سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

على هامش المشهد

 


مقابلة خاصة مع الباحث في شؤون القدس وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان

 


البروفيسور مناحيم كلاين لـ"المشهد الإسرائيلي": إسرائيل تريد أن تجعل الحرم القدسي في مركز الهوية اليهودية الصهيونية

 

 


كتب بلال ضاهر:

 


صعدت الشرطة الإسرائيلية إجراءاتها القمعية ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية، في أعقاب الهبة الشعبية الحاصلة في المدينة المحتلة، منذ مقتل الفتى المقدسي محمد أبو خضير. وتأتي هذه الهبة على خلفية الأوضاع التي تعاني منها القدس الشرقية، وخاصة الاقتحامات المتكررة للحرم القدسي والاستيطان، في قلب الأحياء الفلسطينية خصوصا، والوضع الاقتصادي – الاجتماعي المتدهور.

 


وقال الباحث في شؤون القدس والمحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، البروفيسور مناحيم كلاين، لـ"المشهد الإسرائيلي"، إن "السبب الأساسي لتفجر الوضع في القدس هو أن المواجهة الإسرائيلية – الفلسطينية باتت تتركز في القدس، وفي الحرم الشريف بالأساس. وهذا الوضع سائد منذ العام 2000. وضعف السلطة الفلسطينية في القدس كبير للغاية، وهو أكبر من ضعفها في أي مكان آخر، وإسرائيل تستغل هذا الأمر وتوسع المستوطنات في القدس بحجم لا مثيل له في الضفة الغربية. يضاف إلى ذلك الجهد الإسرائيلي من أجل تغيير الوضع القائم في الحرم وفرض التقسيم الزماني والمكاني في الحرم، بحيث يسمح لليهود بالصلاة في الحرم، مثلما نجحت إسرائيل في تطبيق ذلك في الحرم الإبراهيمي في الخليل. وهناك لوبي قوي جدا، مؤلف من وزراء وأعضاء كنيست ونشطاء سياسيين الذين يعملون في هذا الاتجاه ويقومون بزيارة الحرم ويصطحبون معهم مستوطنين وجنود في الجيش الإسرائيلي، من أجل ممارسة ضغوط على الحكومة لكي تغير الوضع القائم".

 


(*) "المشهد الإسرائيلي": هل توجد يد واحدة توجه الاستيطان في قلب الأحياء الفلسطينية والاقتحامات للحرم القدسي؟

 


كلاين: "لا توجد جهة مركزية واحدة، وإنما هناك نية مشتركة وغاية مشتركة، لكن لا يوجد ’هيئة أركان’ واحدة توجه هذه الأعمال. والهدف هو منع إمكانية تقسيم القدس ومنع إمكانية إقامة عاصمة فلسطينية في القدس، وبالطبع تغيير الوضع القائم في الحرم بحيث تكون للجانب اليهودي سيطرة على الحرم وليس فقط سيطرة على المنطقة المحيطة به".

 


(*) ما هو دور حكومة إسرائيل في كل هذا؟

 


كلاين: "القوى التي تدفع من أجل تنفيذ هذه التغييرات موجودة في الائتلاف الحكومي. وهذه القوى موجودة في أحزاب الليكود والبيت اليهودي وإسرائيل بيتنا، وهي موجودة خارج الحكومة أيضا، في شاس وحزب العمل، الذين يدفعون إلى هذا الاتجاه".

 


(*) في حزب العمل أيضا؟

 


كلاين: "نعم. لأنه توجد هنا عدة تسويغات. فهناك الجهات الراديكالية التي تدعو إلى بناء الهيكل الثالث، لكن هؤلاء يشكلون مجموعة صغيرة. وهناك مجموعة أكبر بكثير، وتريد الصلاة في الحرم. ويوجد في أطراف هاتين المجموعتين نشطاء، بعضهم علمانيين من حزب العمل، وبعضهم متدينين من شاس، وجميعهم يريدون وضع ’جبل الهيكل’ في مركز الهوية اليهودية – الصهيونية. أي ليس أن القدس هي عاصمة إسرائيل فقط وقلب الهوية الصهيونية، وإنما ’جبل الهيكل’ هو قلب هذه الهوية. وهذا تغيير هائل مقارنة مع ما كان سائدا في إسرائيل قبل وبعد العام 1967، وحتى العام 2000. لأن الحرم حينذاك لم يكن رمزا قوميا، وإنما الحائط المبكى (البراق) هو الذي كان الرمز، وكانت تجري في باحته مراسم يقسم فيها الجنود اليمين، وإقامة مراسم يوم الذكرى هناك، وكانوا يحضرون الضيوف، مثل الرئيس الأميركي أو البابا، إلى الحائط المبكى".

 


(*) لماذا تذكر العام 2000 كنقطة تحول في هذا السياق؟

 


كلاين: "لأنه في العام 2000 حدث أمران. عقدت قمة كامب ديفيد التي تحول فيها تقسيم القدس، لأول مرة، موضوعا للتفاوض حوله، وإسرائيل وافقت مبدئيا على تقسيمها، لكن كان هناك نقاش حول الحدود. كذلك فإنه في هذا العام طالب الوفد الإسرائيلي إلى المفاوضات بتغيير الوضع القائم في الحرم وتخصيص، باتفاق دائم، منطقة في الحرم يصلي فيها اليهود. وعلى أثر ذلك أصبح الحرم مركزا للنقاش في العام 2000. وعندها نظمت المعارضة الإسرائيلية نفسها وأحضرت الآلاف للمشاركة في مظاهرات احتجاجية في القدس، وبعد ذلك جاء أريئيل شارون (رئيس المعارضة آنذاك) ودخل إلى الحرم وبعد ذلك اندلعت انتفاضة الأقصى. ومنذئذ بات الحرم في مركز الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين".

 


(*) إسرائيل دمرت القدس الشرقية من الناحية الاجتماعية والسياسية.

 


كلاين: "إسرائيل دمرت في البداية المؤسسات الفلسطينية في القدس. ولا يوجد في القدس الشرقية اليوم مؤسسة مركزية واحدة، مثلما كان بيت الشرق. وهناك تفكيك للمجتمع الفلسطيني في القدس بشكل أشد بكثير مما يحدث في الضفة الغربية. ففي الضفة يمكن الحديث عن أحزاب، مثل فتح أو حماس أو سلطة فلسطينية أو وزارات، لكن لا يوجد شيء من هذا في القدس. كذلك لا توجد قيادة فلسطينية في المدينة. والنخب الفلسطينية التي كانت موجودة في الماضي، مثل فيصل الحسيني وأنور نسيبة وسري نسيبة، لم تعد موجودة. وإسرائيل تمنع متعمدة نشوء أية قيادة فلسطينية للمدينة. والمكان الوحيد الذي توجد فيه قيادة محلية هو سلوان، وتصارع ضد المستوطنين، والشرطة تعمل ضدها وتضيّق الخناق عليها تحسبا من نشوء قيادة للقدس الشرقية كلها. والمشكلة هي أنه عندما لا تكون هناك قيادة، فإن ما يحدث هو أن جهات كثيرة تنشط من دون تنسيق فيما بينها. ولذلك يصعب اليوم السيطرة على الانتفاضة الحاصلة في القدس. والمجتمع الفلسطيني في القدس يعاني كثيرا جراء غياب أحزاب سياسية في المدينة، وحركة فتح ضعيفة جدا في القدس، ولا توجد ثقة بالسلطة الفلسطينية، وإسرائيل تمنع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية من العمل في القدس، ولذلك لا وجود لأجهزة الأمن الفلسطينية. وهكذا فإن المجتمع مدمر. ومن ينشط في القدس الآن هو الجيل الشاب، الذي لا يذكر فترة أوسلو ولا حتى فترة بداية الانتفاضة الثانية، ويعيش الواقع الحالي في ظل خيبة الأمل الكبيرة جدا. كذلك فإن الفلسطينيين في القدس الشرقية فقراء ويعانون ولا يرون مستقبلا لهم.

 


(*) ماذا الذي تريد إسرائيل تحقيقه في القدس الشرقية؟

 


كلاين: "جرى بحث داخل المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، قبل عامين أو ثلاثة، وتعالت خلاله أصوات دعت إلى منح الفلسطينيين في القدس الجنسية الإسرائيلية، لكن كانت هناك معارضة واسعة لذلك. والأغلبية في المؤسسة الإسرائيلية لا يريدون تغيير مكانة الفلسطينيين في القدس، واعتبروا أن هذا أمر خطير جدا. وما تريده إسرائيل هو أن يبقى سكان القدس الشرقية من دون جنسية إسرائيلية ومن دون هوية وطنية فلسطينية. وإسرائيل ترفض مشاركة سكان القدس في انتخابات فلسطينية مقبلة. أي أن إسرائيل تريد أن يعيشوا في صحراء من دون حقوق، ومن دون تنظيم أنفسهم في المدينة. كذلك فإن إسرائيل ترفض أن يكون سكان القدس الشرقية كلهم خاضعين لهيئة مشتركة، وأن يكون لديهم تمثيل في هيئات المدينة، مثل لجنة التخطيط والبناء. وإسرائيل تحاول منع نشوء هوية مقدسية فلسطينية أيضا. يريدونهم أفرادا وحسب، وأن يكونوا مستسلمين للحكم الإسرائيلي. والطريقة للخروج من وضعهم هي أن ينظم الفلسطينيون في القدس أنفسهم، بدعم من السلطة الفلسطينية وإسرائيليين مؤيدين لهم، وأن يطالبوا بحقوق جماعية من إسرائيل، في مجال التخطيط والبناء والتعليم والميزانيات. فإذا كان الفلسطينيون يشكلون 40% من سكان القدس فإنه يجب أن يحصلوا على نسبة مشابهة من الميزانية، لكنهم في الحقيقة لا يحصلون على أكثر من 12% من الميزانيات. وأعتقد أن المطالبة بحقوق جماعية كهذه هو ما كان يجب أن يدفع الفلسطينيين إلى الخروج للتظاهر.