موفاز: لا خيار أمام إسرائيل سوى مهاجمة إيران

وثائق وتقارير

* بروفيسور أماتسيا برعام لـ"المشهد الإسرائيلي": إدارة بوش ستبحث حتمًا عن سبيل لدفع المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية * أميركا لن تتدخل بعد اليوم في أية دولة * احتمال أن تهاجم الولايات المتحدة إيران أقل من نسبة 50 بالمائة بقليل، ما يعني أن هناك احتمالاً للهجوم * ما دفع الأميركيين إلى التفكير بالانسحاب من العراق هو أنّ الثمن الذي تدفعه أميركا من أجل الحفاظ على العراق كاملا باهظ للغاية * التوصية ببدء التفكير بانسحاب قوات أميركية من العراق خلال سنة ونصف السنة لا تبدو لي عملية *

 

  أثار تقرير "مجموعة دراسة العراق"، الذي أعدته لجنة أميركية برئاسة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جيمس بيكر والسيناتور الديمقراطي السابق، لي هاملتون، جدلا واسعا في الولايات المتحدة وخارجها وخصوصا في الشرق الأوسط كونه أوصى بسحب الجيش الأميركي من العراق وحث الإدارة الأميركية على إجراء مفاوضات مع إيران وسورية وطالبها بالضغط على إسرائيل لتسريع التفاوض مع الفلسطينيين لحل الصراع وفتح مفاوضات مع سورية للتوصل إلى اتفاق سلام وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان.

 

وأجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة حول هذا التقرير واحتمالات تنفيذ توصياته مع البروفيسور أماتسيا برعام، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا والمتخصّص في العراق. وسبق أن قدّم برعام استشارات عدة للجان في الإدارة الأميركية وفي الكونغرس خصوصا فيما يتعلق بالعراق.

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل ستتمكن الولايات المتحدة من الانسحاب من العراق في الوضع الراهن، والذي من غير المتوقع أن يتغيّر خلال السنتين المقبلتين؟

 

- برعام: "لا. التقرير يتحدث عن انسحاب بعد سنة ونصف السنة وعندها يمكنهم البدء بالانسحاب لكن بشكل متدرّج وبطيء للغاية وذلك إذا سارت الأمور كما يجب وهذا أمر ليس مضمونا بتاتا. لكن إذا أردنا أن نكون متفائلين فإن الولايات المتحدة ستبدأ بعد سنة ونصف السنة بإخراج جنودها بشكل بطيء من العراق، والشرط لتنفيذ ذلك هو حدوث أمرين: أولا وقبل كل شيء تحسن أداء الجيش العراقي ليتمكن من تنفيذ عمليات بشكل مستقل ضد المتمردين، خصوصا في منطقة الأنبار في غرب العراق، وثانيا هو أن يتوصل الشيعة والسنة، بشكل خاص، إلى تفاهم سياسي معين وإلى تسوية، فحتى اليوم لم يتوصلا لتسوية. وأعتقد أنه بإمكانهما التوصل إلى تسوية كهذه رغم أن الأمر سيكون صعبا للغاية، لأن المناطق التي يطالب الشيعة بالسيطرة عليها هي تلك الغنية بالنفط فيما السنة يطالبون لهذا السبب بالتحديد بإرجاء تقسيم المناطق في العراق لسنوات عدة وهو ما يرفضه الشيعة. ومثال آخر على الخلافات هو أن السنة يطالبون بإلغاء الحظر على عودة المسؤولين السابقين من أعضاء حزب البعث إلى مناصبهم وخصوصا العسكرية والشيعة يرفضون ذلك بشدة. وهذا يعني أنه توجد هنا مشاكل حقيقية. وحول مشاكل كهذه يتوجب التوصل إلى تسوية.

"من جانبهم، يدفع الأميركيون رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، إلى التوصل لتسوية سياسية مع السنة وإلا فإنهم سيخففون من دعمهم له. وهذا تهديد جدي للغاية وهو ما تطرحه، عمليا، لجنة بيكر- هاملتون، لأنه سيكون صعبًا جدا على المالكي إقناع مؤيديه بتقديم تنازلات كبيرة للسنة. وهناك مشاكل أخرى بين الشيعة والسنة من جهة والأكراد من الجهة الأخرى وخصوصا مشكلة منطقة كركوك الغنية بالنفط. فالأكراد يطالبون بأن تسير الأمور وفقا للدستور الذي يقول إنه يتوجب إجراء استفتاء شعبي في كركوك في العام 2007 المقبل، وإذا ما صوت معظم الأكراد في كركوك لصالح الانضمام إلى المنطقة الكردية فهذا يعني أن كركوك ستصبح جزءا من منطقة الحكم الذاتي الكردية. وفي المقابل فإن العرب، السنة والشيعة، يرفضون هذا. كذلك فإن تركيا ترفض إجراء هذا الاستفتاء لأن الأتراك لا يريدون استقرار اقتصاديا في المنطقة الكردية يمكنها في المستقبل من الإعلان عن الاستقلال فهذا سيثير مشاكل في المنطقة الكردية الواقعة تحت سيطرة تركيا. ولجنة بيكر- هاملتون تبنت في هذه القضية الموقف العربي والتركي ضد الأكراد، وطالبت الأكراد بإرجاء الاستفتاء من دون تحديد وقت. كل هذا يعني أن لجنة بيكر- هاملتون وضعت عددا من التوصيات بخصوص العراق التي لن يوافق عليها العراقيون ومن الصعب جدا تطبيقها. ولذلك فإن التوصية ببدء التفكير بانسحاب قوات أميركية من العراق خلال سنة ونصف السنة لا تبدو لي أنها عملية".

 

(*) لكن في جميع الأحوال فإن هذا التقرير يثير جدلا واسعا في الولايات المتحدة. لماذا جاء هذا التقرير وهذه التوصيات الآن، خصوصا الانسحاب من العراق، وما هي الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق؟

 

- برعام: "هناك مشاكل كبيرة، بينها مقتل أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين في العراق وخطر نشوب حرب أهلية في العراق والجيش الأميركي لا ينجح في منعها. وهناك صعوبات اقتصادية كبيرة، فالاقتصاد العراقي لا يتقدم ونسبة البطالة بلغت 50%. وكل يوم يقتل ما بين 100 إلى 150 شخصا في أعمال عنف. وما دفع الأميركيين إلى التفكير بالانسحاب من العراق هو أنّ الثمن الذي تدفعه أميركا من أجل الحفاظ على العراق كاملا هو ثمن باهظ للغاية. عدد الجنود الأميركيين القتلى يقارب الثلاثة آلاف وهناك نحو 15 ألف جندي جريح. إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة تصرف مبالغ طائلة على استمرار تواجدها في العراق وتصل إلى 150 مليار دولار كل سنة. وأنا لا أفهم كيف يمكن القول إن الحرب كانت من أجل النفط، فالخزينة الأميركية تتكبد خسائر فادحة جدا. سبب آخر للتوصية بالانسحاب من العراق هو أن الجمهور الأميركي أصبح تعبا. والرأي السائد اليوم في أمريكا هو أن 60% على الأقل من الأميركيين يؤيدون الانسحاب من العراق. لكن بوش وقيادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة يرون الأمور بمنظار مختلف وهو أنه لا يمكن تنفيذ انسحاب فوري. لأنه إذا انسحبوا بعد أسبوعين أو شهر أو شهرين فيما الجيش العراقي لا يمكنه استبدالهم والحلبة السياسية العراقية لم تتوصل بعد إلى تسوية، فإن حربا أهلية ستندلع في العراق بشكل أكبر مما هو حاصل الآن".

 

(*) وهل هذا يجعل الدول العربية، خصوصا في الخليج، تعارض الانسحاب الأميركي خوفا من تأثير الحرب الأهلية في العراق عليها؟

 

- برعام: "الخوف الأكبر لدى الأميركيين هو أن حربا أهلية في العراق في حال الانسحاب ستكون أشد بكثير. وبما أن الشيعة هم الأغلبية والسنة أقلية فإن التخوف هو أن يفتك الشيعة بالسنة. في هذه الحالة لا يمكن للسعوديين والأردنيين والكويتيين الموافقة على أمر كهذا ولذلك فإنهم سيدعمون السنة بالمال والسلاح والتدريب. من جانبهم سيشعر الشيعة بتهديد كبير ولذلك على الأرجح أنهم سيتوجهون لإيران طلبا للمساعدة وإيران ستستجيب. وفي هذه الحالة يمكن للأمور أن تفلت وأن تصبح منطقة الشرق الأوسط كلها فاقدة للاستقرار".

 

(*) وماذا بالنسبة لإسرائيل؟

 

- برعام: "هذا الوضع سيصل إلى إسرائيل أيضا من دون شك وستكون ضالعة فيه. والتخوف من وضع كهذا دفع الزعماء العرب إلى مطالبة الأميركيين بعدم الانسحاب الآن من العراق. والأميركيون يدركون هذا ولذلك فإنهم لن ينسحبوا قريبا. لكن يمكن الآن في أعقاب تقرير بيكر- هاملتون رؤية توجه الولايات المتحدة وهو بدء الانسحاب بعد سنة ونصف السنة أو أكثر أو أقل. ولذلك فإن اللجنة تتحدث عن التوجه نحو الانسحاب أكثر مما تتحدث عن توقيت الانسحاب لأنه أصلا لا يمكن معرفة كيف ستسير الأمور. والأمر الأهم في توصيات اللجنة هو أن تمارس الإدارة الأميركية ضغوطا على الحكومة العراقية لكي تبدأ العمل بجدية أكبر في اتجاه تسوية سياسية داخلية وأيضا من أجل أن تعمل على تفكيك الميليشيات. وهذه مهام بالغة الصعوبة. كما أن كل شخصية رفيعة في الحكومة العراقية تنتمي لميليشيا معينة، فالمالكي مثلا ينتمي لميليشيا حزب الدعوة ومقتدى الصدر الذي أوصل المالكي لرئاسة الوزراء لديه ميليشيا جيش المهدي والحزب الثالث في التحالف الشيعي وهو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق لديه ميليشيا خاصة به هي قوات بدر. وهكذا فإنّ لجميعهم ميليشيات رغم أنهم وزراء ونواب برلمان، فكيف يمكن تفكيك هذه الميليشيات. من جهة أخرى فإن الميليشيات السنية لا يسيطر عليها أحد من السياسيين الكبار وهناك الميليشيا الكردية- البشمركة. وهذه الميليشيات تتصارع مع بعضها وقسم منها يحارب الأميركيين. وهناك القاعدة طبعا. هذه حالة فوضى عارمة".

 

(*) وما هو الحل؟

 

- برعام: "عندما نقترب من انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني 2008، مثلا في صيف العام 2008، وبما أن بوش سيسعى لأن يتم انتخاب رئيس جمهوري بعده، فإنه سيضطر إلى إظهار أنه يسحب القوات الأميركية من العراق. وأعتقد أن الأميركيين سيشرعون بعد سنة ونصف السنة بسحب قوات من العراق وليس مهما كيف سيكون الوضع في العراق وذلك لاعتبارات أميركية وبسبب الانتخابات".

 

(*) المسؤولون في إسرائيل، مثل رئيس الحكومة، إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، تبنوا خطا ضد تقرير بيكر- هاملتون وهو أنه على عكس ما جاء في التقرير لا توجد علاقة بين مشكلات العراق وبين الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أو الإسرائيلي- العربي. لكننا نعلم أنه توجد علاقة. ما رأيك؟

 

- برعام: "هذه العلاقة ليست قريبة. العلاقة الوحيدة التي أراها هي من خلال سورية. فمثلا لو كان بالإمكان إبعاد سورية عن إيران ووضع حاجز بين إيران وحزب الله لكان من شأن ذلك أن يساعد إسرائيل وسورية وأميركا، لأن السوريين عندها سيغلقون الحدود بين سورية والعراق التي ما زال يعبر منها الكثير من الأشخاص حتى اليوم، خصوصا من القاعدة. وهنا أنا أرى علاقة بين مشكلات العراق والصراع الإسرائيلي- العربي. وفي حال أغلقت سورية الحدود مع العراق، وتم تسوية مشكلاتها مع لبنان فإن سورية ستحصل على مقابل من الأميركيين بكل تأكيد. وأعتقد أنه في هذا السياق ثمة احتمال للتقدم مقابل سورية بحسب توصيات لجنة بيكر- هاملتون والدخول في مفاوضات بين إسرائيل وسورية. لكن من جهة أخرى، فإن المشاكل بين السنة والشيعة والأكراد في العراق بدأت في العام 1920 عندما قامت الدولة العراقية. وليس لهذا أية علاقة مع الحركة الصهيونية وإسرائيل. وطوال السنوات الماضية ميّز النظام السني العراقي ضد الشيعة وهذا ليس مرتبطا بتاتا بالمسألة الصهيونية أو الإسرائيلية بل هو صراع بين طائفتين داخل العراق على الحكم والموارد الاقتصادية".

 

(*) إلى أي مدى سيؤثر تقرير بيكر- هاملتون على السياسة الخارجية الأميركية وخصوصا على الدفع باتجاه حلّ للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني؟

 

- برعام: "أنا واثق من أن إدارة بوش ستبحث في أعقاب هذا التقرير عن سبيل لدفع المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية قدما. والإدارة الأميركية اليوم تضغط كثيرا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس. لكني لا أعرف إذا كانت ستنجح بذلك، لأن لأبو مازن مشاكله الداخلية، لكن الإدارة الأميركية ستواصل الضغط على أبو مازن. كذلك فإن الإدارة الأميركية ستضغط على أولمرت لتقديم تنازلات لأبو مازن من أجل التسهيل عليه. وأعتقد أن هذا سيحدث بكل تأكيد".

   

(*) هل سيضع هذا التقرير نهاية للتدخل الأميركي المغامر في دول بالعالم؟

 

- برعام: "أعتقد أن أميركا لن تتدخل بعد اليوم في أية دولة، لأن التدخل في العراق لم ينجح ونحن نرى ذلك بوضوح. لكن، بالمناسبة، لن يطرأ أي تغيير على التدخل الأميركي وحلف الناتو في أفغانستان على أثر التقرير. وبرأيي فإن الأميركان لن يدخلوا في مغامرات أخرى في المستقبل".

 

(*) وماذا بالنسبة لإيران؟ هل ستهاجم أمريكا المنشآت النووية في إيران؟

 

- برعام: "برأيي أن بوش لم يتخذ قرارا بهذا الخصوص حتى الآن. وتجدر الإشارة إلى أنه في حال قرر عدم فعل شيء فهذا يعتبر قرارا أيضا، لكني أعتقد أن بوش لم يقرر في هذه المسألة حتى الآن. لكن ما سيحدث الآن، باعتقادي، هو أن بوش سيطلب من وزير الدفاع في إدارته ومن قائد أركان الجيش الأميركي بأن يعملا على إعداد خطط درج للهجوم على إيران من الجو، إذ لا أحد يريد احتلال طهران. وسيطلب بوش إطلاعه على سير التخطيط للهجوم مرة كل ثلاثة شهور وما هي احتمالات تنفيذ أو نجاح هجوم كهذا. وبحسب معرفتي لعملية صنع القرارات في الولايات المتحدة فإن الأمور ستسير بهذا الشكل. وأعتقد أن الأمر ذاته يجري في إسرائيل".

 

(*) وما هو الاحتمال لأن تهاجم الولايات المتحدة إيران؟

 

- برعام: "أعتقد أنه أقل بقليل من 50% وهذا يعني أن ثمة احتمالا لأن تهاجم أميركا إيران وليس أنه لا يوجد احتمال. وفي حال تقرر تنفيذ هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية فإن الهجوم سيكون شبيها بالهجوم الأميركي في حرب الخليج في العام 1991 عندما قصف سلاح الجو الأميركي على مدار 40 يوما وطوال 24 ساعة في اليوم أهدافا في العراق وبعدها بدأ تقدم الجيش الأميركي البري في الكويت، وهذه المرة في حال هجوم ضد إيران فإنه لن يكون هناك هجوم بري. ولكن احتمال حدوث ذلك أقل من 50%، فالخوف هنا هو من ردّ الفعل الإيراني".