انتخاب الحل الأحادي الجانب وترسخ مقولة غياب الشريك

وثائق وتقارير

أكد المحلل السياسي في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، شالوم يروشالمي، في حديث مع "المشهد الإسرائيلي" أن "أولمرت يعاني من ضائقة سياسية شديدة للغاية. فالتحالف الحكومي اليوم يعدّ 67 عضو كنيست (من أصل 120)، لكن سيطرته على التحالف ضعيفة للغاية" أمّا بيرتس فقد "حولته حرب لبنان إلى إنسان محطم سياسيا"

 

كتب بلال ضاهر:

 افتتحت يوم الاثنين 16/10/2006 الدورة الشتوية للكنيست في ظل أزمة سياسية شديدة داخل الحكومة الإسرائيلية، تتمثل في سعي رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى توسيع تحالفه الائتلافي من خلال ضمّ حزب اليمين المتطرف "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي يدعو إلى طرد نحو 20% من مواطني إسرائيل من خلال إخراج مدن وقرى عربية خارج نطاق الدولة العبرية. وفيما يبدو أن أولمرت لن ينجح في هذه المرحلة في تغيير شكل التحالف الحكومي فإنه بدأ يعمل على إشغال الرأي العام في إسرائيل بمسألة تغيير شكل نظام الحكم في إسرائيل، وهذا أيضا لن ينجح وفقا لتقديرات جميع المراقبين والمحللين السياسيين، على الأقل بسبب وجود أكثر من 70 عضو كنيست من أصل 120 عضوا يعارضون تغيير نظام الحكم.

 

وأكد المحلل السياسي في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، شالوم يروشالمي، في حديث مع "المشهد الإسرائيلي" أن "أولمرت يعاني من ضائقة سياسية شديدة للغاية. فالتحالف الحكومي اليوم يعدّ 67 عضو كنيست (من أصل 120)، لكن سيطرته على التحالف ضعيفة للغاية، وهذا نابع من عدة أسباب. أولا، الحكومة وخصوصا رئيس الحكومة نفسه فقد ثقة الجمهور في أعقاب الفشل في حرب لبنان الثانية ولذلك فإنه عندما تتزعزع مكانة رئيس الحكومة فإن المعارضة ضده تتعزز وتتعالى الأصوات الداعية لاستبداله، حتى داخل حزب كديما. وقد بدأت تنشأ لأولمرت مشاكل داخل حزب السلطة. ثانيا، الأمر ذاته يحدث لدى الشريك الأكبر لأولمرت، أي داخل حزب العمل. وهنا يتداخل عاملان يقوّضان أركان التحالف الحكومي وهما أن رئيس الحزب عمير بيرتس يعاني مما يعاني منه أولمرت، أي من فقدان السلطة داخل حزبه بسبب حرب لبنان وأيضا لأسباب كثيرة أخرى مثل أخطاء في اتخاذ قرارات وإصراره على إشغال منصب وزير الدفاع وإهمال الأجندة الاجتماعية. والعامل الثاني هو حقيقة أنه ستجري انتخابات داخلية على رئاسة حزب العمل بعد سبعة شهور ونصف الشهر وهذا عامل يزعزع الاستقرار والهدوء في العمل. وهذه الأمور تزعزع أركان التحالف الحكومي وتدفع أولمرت إلى البحث عن مخارج على شكل ضم ليبرمان".

 

(*) سؤال: هل يمكن حدوث انقلاب على بيرتس داخل حزب العمل؟

 

- يروشالمي: "نعم. فمكانة بيرتس في حزبه اليوم في الحضيض، من الناحية الجماهيرية ومن ناحية قوته القيادية داخل الحزب. ومن ناحية شعبيته بين الجمهور فإن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت أن 1% فقط يعتقدون بأنه يستحق أن يشغل منصب رئيس الحكومة، وهذا شخص كان مرشحا لرئاسة الحكومة وكانت شعبيته في استطلاعات الرأي عشية الانتخابات العامة الأخيرة تصل إلى 20% وأكثر. لكن حرب لبنان حولته إلى إنسان محطم سياسيا. والسياسة شبيهة بالفيزياء، أي عندما يضعف أحد تزداد قوة آخر، وبما أن بيرتس أصبح ضعيفا فإن الجهات داخل حزب العمل التي تريد أن تحلّ مكانه أصبحت قوتها تتزايد".

 

(*) من مثلا؟

 

- يروشالمي: "مثل أعضاء الكنيست أفيشاي برافرمان وعامي أيالون وداني ياتوم وأوفير بينيس وقد يكون هناك آخرون، وكل أولئك الذين اعتبروا في الماضي معارضين يفتقرون للقوة وأصبحوا اليوم أكثر أهمية. والوضع الحالي يشير إلى أن عمير بيرتس يكاد أن يخسر مستقبله السياسي. وفي حال توحد أفراد هذه المجموعة من المعارضين حول مرشح جدي واحد ولا يفرقون قوتهم فإن ثمة احتمالا كبيرا جدا لأن يقود مرشح كهذا انقلابا على بيرتس".

 

(*) في المقابل تتعزّز قوة أحزاب اليمين في إسرائيل، وخصوصا الليكود و"إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان، وفقا لآخر استطلاع للرأي الذي نشر في نهاية الأسبوع الماضي. وربما السؤال هنا يكون استفزازيا للقارئ العربي، لكن تجربة الماضي تشير إلى أن حكومة إسرائيلية تحت قيادة اليمين لا تكرس الجمود السياسي في المنطقة. ففي فترة حكومة الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو التقى نتنياهو مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وحاول جس نبض سوريا لإجراء مفاوضات، وعندما وقعت أحداث النفق تحت الحرم القدسي لم يحاول نتنياهو تعميق المواجهات بين الفلسطينيين وإسرائيل وإنما كان حذرا. هل يمكن القول إن تشكيل حكومة يمينية في إسرائيل أفضل للمنطقة ولمستقبل العملية السياسية؟

                                            

- يروشالمي: "هذا ليس سؤالا استفزازيا وإنما هو سؤال يمكن البحث فيه من خلال رؤية تاريخية. هناك فرضية دائمة في هذه الدولة مفادها أن اليمين فقط يمكنه صنع السلام وفقط اليسار يمكنه صنع الحرب. والسبب واضح للغاية. لنفترض أن اليمين يعتزم صنع سلام أو اتخاذ خطوات مصيرية، مثلما فعل رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون في عملية فك الارتباط، فإن كل اليسار يؤيده على الفور إضافة إلى قسم من اليمين، وهذا يعني وجود أغلبية مؤيدة لخطوات كهذه. لكن إذا أراد اليسار صنع سلام فإنه يحظى بتأييد اليسار فحسب، لأن اليمين كله سيعارض، مثلما حدث مع اتفاقيات أوسلو، وعندها لا توجد أغلبية مؤيدة لخطوات سياسية كهذه أو أنه تكون هناك أغلبية صغيرة جدا. من جهة أخرى فإنه إذا قررت حكومة يسار الخروج في حملة عسكرية أو حرب فإن كل اليمين يؤيد ذلك على الفور إضافة إلى قسم من اليسار. ولدى اليسار في حالة الحرب تأييد من جانب الأغلبية. ولذلك فإن هذه الدولة ليست دولة طبيعية. وأنت محق، فإذا قرر اليمين السير في طريق سلام فإن الأمر يكون أكثر استقرارا وحتى أنه مضمون أكثر. وفك الارتباط كان خطوة أنجح من أوسلو لأنه تم تنفيذها حتى النهاية. لكن المشكلة هي أن اليمين ينفذ خطوات ببطء أكثر من اليسار الذي ينفذ بشكل أسرع".

 

(*) هل يمكن القول إن اليسار، والمقصود حكومات حزب العمل، متسرع؟ فمثلا رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق ايهود باراك ذهب إلى قمة كامب ديفيد مع عرفات وأراد إنهاء أو التوصل إلى اتفاق على كافة قضايا الصراع بـ"ضربة واحدة"..

 

- يروشالمي: "نعم، باراك أراد إنهاء كل شيء بضربة واحدة، وعندها دفع كل اليمين الإسرائيلي إلى الوقوف في المعارضة. ويمكنني القول إنه لو ذهب اليمين إلى كامب ديفيد لربما أصبحنا اليوم مع اتفاق لأن اليسار كان سيؤيد اتفاقا مع الفلسطينيين إضافة إلى قسم من اليمين. وهذا هو التناقض في هذه الدولة. ولو كنت عربيا لفضلت أن يصنع اليمين الإسرائيلي السلام معي وعندها سيكون هذا أكثر استقرارا".

 

(*) حتى لو كان هذا نتنياهو؟

 

- يروشالمي: "نعم بالتأكيد. عندما جرى التصويت على اتفاق واي ريفر في الكنيست أيده 75 عضو كنيست من اليمين واليسار وفقط 19 عارضوه".

 

(*) على ضوء هذا الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل، هل تتوقع جمودا سياسيا في العملية السياسية مقابل الفلسطينيين ومقابل السوريين؟

 

- يروشالمي: "نعم، لأسفي الشديد. حرب لبنان أدت إلى تغييرات بالغة الأهمية في إسرائيل، وأقصد أن الحرب زعزعت قوة القيادة. ولا توجد اليوم قيادة في الدولة قادرة على المضي بعملية سياسية ذات أهمية. ويمكن رؤية ذلك بإلغاء أو إرجاء خطة التجميع (انسحاب أحادي الجانب من أجزاء من الضفة الغربية وإخلاء مستوطنات). وأعتقد أنه لو لم تقع الحرب لجرى التقدم في هذه الخطة لأنه ما كان سيلحق ضرر بهذا الشكل بسلطة رئيس الحكومة. لكن الآن لا يملك أولمرت القوة لتنفيذ خطوات كهذه. الأمر الآخر هو أنه لا يوجد شريك جدي في الجانب الفلسطيني للقيام بخطوات كهذه، أي أنه لا يمكن الاتفاق مع حماس على أي شيء، كما أن تدخل الولايات المتحدة لا يمكن أن يساعد في شيء، فقد كانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هنا قبل أسبوعين وحاولت دفع الأمور لكنها فشلت فشلا ذريعا. كل هذا يؤكد أننا سنشهد جمودا سياسيا ومع السوريين أيضا".

 

(*) هل ضائقة أولمرت السياسية الداخلية هي التي تجعله يطلق تصريحات رافضة للتفاوض مع سوريا ردا على دعوات الرئيس السوري بشار الأسد بالعودة إلى طاولة المفاوضات في ست مقابلات صحافية خلال الشهرين الأخيرين؟

 

- يروشالمي: "هل يبدو لك أن أولمرت في وضعه الحالي يمكنه إعادة الجولان أو جزء من الجولان. من أجل إعادة الجولان يجب أن يكون هناك رئيس حكومة يملك قوة كبيرة للغاية وليس رئيس حكومة ليس لديه تحالف صلب وفشل في حرب لبنان ويخضع لتحقيقات مراقب الدولة الإسرائيلي ومهدّد بأن تفتح الشرطة تحقيقا ضده (في قضايا فساد سلطوي). أولمرت لا يمكنه تنفيذ خطوات كهذه تتطلب جرأة وشجاعة وتأييدا جماهيريا واسعا، ولذلك فإن هذا الوضع ربما يكون السبب في إطلاقه تصريحات ضد السوريين".

 

(*) هل يمكن أن يؤدي هذا الوضع إضافة للجمود السياسي إلى نشوب حرب أخرى؟

 

- يروشالمي: "لست واثقا، لأنه سادت هنا فترات جمود سياسي عديدة ولم تؤد إلى نشوب حروب، لكن الأمر منوط أيضا بمصالح الدول المجاورة. هل لدى سوريا اليوم مصلحة بالدخول في حرب ضد إسرائيل؟ أنا مقتنع بأنه ليست لديها مصلحة كهذه. ربما يكون بإمكان سوريا أن تلحق أضرارا بإسرائيل لكن الثمن الذي ستدفعه في حرب كهذه سيكون أكبر من ذلك بكثير. كذلك فنحن نعلم أيضا أن النظام السوري حذر للغاية، والحدود بين هضبة الجولان وسوريا هي الأكثر هدوءا، وحتى أكثر هدوءًا من الحدود بين إسرائيل والأردن في الثلاثين عاما الأخيرة. لكن الأمر المقلق أكثر هو دول مثل إيران، وهذا يعني حزب الله أو حماس. فكل ما يتعلق بقرارات يتم اتخاذها على خلفية دينية لا يكون عقلانيا دائما، لا في الجانب الإسرائيلي ولا في الجانب الآخر العربي أو الإسلامي. ولذلك فإن التطورات في هذا السياق ليست متوقعة. ولذلك أعتقد أن الخطر هو من جانب إيران وليس من جانب سوريا".