الناطقة باسم أولمرت: رئيس الحكومة لا ينوي الاستقالة

وثائق وتقارير

أعرب الوزير الإسرائيلي السابق دان مريدور عن إعجابه بجرأة الأمين العام لمنظمة "حزب الله"، السيد حسن نصر الله، والتي تجلت في ممارسته للنقد الذاتي واعترافه، في المقابلة التي أجريت معه بعد وقت قصير من اتفاق وقف إطلاق النار وتوقف الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان، بالخطأ في تقدير رد فعل إسرائيل على عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في 12 تموز الماضي (2006).

 

وقال مريدور، في مقابلة نشرت مؤخرا، إن الزعماء والمسؤولين الإسرائيليين لا يتحلون في الغالب بالجرأة في ممارسة النقد والاعتراف بالأخطاء التي يرتكبونها خاصة فيما يتعلق بالحروب. وأضاف في جانب آخر أن على الإسرائيليين "الإقلاع عن الوهم بتحقيق انتصارات مطلقة" مشيرا إلى أن زيادة وتضخيم الميزانية العسكرية لا يضمن الأمن.

 

وكان مريدور (الذي تولى أخيرًا رئاسة طاقم خبراء كلف قبل حوالي سنتين بإعادة صياغة نظرية الأمن الإسرائيلية للعقد المقبل) يتحدث في مقابلة أجريت معه ونشر نصها الكامل في صحيفة "غلوبوس" (30/8/2006) وتناول فيها بالنقد والتحليل مجموعة من المسائل والمشكلات الأمنية والعسكرية المهمة التي أثيرت بإلحاح في إسرائيل في ضوء ما تخلل وتمخض عن الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان.

 

وفيما يلي ترجمة شبه كاملة لما تضمنته المقابلة مع دان مريدور، والتي تنشر بالعربية هنا للمرة الأولى:

 

في تعقيبه على ما ورد في المقابلة التي أدلى بها أمين عام منظمة "حزب الله" حسن نصر الله بعد توقف الحرب، قال مريدور: "المقابلة تدل في جهة، على ضائقة وعلى حاجته (أي نصر الله) لتقديم إيضاحات للجمهور اللبناني وجمهور مؤيديه وأنصاره وهذا أمر جيد. في جهة أخرى هناك في المقابلة ذاتها شيء يدعونا للقلق. ثمة حاجة لقوة داخلية هائلة لكي يعترف المرء ويقر بالخطأ. الزعماء العرب لم يفعلوا ذلك بصورة عامة، ولكن نصر الله أقر علنا بأنه أخطأ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على جدية هذا الرجل والتي رأيناها في استعداده للحرب، في التحصينات والخنادق والصواريخ ..الخ. وأنا عندما أقول (جدية) لا أعني علامة قيمية، فهو شخص شرير يدعو لإبادة شعب. وأنا لا امتدحه، لكن جديته واعترافه بالخطأ يدلان على قدرته على العمل وعلى إدراكه للواقع، وهذا شيء يلفت انتباهي... مثل هذا الشيء لا يحدث لدينا كثيرا في الحرب. لكن نصر الله قال: لقد أخطأت، وأخذ على عاتقه المسؤولية، وهذا أمر له صلة بحاجتنا إلى مواجهته، لبناء وتحضير الاستعدادات اللازمة لجولة مجابهة محتملة مقابلة (مع حزب الله) لا أتمنى حدوثها. ما زالت لدينا إمكانية لتصحيح وإصلاح التقصيرات والإخفاقات التي تعرضنا لها".

 

وكانت اللجنة التي ترأسها مريدور لإعادة النظر في نظرية الأمن الإسرائيلية، واستغرق عملها قرابة سنة ونصف السنة، قدمت في نيسان الماضي استنتاجاتها وتوصياتها التي جاءت ضمن تقرير مؤلف من 250 صفحة وفيه تحليل لطائفة واسعة من التهديدات والعوامل المؤثرة على نظرية الأمن.

 

 

لم نعرف كل شيء مسبقا

 

 

حول طابع الحرب الأخيرة وما إذا كانت قد فاجأت الإسرائيليين، قال مريدور في سياق المقابلة ذاتها: "ليس بالإمكان توقع كل شيء سلفا. ونحن لم نعرف كل شيء مسبقا، ولكن هناك عدة أمور أساسية كان بالإمكان توقعها مسبقا، مثلا أن يكون السكان والعمق الإسرائيلي (الجبهة الداخلية) معرضين للخطر في الحرب الجديدة. كذلك موضوع الصواريخ على اختلاف أنواعها، والذي لم نعد ولم يتوفر الرد الدفاعي عليه...

استعداد "حزب الله" كان أمرا معروفا، جرى الحديث عنه علنا في الصحف وليس فقط كمادة استخباراتية. أما مسألة شبكة الأنفاق والتحصينات (التي أقامها "حزب الله" على امتداد الجبهة في جنوب لبنان) فلا أدري إن كانت قد توفرت معلومات عنها أم لا... السؤال المهم هو كيف نتصرف بالمعلومات. وربما كان ثمة هنا إجراءات واستعدادات لم تستكمل. ولكن مما لا شك فيه أن طابع هذه الحرب كان معروفا مسبقا.. هنا لا وجود لمفاجآت".

 

وحول ما يقصده بـ "طابع الحرب أو القتال" قال مريدور: "هناك عنصر نشاهده في غزة ولبنان، وهو أن الذي يحاربنا هناك ليس دولة وإنما منظمات تعمل في منطقة لا توجد فيها سيطرة لدولة... في الماضي حققنا إنجازات في مقابل حكومة وجيش، حيث يمكن ممارسة ضغوط عسكرية وسياسية واقتصادية على من يتخذ القرار إلى أن يعلن رغبته في وقف إطلاق النار أو إجراء مفاوضات. ولكن عندما لا يتوفر مثل هذا العنوان تنشأ مناطق حرام دون سيطرة حكومية فعالة، وبالتالي فإنه مهما مورست ضغوط وألقيت أطنان القنابل، فإن ذلك لا يشكل أية رافعة أو وسيلة ضغط لأن الأمر غير مرتبط بما تقرره الحكومة. هذا الأمر ينطبق على أجزاء من المناطق الفلسطينية وعلى مناطق معينة في لبنان إذ لا توجد للحكومة اللبنانية سيطرة على حزب الله.

منذ قيام الدولة كان التهديد المركزي الذي تواجهه إسرائيل يتمثل في الجيوش العربية، وقد بنينا في مواجهة ذلك قوة عسكرية ناجحة جدا. بعد (حرب) العام 1967 يئس قسم من أعدائنا من إمكانية القضاء علينا، وفي ضوء ذلك نشأت عمليتان: عملية ايجابية جدا تمثلت في العملية السلمية، وعملية أخرى وهي التي نشاهد الآن نتائجها ونشير إليها في التقرير، حيث رأت بعض الدول (العربية) أن إسرائيل قوية وأنه لا يمكن الانتصار عليها بالوسائل التقليدية ومن هنا يجب نقل الحرب ضدها إلى الصعيد فوق التقليدي (الصعيد الذري بشكل أساسي) وتحت التقليدي بأساليب الإرهاب وحرب العصابات..

إنه نفس النزاع في مستوى آخر، ولا بد من بذل جهود كبيرة لمنعهم من النجاح. هذا الأمر يتطلب تفكيرا مختلفا، قتالا مختلفا، تنظيما مختلفا وتعريفا مختلفا للمفاهيم..".

 

* سؤال: هل يعني ذلك أن الجمهور ساذج عندما يمتحن أولمرت وبيرتس وحالوتس بمصلحات النصر أو الهزيمة؟

 

- مريدور: الذي يتوقعه المواطنون (الجمهور) هو أننا نمتلك القدرة، ولكننا نتقاعس عن استنفادها وأننا حالما نستنفد ونجسد قدرتنا بالكامل سنتمكن حتما من تحقيق انتصار على غرار حرب 1967! لكن الأمر ليس بهذه البساطة.. فأنماط القتال الراهنة لا تتيح مثل هذه الحلول. هل يعتبر توقع النصر ضربا من السذاجة أو الغباء؟ هذا سؤال مركب لا أمتلك جوابا سهلا أو بسيطا عليه. فالحرب ضد منظمات إرهابية تنجح أحيانا في القضاء عليها كليا. من جهة أخرى هناك منظمات سرية وإرهابية تقاتل منذ عشرات ومئات السنين لم تنجح كل محاولات القضاء عليها.. إذا قلنا بأننا سنحاول دائما القضاء على منظمة ما ولم نتمكن بسبب الظروف، فإننا سنولد إحباطا كبيرا لدى جمهورنا ولدى جيشنا، لأننا ألقينا على عاتق قوات الأمن مهمات لا تستطيع تنفيذها ومن هنا يتولد الشعور بأنها منيت بالفشل. لذلك لا بد لمصطلحات ومفاهيم الحسم والردع والانتصار أن تتخذ نموذجا جديدا.

في العام 2000 على سبيل المثال تمكنا من تحقيق هدوء نسبي على الحدود الشمالية. ولكن ذلك لم يكن ثمرة حسم أنهى النزاع، وإنما نوع من التسوية التي أفرزت ست سنوات من الهدوء.

الجمهور يريد حلولا من نوع 100%، حلول تقلص المخاطر، ولكن السياسة التي نتبعها هي سياسة إدارة مخاطر. لا يمكن توفير حل 100% لـ 100% تهديدات، لا نظريا ولا عمليا.

 

* هل انتصرنا أم هزمنا (في الحرب الأخيرة)؟

 

- مريدور: لا أريد أن أقول إنه لم يكن بالإمكان تحقيق حسم أكبر. لم يكن بالإمكان حسم الحرب بواسطة القوة الجوية وحدها. مؤخرا راجعت التقرير الذي أعددناه، ووجدت أن المرة الوحيدة التي استخدمنا فيها كلمة "عاجل" كانت مرتبطة بتهديدات السلاح الصاروخي... تحدثنا عن ذلك بشكل ملموس لمعرفتنا بعدم توفر حل جيد لهذه المسألة. في حرب "يوم الغفران" (1973) التي تعتبر حدثا فاجعا في ذاكرتنا، وفشلا إسرائيليا تاما، تكبدنا ثمنا باهظا للغاية. ولذلك أقول بأنه لا يجوز لنا طالما كان الأمر ممكنا الانجرار إلى معارك استنزاف لأننا سنتكبد في هذه الحالة، حتى لو انتصرنا، خسائر جسيمة في الأرواح.

 

الحرب تؤكد الحاجة لتفكير مختلف

مريدور يرى أن الحرب الأخيرة أظهرت أن جبهة القتال والجبهة الداخلية تبادلا الأدوار، وأنها أكدت الحاجة إلى تفكير مختلف. وقال إن الحروب التي كان لإسرائيل ضلع فيها منذ العام 1991 استهدفت السكان المدنيين. حزب الله لم يطلق صواريخ الكاتيوشا على الجيش وإنما بشكل أساسي على الجبهة الداخلية. هذه حرب من نوع جديد وبالتالي لا بد من بناء ركيزة جديدة عدا الركائز المعروفة والمتمثلة في الردع والهجوم والحسم، فضلا عن ضرورة الاهتمام بتأمين الحماية اللازمة للجبهة الداخلية.

 

وأضاف: اللجنة التي ترأستها رأت بشكل صحيح تطور أو مجرى الحرب... لا يمكن التحدث بمصطلحات من قبيل حسم وإنهاء الحرب بضربة خاطفة أو بشكل سريع. ولكن مما لا شك فيه أن الحرب هي أهم اختبار للحكومة وبالتالي لا بد من إمعان النظر في الطريقة التي أديرت بها وكيف انتهت، وللجميع الحق في إبداء رأيه.

 

* هل هذا هو الوقت المناسب للفحص والتحقيق فيما جرى أم أن الأمر سابق لأوانه؟

 

- مريدور: جزء من الأمر يجب أن يفحص فورا نظرا لظهور إخفاقات وتقصيرات بغض النظر عما إذا كان الحديث يتناول نقصا في المياه أو في التجهيزات للجنود، أو إخفاقا في إنجاز مهمة معينة. يجب فحص الإخفاقات بشكل مهني واستخلاص العبر منها حتى نكون مستعدين كما يجب، إذا ما جرت جولة مواجهة أخرى. يجب الحذر من شيء آخر. فبعد حرب 1973، دعت إحدى استنتاجات التحقيق إلى وجوب العمل فورا على بناء جيش كبير وقوي، وعلى أثر ذلك أنفقت أموال بصورة جنونية وأدخل الاقتصاد الإسرائيلي إلى طريق عويصة قادت إلى انهيار واسع لأجهزة الدولة في العام 1985، بسبب العبء الأمني. لذلك ينبغي الحذر اليوم من الدخول في حالة هستيريا مشابهة. باستطاعتي أن أقدر نظريا أن إضافة مليار شيكل لميزانية الجيش لن يشكل حلا للثغرات التي ظهرت خلال الحرب الأخيرة. زيادة الميزانية العسكرية تعني زيادة القوة بشكل عام، لكن هذا لا يعني أن الإخفاقات الرئيسية التي تكشفت ناتجة عن الميزانية.

 

وأعرب مريدور في ختام المقابلة عن اعتقاده بأن على إسرائيل الإقلاع عن "معاداتها الأوتوماتيكية" للحلبة الدبلوماسية، مشيرا إلى أنه لا يمكن لإسرائيل مثلا أن تخوض وحدها المعركة ضد التهديد النووي الإيراني. وأضاف أنه لا يجوز مواصلة التفكير بمصطلحات "العالم كله ضدنا" و"ليس مهما ما يقوله الأغيار، المهم ما يفعله اليهود". وختم بالقول إن كل هذا التفكير "يجب أن يتغيّر".