جامعة الدول العربية خال من كلمتي "تجنح للسلم"، كما أنهما لا تظهران في الترجمة العبرية الذي أعده موقع يديعوت أحرونوت الإلكتروني.

وأشار ألون إلى أن كلمة "جنح" وردت في القرآن الكريم في سورة الأنفال الآية 61 حيث جاء "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". واعتبر ألون أن عبارة "أن تجنح للسلم" الواردة في النص العربي للمبادرة موجهة بشكل خاص للمعارضة داخل المسلمين، ليس أقل مما هي موجهة لإسرائيل. وأضاف أنه من الجائز أن المقصود من استخدام العبارة في نص المبادرة هو جعل القارئ يعتقد بأن إسرائيل هي التي بادرت إلى التوجه، لأنه ليس مسموحا للمسلمين أن يبادروا للسلام خلال صراع قوى. لكن إذا كانت إسرائيل هي التي "تجنح للسلم" فإن العرب ملزمون بالاستجابة لهذا الطلب. وسياق الآية 61 في سورة الأنفال يتحدث عن تخوف المسلمين من خداع العدو. وقال ألون إن هذه الآية جاءت في سياق خيانة يهود بني قريظة، الذين كان بينهم وبين النبي محمد عهدٌ بأن لا يساعدوا العدوّ عليه، ولكنهم نقضوا العهد ما جعل النبيّ في حلٍّ من عهده معهم. وقال ألون إن الموافقة على طلب العدو هدنة تشكل فرصة للاستعداد لجولة ثانية من الصراع، "وأنا أقتبس هنا مفسرين". وسبب آخر للموافقة على وقف القتال هو أن يدرك العدو روح الإسلام ومحاولة تغييره لدينه.

وأشار ألون إلى أن الأمير عبد الله في المقابلة التي منحها لفريدمان وفي خطابه أمام القمة العربية في بيروت، واللذين عرض فيهما مبادرته، المعروفة بمبادرة السلام السعودية، لم يتطرق لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وبعد ذلك قامت جامعة الدول العربية، بهدف تصحيح الوضع، ليس فقط بإدراج قضية اللاجئين وليس فقط بالقول إنه يتوجب التوصل لحل متفق، أي منح إسرائيل حق الفيتو، وإنما أضافت بندا يقول إنه يجب الاهتمام في ألا يتم توطين اللاجئين في الدول العربية، أي أن الجامعة العربية قالت للاجئين والعرب وإسرائيل أن يهدأوا. وهذا مبنى نص غريب ويتوجب التحقيق فيه لأنه ينطوي على رسالة بكل تأكيد. وقال ألون إنه كان على إسرائيل قبول اقتراح السلام كما قدمه عبد الله في حينه. وفي ختام مداخلته دعا ألون إسرائيل إلى أن تدرس بالإيجاب قبول المبادرة العربية.

 

"ثورة في التفكير العربي"

 

 

من جانبه اعتبر أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس، البروفيسور إيلي بوديه، أن مبادرة السلام العربية، التي صادقت عليها لأول مرة القمة العربية في بيروت في العام 2002، هي "ثورة في التفكير العربي" خصوصا إذا ما قورنت بالماضي وبشكل خاص بقرارات قمة الخرطوم. ولفت إلى أن الإعلان عن المبادرة في حينه تزامن مع اجتياح إسرائيل للضفة الغربية ورأى أن هذه الحملة العسكرية هي رد أريئيل شارون على مبادرة السلام العربية. "أي أن إسرائيل قالت في حينه إنها لا تريد سلاما وإنما الحرب. وطبعا كانت الصورة معقدة أكثر في حينه لأنه كان من الصعب جدا على إسرائيل في حينه الموافقة على المبادرة، لكني أعتقد أنه مر وقت طويل وكان يتوجب العودة للمبادرة لكن إسرائيل لم تفعل ذلك".

وقال بوديه إن "المبادرة بحد ذاتها، أثارت فضولي واهتمامي من الناحية التاريخية ولذلك درستها بشكل عميق وحللتها مع مقارنتها بخطة السلام السعودية الأولى التي طرحها في العام 1981 الأمير فهد (الذي أصبح لاحقا ملك السعودية). وتم تقديم الخطة لجامعة الدول العربية لدى انعقاد القمة العربية في فاس بالمغرب وأثارت ضجة وانفضت القمة بعد ساعات. وبعد أشهر تمت المصادقة عليها في قمة فاس الثانية المنعقدة في 1982. وأكثر ما أثار فضولي هو لماذا السعوديين بالذات هم الذين يقفون وراء مبادرات كهذه، فالسعودية دولة بعيدة نسبيا وليست مشاركة مباشرة في الصراع".

ورأى بوديه أن مبادرة السلام العربية تطرح أمرين، لا يوجد احتمال كبير في تنفيذهما اعتمادا على تجربة تاريخ الصراع. الأمر الأول هو تعدد الأطراف أي أن تاريخ الصراع يشير إلى أن إسرائيل فضلت المحادثات الثنائية والنماذج التي نجحت كانت ناجمة عن مسارات محادثات ثنائية. وعلى ما يبدو فإن مسارا متعدد الأطراف "لا يبشر بالخير". والأمر الثاني هو أن جامعة الدول العربية، التي تمثل 22 دولة، هي التي تطرح المبادرة. "والتجربة والتاريخ يدلان بصورة واضحة على أنها لا تعمل بشكل جماعي، بل على العكس حيث كانت الجامعة العربية في العادة منقسمة على نفسها وتجتمع على القاسم المشترك الأكثر انخفاضا. ويتوجب أن نتذكر أن القرارات التي تلزم الجامعة العربية هي فقط القرارات التي يتم اتخاذها بالإجماع، وهي عادة القرارات المعادية لإسرائيل والقرارات المتعلقة بالفلسطينيين. ولذلك فإن قرار جامعة الدول العربية في العام 2002 يشكل تغيّرا هام للغاية في تاريخ جامعة الدول العربية".

وأشار بوديه إلى أن مبادرة السلام العربية التي صادقت عليها قمة الرياض هذا العام هي ذات المبادرة التي صادقت عليها قمة بيروت في العام 2002. والأمر الوحيد الذي تغير هو الظروف التاريخية، "وأنا أعتقد أن تصاعد الحديث عن المبادرة الآن سببه الظروف التي تغيرت في المنطقة منذ العام 2003 وهي: 1. تزايد قوة إيران منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق وتغير توازن القوى في الخليج، 2. تزايد قوة الشيعة في العالم العربي خصوصا في العراق ولبنان، 3. حرب لبنان الثانية وما اعتبر بأنه هزيمة لإسرائيل، 4. فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية. وهذا التغير الأخير أوجد طريقا مسدودة في المسار الإسرائيلي الفلسطيني".

ورأى أن هذه المتغيرات الأربعة، وهي مرتبطة ببعضها البعض، منحت القوى الراديكالية القدرة على تحديد جدول العمل في المنطقة وتهدد الغرب وإسرائيل والدول العربية "المعتدلة". وأضاف أن "الطريق المسدودة للسلام بعد تنفيذ خطة فك الارتباط من قطاع غزة زادت نفوذ القوى الراديكالية في المنطقة. وفي هذا الوضع حاولت السعودية ومصر والأردن ودول عربية أخرى بتشجيع أميركي إنشاء أجندة إقليمية مختلفة على رأسها محاولة وضع حد للصراع الإسرائيلي العربي. وفي هذا السياق يمكن ذكر اجتماع مكة بين المنظمات الفلسطينية وقمة الرياض اللذين كانت السعودية فيهما العرّاب الرئيس. وعلى ضوء ظروف المنطقة المتغيرة وفشل بدائل سياسية أخرى يمكن، برأيي، فحص مبادرة السلام العربية من جديد وذلك على الرغم من المشاكل المتعلقة بمفاوضات جماعية مع منظمة تضم 22 دولة".

واقترح بوديه مشروع مفاوضات جديدا بين إسرائيل والعرب "من أجل حل الصراع بالاستناد إلى المبادرة العربية فإني أقترح تبني ما أسميه توجها- متعدد- ثنائي- الأطراف. والمقصود بهذا التوجه هو: أولا، توجه يدمج بداخله عوامل من التوجه الثنائي الأطراف والتوجه المتعدد الأطراف؛ والثاني: توجه يقترح الكثير من المسارات الثنائية الأطراف. وبشكل عملي أكثر فإنه يمكن أن تعلن إسرائيل وجامعة الدول العربية بواسطة أمينها العام عمرو موسى عن انطلاق مفاوضات رسمية على أساس مبادرة السلام العربية. والإعلان عن ذلك يتم في مؤتمر إقليمي يتم فيه الإعلان عن أربعة مسارات: إسرائيلي- سوري، إسرائيلي- لبناني، إسرائيلي- فلسطيني وإسرائيلي- عربي. ويمكن تعيين ممثلين عن مصر والأردن في اللجان الثلاث الأولى ليسهموا في المفاوضات من تجربتهم، على الرغم من أن هذا الأمر سيضع إسرائيل في مكانة دنيا. وستشمل كل لجنة ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبهذا يكون المجتمع الدولي ضالعا في هذه المفاوضات وهو أمر هام وضروري. وسيكون لكل لجنة جدول عمل يومي منفصل يعالج القضايا الثنائية. من جهة أخرى فإن المسار الإسرائيلي- العربي سيتناول القضايا العامة مثل التعاون الاقتصادي الإقليمي والمياه والبيئة والسياحة. وعلى هذه اللجنة التداول في قضيتي القدس واللاجئين وهما قضيتان تتعديان المسار مع الفلسطينيين. وفي حال عدم التقدم أو الجمود في إحدى اللجان سيكون بالإمكان العودة إلى الهيئة العامة للمؤتمر بهدف محاولة الخروج من الطريق المسدودة. هذا التوجه يذكر بمؤتمر مدريد من العام 1991 لكنه يركز على اللاعبين الإقليميين وليس الدوليين، كما أن المفاوضات التي بدأت بعد مؤتمر مدريد كانت غير ناضجة".

ورغم أن التجربة التاريخية تدل على أن حكومات إسرائيل واجهت صعوبات في التقدم بعملية سياسية في أكثر من قناة مفاوضات واحدة في آن واحد، فإن بوديه أشار إلى أن للتوجه المقترح عدة أفضليات. "أولا، يمكّن هذا التوجه من تخطي عدة صعاب تميز المسارات الثنائية، فمثلا مسار المفاوضات الإسرائيلي- اللبناني يمكنه تجاوز حزب الله الذي سيضطر لتبني خطة أقرتها ممثلية رسمية للدولة ويتم دعمها بشرعية عربية شاملة؛ مفاوضات في المسار الفلسطيني تلزم حماس ببلورة موقف واضح، فإذا ما قررت الحركة المشاركة عليها الاعتراف بإسرائيل وبالمبادرة العربية وإذا تغيبت الحركة فإنها لن تكون جزءا من اللعبة الإقليمية وستفقد من نفوذها. كذلك فإن بحث قضيتي اللاجئين والقدس في المسار الإسرائيلي- العربي من شأنه أن يجعل الموقف الفلسطيني أكثر اعتدالا. ثانيا، التقدم في مسار معين من شأنه أن يؤثر على نوعية المفاوضات في المسار الموازي، وخصوصا أن المسار الفلسطيني سيكون حساسا لكل ما يحدث في المسارات الأخرى، وهذا الأمر نابع من حقيقة أن الفلسطينيين خشوا دائما من البقاء من دون دعم عربي. وحدوث تقدم على المسار السوري سيكون له تأثير على المسار الفلسطيني؛ ثالثا، الحوار الإقليمي الشامل حول مسألة السلام سيضع جدول عمل جديدا وسيدفع جدول العمل الراديكالي إلى الزاوية وهذا أمر هام جدا. وفي حال تم التوصل لاتفاق فإنه سيتمتع بشرعية عربية شاملة ولهذا أفضلية كبيرة. وهناك أفضلية كبيرة أخرى من كون السعودية تقف وراء هذه المبادرات. فهذه ليست مصر ولا الأردن اللتان تعتبران كمن "باعتا نفسيهما" لتوقيعهما اتفاقيتي سلام مع إسرائيل، فيما السعودية لم توقع على اتفاق سلام وهي دولة ذات ثقل كبير للغاية في العالم الإسلامي.

"وما طرحته أعلاه يشكل سلما مريحا لمن يرغب بالصعود نحو السلام. لكن وجود حكومة غير مستقرة في إسرائيل ومجتمع فلسطيني متشرذم وصراع داخلي في لبنان وإدارة أميركية غارقة في العراق والانتخابات القريبة للرئاسة الأميركية- كل هذه تصعب من تحقيق انطلاقة سياسية. إلا أن الانجازات السياسية بين إسرائيل وجيرانها في الماضي تم تحقيق بعضها على الأقل في فترات انتقالية وفي فترات سادتها أزمات".

 

"قريبون من حرب مع سورية أكثر مما في 2002"!

 

 

وركز البروفيسور إيال زيسر، من جامعة تل أبيب والخبير في الشؤون السورية واللبنانية، في مداخلته على سورية ولبنان فيما يتعلق بالمبادرة العربية. وقال إن ما كان بالإمكان عمله مع سورية بعد طرح المبادرة في قمة بيروت في العام 2002 أصبح اليوم أصعب. "فاليوم نحن قريبون من حرب مع سورية أكثر مما كنا في العام 2002. وعندما صادقت القمة العربية (في الرياض) على مبادرة السلام العربية لم تواجه معارضة سورية لكنها لم تواجه حماسا سوريا كبيرا أيضا. من جهة ثانية فإن توجه سورية لمفاوضات مع إسرائيل هو توجه ينطوي على قوة وهو توجه لا مكان فيه للغة دبلوماسية مؤدبة".

وقال زيسر إن سورية بلورت خلال سنوات التسعين من القرن الماضي "رؤية تقول إن التوصل لسلام مع إسرائيل هو مصلحة سورية ويمكن الحديث حول هذا الموضوع ويمكن أيضا تطبيقه. وفكرة التوصل لاتفاق مع إسرائيل أصبحت تتغلغل لدى السوريين. في العام 1994 عندما تم عقد لقاء قمة بين الرئيسين السوري حافظ الأسد والأميركي بيل كلينتون أعلن الأسد أنه مستعد لإجراء مفاوضات مع إسرائيل. من جهة أخرى فإن السوريين لا يثقون بالعرب، لا بالسعوديين ولا بالمصريين ولا بالأردنيين".

 

وأضاف زيسر أنه بالنسبة للبنان "إذا كان هناك إجماع على شيء فهو المعارضة لتوطين اللاجئين. كذلك فإن وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو الأقسى. وخلال سنوات التسعين جعل أكثر من متحدث إسرائيلي الفلسطينيين يفهمون بأن إسرائيل ستكون مستعدة لاستيعاب قسم من اللاجئين، وحتى أني سمعت رئيسا سابقا لجهاز الشاباك يقول إنه يمكن استيعاب قسم من هؤلاء اللاجئين". ورأى زيسر أن انفصال لبنان عن سورية سيساعد لبنان في هذا السياق، خصوصا إذا توجه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة إلى بوش أو إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأوضح لهما بأن إبقاء الفلسطينيين في لبنان يعني هدم كل ما حدث بعد انسحاب سورية من لبنان.

 

في 15 آب المقبل يبدأ العد التنازلي لاحتمال نشوب حرب

 

 

من جهة أخرى اعتبر زيسر أنه في 15 آب المقبل يبدأ العد التنازلي لاحتمال نشوب حرب، إذ عندها سيمر عام على خطاب الأسد الذي قال فيه إن حزب الله انتصر على إسرائيل. "وبحسب الرئيس السوري فإنه يريد السلام، لكن إسرائيل ليست معنية بالسلام، ولهذا فإنه سيدرس بدائل أخرى لاستعادة الجولان. هذا لا يعني أن بشار الأسد سيشن حربا لكن علينا التعامل بجدية مع زعيم يتسلق شجرة عالية ولذلك فإن الأجواء هنا مختلفة عما كانت عليه من قبل".

 

من جهة أخرى قال زيسر إن المشكلة مع سورية ليست فقط وجود حكومة ضعيفة في إسرائيل، فأي حكومة إسرائيلية تتوجه لمفاوضات مع سورية ستواجه بمشاكل داخل إسرائيل. ثمة مشكلة في تسويق مفاوضات مع سورية في إسرائيل. لكن الغطاء العربي يمكنه المساعدة هنا لأنه يمكنه منح إسرائيل ما لا يمكن أن تمنحه سورية لإسرائيل. من جهة أخرى فإن "الأميركيين ليسوا متحمسين، وهم ليسوا ضد المفاوضات. إذن كيف يمكن أن تجري إسرائيل مفاوضات لا يتحمس الأميركيون لها؟ يمكن أن يتم ذلك من خلال غلاف عربي، أي من خلال مبادرة السلام العربية. وثمة أهمية لمفاوضات مع سورية كونها أيضا بوابة إيران للشرق الأوسط".

 

"موافقة حماس على المبادرة العربية هو بحد ذاته أمر إيجابي"

 

ورأى يوحنان تسوريف، المحاضر في جامعة بار إيلان والمركز المتعدد المجالات في هرتسليا، أن "الحلبة الفلسطينية هي السبب المركزي في طرح المبادرة العربية من جديد. وأعتقد أن هجرة الشبان الفلسطينيين للخارج بسبب الاقتتال الفلسطيني الداخلي كانت أحد الأسباب التي سرعت إطلاق المبادرة العربية ويبدو لي أن أقوال أولمرت وليفني خلال السنة الأخيرة حول المبادرة العربية ساهمت في تسريع إطلاقها من جديد أيضا".

 

وقال تسوريف إنه واضح أن الفلسطينيين يعون أكثر من غيرهم معارضة إسرائيل لحق العودة للاجئين الفلسطينيين. من جهة أخرى اعتبر أن "موافقة حماس على المبادرة العربية هو بحد ذاته أمر إيجابي، وربما هذه الحركة ستمر بتطوّر مشابه للذي مرت به حركة فتح، التي استجابت لإملاءات الواقع واضطرت لتغيير العديد من مواقفها ودخلت مسارا سياسيا من خلال التوقيع على اتفاقيات أوسلو".

وأشار إلى أن "ثمة رغبة قوية لدى حماس بالانخراط في الإجماع العربي لكنها تخشى من الثمن الكبير الذي ستطالب أن تدفعه. كذلك فإن هناك ضغوطا هائلة على حماس لتصبح أكثر اعتدالا والانخراط في الواقع. وحماس مطالبة بإجراء حساباتها بعد إطلاق المبادرة العربية". ورأى تسوريف أن "حماس تنازلت لفتح في اتفاق مكة أكثر مما تنازلت فتح لحماس. كما وافقت حماس على المبادرة العربية بحذر يرافقه قلق، الحذر لأنها توافق على مضمون المبادرة العلنية والقلق من تقويض المبادرة". واعتبر أن الموقف الإسرائيلي واضح ومنسق مع السعودية وغيرها من الدول العربية ويدحرج الكرة إلى الحلبة الفلسطينية لأنها هي المهمة، ولذلك تمارس الضغوط على حماس.

 

 

الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني غير قابل للحل في هذه المرحلة

 

 

واعتبر الدكتور كوبي ميخائيل، المحاضر في الجامعة العبرية والباحث في "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية"، أن "من بادر للمبادرة العربية يعتبر أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قابل للحل وأنا أعتقد أن هذا الصراع وعلى الأقل في هذه المرحلة غير قابل للحل. وإذا وافقنا على فرضية أن الصراع غير قابل للحل فإن الشريك المريح لإسرائيل هو بالذات حماس وليس عباس (الرئيس الفلسطيني محمود عباس). لحماس مريح التوصل لاتفاقات محدودة مع إسرائيل من دون الاعتراف بإسرائيل بشكل صريح والحفاظ على الشعلة الأيديولوجية. وعندما أعود للمبادرة العربية أتساءل: هل المبادرة وصائغوها يرون العالم العربي المعتدل القادر على تحمل المسؤولية باسم الشعب الفلسطيني. لأنه إذا كانت هذه هي الفرضية فإنه سيكون لإسرائيل مصلحة ما أو حافز للتقدم مع هذه المبادرة. وإذا كانت الدول المعتدلة قادرة على تحمل المسؤولية فإنها قادرة أيضا على فرض تسوية على الفلسطينيين وفي هذا تجديد.

"وأنا مقتنع بأن هذا الحافز موجود، ولكن هذه المسألة تصبح إشكالية أكثر عندما نرى الصراع الدائر بين حماس وفتح وبين رئيس السلطة الفلسطينية في غزة، وأنا أشكك كثيرا بالعالم العربي حتى لو أراد فرض تسوية ما على الفلسطينيين لأني أشعر بأن الفلسطينيين، باسم المصلحة الفلسطينية، لا يمكنهم فرض ذلك على أنفسهم. ولذلك فإني أعتقد أن احتمال تحقيق ذلك محدود".

وحول احتمال دخول إسرائيل للمبادرة العربية قال ميخائيل إن "المبادرة العربية هي معادلة مريحة لدولة إسرائيل، لأنها تتيح لها إجراء محادثات مع حماس من دون أن تعترف بحماس بشكل رسمي. وأعتقد أن التحادث مع حماس من منطلق فرضية أن الصراع غير قابل للحل هو مصلحة إسرائيلية. وفي الوقت ذاته فإن هذه المبادرة تزوّد معادلة مريحة لحماس للتفاوض مع إسرائيل من دون الاعتراف بها، من دون منح إسرائيل الشرعية والاعتراف الرسمي. ومن هذه الناحية فإن المبادرة تخدم مصلحة الطرفين".

وخلص ميخائيل إلى القول إن "على إسرائيل ألا تقول لا للمبادرة بل أن تطالب بضمانات دولية والعمل على إنتاج مؤشرات وتطبيقها كشرط للتقدم، خصوصا على ضوء دروس أوسلو".