عرض ونقد لخطة "إسرائيل 2028"

وثائق وتقارير

حركة احتجاج اجتماعية واحدة ربما ثابرت في مجابهة الاحوال الاقتصادية هي حركة "ميدان الخبز" التي مر عام كامل على قيامها بنصب خيام قبالة وزارة المالية تشكل مركزا اعلاميا ومأوى لنشطائها وابناء اسرهم  الذين يعدون ثلاثين نفرا ويعتاشون على تبرعات ومساعدات يقدمها تجار سوق "محانيه يهودا" في القدس.

 تقرير : وديع عواودة

 سنة 2004 التي تشارف على الانقضاء هي واحدة من بين أقسى السنوات ان لم تكن اكثرها قسوة من الناحية الاقتصادية بالنسبة لشرائح اجتماعية واسعة في اسرائيل، جراء مضي وزير ماليتها بنيامين نتنياهو في قطع اللحم الحي للفقراء وللمسحوقين من خلال الخطوات النيو ليبرالية المستندة الى خصخصة المرافق الاقتصادية والغاء معظم مظاهر دولة الرفاه. هذه الخطوات افقرت الفقراء وزادت ثراء الاغنياء فبلغت الهوة الاجتماعية بين الطبقات حدودا لم تكن من قبل. وبطبيعة الحال كان المواطنون العرب والمسنون والامهات والاسر الأحادية الوالدين اكثر الفئات الاجتماعية تضررا. لكن شراسة السياسات المالية الراهنة التي جعلت نحو مليون ونصف مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر وحولت مشاهد الجياع المتدفقين على مراكز الاغاثة وتوزيع الطعام إلى مشاهد يومية، لم تؤد إلى إخراج المتضررين في حركات احتجاجية قوية فظهرت مبادرات موضعية هنا وهناك لا فاعلية لها. وامام انحسار دور الدولة المؤازر للعائلات المحتاجة انتشرت في اسرائيل في الاونة الاخيرة الجمعيات الخيرية التي ولدت في محاولة لسد الفراغ وتقديم المساعدات الانسانية. وفي مطلع العام بدا ان هناك حركة احتجاج واعدة مع ظهور نجم الناشطة فيكي كنافو، وهي أم لأسرة أحادية الوالدين، التي قطعت الطريق من وادي عربة الى وزارة المالية في القدس سيرا على الاقدام غير انه سرعان ما خبا نور الحركة وتحولت قائدتها ورمزها الى نجمة اعلامية في البرامج الترفيهية في القنوات ووسائل الاعلام الاخرى. حركة احتجاج اجتماعية واحدة ربما ثابرت في مجابهة الاحوال الاقتصادية هي حركة "ميدان الخبز" التي مر عام كامل على قيامها بنصب خيام قبالة وزارة المالية تشكل مركزا اعلاميا ومأوى لنشطائها وابناء اسرهم الذين يعدون ثلاثين نفرا ويعتاشون على تبرعات ومساعدات يقدمها تجار سوق "محانيه يهودا" في القدس.

في حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" قال رئيس حركة "ميدان الخبز"، ايلان زهافي، ان الخيمة تحولت الى "وزارة بديلة" تعالج مشاكل مادية للكثيرين ممن يتوجهون الى نشطائها الذين يتوجهون بدورهم لجهات عديدة رسمية واهلية لتوفير الحلول. وأضاف "مشكلتنا تكمن بأن المسؤولين الكبار في الدولة يغفلون القضايا الانسانية الحارقة ويعانون من بلادة احساس لان حساباتهم تقوم على تقديرات الربح والكسب السياسي والكذب. هنالك اموال طائلة في اسرائيل تكفي لسد احتياجات الجميع غير انهم يقومون بتوزيعها بشكل غير عادل". والى جانب زهافي ينشط في قيادة حركة الخبز رؤوبين ابرجيل وهو من اواخر نشطاء حركة "الفهود السود" التاريخية التي تزعمها عضو الكنيست السابق شارلي بيطون الذي اشتهر ورفاقه بسرقة الخبز والحليب من الحوانيت وتوزيعها على الفقراء في احياء القدس الشعبية. في حديثنا اليه اتهم رؤوبين اسرائيل ومؤسساتها بانتهاج سياسة اضطهاد عنصرية ضد الحلقات الاجتماعية الضعيفة. وأضاف "في العالم الديموقراطي كانت هناك دولتان عنصريتان واحدة معلنة والاخرى ترتدي غلافا ديموقراطيا: جنوب أفريقيا وإسرائيل، واليوم بقيت الاخيرة الوحيدة في العالم الليبرالي دولة عنصرية تضطهد على اساس طبقي وقومي معا حيث تواصل قمعها للشعب الفلسطيني بحجة مكافحة الارهاب ولليهود الشرقيين بحجة وجودها وسط حرب. وللأسف يقبل الكثيرون بهذه المزاعم الواهية بمن فيهم المضطهدون أنفسهم واقصد اليهود الشرقيين اضافة الى اوساط لا بأس بها من الطبقة البرجوازية". ويرفض رؤوبين تسويغات وزير المالية بان خطواته التي تمس بالضعفاء تخدم الاقتصاد الاسرائيلي وبأن الصناعة ستنهار بدون هذه الخطوات لافتا الى انه يسمع هذه الادعاءات منذ سنوات طويلة وكل مرة في قالب جديد لكن الحقيقة لم تتغير والحكومة تواصل دس السم بالدسم.

ويرى قادة "ميدان الخبز" أن انضمام العمل الى حكومة الليكود سيكلف خزينة الدولة المزيد من المصروفات على حساب المواطن العادي الذي سيدفع ايضا اثمان اخلاء المستوطنين بشكل مبالغ به وغير معقول ما يمهد الى اتساع دائرة من سيطردون من اماكن عملهم وازدياد المتورطين بديون الاسكان الى جانب ازدياد اعداد الفقراء. ويحذر قادة حركة الخبز من تفاقم اوضاع الفقراء عامة جراء مبادرة حزب العمل الذي سيمنح الليكود الفرصة لاتخاذ خطوات اقتصادية اشد دون تردد او خوف من محاسبة الجمهور في ظل وجود الحزبين المتنافسين ب"الهوا سوا" تحت سقف حكومة واحدة ما يمهد برأيهم الى ازدياد حالات الطلاق والعنف والجريمة. ويقول هؤلاء إن حكومة الوحدة القومية ستخذل كل من يرجو احياء المسيرة السلمية وتوفير الامن والامل بعيشة هادئة لافتين الى ضرورة المبادرة الى عصيان مدني من خلال جماعات صغيرة منظمة تقوم ب"اشعال الحقول" وايقاظ الجمهور الواسع من سباته. ويدعو قادة حركة الخبز الاسرائيليين الى الامتناع عن تسديد الضرائب للدولة وللسلطات المحلية واعادة بطاقات الاحتياط للجيش واشاعة فوضى في كافة الاماكن التابعة للسلطات باعتبار انه لم يعد لديهم ما يخشون عليه. رؤوبين، الذي اكد ان كل الدروب الرامية للتحرر من وزر السلطات تؤدي الى الباستيل، دعا جميع المتضررين للنضال كل حسب طريقته من اجل التحول لمجتمع ينشد الحياة الكريمة ويخلو من العنصرية ويهتم بقضايا المواطن البسيط دون تمييز. واختتم حديثه الراديكالي بالاشارة الى بعض الامثال العربية التي يحفظها عن ظهر قلب ومنها: "كل غلاب بيجيه غلابو.." و"كل من يعيش بالسيف يموت بسيف".

وتقيم في الخيمة منذ عام فريدة مناحم، وهي سيدة تجاوزت الستين من عمرها طردتها دائرة الاجرة من بيتها نتيجة ديون مستحقة لبنك الاسكان فلم تجد من يطعمها ويؤويها سوى حركة الخبز. وتأكيدا على سخطها على الاوضاع العامة في اسرائيل اليوم قالت "في روسيا كنا نحن اليهود نتعرض الى الاعتداءات المستمرة وهنا يقتل اليهود بعضهم البعض بدون رحمة".

يشار الى ان محكمة العدل العليا كانت قد اصدرت الاسبوع الماضي حكما بنقل خيمة الخبز من قبالة وزارة المالية ما ادى الى عاصفة من ردود الفعل الغاضبة من قبل نشطاء الحركة الذين اتهموا قضاة العليا ببلادة الاحساس في "طردهم بشرًا من الشارع الى الشارع" لكن القضية عادت للبحث القضائي مجددا بعد استئنافهم على الحكم. ومن المتوقع ان تعقد محكمة العدل العليا جلسة خاصة للبت بالموضوع بهيئة مكونة من تسعة قضاة. واشاد أولئك بالنائب محمد بركة على اهتمامه الدائم بمشاكل الحركة وعلى تماثله مع نضالهم الاجتماعي من اجل اقتصاد عادل ونزيه في اسرائيل لافتين الى ان بعض الناشطين العرب يشاركونهم احيانا نشاطاتهم وفي توزيع المناشير والتوجه للاعلام وبالمرافعة في الكنيست وغيرها من الفعاليات التي تتكثف عشية التداول في ميزانية العام المقبل التي لم تقر بعد نتيجة الاهتزازات الائتلافية في حكومة اريئيل شارون.

يشار الى ان معطيات مؤسسة التأمين الوطني والدائرة المركزية للاحصاء قد افادت ان عدد الفقراء ممن يعيشون باقل من اربعة الاف شيكل في الشهر الواحد قد بلغ هذا العام 1.6 مليون نسمة منهم 650 الفًا من الاطفال. اما في الوسط العربي فالضائقة الاقتصادية شهدت تصعيدا ملموسا في العام الموشك على الانقضاء حيث تفيد المعطيات المذكورة ان نحو نصف الاطفال العرب يرزحون تحت خط الفقر.