* أربع كتل ائتلافية تشكل غالبية برلمانية ليست معنية إلى الآن بانتخابات جديدة مبكرّة لا تضمن قوتها الحالية، والكتلة الخامسة هي مجرّد إضافة لن يؤثر خروجها من الحكومة على استقرارها
كتب برهوم جرايسي:
ظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، مطلع الأسبوع الماضي، حاملة عناوين تدعي أن حزب "العمل" برئاسة عمير بيرتس يهدّد بالاستقالة من الحكومة، إذا ما لم يعين الوزير العربي عن حزب "العمل" غالب مجادلة وزيرًا حتى مطلع الأسبوع القادم.
وجاءت هذه العناوين لتدب الروح من جديد في تكهنات سقوط حكومة إيهود أولمرت بسرعة، على خلفية استقالة رئيس هيئة الأركان دان حالوتس، وأيضا القرار بفتح تحقيق جنائي مع رئيس الحكومة، أيهود أولمرت. ولكن وفق المعطيات القائمة فلا هذا ولا ذاك سيؤدي إلى انهيار الحكومة، ما لم تحدث تطورات من نوع آخر، لا نعرفها حتى الآن.
على صعيد حزب "العمل" وحتى إذا "رغب" عمير بيرتس في الخروج من الحكومة فإنه بحاجة إلى قرار من حزبه، والغالبية الساحقة من الوزراء، إن لم يكونوا جميعا باستثناء بيرتس، ليسوا معنيين على الإطلاق بمغادرة وزاراتهم، خاصة بسبب تعيين مجادلة، الذي يعرفون جيدا أنه جاء ليخدم مصالح بيرتس الضيقة، وليس بناء على مبادئ سياسية (اقرأ مادة منفصلة).
كذلك فإن استقالة حكومة برمتها على خلفية استقالة رئيس هيئة الأركان لم يحدث في تاريخ إسرائيل، ولا يوجد ما يستدعي هذا في هذا الوقت الراهن، وكذلك الأمر بالنسبة للتحقيق الجنائي مع أولمرت، فهذا الأمر يجعل أولمرت "ينسجم" مع ما تحوّل إلى تقليد في حكومات إسرائيل الأخيرة، فهو رابع رئيس حكومة على التوالي يتعرض لتحقيق جنائي خلال ولايته.
وبطبيعة الحال فإن الإجابة على سؤال حول احتمال تفكك حكومة أولمرت يحتاج إلى تقديم معطيات تدعم الإجابة، وفي هذا الإطار فإن هذه المعطيات كامنة في هوية المركبات الأساسية لحكومة أولمرت، المكونة من أربعة أحزاب منذ إنشاء الحكومة في مطلع أيار/ مايو من العام الماضي 2006، ومن حزب خامس، هو حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي أضاف إلى الأغلبية البرلمانية، القائمة من دونه أصلا.
في ما يلي نستعرض مركبات الحكومة وحقيقة رغبتها في حلّ الحكومة.
حزب "كديما"
حزب "كديما" برئاسة أولمرت هو أكبر المركبات ويسيطر على ربع مقاعد الكنيست تقريبا، 29 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وهذا الحزب الذي شكّله أريئيل شارون قبل نحو 14 شهرا لا يزال حزب نخبة، ووتيرة بناء مؤسساته تسير ببطء شديد وهي غير ملموسة، وهذا ما يعيه كبار نجوم الحزب، والذين بغالبيتهم الساحقة ليست لديهم قواعد شعبية ملموسة، أو توضحت في أي مرحلة من المراحل السابقة.
ولهذا فإن من يرغب في وضع سيناريو انشقاق في حزب "كديما" يجب أن يأخذ بالحسبان عدة معطيات داخلية في الحزب، حتى على صعيد الأشخاص، فالحزب ككل، وفي حال بقي موحدا، فإنه على يقين من أن أية انتخابات مبكرة لن تمنحه النتيجة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة، كما أنه حزب حاكم، ولا يوجد ما يدفعه إلى تسليم السلطة برغبة.
حتى على صعيد الانقسامات في الحزب علينا الانتباه إلى القانون الذي يحدد أن انشقاق مجموعة عن كتلة برلمانية عليها أن لا تقل عن ثلث أعضاء الكتلة، وفي حالة "كديما" فإننا نتحدث عن عشرة أعضاء، وما هو واضح أن الأوضاع الداخلية في الحزب لا تشير إلى احتمال وجود تكتل داخلي بهذا الحجم يرغب بالانشقاق.
لهذا الحزب حاليا 11 وزيرا إضافة إلى أن الوزير الثاني عشر، حاييم رامون، ينتظر الحكم في محكمته، التي قد تطول في أعقاب أي استئناف متوقع في كل الأحوال.
يضاف إلى هؤلاء سبعة من ذوي المناصب البرلمانية، رئيسة الكنيست ونائبها، ورؤساء أربع لجان برلمانية، إضافة إلى رئيس الكتلة النيابية، والى جانبهم هناك ثلاثة نواب من المقربين جدا لأولمرت، بمعنى أن في الكتلة 22 نائبا، على الأقل، من أصل 29 ليسوا معنيين لهذا السبب أو ذاك بالانسحاب من التكتل البرلماني القائم.
كذلك لا توجد إغراءات "لنجوم" الحزب في الحلبة السياسية تدفعهم لترك حزب "كديما" والانضمام إلى حزب الليكود، كما يحاول "مقربو" رئيس هذا الحزب بنيامين نتنياهو أن يبثوا في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
حزب "العمل"
حزب "العمل" منشغل الآن في الانتخابات لرئاسة الحزب، التي ستجري بعد أربعة أشهر، وتجري حملة انتخابية مبكرة تلقى اهتماما في الشارع الإسرائيلي، كون رئيس الحزب المنتخب سيتولى حقيبة الدفاع بدلا من عمير بيرتس، في حال خسارته لرئاسة الحزب.
وقد علّمت التجربة أن قادة هذا الحزب ليسوا معنيين بالانسحاب من الحكومة، والتجربة الأكبر كانت حين جرى ضم حزب "يسرائيل بيتينو" إلى الحكومة، فقد تبين أن الغالبية الساحقة من الوزراء عارضوا هذا الانسحاب، حتى أصبحوا إجماعا حين طرحت مسألة الانسحاب على جدول أعمال الحزب، باستثناء الوزير أوفير بينيس الذي استقال من الحكومة على نفس الخلفية.
وتشير كل الاستطلاعات إلى أن وضعية حزب "العمل" ستكون في أي انتخابات قادمة أسوأ بكثير من الانتخابات السابقة، وأنه سيخسر عددا من مقاعده البرلمانية الحالية، ولهذا لن يكون معنيا هو الآخر بالتوجه إلى انتخابات جديدة.
حزب المتقاعدين
هو حزب قائم منذ سنوات طويلة، ولأول مرة منذ أن تم إنشاؤه دخل إلى الحلبة السياسية وبقوة، حاملا إلى البرلمان سبعة نواب. ومن اسم الحزب نفسه، نستطيع أن نفهم أنه حزب لقطاع معين من المواطنين، ويسعى لتحقيق مطالبهم، ونستطيع القول إن هذا الحزب غائب عن أي نقاش سياسي وغيره، عدا ما يخص قضايا المتقاعدين وما هو متعلق بهم.
من ناحيته فإن مطالبه حتى الآن يتم تطبيقها تدريجيا، ويسعى إلى ما هو أكبر، ومنذ إقامة الحكومة لم يسع إلى أي توتر في داخل الائتلاف الحكومي.
وأيضا هذا الحزب تتنبأ له استطلاعات الرأي نتائج أقل مما حققها في الانتخابات السابقة، خاصة وأن تلك النتائج كانت مفاجئة للجميع، بمن فيهم أعضاء الحزب نفسه، ومما لا شك فيه أنهم ليسوا معنيين بحل الحكومة والتوجه إلى انتخابات جديدة تنتقص من حجمهم الحالي.
حزب "شاس"
هذا الحزب الديني الأصولي لليهود الشرقيين أثبت منذ أن ظهر لأول مرة على الخارطة البرلمانية في العام 1984 أنه حزب مصالح لقطاع محدود من الجمهور، حتى وإن حاول التنوع في خطابه والولوج إلى القضايا السياسية المصيرية، فما يحكم موقفه من أي حكومة، وحتى من أية خطوة سياسية، هو تلبية مطالب هذا الحزب التي تخدم جمهوره.
وعلّمت التجربة أن هذا الحزب قوي بشكل خاص في حكومات ضعيفة. وإذا ما نظرنا إلى الخلف، إلى مشاركته في عدة حكومات في كل الدورات البرلمانية السابقة، باستثناء الدورة السابقة التي بدأت في العام 2003، فإن هذه الحكومة تعتبر أفضل حكومة بالنسبة لحزب "شاس"، على الأقل حتى الآن. وما يثبت هذا أنه ومع مرور تسعة أشهر على إقامة الحكومة فإن كتلة "شاس" لم تثر أية زوبعة أو أزمة ائتلافية، لا بل وعلى غير العادة لم نر أنها افتعلت أزمة حتى عند إقرار ميزانيتي 2006 (في منتصف العام الماضي بتأخير) وميزانية العام 2007، بمعنى أنها تحصل على مطالبها المالية بهدوء وبعيدا عن أي ضجيج إعلامي وسياسي.
بالنسبة لشاس هذه حكومة ضعيفة، ولكنها لا تثير غضب قوى اليمين التي تحسب لها "شاس" حسابا، ولهذا فإن هذا الضعف يلزم أقطاب الحكومة بالحفاظ على هدوء "شاس" وتلبية مطالبها.
قد يقول قائل إن كتلة "شاس" متورطة هي الأخرى كباقي الشركاء في الحكومة في المسؤولية عن الحرب عن لبنان، ولكن في هذا السياق علينا الإشارة إلى أن جمهور مصوتي "شاس" لا يحاسبها على القضايا السياسية، فهذا الجمهور بغالبيته الساحقة جمهور انتفاعي مغلق، تهمه قضاياه الداخلية الدينية والاجتماعية.
إلى ذلك فإن حزب "شاس" لا يتخوف من انتخابات جديدة، لأن استطلاعات الرأي تمنحه نفس القوة، ولكن السؤال الذي يجب أن يطرحه حزب "شاس" هو: هل ستكون بعد انتخابات برلمانية حكومة كالحالية بإمكانها تلبية مطالبه؟.
حزب "يسرائيل بيتينو"
هذا الحزب بزعامة أفيغدور ليبرمان جاء ليزيد الغالبية البرلمانية القائمة للائتلاف الحكومي، الذي كانت له أغلبية 67 نائبا من أصل 120 نائبا، وبدخول هذا الحزب أَضيف للائتلاف 11 نائبا.
أغلب التوقعات تشير إلى ان ليبرمان لن يطيل بقاءه في الحكومة، ولعله يبحث عن فرصة سانحة للخروج منها، وهو يريد سببا سياسيا لا يجده حاليا. كذلك فإن قضايا الفساد لن تكون سببا لخروجه من الحكومة، وهذا لأن ليبرمان نفسه يواجه تحقيقا جنائيا كبيرا، لم يطف على السطح حتى الآن، فهو مشتبه بالتورط في صفقات تجارية مع شركات لها ارتباط بالعالم السفلي في روسيا.
ومع ذلك فإن خروج ليبرمان من الحكومة لن يؤثر على الغالبية البرلمانية. ولعل خطوة كهذه تحفز رئيس الحكومة أولمرت على استئناف محاولاته لضم كتلة يهدوت هتوراة الدينية الأصولية إلى الحكومة، خاصة وأن هذه الكتلة حصلت على مطلب مالي لها في ميزانية العام الحالي، وامتنعت عن التصويت على الميزانية، مما خفف أكثر من حجم المعارضة لها.