العملية العسكرية الواسعة في القطاع حتمية إذا لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار

وثائق وتقارير

رغم أنّ كل من خدم وغاص في مياه نهر "المقطع" (كيشون) وميناء حيفا "مرشح للإصابة بالسرطان" كشف تحقيق إسرائيلي جديد أنّ تدريبات الجيش مستمرة على الأقل في مياه ميناء حيفا!

كتب فراس خطيب:

 اقترح أحد أفراد الكوماندو الإسرائيلي سابقًا تفجير مصانع كيماويات في خليج حيفا على أثر مماطلات السلطات الإسرائيلية للاعتراف بإصاباتهم بأمراض خطيرة ومميتة جراء تدريبات أجروها في مياه نهر تسكب هذه المصانع نفاياتها السامة والمشعة فيه.

 

 

وكانت لجنة "شمغار" الإسرائيلية قد تقصت حقائق أكبر فضائح الجيش الإسرائيلي، بعد أن أصيب عشرات المقاتلين من سلاح البحرية الإسرائيلي ووحدات "الكوماندو" النخبوية الإسرائيلية بمرض السرطان نتيجة تدريبات غوص أجرتها وحدات الكوماندو على مدار 30 عامًا مضت في مياه نهر "المقطع" (المعروف بـ "كيشون") وميناء حيفا .

 

وكشف برنامج التحقيقات الإسرائيلي "مباط شيني" (نظرة ثانية)، الذي تبثه القناة التلفزيونية الإسرائيلية الرسمية، عن أنَّ هذا الغوص لا يزال مستمرًا، ويستمر الجنود الإسرائيليون بالتدرب في مياه النهر وميناء حيفا، في وقت تتدفق إلى النهر مواد كيماوية، مشعة وسامة، من ستة مصانع للكيماويات تحيط النهر وتقع كلها عند خليج حيفا .

 

في طريقه لإثبات هذه الحقيقة كشف البرنامج عن أنَّ هناك، بين أفراد الكوماندو الإسرائيلي ووحدات النخبة، من أصيبوا بأنواع غريبة من أمراض السرطان في وقت لا تعتبرهم وزارة الدفاع "معاقي جيش". ولا يزال جزء كبير منهم يطلب مساعدة الوزارة لإتمام العلاج، ولا ينالها. هناك من ينتقد قيادة الجيش، مشيرًا إلى أنَّ حرب لبنان الثانية كانت علامة على أنَّ "الجنود لا يثقون بقادتهم والقادة لا يثقون بأحد، ولذا تركوا جنودهم وجلسوا إلى جانب شاشات البلازما".  

لم تقر لجنة "شمغار"، التي قدمت توصياتها الاولية قبل ست سنوات والنهائية قبل ثلاث سنوات، بشكل واضح أنَّ إصابات السرطان لها علاقة مباشرة مع الغوص، مبينة أنَّ لا توجد "إثباتات إحصائية"، لكنَّها أوضحت بشكل قاطع بأنَّ "الضمير يعترف" بذلك، وأمرت بـ "إيقاف الغوص" في نهر "المقطع" وميناء حيفا.

وانتقدت لجنة "شمغار" بشدة قادة سلاح البحرية الإسرائيلي حول معاييرهم "قليلة المسؤولية والمنطق"، مشددة على أنَّهم تصرفوا بـ "ثقة زائدة بالنفس". وأوضحت ان إرسال جنود للتدريبات في مياه "المقطع" يشبه إلى حد كبير تعريضهم لرصاص حي في اليابسة. وأمرت اللجنة بـ "تنظيف النهر كليًا من النفايات"، وهو ما لم يتم حتى الآن.

ولكن هذه التوصيات لم تردع وزارة الدفاع، وفي ردٍ على التحقيق اعترف الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، بأنَّ "الجنود لا يتدربون في "المقطع" (كيشون)"، لكنّه أوضح أنَّ "التدريبات تجددت في ميناء حيفا، والجيش يقوم بمتابعة المقاتلين طبيًا". وفي كشف آخر تبين أنَّ المتابعة الطبية لا تجري للجميع، وهناك من المسؤولين الطبيين من "تفاجأ" من رد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي حول تجدد الغوص في مياه ميناء حيفا التي تعاني من كميات كبيرة من التلوث.

 

ويؤكد مدير جمعية "أناس الصمت"، التي تقود احتجاج مرضى السرطان، أنَّ "هناك من الجنود من أصيب بالسرطان في هذه الآونة تحديدًا وأثناء خدمته في الجيش، ولكنَّ الجيش مستمر بالغوص".

 

مقتل المئات

 

 

استنادًا إلى قائد حركة احتجاج افراد الكوماندو السابقين والمصابين بالسرطان، يوفال تمير، فقد أصيب بالسرطان ما يقارب الـ 200 عنصر كوماندو من وحدات النخبة، مات منهم على امتداد السنوات ما يقارب 150 عنصرًا. ويزداد هذا العدد سنويًا. بالمقابل، يكشف التحقيق عن أنَّ وزارة الدفاع لم تعترف بالمسؤولية الكاملة عن كل الإصابات ولا تعترف بمن أصيبوا بالسرطان قبل العام 1975، في وقت يعاني مرضى آخرون، حسب التحقيق، من مشكلة أخرى، وهي "نوم الملف"، وهذا يعني أنًّ من لم يقدم طلبًا خلال فترة محددة (ثلاث سنوات من يوم تحريره من الجيش بحسب وزارة الدفاع) يفقد حقه في نيل التعويضات علمًا بأنَّ السرطان أصاب غالبيتهم بعد وقت طويل يفوق الثلاث سنوات .

 

تبين أيضا أنّ الجيش الإسرائيلي لا يلتزم بقرارات لجنة "شمغار"، ولا يزال يجري تدريبات في نهر "المقطع" (كيشون) وميناء حيفا، مستندًا في هذا الى "مواصفات مؤقتة" أقرتها لجنة مشتركة منبثقة عن وزارات إسرائيلية عديدة من اجل تطبيق توصيات "شمغار". إلا أنَّ برنامج التحقيقات أقرَّ بشكل واضح بأنَّ ملف "شمغار" لم يتحدث عن أية "مواصفات مؤقتة"، مبينًا أنَّ لجنة شمغار شبهَّت التدريب في نهر المقطع، بمن يتدرب في وجه رصاص حي.

تدرب في مياه نهر "المقطع"، ما يقارب الـ 1046 جنديًا إسرائيليًا من الكوماندو البحري. غالبيتهم قضوا أكثر من 2400 ساعة تحت الماء وتعرضوا للمياه السامة. أصيب المئات منهم بالسرطان بينما تختفي المعطيات الصحيحة حوا آثار تدريبات هذه الأيام في وقت لا يعترف فيه الجيش بأنَّه يجري التدريبات .

إلا أنَّ وزارة الدفاع ما زالت مصممة تصميمًا قويًا على الغوص هناك من دون أن تقدم الأسباب والدوافع لهذا، وما الذي يربط وزارة الدفاع بنهر ملوث لم يأت إلا بالفضائح للجيش الإسرائيلي على الرغم من أنَّ هناك أنهرًا كثيرة في إسرائيل. ويصف عنصر كوماندو إسرائيلي سابق الغوص في النهر بـ "الموت والسواد" مبينًا أنّ "لا شيء يعيش هناك والرؤية مسدودة".

 

 

"يجب أن نفجّر أحد المصانع"

 

يتناول التقرير القضية عن طريق استعراض رواية الضابط الإسرائيلي السابق في "الكوماندو" البحري، روني كيرن، وهو "واحد من أبرز مقاتلي الكوماندو البحري- شييطت". خدم كيرن في الوحدة ما يقارب الـ 30 عامًا، تشمل بالإضافة إلى السنوات الإجبارية للخدمة العسكرية، ألف يوم من خدمة الاحتياط. أصيب قبل ثلاثة أشهر بالسرطان ولحق بالعشرات من رفاقه الذين أصيبوا هم أيضًا بنفس المرض. اتجه كيرن بعد هذه الإصابة إلى وزارة الدفاع في العشرين من تشرين الثاني من العام الماضي طالبًا المساعدة لإتمام العلاج، إلا أنََّ وزارة الدفاع الإسرائيلية طلبت منه "مستندات تثبت بأنَّه خدم في هذه الوحدة" (على الرغم من أنَّها المرجع لهذه القضايا).

تلقى كيرن بعد شهرين من تقديمه الطلب مكالمة هاتفية من وزارة الدفاع الإسرائيلية أبلغوه من خلالها أنَّ المقاتلين الذين خدموا بعد العام 1975 هم فقط من يستحق التعويضات. عندها اتصل كيرن بأحد قادة الجيش في البحرية لإعلامه بهذه المعلومة .

وقال كيرن إنَّ مقاتلي وحدة الكوماندو "قدموا الكثير للدولة" مبينًا أنَّ "ما قدمَّوه لا يقاس بشيء"، مشيرًا الى أنَّهم ضحّوا "بحياتهم والآن يضحون بمستقبلهم".

من على سريره في المستشفى اقترح كيرن أمام الشاشة بأن يقوم مقاتلو الكوماندو القدماء، بـ "تفجير" أحد المصانع لإحداث ضجة في إسرائيل، مبينًا أنَّ هذه الفكرة "راودته منذ زمن" وأنَّ "القضية لا تحتاج إلى أكثر من كيلو ونصف الكيلو من المتفجرات".

 

العودة إلى لبنان!

 

يستعرض التقرير أيضًا قصة الضابط الإسرائيلي السابق في الكوماندو البحري يوفال تمير. عمره 49 عامًا. كان القائد الأعلى لمدرسة سلاح البحرية للغوص العميق. أصيب أثناء خدمته في احتياط الجيش الإسرائيلي، بـ "عدة أنوع من السرطان". فقد أصيب تمير بسرطان الأمعاء الغليظة، ومن بعدها بسرطان الجلد من "النوع القوي" كما أسماه. وعانى من ورم خبيث في الرأس، وقام الأطباء ببتر الكثير من الأعضاء من جسده نتيجة تفشي هذه الأمراض، وقال للتلفزيون: "صحيح أني أبدو قويًا وصامدًا، لكني محطم من الداخل". منذ أن أصيب بهذه الأمراض، وهو يقود احتجاج "المقاتلين القدماْء" أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية.

ويقول: لقد أثبتنا في ملف "شمغار" أنه في العام 1984، قام د. يسرائيل طرايبر، الذي أشغل منصب الطبيب الرئيسي لسلاح البحرية، بالتأكيد أن من يسبح في مياه "المقطع- كيشون" حيفا لن يصاب فقط بالسرطان إنَّما عدّد قائمة طويلة من الأمراض، مبينًا أنَّ هذه المعطيات وصلت إلى عامي أيالون (قائد سلاح البحرية)، مضيفًا أن عامي أيالون أعطى هذه المستندات لقائد الكوماندو وأمره بـ "رميها في سلة المهملات".

ويصف تمير أنه في اليوم الذي اكتشفوا عنده السرطان، استدعاه الجيش الإسرائيلي ليقود وحدة احتياط، فأخبرهم بأنَّه لن يستطيع الوصول إلى المعسكر لأنه سيتلقى العلاج الكيماوي، سألوه عن السبب فأوضح لهم بأنه أصيب بالسرطان. وقال تمير عن ذلك اليوم: "في نفس اليوم، بعثوا لي بطبيبين إلى المستشفى ووقعت على ورقة ورموني في نفس اليوم من الجيش".

ويفتح تمير قلبه للشاشة، مبينًا أنَّ قائد الجيش الذي لم يكن إلى جانب جنوده في الحرب على لبنان وتركهم ليجلس قبالة البلازما، فإن السبب لذلك يعود لعدم اقتناع هذا الضابط بما يفعل وهو يعلم أيضًا ان قادته الأعلى منه تحولوا منذ زمن ليكونوا سياسيين، ومبينًا كذلك أن هذا ما "حصل لقادة سلاح البحرية الذين جلسوا قبالة لجنة شمغار وكذبوا من اجل إبعادنا عنهم"، منوهًا بأنَّ "الجيش لا يقيم حفلا لإحياء ذكرى المقاتلين في نهر المقطع".

كما يبدو من البرنامج أن القضية لا تقتصر فقط على من أصيبوا إنما أيضًا على "من ينتظرون الإصابة". وتشير المعطيات الطبية إلى أنّ كل من خدم وغاص في مياه "المقطع" (كيشون) وميناء حيفا "مرشح للإصابة بالسرطان"، وعلى الرغم من هذا لا تزال التدريبات مستمرة على الأقل في مياه ميناء حيفا.

ويسترجع المقاتلون القدماء تعامل الوحدات الطبية معهم، مبينين أن الجيش الإسرائيلي دفعهم لـ "الغوض في مياه الوقود"، مضيفين أن الأوامر التي تلقوها تنتقل من جيل إلى آخر، واصفين "كيف كانت كميات الوقود تتغلغل إلى الجسد".

ويؤكد كل الاختصاصيين الذين تمّت مقابلتهم للبرنامج على أنّ المواد الموجودة في النهر والميناء، تخترق الجسد وتتغلغل في الجهاز الدموي.

ويجري الحديث عن ستة مصانع رئيسية يسيل منها "كوكتيل" من المواد السامة والمشعة من مصانع تكرير البترول والغاز وتصنيع الأسمدة الكيماوية والوقود .

لا احد يعرف حتى الآن ما هو سر الغوص والتمسك بنهر "المقطع" على أنّه الأمثل للغوص. وقال جندي إسرائيلي ممن غاصوا في النهر إن "الظروف صعبة للغاية في مياه النهر، لا نرى شيئًا سوى السواد، لا أحد يرى شيئًا، والمياه ثقيلة للغاية". وقال متشائمًا "إسرائيل حتى الآن لم تنه حروبها ونحن ما زلنا ندفع الثمن".

 

فحص آخر

 

يصل طول نهر "المقطع" (كيشون) إلى أكثر من 70 كيلومترًا، وهو يمتد من جنين في الضفة الغربية، عن طريق مرج بن عامر ويمرّ في شمال حيفا وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط.

 

وقد قام برنامج "نظرة ثانية" بفحص جديد لمياه "المقطع"، وتبين أنَّها لا تزال ملوثة وتشتمل على مواد سامة للغاية.