"الهستدروت" لن تعلن الإضراب العام قبل مطلع نوفمبر

وثائق وتقارير

أجرى المقابلة: بلال ضاهر

 مع دخول الحرب الإسرائيلية ضد لبنان يومها الثالث عشر بدا أنها ما زالت في بدايتها، على الرغم من الحديث في اليومين الماضيين عن بوادر انفراج سياسي. وللتأكيد على أن الحرب ستستمر فترة طويلة فإن صناع القرار في إسرائيل يؤكدون على أن المسار السياسي مواز للمسار العسكري. بل أكثر من ذلك، فهم يصرحون أن إعداد المسار السياسي لا يجري للمضي فيه في هذه الأثناء وإنما في اليوم الذي يتلو انتهاء المعارك.

 

ويعتبر أغلبية الإسرائيليين أن الحرب ضد لبنان مبررة.

وفي هذا الصدد قال رئيس حزب العمل الإسرائيلي الأسبق ومرشحه لرئاسة الحكومة، الجنرال في الاحتياط عمرام متسناع: "لسنا نحن من بادر إلى هذه الحملة العسكرية".

وتذرع، في مقابلة أجراها معه "المشهد الإسرائيلي"، لتبرير الحرب والدمار الذي ينزله الجيش الإسرائيلي بلبنان وخصوصا منشآته المدنية بأن "حزب الله هو الذي بدأ بمهاجمة دولة إسرائيل ولذلك فإن من فتح هذه الحرب يتلقى الآن ردا إسرائيليا قويا".

 

* "المشهد الإسرائيلي": لكن السؤال هو أنه بسبب اختطاف جنديين يتم تدمير دولة بأكملها؟

 

- متسناع: "هذا ليس بسبب اختطاف جنديين. أولا، عملية اختطاف الجنديين رافقها إطلاق نار باتجاه بلدات ومدن في شمال إسرائيل. ما هو اختطاف الجنديين؟ لدينا هنا شروع في عمل حربي مع تهديد واضح جدا بتوجيه ضربات نحو مدن شمال إسرائيل ولن تسمح أي دولة في العالم لنفسها أن يتواجد تنظيم إرهابي عند حدودها ويهدد البلدات ويختطف جنودا كما يريد. وقد ضبطت إسرائيل نفسها طوال 6 سنوات على الرغم من أن حزب الله اختطف جنودا وأطلق النار على مدن وبلدات في الشمال والآن أعتقد أنه يحظر ضبط النفس أكثر ونحن مجبرون الآن على رد الصاع صاعين".

 

* ما الذي تغيّر الآن، فقد جرى في السنوات الماضية اختطاف جنود وتم إطلاق صواريخ كاتيوشا أو قذائف هاون على بلدات في شمال إسرائيل ولم يكن مثل هذا الرد العنيف، الذي تم خلاله تدمير دولة بكاملها وبضمن ذلك بنى تحتية وقتل مئات المواطنين؟

 

- متسناع: "يمكن وقف هذا القتال خلال ساعة، من خلال التوقف عن إطلاق صواريخ كاتيوشا باتجاه دولة إسرائيل وإعادة الجنديين... خلال ساعة واحدة يمكن وقف ذلك. وأريد أن أذكرك بأنه خلال السنوات الست الماضية، نفّذ حزب الله هجمات، عندما توغل من لبنان إلى منطقة كيبوتس ماتسوفا وتم قتل فتى في بلدة شلومي ومرة أخرى تم قصف ومهاجمة موقع عسكري وقتل خلال ذلك جندي".

 

* عندما تمت هذه الهجمات في السنوات الماضية كان أريئيل شارون رئيسا للوزراء في إسرائيل. ورغم أن لشارون ماضيًا عسكريا غنيّا للغاية فإنه لم يخرج في حملة عسكرية وإنما أقر ردود فعل ضيقة ومحدودة جدا. أما الآن فهناك رئيس الوزراء ايهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس وكلاهما يفتقر لأي خلفية عسكرية لكنهما صادقا على أن ينفذ الجيش عمليات عسكرية واسعة للغاية وعنيفة جدا. كيف ترى هذا الفرق؟

 

- متسناع: "لا أرى أي فرق. وأرى أنه لو كان شارون على رأس حكومة إسرائيل لكان سينفذ العمليات الجارية الآن ذاتها. وللتذكير فقط، لقد انسحبنا من جنوب لبنان ومن قطاع غزة ولا جدال لإسرائيل مع لبنان ولا يوجد أي مواجهة. لا توجد مطالب متبادلة من جانبنا أو من جانب لبنان. لكن بكل بساطة فإن المسألة هي أن هناك منظمة إرهابية في لبنان وتعمل بشكل واضح ضد أراض تحت سيادة دولة إسرائيل. ولذلك فإن شارون كان سينفذ العمليات العسكرية ذاتها".

 

* هناك ضباط في الجيش الإسرائيلي رأوا أن إسرائيل لم تكن مستعدة لهذه الحرب وخصوصا ما يتعلق بالتوغل البري في جنوب لبنان. من جهة أخرى يقول ضباط في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لم يتوقع هذا الهجوم الإسرائيلي الشديد. هل تعتقد أنه كانت هناك استعدادات لها؟

 

- متسناع: "أعتقد أن هذه الحرب كانت مفاجئة للبنان ولإسرائيل لكن ليس بالنسبة لحزب الله. فقد خطط حزب الله لها، ولدينا تقديرات عديدة تفيد بأنه تم دفع حزب الله، من قبل سورية وإيران. لكن حزب الله أعدّ نفسه وأعتقد أن المفاجأة الوحيدة بالنسبة له هي أن دولة إسرائيل هذه المرة لم ترد بضربة صغيرة كما جرى في الماضي وإنما خرجت ضد حزب الله في حرب شاملة. وقد راهن نصر الله أبعد مما يتوجب، واعتقد أن دولة إسرائيل فقدت رغبتها في القتال والرد. لكنه اكتشف الآن إسرائيل أخرى. وكما قلت، فإن بإمكانه وقف هذا الدمار والقتل الذي لا حاجة له في غضون ساعة واحدة، بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الجنديين. وبعد ذلك تأتي مسألة إبعاد نصر الله عن الحدود مع إسرائيل".

 

* لماذا لا تتوجه إسرائيل إلى مفاوضات غير مباشرة مع حزب الله لتحقيق الهدفين اللذين تتحدث عنهما: إعادة الجنديين، طبعا مقابل إطلاق سراح أسرى في السجون الإسرائيلية فهذا ما سيكون في نهاية الأمر، ومن أجل وقف إطلاق النار؟ وبالمناسبة فقد صدرت دعوات بهذه الروح في إسرائيل من سياسيين ووسائل إعلام أيضا.

 

- متسناع: "أولا، هذه الدعوات كانت معدودة، إذ أن أكثر من 80 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي يدرك أنه ليس هناك من يمكن الحديث معه. أنا رجل مفاوضات ومستعد للتوصل إلى تسويات، لكن حزب الله ليس شريكا للمفاوضات. على ماذا نتفاوض معه؟ فهو الذي بدأ هذه الحرب، من خلال اختطاف جنود وإطلاق النار على شمال إسرائيل، ولا أتحدث عن الأسبوعين الأخيرين فحسب. وحزب الله ليس جهة سياسية أصلا. لذلك لا يوجد مع من يمكن التحدث معه. ولا توجد دولة في العالم، لا عربية ولا أوروبية، مستعدة أن تكون وراء حدودها منظمة إرهابية لا تتحمل مسؤولية أي شيء وتعمل وفقا لأهوائها".

 

* لكن أنت كجنرال وسياسي، هل تعتقد أنه بالإمكان كسر حزب الله ونزع سلاحه ووقف نشاطه العسكري عموما من خلال الحرب؟

 

- متسناع: "ليس لدينا هدف بتغيير البنية السياسية في لبنان. وكان الأفضل لو حوّل نصر الله حزب الله إلى منظمة سياسية بعد انسحابنا من لبنان. لكن عندما واصل التسلح وتهديد إسرائيل بعد الانسحاب من لبنان، فإنه ليس لدي أي شك بوجوب تنفيذ هذه الخطوات ضده، التي من دونها لن يكون هناك أمن في الشرق الأوسط. أنا أؤيد الانسحاب من أراض محتلة. لكن هذا يجب أن يترافق وأن يكون مدعوما بقوة ردع الجيش الإسرائيلي. وعندما ننسحب من منطقة لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بأن يواصل أحد إطلاق النار علينا، ولا يوجد أي سبب لذلك. لقد انسحبنا من غزة وأيضا من لبنان، وآمل أن يكون هناك انسحاب من الضفة الغربية أيضا. لكن إذا تمت مهاجمتنا بعد الانسحاب من الضفة مثلا فإن إسرائيل ستدمر الضفة. وقد انسحبنا من لبنان إلى حدود رسمتها الأمم المتحدة. ومن يجرؤ على إطلاق رصاصة واحدة علينا سنرد عليه بقنبلة زنتها طن. وإلا فإنه لن يكون هناك أمن في دولة إسرائيل. وكانت هناك أفكار في إسرائيل تقضي باحتلال أراض في لبنان من أجل السيطرة على عمق معين، لكني أعتقد أن هذا خطأ وأعتقد أيضا أن التوجه يجب أن يكون اليوم أن الأمن هو بالانسحاب من تلك الأراضي. وبعد أن ننفذ ذلك تكون اللعبة قد انتهت وردنا على أي إطلاق نار علينا يجب أن يكون بقوة شديدة للغاية".

 

* باجتياح بري؟

 

- متسناع: "نعم. حتى لو كان الثمن تنفيذ اجتياح بري. أنا أعارض الاجتياح البري بصورة واسعة، لكن إذا لم يكن هناك خيار فسوف نفعل ذلك. هذه الحرب هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لدولة إسرائيل. فحزب الله يعلن أن غايته هي القضاء على الكيان الصهيوني. وهو يفعل ذلك. وأنا لست وحيدا في معسكر السلام واليسار الإسرائيلي الذين أصبحوا مقتنعين بأنه يتوجب اليوم إعطاء المدافع حق الكلام".

 

* لكن هناك انتقادات من جانب أعضاء كنيست ووزراء من حزبك، حزب العمل، وأيضا من جانب وزراء من حزب كديما الحاكم، بينهم الوزير مئير شيطريت...

 

- متسناع: "لا تخطئوا. هذه الانتقادات ليست ضد الحرب وإنما هي انتقادات ضد شكل الحرب وربما ضد شكل التوغل البري في جنوب لبنان. هذه الانتقادات لا تتطرق إلى القضية المركزية وهي ضرورة القتال دون مساومة. لكن هذه انتقادات هامشية. فالولايات المتحدة والدول الأوروبية وعدد من الدول العربية المعتدلة وحتى بعض الطوائف في لبنان تريد أن تكسر إسرائيل شوكة حزب الله. رغم ذلك، فإن الأمر الأساسي هو حاجة إسرائيل إلى القضاء على قوة حزب الله العسكرية. ومن ناحية إسرائيل فإن حزب الله لن يستمر بالبقاء كمنظمة عسكرية تتواجد عند حدودنا الشمالية. حتى لو اضطررنا للدخول إلى لبنان، وهذا ما لا آمله، وحتى لو اضطررنا لإبقاء مليون مواطن في شمال إسرائيل في الملاجئ. أي تنازل سيكون سببا للحرب القادمة، لأن أهداف وغايات حزب الله بعيدة المدى".

 

* هل تتوقع أن تتسع الحرب لتشمل سوريا وربما إيران؟

 

- متسناع: "لا أعتقد أن سورية ستنضم للحرب، لكن هذه حرب لا مفر من خوضها. فهذه ليست حربا بادرنا إليها، ولذلك فإنه لا يمكنني التوقع كيف ستتطور الأمور. ونحن في نهاية المطاف ندافع عن أنفسنا عن طريق الهجوم. لا مصلحة لدينا بحرب مع السوريين وأعتقد أن هذا قد قيل بصورة واضحة، لكن لا يمكن القول كيف ستسير الأمور لاحقا".

 

* وبالنسبة لإيران؟

 

- متسناع: "لا أعتقد أن إيران ستدخل الحرب بهذا الشكل أو ذاك. فالإيرانيون والسوريون يعرفون حدودهما تماما".

 

* هل تتوقع أن تستغل إسرائيل أو الولايات المتحدة ظروف الحرب وتقصفان المنشآت النووية في إيران؟

 

- متسناع: "لا أعتقد أن هناك نية كهذه. فهذا لا يخدم هدف أي من الأطراف. لا أحد يريد الخروج بحرب شاملة. المسألة هنا أن حزب الله اعتقد أن إسرائيل ضعيفة ولذلك أقدم على مغامرته هذه. وأنا أرى، من الجهة الأخرى، أن الجمهور الإسرائيلي يرى أن هذه الحرب مبررة. وإذا لم ننجح في نهاية المطاف بنزع سلاح حزب الله بالتعاون مع أنظمة عربية معتدلة ودول أخرى في العالم فإنه لن يسود الهدوء في المنطقة. ودولة إسرائيل لن توافق على وضع كهذا. وأعتقد أن العرب لا يدركون هذا حتى الآن".

 

* ما الذي سيجعل الرأي العام الإسرائيلي يتغير ويطالب بوقف الحرب؟

 

- متسناع: "أعتقد أن الرأي العام في إسرائيل قد يشهد مدا وجزرا. لكن هذه الحرب يجب أن تنتهي بتحقيق الهدف".

 

* هل سيصل الجيش الإسرائيلي إلى بيروت مثلا؟

 

- متسناع: "قلت إن هذه الحرب يجب أن تنتهي بعد تحقيق الهدف وعدم ترك بذور لحرب قادمة. لا أعتقد أننا سنصل إلى بيروت، لكن كل شيء ممكن. وعلينا أن نذكر أنه لا يوجد توازن بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، ودولة إسرائيل لم تستخدم بعد قوتها الحقيقية. ولا أدري كيف يجرؤ نصر الله على التفكير بأن هناك توازنا مع إسرائيل. هذا خطأه ورهانه غير المبرر".