حق العودة، لا رفض التوطين

وثائق وتقارير

* المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، البروفيسور شلومو أفينيري، لـ"المشهد الإسرائيلي": أحد الأسباب التي ستجعل الاحتجاجات ضد أولمرت أضعف من المتوقع هو أن هناك الكثيرين ممن يرون وجوب استقالة الحكومة الحالية يمقتون البديل الذي سيصعد إلى الحكم مكانها والمتمثل في الليكود بزعامة نتنياهو * إذا كانت الحكومة الحالية ترغب بشيء فإنها تريد الهدوء لأنه يمكنها البقاء فقط في حال ساد الهدوء *

 

 نشرت لجنة الفحص الحكومية في أداء القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية أثناء حرب لبنان الثانية، برئاسة القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، والتي باتت تُعرف بـ"لجنة فينوغراد"، أمس الاثنين 30 نيسان 2007، تقريرها الأولي والذي يتوقع أن يحدث "زلزالا سياسيا وجماهيريا"، على حد تعبير أحد المقربين من اللجنة.

ويتوقع أن يصدر التقرير النهائي للجنة في شهر تموز أو شهر آب المقبلين.

وتناول التقرير الأولي الأيام الخمسة الأولى للحرب، من 12 إلى 17 تموز الماضي، إضافة إلى أداء القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل خلال السنوات الست التي سبقت الحرب وتلت انسحاب الجيش الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان في أيار العام 2000.

ورغم أن تقرير "لجنة فينوغراد" لا يشمل توصيات شخصية ضد المسؤولين في الحكومة والجيش، ولن يدعوهم للاستقالة في أعقاب إخفاقاتهم في إدارة الحرب، إلا أنه وجّه انتقادات شديدة، خصوصا للمسؤولين الإسرائيليين الثلاثة الأكبر وهم رئيس الحكومة، ايهود أولمرت ووزير الدفاع، عمير بيرتس ورئيس هيئة أركان الجيش المستقيل، دان حالوتس.

ورأى أعضاء "لجنة فينوغراد" في تقريرهم أن أولمرت استخدم آراء وأفكارا "خاطئة" وعمل بصورة "متسرعة" ولم يكن يدير الحرب وإنما كان "مُنقادا" من الجيش. كما أن أولمرت لم يطلب من الجيش أن يزوّده بخطط عسكرية بديلة للتي تم استخدامها أو تم عرضها أمامه ولم يطرح الأسئلة التي كان يتوقع منه أن يسألها.

وفي ما يتعلق ببيرتس فإن التقرير يوجه إليه انتقادات شديدة، أبرزها تأكيد اللجنة على أنه يفتقر للخبرة العسكرية. لكن أعضاء اللجنة أشاروا في الوقت ذاته إلى أن بيرتس لم يحاول التستر على عدم خبرته. وبحسب تقرير فينوغراد فإن بيرتس جمّع حوله مستشارين خاصين لكنه لم يطمح إلى الحصول على خبرات عسكرية وأمنية.

وكانت الاستنتاجات الأقسى قد وجهتها اللجنة إلى حالوتس، الذي استقال في مطلع العام الحالي على ضوء تحقيقات عسكرية حول الحرب. وقال تقرير فينوغراد إن حالوتس استخف بتهديد صواريخ الكاتيوشا التي بحوزة حزب الله واعتبرها ظاهرة مرافقة لأيام الحرب. وأضاف التقرير أن حالوتس فرض قراراته على الحكومة وأسكت الضباط في قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي ومنعهم من التعبير عن آرائهم خلال الحرب، والتي لم يكن حالوتس راغبا في سماعها.

ويشار إلى أن تقرير فينوغراد الأولي يقع في 320 صفحة وبعض فصوله ستكون سرية ولن يتم نشرها في الوقت الراهن.

من جهة أخرى دعت حركات الاحتجاج في إسرائيل إلى مظاهرة سيتم تنظيمها في تل أبيب بعد غد الخميس 3 أيار 2007، سيتم خلالها رفع شعار مركزي وأساس يطالب أولمرت بالاستقالة من منصبه على ضوء الفشل في حرب لبنان الثانية. وفي غضون ذلك أعلن مقربون من رئيس الحكومة أولمرت أن الأخير لن يستقيل على أثر تقرير فينوغراد وإنما حشد في الأيام الأخيرة الماضية مقربيه ووزراء من حزبه- كديما- لشن حملة مضادة ضد دعوات تطالبه بالاستقالة.

وقال المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية في فترة حكومة رابين وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، البروفيسور شلومو أفينيري، لـ"المشهد الإسرائيلي"، إن "اللجنة ليست مكلفة بالتوصية بإقالة رئيس الحكومة أو إبقائه في منصبه. فالمطالبة باستقالة أولمرت هي قرار جماهيري وخطوة سياسية وديمقراطية. ولذلك فإن الجمهور هو الذي سيقرر في نهاية الأمر. من جهة أخرى، واضح أن ما تقوله اللجنة في تقريرها انعكس في الشهور الأخيرة في الرأي العام الإسرائيلي حيث يدرك الجمهور بغالبيته العظمى أن رئيس الحكومة ووزير الدفاع دخلا الحرب بصورة غير صحيحة بسبب افتقارهما لأي خبرة عسكرية وأمنية وسياسية. وكانت النتائج متناسقة مع هذا الوضع. وبرأيي فإن تقرير لجنة فينوغراد يعكس بقدر كبير الأجواء السائدة لدى الجمهور الإسرائيلي. لذلك فإن القرار سيكون في نهاية المطاف وفقا لقوة الاحتجاج الشعبي، لكني لا أعرف الآن كيف سيكون هذا الاحتجاج ومدى قوته".

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف سيتمكن أولمرت من القيام بمهامه فيما تخيّم فوقه غيمة كبيرة وثقيلة تتمثل في انتقادات "لجنة فينوغراد" والتحقيقات بشبهة ارتكابه مخالفات فساد عديدة؟

- أفينيري: "التحقيقات ما زالت إلى الآن في إطار شبهات. لكن في حال تحولت الأمور في هذه القضايا إلى عملية قضائية، أي تم تقديم لائحة اتهام، فإنه من الواضح أنه سيتعين على رئيس الحكومة الاستقالة. أما بخصوص تقرير فينوغراد، فإنه في حال اندلعت احتجاجات شعبية، التي أعتقد أنها ستتزايد في الأيام المقبلة، سيكون صعبا جدا على رئيس الوزراء والحكومة القيام بمهامهما. لكن هناك سياق آخر، إذ ماذا تعني استقالة رئيس الحكومة؟ هل في الوضع البرلماني يمكن تشكيل حكومة بديلة؟ لا يبدو أن هذا هو الممكن. وأحد البدائل الأخرى هو بالطبع التوجه إلى انتخابات. لكن من ينظر إلى الخارطة السياسية فإنه سيرى أنه في الوضع السياسي الداخلي الحالي ثمة احتمال، أو خطر، حسب توجهات كل واحد منا، في أن يفوز حزب الليكود وعندها سيكون بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة القادم. وأعتقد أن أحد الأسباب التي ستجعل الاحتجاجات ضد أولمرت أضعف من المتوقع هو أن هناك الكثيرين ممن يرون وجوب استقالة الحكومة الحالية يمقتون البديل الذي سيصعد إلى الحكم مكانها. أي أن هؤلاء لا يريدون أن يصل نتنياهو والليكود إلى الحكم. لذلك فإن الوضع معقد. وهذا الوضع مختلف كثيرا عما كانت عليه الحال في أعقاب حرب أكتوبر 1973 عندما أراد اليمين إسقاط حكومة غولدا مائير على أثر الإخفاق في الحرب أو بعد حرب لبنان 1982 عندما أراد اليسار إسقاط أريئيل شارون وإذا أمكن شارون ومناحيم بيغن معًا. أي أنه في حينه كان هناك احتجاج بدعم سياسي واضح للغاية، مرة من اليمين وأخرى من اليسار. لكن هذه المرة فإن الدعم السياسي للاحتجاجات ضد حكومة أولمرت معقد ومركب جدا وهو لذلك منضبط أيضا".

(*) هل تعتقد أن مستقبل بيرتس السياسي قد انتهى؟

- أفينيري: "لا أعرف. لكن من الواضح أنه لم يرتق بأدائه في وزارة الدفاع في الوقت الذي طلب فيه أن يتولى وزارة الدفاع. وسنجد الإجابة على السؤال في الانتخابات الداخلية على رئاسة حزب العمل (في أيار المقبل). ورغم أن شعبيته متدنية لكن الأمر يتعلق بتنظيم المعسكرات في الحزب وإحضار المنتسبين للحزب إلى صناديق الاقتراع".

(*) في وضع كهذا، لا يريدون هذه الحكومة ولا بديلها، هل يمكن أن تتجه الحكومة لتنفيذ مغامرة عسكرية في غزة أو لبنان أو حتى ضد سورية؟

- أفينيري: "أريد أن أوضح شيئا هنا. أنا أعلم أن الجانب العربي يخشى أن تنفذ حكومة في ضائقة مغامرة عسكرية. لكن إذا كان هناك من يعتقد بأن هذه الحكومة أو غيرها ستنفذ عملية عسكرية بسبب مشاكلها السياسية فهو مخطئ. وإذا كانت الحكومة الحالية ترغب بشيء فإنها تريد الهدوء، لأنه يمكنها البقاء فقط في حال ساد الهدوء. سوية مع ذلك هناك وضع في غزة قد يدفع أية حكومة في إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية من أجل وقف إطلاق صواريخ القسام باتجاه إسرائيل".

(*) من جهة أخرى، هل هذا الوضع سيؤدي إلى جمود سياسي في المنطقة بسبب ضعف الحكومة الإسرائيلية؟

- أفينيري: "هذا هو الوجه الآخر لحالة ضعف الحكومة، وهو الوجه الحزين. أنا أيدت تنفيذ خطة فك الارتباط مع قطاع غزة، ليس لأن هذه الخطة كانت الحل الأفضل وإنما لأنه إذا لم يكن بالإمكان التوصل إلى اتفاق أو إجراء مفاوضات حقيقية فإن على إسرائيل تنفيذ الخطوات الصحيحة وهي تفكيك مستوطنات والعودة إلى حدود 1967 بشكل أحادي الجانب. وأملت في الأشهر الأولى لحكومة أولمرت بأن تنفذ الحكومة الجديدة خطة التجميع والانسحاب من أجزاء من الضفة الغربية، رغم أن هذه الخطة ليست الخطوة المثالية وإنما هي خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن إحدى ضحايا حرب لبنان الثانية الجدية كانت إزالة خطة التجميع عن جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية. فالحكومة والجيش في إسرائيل أصبحا أكثر ضعفا في أعقاب حرب لبنان الأخيرة. ولو كنت فلسطينيا لأردت أن تقوم حكومة قوية في إسرائيل، لأنه فقط حكومة قوية يمكنها اتخاذ القرارات الصعبة، إن كان ذلك للعودة إلى المفاوضات أو لتنفيذ انسحابات أحادية الجانب".

(*) هناك إدعاء في إسرائيل يقول إن خطوات سياسية جريئة يمكن أن تنقذ حكومة أولمرت من ضائقتها الشديدة. ما رأيك؟

- أفينيري: "لا أعتقد ذلك. والدليل هو المصاعب التي واجهها شارون لدى تنفيذ فك الارتباط، حيث تم عندها إخلاء 9 آلاف مستوطن، لكننا نتحدث عن عشرات آلاف المستوطنين في حال تم تنفيذ خطة التجميع. هذا من الصعب تنفيذه مع وجود حكومة ضعيفة وعندما لا تكون فيها شخصية قوية مثل شارون. هناك الكثيرون الذين قالوا في حينه إنهم لا يعتبرون أن خطوة شارون جيدة لكنهم كانوا يقولون أيضا إنه إذا كان شارون يرى ضرورة لتنفيذ ذلك من ناحية المصالح الإستراتيجية لإسرائيل فإنهم يعتمدون عليه. لكن حكومة موجودة تحت غمامة نتائج حرب لبنان من الصعب عليها تنفيذ خطوات مثل خطة التجميع. لكن قد يصبح بالإمكان تنفيذ هذه الخطة في حال فاز ايهود باراك برئاسة حزب العمل وفي حال أصبح وزير الدفاع في حكومة أولمرت، لأن باراك يعتبر شخصا قويا كونه قائدا عسكريا كبيرا ويملك خبرة سياسية جيدة".

(*) وإذا فاز عامي أيالون، فهو أيضًا قائد عسكري ورئيس الشاباك (جهاز الأمن العام) الأسبق.

- أفينيري: "أيالون ليس مثل باراك، فهو يفتقر إلى الخبرة السياسية والعمل في إطار سياسي حكومي ورسمي. القضية ليست الخبرة العسكرية وإنما الخبرة السياسية والحزبية كذلك".