تقرير جدير لمركز "كيشف": تفاقم التهديدات لحرية الصحافة في إسرائيل خلال العام الأخير

على هامش المشهد

 


مديرية الهوية اليهودية: ذراع حكومية لحزب البيت اليهودي لنشر الأفكار اليمينية وكسب التأييد السياسي

 


يسعى حزب "البيت اليهودي" برئاسة وزير الاقتصاد ووزير الخدمات الدينية الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى استغلال وجوده في الحكومة وتولي نواب منه مناصب وزارية لتحويل ميزانيات لخدمة رؤيته السياسية القومية المتطرفة، وتوسيع قاعدة مؤيديه، وبالتالي ناخبيه، بين الجمهور اليهودي. وفي الوقت نفسه، يسعى مندوبو هذا الحزب إلى إبعاد كل من يتعارض فكره مع فكر "البيت اليهودي"، الذي يمثل التيار الصهيوني – الديني الاستيطاني. وتأتي هذه الخطوات في إطار دخول التيار الصهيوني – الديني إلى مراكز القوة السياسية في إسرائيل والتأثير على صناعة القرار.

 


وفي هذا السياق تدفع "المديرية من أجل الهوية اليهودية" التابعة لوزارة الخدمات الدينية، في الأسابيع الأخيرة، سلسلة من المشاريع الجديدة، وبينها مشروع "الصهيونية واليهودية" وشبكة "مراكز الهوية اليهودية" في أنحاء البلاد. وهذا إضافة إلى برامج جرت المصادقة عليها في بداية العام الحالي وأصبحت في مراحل التطبيق، وتشمل تفعيل مراكز "لتعزيز الخلية العائلية من خلال توجه يهودي". ويشرف على هذه المشاريع رئيس المديرية الجديد، إيلي ليفانون، إلى جانب الحاخام العسكري الأسبق، أفيحاي رونتسكي، المقرب من بينيت، والذي اتهم بتسريب معلومات عسكرية إلى بينيت بالاحتيال وبصورة غير قانونية، أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة.

 


وقيل لدى المصادقة على برنامج "تعزيز الخلية العائلية"، في بداية العام الحالي، إن "مصطلحات ’العائلة اليهودية’ أو ’البيت اليهودي’ تقال وتذكر سوية في سياقات كثيرة باللغة العبرية وهذا ليس عفويا". والهدف المعلن لهذا البرنامج، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "هآرتس" قبل أسبوعين، هو "معالجة المشاكل قبل نشوئها، بواسطة إقامة قاعدة ترافق الأزواج قبيل الزواج وبعد ذلك قبيل أن يصبح الأزواج آباء لأولاد".

 


وتشمل هذه القاعدة "إقامة وتفعيل مراكز للعائلة تنطلق من رؤية يهودية وذات انتشار قطري... وبناء منظومة معلمين ومرشدي مجموعات في مجالات العلاقة بين الزوجين، الأبوة، تربية الأولاد، (حل) أزمات في الحياة الزوجية وما شابه". ووفقا للبرنامج، تعمل مراكز العائلة على عقد اجتماعات للمربين في موضوع التربية والعائلة، وتأهيل مرشدين لتربية الأولاد، بواسطة "ورشات عمل وهيئات ولقاءات تتمحور حول موضوع العزوبة والتوسط في الخطوبة".

 

 


جمعيات يمينية

 


واختيرت من أجل تنفيذ هذا المشروع جمعية "بيت موريا"، التي تنشط في جنوب البلاد. وتم وصف هذا البرنامج على أنه "مبادرة مشتركة"، وتتقاسم تمويله وزارة الخدمات الدينية والجمعية، بمبلغ 9ر3 مليون شيكل. وبالنسبة للحكومة فإن مشروعا كهذا يوفر عليها تكاليف ويعفيها من نشر مناقصة. والأهم من ذلك، وفقا لـ"هآرتس"،هو أنه من الناحية القانونية بإمكان الحكومة التهرب من إشراك جهات أخرى، مثل جمعيات تمثل وجهات نظر منفتحة وليبرالية وتعددية وغير أرثوذكسية.

 


وأبلغت جمعية "بيت موريا" مسجل الجمعيات أن أهدافها تشمل "غرس مصطلحات وقيم يهودية لدى الأولاد وأبناء الشبيبة في سن 16 – 28 عاما كإثراء في التربية"، إلى جانب "نشاط ترفيهي ونشاط لتقريب القلوب وتقوية روح الشعب".

 


ويتبين أن هذه الجمعية تأسست في العام 1993 كـ"نواة توراتية"، وهي مؤسسة دينية تشمل مدرسة أو معهدا تعليميا يتم التركيز فيها على دراسة التوراة. وجميع "النوى التوراتية" في إسرائيل تنتمي للتيار الصهيوني – الديني – القومي اليميني المتطرف، ويتم غرز هذه "النوى" في قلب المدن، وخاصة في الأحياء التي يسكنها العلمانيون. وفي العقدين الأخيرين، تم زرع "نوى" كهذه في قلب أحياء عربية في يافا وعكا ونتسيرت عيليت، قرب الناصرة، وتشكل أنشطتها الصاخبة، وخاصة على خلفية قومية مثل الرقص بأعلام إسرائيل وهتافات قومية، مصدر استفزاز للعرب. وهي تزرع في الأحياء العربية بشكل مشابه إلى حدّ كبير للبؤر الاستيطانية في الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة.

 


وأحد مؤسسي جمعية "بيت موريا" هو عضو الكنيست عن حزب "البيت اليهودي"، أفي فورتسمان، الذي يشغل منصب نائب وزير التربية والتعليم. وبموجب بنود مختلفة للميزانية، تحصل هذه الجمعية على دعم مالي من وزارتي التربية والتعليم والاقتصاد، ووفقا لمعطيات وزارة المالية، فقد حصلت الجمعية على دعم بمبلغ 3 ملايين شيكل في العام 2013. كذلك فإنه في محضر جلسة عقدت في وزارة الخدمات الدينية لإقرار التعاون مع جمعية "بيت موريا" قيل إن هذه الجمعية هي الأنسب لتنفيذ برنامج "تعزيز الخلية العائلية" من جميع الجمعيات الأخرى، لكن المحضر لم يذكر اسم أي جمعية أخرى.

 


وعقدت "المديرية من أجل الهوية اليهودية" اجتماعات مع منظمات يهودية أرثوذكسية، بادعاء إجراء تدقيق في ملاءمتها لتنفيذ مشاريع وبرامج للمديرية. لكن هذه المنظمات لم تحصل على أي تكليف من المديرية، إذ تبين أنها منفتحة وتؤمن بالتعددية الفكرية ولا تنتمي للتيار الصهيوني – الديني. ووصف المسؤولون فيها الاجتماعات مع المديرية بأنها كانت "لقاءات تعارف" ليس أكثر.

 


وتبين أن ثلاثة من أصل ستة برامج وضعتها "المديرية من أجل تعزيز الهوية اليهودية" وتمت المصادقة عليها، تنفذها مع منظمات أو جمعيات لديها "نوى توراتية"، وهي "بيت موريا" و"هنكوداه هيهوديت" (النقطة اليهودية) و"كيرن هكهيلوت" (صندوق المجتمعات)، وهذه الأخيرة تشكل سقفا لحوالي 80 "نوى توراتية" ويرأسها الحاخام داني تروبر، وهو رئيس لجنة الدستور في حزب "البيت اليهودي" وأحد أكثر الأشخاص المقربين من رئيس هذا الحزب، نفتالي بينيت.

 


وتتولى "هنكوداه هيهوديت" المسؤولية عن برنامج "تقوية تأثير الكنس في المجتمع"، فيما تتولى "كيرن هكهيلوت" المسؤولية عن "الشبكة الاجتماعية لتقريب القلوب" والتي تعقد لقاءات بين عائلات متدينة وعلمانية. ويجري تنفيذ برنامجين آخرين، هما "من أجل تعميق الهوية اليهودية بين طلاب الجامعات" و"مركزي موضوع اليهودية في المجتمعات"، بالتعاون مع جمعيتين من التيار اليهود الأرثوذكسي.

 


واللافت في هذه العلاقات بين وزارة الخدمات الدينية والجمعيات والمنظمات المستقلة، هو استبعاد منظمات من خارج المذهب اليهودي الأرثوذكسي، أي من المذهبين اليهوديين الإصلاحي والمحافظ، شبه المنبوذين في إسرائيل واللذين لا يعتبران مذهبين يهوديين كاملين بسبب انفتاحهما النسبي، رغم أن أكثر من 85% من اليهود الأميركيين ينتمون إلى هذين المذهبين.

 


رغم ذلك، تدعي "المديرية من أجل الهوية اليهودية" أنها تتعاون مع هيئة غير أرثوذكسية وهي "الهستدروت الصهيونية العالمية". لكن ثمة علامات استفهام كثيرة حول وجود علاقة كهذه. ورغم أن رئيس المديرية، ليفانون، يقول إنه تم رصد ميزانية بمبلغ 5ر3 مليون شيكل لمشروع مشترك يهدف إلى "تأهيل متدربين للعمل في مجال الهوية اليهودية بين طلاب المدارس الثانوية"، إلا أن مسؤولا في "الهستدروت الصهيونية العالمية" أكد أنه "لم يعد هناك أي حديث مع وزارة الخدمات الدينية بشأن المديرية من أجل الهوية اليهودية أو أي مشروع آخر، والعلاقة الوحيدة تتعلق بنشاط في خارج البلاد فقط".

 

 

 

 

 


دور الحاخام رونتسكي

 

 

 


يبدو أن حزب "البيت اليهودي" خطط لنشاط "المديرية من أجل الهوية اليهودية" منذ انضمامه إلى حكومة بنيامين نتنياهو الحالية. إذ تفيد المعلومات بأنه على الرغم من تعيين ليفانون رئيسا للمديرية في منتصف شهر آب الماضي، إلا أن مسؤولين في الجمعيات التي تنشط في مجال اليهودية يلتقون به منذ عام ونصف العام. وقال ليفانون إنه خلال هذه الفترة لم يتقاضَ أجرا من وزارة الخدمات الدينية إلا بعد تعيينه الرسمي رئيسا للمديرية.

 


من جهة ثانية، قالت عدة مصادر إن رونتسكي كان مرشحا لتولي رئاسة المديرية، لكنه تراجع عن ذلك بسبب شعوره بالإهانة من نسبة الوظيفة المتدنية للمنصب. رغم ذلك، قالت المصادر نفسها إن رونتسكي يواصل "منح الاستشارة ولا يزال ضالعا في النشاط" الذي تنفذ المديرية". ووفقا لليفانون فإن "رونتسكي لا يتولى أي منصب رسمي في المديرية. وعمليا، في مراحل مختلفة، قاد مبادرة تأسيس المديرية, وفي معظم المبادرات الإيجابية، المبادر لا يكون المدير الفعلي، والمديرية تقدر حقه وإسهامه".

 


وتجدر الإشارة إلى أن رونتسكي عمل جاهدا خلال توليه منصب الحاخام العسكري للجيش الإسرائيلي على زرع أفكار الصهيونية – الدينية لدى الجنود النظاميين، من خلال دورات ودروس وكتيبات كانت وحدة الحاخام العسكري توزعها على الجنود. ويعتبر رونتسكي كمن يملك خبرة واسعة وطويلة في هذا المجال. وهو ينشط الآن في المديرية بسبب قربه من بينيت.

 


ويدفع ليفانون حاليا بمبادرة جديدة للمديرية تحت عنوان "مشروع الصهيونية واليهودية"، وغايتها "عقد لقاءات دراسية ثابتة حول مصادر اليهودية لمتطوعين ونشطاء ثابتين في المنظمات التي تنشط في أنشطة صهيونية مثالية". كذلك يدفع برنامجا جديدا باسم "الفن واليهودية" من أجل إقامة "مجموعات دراسية مؤلفة من فنانين شبان وأحداث يعكفون على دراسة مصادر اليهودية بصورة معمقة".

 


وتعرف المديرية كلا البرنامجين بأنهما "مبادرات مشتركة" وقد اختيرت الجمعيات التي سيتم تنفيذ البرنامجين بالتعاون معها، وهما منظمة "هشومير هحداش" وكلية "علما"، وإحدى مؤسسِاتها هي عضو الكنيست روت كلدرون من حزب "يوجد مستقبل" الذي يرأسه يائير لبيد. لكن وزارة الخدمات الدينية ترفض نشر محضر لجنة المناقصات، فيما قالت مصادر إن التعاون مع المديرية لم يتفق عليه نهائيا، وأنه "لا نزال في مرحلة الحوار وبناء الثقة والتفاهمات".

 


لكن ناشطا في إحدى المنظمات اليهودية التي تدعو إلى التعددية الفكرية، قال إن "المبادرة المشتركة مع كلية علما ليست أكثر من مجرد ورقة تين لا تنجح في التغطية على الحقيقة المستنكرة بأن المديرية من أجل الهوية اليهودية تعمل بصورة مباشرة ضد التجدد اليهودي المتعدد الأفكار، والتي كانت كلية علما من أوائل المبشرين بها".

 


وعقب مدير كلية "علما"، الدكتور موطي شاليم، قائلا إنه "من الجائز أنه مريح للمديرية التعاون معنا، لكي لا يقولوا إنهم يعطون (ميزانيات وبرامج) لهيئات أرثوذكسية فقط، لكن لست في هذا المكان. وبرنامجنا معمق وجدي".

 


وتشمل برامج أخرى للمديرية "مشروع اللقاءات" بين مجموعات يهودية متنوعة على أساس أصول اليهودية، و"مشروع القيادة" وشبكة "مراكز الهوية اليهودية"، التي تنشط على شكل "’بيوت يهودية’ تقترح على الجمهور الواسع أنشطة متنوعة في مجال الهوية اليهودية". وقال ليفانون إنه لم يتم بعد تحديد هوية الجمعيات التي ستشارك في هذه البرامج.

 


لكن من الجهة الأخرى هناك تشابه كبير بين العديد من مشاريع "المديرية من أجل الهوية اليهودية"، ورغم ذلك يتم رصد ميزانية لكل مشروع. وبلغ حجم ميزانية المشاريع التي نفذت في العام 2013 حوالي 14 مليون شيكل، ووصلت هذه الميزانية في العام الحالي إلى 5 ملايين شيكل، "لكن ستكون هناك زيادة على هذه الميزانية" بحسب ليفانون.

 


واحتج رؤساء المذهبين الإصلاحي والمحافظ، في رسالة إلى بينيت ونائبه في وزارة الخدمات الدينية إيلي بن دهان، وهو الآخر عضو كنيست من حزب "البيت اليهودي". وكتبوا في رسالة الاحتجاج أن "كل أشكال التعاون (للمديرية) تجري بصورة بادرة مشتركة أو بصورة تعفي من نشر مناقصة، ومن دون منح إمكانية حقيقية لهيئات أخرى لكي تطرح خدماتها. وهذا تمييز مزدوج، تجاه الهيئات التي تنشد التعددية الفكرية وأيضا تجاه السكان الذين يحملون وجهات نظر تعددية".

 


وقال مدير عام الحركة الإصلاحية في إسرائيل، الحاخام غلعاد كاريف، إن المديرية لم تجب على مقترحات حركته للتعاون، والتي تم تقديمها منذ شهور طويلة. وأضاف أن "مديرية الهوية اليهودية تعكس كل ما هو سيء ومشوه في نشاط المؤسسات الدينية. وقد وعد حزب البيت اليهودي بأن شيئا جديدا سيبدأ في مجال العلاقة بين الدين والدولة. وتبدو مديرية الهوية اليهودية الآن كشيء قديم، وفاسد وضار".