وسائل الإعلام الإسرائيلية والتغطية النمطية للنزاع

ارشيف الاخبار

أنهى وزير الخارجية الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، جولته الأفريقية التي شملت خمس دول، وعاد إلى إسرائيل، اليوم الجمعة – 11.9.2009. وأبرز ليبرمان، في الجانب العلني من جولته، استعداد إسرائيل لمساعدة الدول الأفريقية على حل مشاكلها، مثل مواجهة الجوع والنقص في المياه والتغلب على سوء التغذية والأوبئة. لكن جولة ليبرمان شملت جانبا خفيا تميز، بحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس، اليوم، في سعي أجهزة الاستخبارات وتجار الأسلحة في إسرائيل إلى فتح الأبواب أمامها في هذه الدول. وفي حال نجاح تجار الأسلحة ومزودي الخدمات في مجال تطوير البنية التحتية في إبرام صفقات فإنه سيتم رفع حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الدول الأفريقية بمليار دولار سنويا، إضافة إلى حجم الصادرات الحالي البالغ ثلاثة مليارات دولار.

 

وتم التعبير عن الجانب الخفي في جولة ليبرمان من خلال أفراد حاشيته. فإلى جانب موظفي وزارة الخارجية، انضم إلى ليبرمان مندوب عن دائرة المساعدات الخارجية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ومندوبون عن تجار الأسلحة وشركات صناعة الأسلحة، مثل "سولتام"، الصناعات العسكرية، الصناعات العسكرية الجوية، "سيلفر شادو"، مصانع صنع وصيانة السفن، "إلبيت" للصناعات الالكترونية الدقيقة وغيرها. كذلك رافق ليبرمان مندوبون من شركات إسرائيلية بارزة في مجال البنية التحتية، بينها شركة الكهرباء وشركة "إلكو".

وأشارت هآرتس إلى أنه بطبيعة الحال فإنه خلال زيارة وفد كهذا لا يتم التوقيع على صفقات، وإنما يتم من خلالها فتح أبواب والبدء في إقامة علاقات ونسج الخيوط لصفقات يتم إبرامها في المستقبل.

ويظهر جليا من تقرير هآرتس أن المساعدات الإسرائيلية للدولة الأفريقية لتواجه مآسيها ومصائبها تكاد لا تذكر مقارنة مع الأرباح التي ستجنيها إسرائيل من الصفقات الأمنية. فقد ركز ليبرمان خلال زيارته لأثيوبيا، مثلا، على مجالات المساعدات، التي سيتم تمويلها من ميزانية وزارة الخارجية الإسرائيلية. وستنفذ هذه المساعدات دائرة التعاون الدولي في وزارة الخارجية، وتتركز في مجالات البيوتكنولوجي، الزراعة، أسليب تخزين المياه، ومساعدات لمحاربة مرض الإيدز. وتمول وزارة الخارجية الإسرائيلية مشاريع كهذه التي تصل تكلفتها السنوية، بحسب هآرتس، إلى بضع مئات آلاف الدولارات، وحتى أنها تتلقى مساعدة في هذا التمويل من الولايات المتحدة وألمانيا. وفي المقابل فإن التقديرات وزارة الخارجية ومعهد التصدير في إسرائيل تشير إلى أن الصفقات الأمنية سيصل حجمها على مليار دولار سنويا.

من الجهة الأخرى، أشارت هآرتس إلى أن أثيوبيا تعتبر دولة أساسية ومركزية من الناحية الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، وتربط الدولتين علاقات وثيقة جدا منذ سنوات طويلة على ضوء استعداد أثيوبيا للسماح بوجود عسكري إسرائيلي في أراضيها. وتنبع أهمية أثيوبيا الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل في كونها دولة مجاورة لدول عربية ولكونها، أيضا، مطلة على مسارات إبحار السفن إلى ميناء إيلات، في جنوب إسرائيل، وإلى قناة السويس. وأضيف إلى ذلك في السنوات الأخيرة محاولة إيران بتوسيع نفوذها في المنطقة المجاورة لأثيوبيا وتزايد تواجد عناصر حركات الجهاد العالمي في تلك المنطقة. وشددت هآرتس على أنه بطبيعة الحال بحث ليبرمان في هذه المواضيع ولم يتم تزويد الصحافة بتقارير حول ذلك.

وكانت طبيعة زيارة ليبرمان إلى كينيا مشابهة لطبيعة الزيارة إلى أثيوبيا. وأعلن وزير الخارجية الكيني بعد لقائه مع ليبرمان أن إسرائيل أبدت استعدادا لمساعدة دولته في مجال الزراعة في الصحاري. كما امتدح نائب الرئيس الكيني إسرائيل على خلفية المساعدات التي تقدمها لكينيا في مجال الري والزراعة. لكن الوفد الإسرائيلي تحدث مع مسؤولين كينيين عن مواضيع لم يتم النشر عنها. وذكرت هآرتس في هذا السياق أن "كنيا استعانت بإسرائيل دائما وتقديم المساعدة لها في مجال محاربة الإرهاب، مثلما تدل على ذلك قضايا من الماضي وبينها تحرير الطائرة المخطوفة في مطار عينتيبة في أوغندا وتسليم مواطنين ألمان عملوا في خدمة الإرهاب الفلسطيني".

كذلك زار ليبرمان نيجيريا، حيث توجد مجموعة كبيرة نسبيا من رجال الأعمال الإسرائيليين في هذه الدولة، التي تعتبر إحدى أكبر وأغنى وأهم الدول في أفريقيا. ويعمل رجال الأعمال الإسرائيليين في مجال الزراعة والبنية التحتية، لكن نيجيريا هي بالأساس هدفا لصادرات الأسلحة الإسرائيلية. وأبرمت شركات الأسلحة الإسرائيلية مع نيجيريا في السنوات الأخيرة صفقات أسلحة وصلت قيمتها إلى حوالي نصف مليار دولار.

وقال نائب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية والمسؤول عن دائرة العلاقات الخارجية في الوزارة، حاييم ديبون، إن "الوزير ليبرمان صرح بأن نواياه هي إعادة السياسية الخارجية إلى القارات التي غابت عنها" في إشارة إلى أفريقيا وأميركا الجنوبية، التي قام بجولة في عدد من الدول فيها قبل شهرين تقريبا. وأضاف ديبون أن "هذه التصريحات مليئة بالنوايا الحسنة، لكن تجربة الماضي تدل على أن صوت وزارة الخارجية يتقزم في معظم الأحيان أمام وزارة الدفاع (الإسرائيلية) ولوبي الشركات المنتجة للأسلحة، التي اختطفت إلى أيديها، خلال العقود الأخيرة السياسة الخارجية الإسرائيلي وأخضعوها لاحتياجاتهم".