وثائق وتقارير

إعداد: مركز "مدار"

  اهتزت قاعة اجتماعات لجنة الداخلية وحماية البيئة التابعة للكنيست، قبل فترة وجيزة، على وقع دوي صوت وزير جودة البيئة، جدعون عزرا، الذي تملكه الغضب على ممثلي منظمات "الخضر" الذين طلبوا منه إشراكهم في المفاوضات التي تجريها وزارته مع ممثلي الصناعات الكيميائية في "رمات حوفيف" حول إيجاد حل للمشكلات البيئية في المنطقة.

وقال الوزير عزرا إنه لا يحق لممثلي منظمات حماية البيئة التدخل في شؤون عمله وأنه "ليس مديناً لهم بشيء"، لكنه لانَ قليلاً في نهاية جلسة اللجنة البرلمانية ووافق على السماح لهم بمقابلة مسؤولين في وزارته والحصول على تقرير حول الخطط والحلول المتعلقة بـ "رمات حوفيف"، شرط عدم تدخلهم في صياغة الاتفاق الذي وقع في نهاية المطاف في منتصف شهر كانون الأول 2006.

 

مشهد الغضب الذي انتاب الوزير عزرا يعكس حجم الضغوط والمصاعب التي تواجهها مؤخراً وزارة جودة البيئة، فالوزارة تتعرّض من جهة لانتقادات من جانب حلفائها التقليديين، أي منظمات "الخضر"، وتواجه من جهة أخرى صعوبات، بسبب الموازنة العامة الجديدة، في إخراج خطط أساسية لحماية البيئة إلى حيز التنفيذ.

 

انتقادات "الخضر" موجهة لخطط الوزارة، التي تعطي أفضلية، حسب رأيهم، لحلول جانبية إشكالية من ناحية بيئية، بدلاً من معالجة مصدر التلوث أو الأذى. وترى هذه المنظمات أن هذا الوضع ينسحب على قضية وادي كيشون (قرب حيفا) التي تبدي فيها الوزارة استعداداً للسماح لمصانع المنطقة بتصريف المياه العادمة إلى البحر، بدلاً من الإصرار على قيام هذه المصانع بتحسين جودة المياه العادمة بشكل يتيح تصريفها إلى الوادي دون المس بعمليات تأهيله الجارية.

 

مثال آخر، دعم الوزارة لخطة إتحاد مدن منطقة دان (تل أبيب الكبرى أو ما يعرف بمنطقة "الشارون") المتعلقة بشبكة المجاري وإحراق مستنقع الوحل المتكون هناك في نطاق عملية تنقية المياه العادمة لمنطقة "غوش دان". فهذه الطريقة تؤدي عملياً إلى تكون قناة مُلوَّثَة أخرى وفي هذه الحالة ملوثة للجو.

 

آخر الانتقادات الموجهة من قبل منظمات الخضر، تتمحور حول حملات التنظيف المختلفة التي نظمتها ومولتها الوزارة خلال الأشهر الماضية. فقبل عدة أسابيع حملت بشدة ألونا كارو- شيفر، المديرة العامة لمنظمة "حاييم فسفيفا" [الحياة والبيئة]- وهي المنظمة التي تنضوي في إطارها سائر منظمات الخضر في إسرائيل- على عمليات التنظيف التي تقوم بها الوزارة، وذلك في مؤتمر صحافي عَرَضَ خلاله ممثلو المنظمة تقريراً تناول ميزانية الدولة والسياسة البيئية في إسرائيل. وقالت كارو- شيفر إن "وظيفة وزارة جودة البيئة ليست جمع القمامة وتنظيم حملات دعائية". وأردفت "يتعيّن على الوزارة مواجهة ومعالجة المشكلات الأساسية ومن ضمنها استحداث النفايات".

 

 تحديات مثيرة وميزانية هزيلة!

 إزاء إدعاءات منظمات الخضر يستعرض الوزير جدعون عزرا سلسلة من النشاطات والتدابير التي تقوم بها وزارته لمعالجة مشكلات استحداث النفايات وغيرها، وقال "أنا مستعد لسماع النقد وقبول أية اقتراحات. ليتفضل الخضر ويقترحوا علينا الطرق التي يفكرون بها لمعالجة المشاكل". وأضاف أن وزارته تسعى إلى دفع عدة مبادرات تشريعية تتيح استحداث الإطارات المطاطية وتُوَسِّعُ نطاق جمع عبوات المشروبات، كذلك تسعى الوزارة لسن قانون يعالج جمع واستحداث كل أنواع مغلفات السلع من أسطوانات وعبوات وعلب كرتون وخلافه.

 

واستطرد عزرا مشيراً إلى أن وزارته تسعى أيضاً من أجل "تحويل المحاجر إلى أماكن لتجميع وسحق مخلفات البناء لأغراض الاستحداث". وأضاف أن الوزارة تدرس إجراء آخر يتمثل في فرض رسوم على دفن النفايات تتم جبايتها في مدخل أماكن تجميع النفايات وتستغل كحافز لعمليات الاستحداث.

 

وحول انتقاد "الخضر" لحملات التنظيف، عقب مساعد مدير عام وزارة جودة البيئة، غاي سامت، على ذلك بقوله: إن هذه الحملات لا تشكل جزءاً ذي بال من ميزانية الوزارة. وأضاف موضحاً "حملة تنظيف بحيرة طبريا خُصِّصَ لها مبلغ 5ر3 مليون شيكل، ونحن نعتقد أن هذا النشاط هو أحد وظائف الوزارة".

 

وفيما يتعلق بمعالجة بعض المشكلات البيئية مثل وادي كيشون، يبدو أن وزير البيئة نفسه (جدعون عزرا) غير متيقن تماماً من الاتجاه الذي يتعين على وزارته السير فيه. فهناك إمكانيات وحلول عديدة تتخبط الوزارة في لجتها، علماً أن هذه الوزارة مُطالبة بمواجهة كل المصاعب والمشكلات الماثلة أمامها من خلال ميزانية هزيلة لا تشكل سوى نحو 06ر0% من الميزانية الإجمالية للدولة. وزيادة على ذلك فقد أكد "الخضر" في مؤتمرهم الصحافي على أنه "حتى الميزانيات الهزيلة التي تتلقاها الوزارة في السنوات الأخيرة لا تُستغل بصورة كاملة". وطبقاً للمعطيات التي أوردها ممثلو "منظمات الخضر" فقد أُستغلت خلال عامي 2004 و 2005 ما نسبته فقط 54% من موازنة أنشطة الوزارة.

 

ومن المنتظر أن يطرأ في العام المقبل (2007) انخفاض حاد في ميزانية قسم المواد الخطرة، والمخصصة للمراقبة والإشراف على المواد الخطرة ومعالجة حوادث ممكنة لها علاقة بمثل هذه المواد. كذلك من المتوقع أن يطرأ انخفاض حاد في ميزانية جهاز مراقبة الجو القطري، وهو الوسيلة التي تستخدمها وزارة البيئة لتقدير خطورة مشكلات جودة الهواء في إسرائيل.

 

أما ميزانية وحدة ترخيص مشاريع الأعمال (كالمصانع والمعامل والورش...الخ) فتبلغ حسبما ورد في كتاب ميزانية العام المقبل، 150 ألف شيكل فقط، علماً أن هذه الوحدة، التي تتولى إعداد الشروط لترخيص الأعمال، تعتبر الأداة الرئيسة في يد وزارة جودة البيئة التي يمكن بواسطتها إلزام مشاريع العمل بالتقيد بالمتطلبات البيئية.

 

وزير جودة البيئة جدعون عزرا أوضح أن الميزانية الإجمالية لوزارته تصل هذا العام إلى 260 مليون شيكل، وهذا بعدما وافق رئيس الحكومة ووزير المالية على طلبه بإلغاء خطط لتقليص ميزانية الوزارة، البائسة أصلاً.

 

مهام وبنود ملحة دون موارد كافية

 

وبحسب تفصيل مصادر مسؤولة في وزارة جودة البيئة فإن المبلغ الذي وضع تحت تصرف الوزارة لصالح تطبيق القوانين والمعايير البيئية لا يتجاوز 5 ملايين شيكل منها مليونا شيكل مخصصة لصندوق من أجل الرفق بالحيوان. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن إحدى المهام المركزية أمام الوزارة هي معالجة نفايات البناء، إلاّ أن هناك أيضاً حاجة لميزانية تبلغ 100 مليون شيكل من أجل البُنى التحتية وتطبيق القوانين والنظافة. هناك أيضاً مهمة أخرى وهي إعادة تأهيل وادي حارود وهذا يحتاج إلى ميزانية إضافية غير متوفرة بقيمة 20 مليون شيكل. كذلك تحتاج الوزارة لميزانية إضافية بقيمة 15 مليون شيكل لتمويل الإجراءات والتدابير اللازمة لمنع تلوث الجو، علماً أن الميزانية المتوفرة المخصصة لهذا البند لا تتعدى 9 ملايين شيكل.

 

"تعاون مخابراتي"...

 

ليس مفاجئاً أن الوزير عزرا يحاول في ظل هذا الوضع الاعتماد على مساعدة وتعاون الجمهور أو نصائح خبراء خارجيين. وقد شكل عزرا لجنة خبراء لفحص مشاكل تلوث الجو في خليج حيفا وعلاقتها بتفشي الأوبئة، كما أعلن الوزير عزرا مؤخراً عن إقامة لجنة عامة لدراسة عبر الحرب الأخيرة على لبنان فيما يتعلق بمعالجة المواد الخطرة. ويتطلع الوزير عزرا إلى تطوير جهاز "إخبار جماهيري" يتلقى شكاوى من أفراد الجمهور عن مخالفات بيئية، بالإضافة إلى إقامة وحدة متطوعين لتطبيق قوانين البيئة وذلك في نطاق "الحرس المدني". وعلى رأيه فإن مثل هذه الخطوات من شأنها أن تسهل مهمة مفتشي وزارته البالغ عددهم 27 مفتشاً يفترض بهم تغطية كل مساحة الدولة.

 

عقب لقاء عقده مؤخراً وزير جودة البيئة (جدعون عزرا) مع وزير الأمن الداخلي، آفي ديختر، أعلن الوزيران اللذان يجمعهما ماضٍ مشترك من الخدمة في جهاز الأمن العامة (الشاباك)، عزم وزارتيهما على شن "حرب لا هوادة فيها ضد ظاهرة إلقاء مخلفات البناء". كما أعلن الوزيران اعتزامهما التصدي لظاهرة استخدام العنف الآخذة بالاتساع ضد مُفتشي سلطة حماية الطبيعة والحدائق، وأنهما سيفرضان حظراً على سير المركبات ووسائط النقل على شواطئ البلاد، بالإضافة إلى تطبيق قانون منع الضجة والإزعاج وذلك بواسطة أمر خاص أعدته وزارة جودة البيئة يمكّن أفراد الشرطة من معالجة الشكاوى بسرعة أكبر.

 

ولكن السؤال المهم: من أين ستأتي الموارد المادية والبشرية اللازمة لشن مثل هذه "الحرب" ضد المخالفات والانتهاكات البيئية، وكيف ستكون نتائجها؟!

 

رحلة من المجاري إلى المجاري

 

"قبل سنوات طوال، وعندما كنت حَدَثاً في حركة "هشومير هتسعير"، كانت إحدى النزهات المحببة لدي هي "رحلة من البحر إلى البحر"، وهي رحلة يعرفها جيداً أعضاء حركات الشبيبة الأخرى في الماضي والحاضر، يجول المشاركون فيها مناطق طبيعية خلابة في الجليل، تمتد من البحر الأبيض المتوسط وحتى بحيرة طبريا. كانت نقطة السقوط الوحيدة في هذه الرحلة هي المناظر المؤذية لوادي عامود الذي تدفقت فيه مياه المجاري القذرة لمدينة صفد. وبمرور السنوات حُلَّت مشاكل مياه المجاري في وادي عامود، لكن الشعور بأن دولة إسرائيل بدأت تتحول أيضاً إلى دولة منظمة تحمي كنوزها الطبيعية، لم يدم طويلاً. ففي السنوات الأخيرة، وخاصة في الآونة الأخيرة، تحولت العديد من الوديان والينابيع في الجليل، إلى قنوات تتدفق فيها مياه المجاري"- هذا ما يقوله تسفرير رينات، مراسل صحيفة "هآرتس" لشؤون البيئة.

 

ويضيف: لقد بات اليوم قرابة خُمسْ مياه الشرب في منطقة الجليل الغربي عرضة لخطر تلوث حقيقي. في الصيف المقبل ستضطر شركة المياه الإسرائيلية ("مكوروت")، على الأرجح، لجلب المياه من مناطق واقعة جنوب الجليل، بغية توفير مياه الشرب لسكان المنطقة. جميع الكائنات الحية التي تعيش في وديان المنطقة نَفَقَتْ بسبب التلوث، بالإضافة إلى ذلك فقد أبدى موظفو سلطة الطبيعة والحدائق العامة قلقهم الشديد على مصير أشجار الدلبيات، المميزة بجمالها، الموجودة في وادي الزيب.

 

الحديث لا يدور هنا عن تلوث مفاجئ، وإنما عن أزمة مزمنة تعاني منها سلطات محلية لم تنجح في معالجة المياه العادمة والسيول المتكونة في مناطقها، لعدم توفر الميزانيات اللازمة. بالإضافة إلى ذلك فإن مخلفات المناطق الصناعية المقامة في محيط بلدات عربية ويهودية في الشمال أدت بدورها إلى تلويث مصادر مائية أخرى في الجليل.

 

الوزارات والدوائر الحكومية تقوم ظاهرياً باتخاذ الإجراءات والتدابير المطلوبة، كدراسة مشكلات التلوث وإقامة شبكات ملائمة للصرف الصحي والمجاري وخلافه، بيد أن خطورة الأزمة وديمومتها يدلان على عدم كفاية هذه الخطوات وأن هناك حاجة لحزم أكبر وتدخل أعمق في شؤون السلطات المحلية فيما يخص هذه المشكلة.

 

وزارات البُنى التحتية والمالية والداخلية تمتلك اليوم الوسائل والخطط الكفيلة بجعل السلطات المحلية لا تهدر الأموال التي يدفعها السكان لصالح معالجة مشاكل المياه والمجاري، على احتياجات أخرى. وهناك على سبيل المثال إمكانية لإقامة اتحادات إقليمية تتولى بشكل مباشر جباية الرسوم لصالح المياه والمجاري وتفعيل البُنى التحتية الملائمة.

 

كذلك هناك خطط، في جزء من الأماكن التي يوجد فيها اليوم تلوث بيئي، لربط شبكة المجاري بمنشآت تطهير مركزية لن يكون تشغيلها خاضعاً لتلك السلطات المحلية الإشكالية. إن التنفيذ السريع لهذه الخطط هو الكفيل بإنقاذ الطبيعة من آلام التلوث.

 

في الشهر المقبل ستباشر عملها سلطة مياه حكومية، ستحل مكان مصلحة المياه، وستناط بها صلاحيات عديدة. أحد العوامل الرئيسة التي وقفت حتى الآن وراء عدم النجاعة في معالجة مشاكل المياه تمثل في كثرة الوزارات والدوائر المكلفة بمعالجة هذا الموضوع. جهة تسمح وتقيس فوق سطح الأرض وجهة أخرى تقوم بذلك تحت سطح الأرض... هيئة تعالج البُنى التحتية وأخرى تعالج رؤساء السلطات المحلية!!

 

إذا لم تنجح السلطة الجديدة في بلورة سياسة أكثر نجاعة وفي التنسيق بين السلطات المختلفة، ستبقى إسرائيل غارقة في التلوث، وستذهب الميزانيات الضخمة التي استثمرت في شبكات المياه والمجاري هدراً في مجاري الوديان والينابيع.

 

[بتصرّف عن وسائل الإعلام الإسرائيلية]