إسرائيل تدرس تشكيل لجنة تحقيق لتجنب عواقب تقرير غولدستون

ارشيف الاخبار

 كتب بلال ضاهر

أقرت الحكومة الإسرائيلية لأول مرة، أمس الأول الأحد، سياستها فيما يتعلق بموضوع العمال الأجانب، أو مهاجري العمل في إسرائيل، والتي أساءت شروط تشغيلهم. وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي عقده خصيصا للتحدث حول السياسة الجديدة، إنه أصبح "لإسرائيل سياسة هجرة مختلفة ومتشددة وواضحة". ووضع وزير المالية الإسرائيلي، يوفال شطاينيتس، هدفا بإخلاء ما بين 30 إلى 40 ألف مكان عمل في المرافق الاقتصادية نتيجة لما وصفه ب"تقليص" عدد العمال الأجانب وأن "هذا الأمر سيقلص حجم البطالة ويعيده إلى ما كان عليه قبل الأزمة الاقتصادية" العالمية.

 

وقال نتنياهو إن "دخول العمال الأجانب بشكل مكثف إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة أدى إلى مشاكل أمنية وانتشار المخدرات، وأدى بالأساس على اختراق سوق العمل وانخفاض الأجور". واضاف أن "العمال الأجانب هم وزن يدفع الأجور إلى أسفل، والحديث يدور عن ضرر اجتماعي كما أنه ألحق ضررا بجانب آخر وبكون دولة إسرائيل هي دولة يهودية".

وذكرت صحيفة هآرتس، أمس الاثنين، أن السياسة الجديدة ستشمل خطوات وإجراءات يتوقع أن تمس بشكل كبير بجمهور العمال الأجانب في إسرائيل. وبموجب السياسة الجديدة سيضطر المهاجرون غير الشرعيين إلى إسرائيل لغرض العمل إلى مغادرتها لفترة معينة قبل أن يتمكنوا من التقدم بطلبات جديدة للعمل في إسرائيل. وهذه الخطوة ستمس أزواج إسرائيليين لهؤلاء المهاجرين وأبنائهم. إضافة إلى ذلك فإن سيتم ذكر نوع العمل الذي سيمارسه العامل الأجنبي في تأشيرة الدخول إلى إسرائيل ومن يعمل في غير مجاله خلال 90 يوما سيتم طرده من البلاد. كذلك سيقرر وزير الداخلية الإسرائيلي في عدد المشغلين الذين سيسمح للعامل الأجنبي بالعمل لديهم في مجال العناية بالمسنين. وقالت هآرتس إن هذه البنود ستمكن المشغلين من تكبيل العمال الأجانب.

لكن الصحيفة أشارت إلى أنه فيما استعرض نتنياهو سياسته الجديدة استمرت حكومته في إصدار آلاف تأشيرات الدخول إلى إسرائيل للعمال الأجانب في كل شهر. كذلك تبين من تحقيق هآرتس أن حكومتي نتنياهو هما اللتان رفعتا بشكل كبير جدا عدد العمال الأجانب في إسرائيل. وأظهر التحقيق أنه مع تولي نتنياهو رئاسة حكومته الأولى في العام 1996 ارتفع عدد العمال الأجانب في إسرائيل إلى رقم قياسي ووصل إلى 106 آلاف، بينما كان عددهم في العام 1994 حوالي 30 ألفا.

ورغم حديث نتنياهو، أمس الأول، عن مخاطر تدفق العمال الأجانب إلى إسرائيل، لكن المعطيات تشير إلى أنه خلال العام الماضي، 2009، أي في فترة ولاية نتنياهو الحالية في رئاسة الحكومة، دخل إسرائيل 120 ألف عامل أجنبي تمت إضافتهم إلى 135 ألف عامل أجنبي كانوا موجودين في إسرائيل. ووفقا للتقديرات فإن حكومة نتنياهو صادقت على تأشيرات دخول 61 ألف عامل أجنبي للعمل في المجال الصحي، وبالأساس في رعاية المسنين. وفي كل شهر يضاف إليهم ما بين 500 إلى 600 عامل أجنبي. ودخل العام الماضي 29 الف عامل أجنبي للعمل في فرع الزراعة وتسعة آلاف لفرع البناء و20 ألفا للعمل في فروع الصناعة وغيرها. كما أنه تم إحضار 15 ألف عامل أجنبي للعمل في فروع لا تتوفر تفاصيل حيالها.

كذلك تبين من تحقيق هآرتس أن نتنياهو ليس السياسي الوحيد الذي يتحدث ضد ظاهرة العمال الأجانب، من جهة، ويعمل على إصدار تصاريح لإحضار المزيد من العمال الأجانب من الجهة الأخرى. ففي السنوات التي تولى فيها مندوبون عن حزب شاس وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل، ارتفع عدد العمل الأجانب، وذلك في الوقت الذي حذر فيه رئيس شاس، الوزير ايلي يشاي، من أن العمال الأجانب يحضرون معهم الكثير من الأمراض وبينها الإيدز والمخدرات. لكن عندما تولى يشاي وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل في العام 2000 جرت المصادقة على دخول ليس اقل من 85 ألف عامل أجنبي. وعندما تولى الوزارة ذاتها عضو الكنيست عن شاس، شلومو بينيزري تم إدخال 104 آلاف عامل أجنبي جديد. وعندما تولى ايهود أولمرت الوزارة انخفض عدد العمال الأجانب إلى 98 ألفا، لكن عددهم عاد وارتفع إلى 102 ألف عندما تولى يشاي الوزارة ثانية في العام 2006. وخلال تولي يشاي الوزارة نفسها في العام 2007 ارتفع عدد العمال الأجانب على 110 آلاف وفي العام 2008 وصل إلى 118 ألفا.

ولفتت الصحيفة إلى أن الرابح الأكبر من هذا الوضع هي شركات القوى العاملة التي تربح عمولة وساطة من كل عامل أجنبي تحضره إلى إسرائيل خمسة آلاف دولار تجبيها من شركات القوى العاملة في الدولة التي جاء منها العامل الأجنبي.

وكحل للوضع الحاصل ولمنع تنفيذ سياسة نتنياهو الجديدة في هذا الصدد، طالبت منظمات حقوق إنسان في إسرائيل بوقف إصدار تأشيرات عمل جديدة، وإنشاء مخزون بأسماء العمال الأجانب الذين لم يستكملوا فترة العمل المسموح بها بموجب القانون، وهي خمس سنوات.

لكن هناك جوانب أخرى لهذه القضية تطرق إليها عضو الكنيست عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الدكتور دوف حنين، في حديث مع "المشهد الإسرائيلي". وقال حنين إن "خطة نتنياهو لطرد عمال أجانب تدل بالأساس على المواقف العنصرية واليمينية التي يحملها نتنياهو. لأنه فيما يتعلق بموضوع العمال الأجانب، فإنه يوجد في إسرائيل ’باب مستدير’، أي أنه من جهة تريد هذه الحكومة طرد عمال أجانب من إسرائيل، ما بين 30 إلى 50 ألفا في العام الحالي، ومن الجهة الثانية فإن الحكومة ذاتها تريد أن تجلب هذا العام أيضا عمالا أجانب جدد. ويتم إحضار العمال الأجانب للعمل في الزراعة والبناء والاعتناء بالمسنين. ويحضر هؤلاء العمال تجار البشر بواسطة شركات القوى العاملة، التي تحقق أرباحا عالية جدا من استيراد هؤلاء العمال. وبعض أصحاب هذه الشركات مقربين من الحكومة الحالية. ولذلك بالإمكان القول إن سياسة الحكومة عي سياسة تنطوي على الكثير من النفاق، لأنهم يطردون العمال الأجانب الموجودين في إسرائيل وفي موازاة ذلك يستمرون في جلب عمال أجانب جدد إلى إسرائيل".

(*) من سيعمل مكان العمال الأجانب بعد طردهم؟

حنين: "لقد بدأت عملية إحضار العمال الأجانب إلى إسرائيل بعد أن قررت إسرائيل إغلاق أبوابها في وجه العمال الفلسطينيين. فبعد حرب العام 1967 كان يعمل العمال الفلسطينيون في قسم كبير من الأعمال التي يعمل بها العمال الأجانب الآن، في فروع مثل البناء والزراعة. لكن بعدما قررت حكومة إسرائيل، في سنوات التسعين، إغلاق أبوابها بشكل كامل في وجه العمال الفلسطينيين، بدؤوا بإحضار عمال أجانب لأن العمال الإسرائيليين ليسوا مستعدين للعمل في قسم كبير من هذه الفروع. والعمال الإسرائيليون ليسوا مستعدون للعمل في هذه الفروع خصوصا وأن شروط العمل فيها متدنية من ناحية الشروط الاجتماعية والأجور المنخفضة، التي يوافق العمال الأجانب على العمل بموجبها".

(*) لكن يوجد تناقض هنا. فحكومة نتنياهو أصدرت خلال العام الماضي وحده سمحت بدخول 120 ألف عامل أجنبي. والآن تريد طرد عشرات الألوف من العمال الأجانب وفي الوقت ذاته تريد إحضار عمال أجانب آخرين، كما تقول أنت. لماذا تريد حكومة إسرائيل طرد عمال أجانب إذا كانت تريد إحضار آخرين؟

حنين: "سأصف لك كيف تسير الأمور في هذا الموضوع. لقد بدأ العمال الأجانب الموجودون في البلاد بالإطلاع ومعرفة الظروف هنا. وبدؤوا يدركون ويعرفون أنه يوجد في إسرائيل حقوق للعمال وأن هناك نقابات ومؤسسات وجمعيات بإمكانها أن تدافع عنهم للحصول على حقوقهم. والحكومة تريد طردهم لكي لا يصبح لديهم حقوق ولكي لا يكون لديهم ثقة بالنفس ولا يعرفوا شروط العمل في البلاد. ولذلك تقرر إحضار عمال أجانب جدد، الذين هم ضعفاء أكثر ولا يعرفون حقوق العمال في إسرائيل. ولذلك فإنه في خلفية هذه السياسة هناك أيضا هذا الاعتبار، أي أن العمال الجدد ضعفاء ويصبح من الأسهل استغلالهم أكثر من العمال الأجانب القدماء. والأمر الثاني هو أن عملية ’الباب المستدير’، الذي يسمح باستمرار إحضار عمال أجانب، يحقق أرباحا طائلة لشركات القوى العاملة.

"وأريد هنا أن أقول شيئا عن الجانب العنصري في موقف نتنياهو. فقد أطلق نتنياهو، في عدة مناسبات مؤخرا، تصريحات لم يتحدث فيها فقط عن أن العمال الأجانب يأخذون أرزاق العمال الإسرائيليين، وإنما تحدث كمن يشكلون خطرا على التوازن الديمغرافي ويمسون بالطبيعة اليهودية لدولة إسرائيل، وينشرون الأمراض داخل إسرائيل. وهذه التصريحات هي تفوهات عنصرية سافرة للغاية وتتلاءم مع اليمين المتطرف والعنصري في أوروبا. وتندمج خطة طرد العمال الأجانب مع سياسة حكومة نتنياهو مع ما يسمى ب’المتسللين’ واللاجئين الذين يدخلون إلى إسرائيل عن طريق الحدود مع مصر. ونتنياهو يريد أن يبني هناك جدارا لمنع دخول ’المتسللين’ واللاجئين، الذي يصل معظمهم من السودان واريتريا. ولدى المجتمع الإسرائيلي يوجد عقدة في موضوع اللاجئين. وبالطبع فإن مصدر هذه العقدة في موضوع اللاجئين مرتبط بلاجئين آخرين، ألا وهم اللاجئون الفلسطينيون، الذين ما زالت إسرائيل تتجاهلهم وتتجاهل معاناتهم، رغم مرور سنوات طويلة، ورغم أنه تزايد الوعي في العالم بأنه لا يمكن حل الصراع الإسرائيلي – العربي والإسرائيلي – الفلسطيني من دون التعامل بصورة جدية وعميقة وجذرية لقضية اللاجئين الفلسطينيين. لكن إسرائيل تعيش في حالة نفي دائم ومطلق لكل موضوع اللاجئين، سواء كانوا لاجئين فلسطينيين أو أفريقيين. والعقلية التي تسيطر في إسرائيل هي أن اللاجئين هم فقط اللاجئين اليهود. وصحيح أن اليهود في القرن العشرين كانوا لاجئين وهربوا من الفاشية في ألمانيا وأماكن أخرى وحاولوا الوصول إلى أماكن عديدة ووجدوا أن أبوابها مغلقة أمامهم. لكن إسرائيل ترفض تعلم العبرة التاريخية وأن هذه الدولة بالذات، إسرائيل، يجب أن تكون مصغية أكثر لمعاناة اللاجئين، وأن تحترم حقوقهم أكثر. وبدلا من ذلك خلقوا هنا نوعا من سياسة صد اللاجئين من خلال انعدام حساسية مطلق تجاه موضوع اللاجئين غير اليهود".

(*) ما تقوله هو أنه ليس متوقعا أن يحل عمال فلسطينيون أو عمال من إسرائيل مكان العمال الأجانب المرشحين للطرد؟

حنين: "أعتقد أن عمالا فلسطينيين أو من إسرائيل لن يحلوا مكان العمال الأجانب لأن الحكومة مستمرة، هذا العام أيضا، في إحضار عمال أجانب إلى إسرائيل. وهذا هو التناقض الكبير الذي يميز السياسة الإسرائيلية. وسيستمر تواجد عدد كبير من العمال الأجانب، أي الأيدي العاملة الرخيصة والمستغلة، في الاقتصاد الإسرائيلي".