تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 


محاضر في جامعة حيفا: حملة تشجيع الهجرة إلى برلين لن تنجح لكنها ستبقى في خلفية الاحتجاج المناهض للواقع الإسرائيلي

 

 


تثير الاحتجاجات ضد غلاء المعيشة في إسرائيل ضجة إعلامية واسعة، خاصة وأنه رافقتها دعوات بالهجرة إلى برلين، ولذلك تعرف هذه الاحتجاجات باسم "احتجاجات برلين" أيضا. ويعبر المحتجون من خلال مواقع التواصل الاجتماع في الانترنت، وخاصة في موقع "فيسبوك"، عن احتجاجهم على إهمال الحكومة الإسرائيلية للقضايا الاقتصادية – الاجتماعية.

 


وفي غضون ذلك، صادقت الحكومة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، على ميزانية الدولة للعام 2015، والتي جرّت انتقادات واسعة، خاصة من جانب خبراء اقتصاديين، بسبب زيادة ميزانية الأمن ورفع نسبة العجز المالي فيها، الأمر الذي سيمس بالميزانيات الاجتماعية والمدنية. كما يشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن غلاء المعيشة يميز إسرائيل عن دون الدول الغربية.

 


وحول هذا الموضوع أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المحاضر في قسم "تاريخ شعب إسرائيل" في جامعة حيفا، البروفسور داني غوطفاين، وهو أيضا ناشط في حزب العمل الإسرائيلي.

 


(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى "احتجاجات برلين"؟

 


غوطفاين: "’احتجاجات برلين’ هي نوع من الاستمرارية للاحتجاجات الاجتماعية في العام 2011. وأعتقد أنه توجد هنا محاولة لإطلاق مقولة استفزازية من جانب شبان في سنوات العشرين والثلاثين من حياتهم، ويعتقدون أن الوضع هنا ليس جيدا، وأعتقد أنهم اختاروا أسلوبا استفزازيا جدا ويمس بالأعصاب الحساسة جدا للوعي الإسرائيلي. فهم يتحدثون عن برلين وعن النزول (أي الهجرة) من إسرائيل. لكن من الناحية الفعلية لا توجد هنا أهمية كبيرة للتهديد بالهجرة، لأن الأرقام تشير إلى أن الوضع معاكس، وأن القادمين إلى إسرائيل أكثر من المغادرين. وأعتقد أن هذا استفزاز ذكي جدا واستخدم رموزا قوية جدا للمجتمع الإسرائيلي".

 


(*) يبدو أن هذه الحملة هي تصعيد للاحتجاجات الاجتماعية. ما الذي حرّك المبادرين لها؟

 


غوطفاين: "لا أعتقد أنه يوجد تصعيد، لأنه في الاحتجاجات الاجتماعية، في العام 2011، خرج نصف مليون شخص للتظاهر في الشوارع. وما يحدث الآن هو إثارة ضجة كبيرة في شبكات التواصل الاجتماعي في الانترنت. وهذه الضجة تسبب خبو القوة الجماهيرية لأنها تركز على أمور ليست سياسية ولا تهم الجمهور. الجمهور بغالبيته ليس مهتما بالهجرة من البلاد. لكن رغم ذلك، أعتقد أن قوة هذه الحملة الاحتجاجية هي أنها تثير جدلا عاما، ليس حول برلين، وإنما حول ما يحدث هنا. والسؤال هو ما إذا كان بالإمكان تحويل ذلك إلى قوة سياسية تسمح بتغيير الواقع هنا؟".

 


(*) ما الذي دفع المبادرين لهذا الاحتجاج وتصعيده بهذا الشكل؟

 


غوطفاين: "كما أفهم صورة الوضع، فإن شخصا ما بادر إلى الكتابة في فيسبوك وبدأ يحرك الموضوع. والاستفزاز كان ذكيا جدا، لأنه جمع سوية ثلاثة عناصر، وهي مسألة غلاء المعيشة والعنصر الثاني هو ألمانيا – برلين – هولوكوست والعنصر الثالث هو الهجرة من البلاد وهو أمر يتناقض مع الصهيونية. وعمليا توجد هنا قوة تتمثل بدهاء دعائي وتسويقي، لكني لا أرى أن لهذه الحملة أهمية عامة أو سياسية واسعة. كذلك فإني أرى أن هذه الحملة تدل على ضعف القوة الجماهيرية وهي أيضا تعبير عن انعدام الرضى لدى الجمهور الواسع من الوضع الاقتصادي – الاجتماعي في إسرائيل".

 


(*) بعد الحرب الأخيرة على غزة، نشرت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي استطلاعا للرأي تبين منه أن 30% من الإسرائيليين يريدون الهجرة من إسرائيل إذا سنحت لهم الفرصة. ماذا يعني معطى كهذا؟

 


غوطفاين: "أنا أحلل هذه المعطيات على النحو التالي: أعتقد أن إحدى الطرق التي يعبر فيها الإسرائيليون عن عدم رضاهم تتمثل بالقول ’سنغادر’. وأعتقد أن هذا أمر يتميز به الإسرائيليون، وأن مسألة كهذه تثير قلقا أقل بكثير في مجتمعات أخرى. وهذا يتعلق بالتاريخ الإسرائيلي والشيفرات الداخلية للمجتمع الإسرائيلي. لكن كم عدد المغادرين للبلاد فعلا؟ والمعطيات في هذه الناحية لا تؤكد نتائج هذا الاستطلاع ولا وجود رغبة كبيرة بالهجرة إلى برلين. وكل هذا يجعلني أقول إن هذه الأمور هي طريقة معينة للتعبير عن الاحتجاج. لكن هذه ليست ظاهرة ذات تأثير جماهيري واسع، وإنما تعبر عن احتجاج إسرائيلي داخلي".

 


(*) هل سيخبو "احتجاج برلين" مثلما خبت الاحتجاجات الاجتماعية قبل ثلاثة أعوام؟

 


غوطفاين: "يصعب معرفة ذلك، لكن ينبغي قول أمرين. الأمر الأول أنك لا تجد في هذا الاحتجاج تعبيرا عمليا، والأمر الثاني هو أن هذا الاحتجاج يمس نقاطا حساسة جدا في عالم الرموز الإسرائيلي. ولذلك فإنه من الجائز أن يبقى هذا الاحتجاج موجودا في الخلفية كنوع من المناهضة للواقع الإسرائيلي. ولا أرى أنه سيؤدي إلى إحداث أي تغيير سياسي".

 


(*) ما رأيك في ميزانية الدولة للعام المقبل، التي تعطي أكثر لميزانية الأمن وأقل للميزانيات الأخرى؟

 


غوطفاين: "مشكلة ميزانية الدولة، بصورة عامة، أنها تتهرب من المشاكل الحقيقية. وهناك دائما محاولة لتصوير الأمور بأن الميزانية متوازنة، فيما الجميع يعلم أنه سيتم فتحها وتعديلها خلال العام المقبل وبعد إقرارها. ومحافظة بنك إسرائيل وجهت انتقادات للميزانية، ولا يحتاج المرء إلى أكثر من ذلك لكي يدرك أن هذه ميزانية ليست جيدة. فقد قالت إن هذه ميزانية إشكالية من ناحية التوازن بين الإنفاق والدخل. والأمر الثاني البارز فيه هو استمرار السير في الخط النيو- ليبرالي، وخاصة تجاهل توصيات لجنة محاربة الفقر. ودعنا لا ننسى أن هذه حكومة يمين من الناحية الاقتصادية أيضا. ولا أعتقد أنه يمكن أن نتوقع منها غير ذلك".

 


(*) العالم يتغير في السنوات الأخيرة، وبطبيعة الحال تتغير معه إسرائيل والإسرائيليون، الذين نسبة كبيرة منهم تريد العيش في ظل استقرار اقتصادي وأمني. ويبدو أن القيادة الإسرائيلية مستمرة في إدارة "سياسة قديمة" وهي تتحدث الآن عن "إدارة الصراع" بدلا من دولة فلسطينية، وعدم حل أي قضية. ما رأيك؟

 


غوطفاين: "يتحدثون عن إدارة الصراع منذ سنوات عديدة. دعنا لا ننسى أن هناك إسهاما غير صغير للشعب الفلسطيني في الوضع الحاصل. فنحن لسنا في وضع يوجد فيه اقتراح سلام فلسطيني واضح ويوجد مقابله رفض إسرائيلي. نحن في وضع لم تنضج فيه بعد الحاجة إلى تسوية لدى كلا الشعبين. والواقع هو عكس ذلك، إذ توجد لدى كلا الشعبين قوى تأخذ الأمور باتجاه إرجاء التسوية. ولا أعتقد أن الأمور تتعلق بسياسة قديمة أو جديدة، وإنما باللاعبين على أشكالهم الذين يقومون بما يتوقع منهم أن يفعلوه. ونتنياهو ينفذ بالضبط ما قال إنه سينفذه. وإذا كان العالم يتغير، فإنه ليس واضحا إلى أي اتجاه هو يتغير. وواضح تماما أن الشرق الأوسط يتغير، لأن كل البنية القديمة للشرق الأوسط انهارت، أو قسم منها على الأقل. ونشأت تحالفات إقليمية جديدة، ومن جهة هناك ’داعش’ ومن الجهة الأخرى تحالف الدول السنية، كما يسمى، وأعتقد أن الشرق الأوسط يمر بتغيرات ولا شك في ذلك. وعمر هذه التغيرات حوالي سنة تقريبا، إذا نظرنا إلى متى بدأت الأزمة السورية – العراقية ترسم صورة التحالفات. وهناك الحلف التركي – القطري مقابل المحور السعودي – المصري. وأعتقد أن هذه الاصطفافات لن تدوم لأمد طويل. وإذا أردنا أن نرى سياسة جديدة في الشرق الأوسط، فهي تلك التي يتبعها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كمن أعاد تنظيم السياسة الشرق أوسطية. وهو وضع المحور التركي – القطري مقابل المحور السعودي – المصري لأسباب ليست متعلقة بإسرائيل. والسؤال الكبير هو كيف سيكون رد إسرائيل على هذا الواقع الجديد. وأعتقد أن هذه التغيرات ستؤثر على الواقع الإسرائيلي، في حال نشوء غلاف للتسوية، لأن الإسرائيليين والفلسطينيين يواجهون صعوبة في حل مشاكلهم بأنفسهم...".

 


(*) السيسي قال في خطابه أمام مؤتمر إعادة إعمار غزة، ووجه كلامه للإسرائيليين، إن العلاقات مع الدول العربية يجب أن تمر من رام الله، أي بعد تسوية الصراع مع الفلسطينيين.

 


غوطفاين: "نعم، هذا صحيح. وواضح تماما أن الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يتوصلوا إلى تسوية. والاستقرار في الشرق الأوسط من شأنه أن ينشئ غلافا مريحا للتوصل إلى تسوية إسرائيلية – فلسطينية. وأعتقد أن السيسي وضع نفسه، وأعتقد أنه وضع حلفاءه أيضا، كشريك في المعادلة الإسرائيلية – الفلسطينية. وهذا بحد ذاته أمر جيد".

 


(*) في هذه الأثناء ينذر الوضع في القدس بتفجر الأوضاع، على ضوء الاقتحامات اليومية للمستوطنين والمجموعات اليهودية المتطرفة إلى المسجد الأقصى. وهذه الأمور تحدث بكثافة الآن، في الوقت الذي تتصاعد فيه قوة الإسلام المتطرف في العالم العربي.

 


غوطفاين: "لقد بدأت المواجهات في القدس في أعقاب قتل الفتى محمد أبو خضير. وأعتقد أن هذه دعوة للمجتمع الإسرائيلي الذي يتعين عليه أن يعالج أمر المتطرفين بداخله. وإذا تطرقنا إلى الجانب الواسع للرأي العام الإسرائيلي، فإني أعتقد أن الأغلبية الصامتة ليس فقط تزعزعت من قتل أبو خضير، وإنما تطالب الشرطة والجهات الأمنية الأخرى بمنع استمرار تصاعد الوضع من الناحية اليهودية".