تقرير جدير لمركز "كيشف": تفاقم التهديدات لحرية الصحافة في إسرائيل خلال العام الأخير

على هامش المشهد

 


مقابلة خاصة مع المدير المشترك لـ"سيكوي – الجمعية لدعم المساواة المدنية

 


رون غيرليتس لـ"المشهد الإسرائيلي": تنامي العنصرية في إسرائيل سببه ازدياد قوة وحضور العرب في الاقتصاد الإسرائيلي

 


كتب بلال ضاهر:

 


تصاعدت في الآونة الأخير ظاهرة العنصرية ضد الأقلية العربية في إسرائيل، على المستويين السياسي الرسمي والشعبي، خلال الشهور الأخيرة وخاصة أثناء العدوان على غزة، لدرجة أن وزير خارجية إسرائيل، ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، دعا علنا إلى مقاطعة المصالح التجارية في المدن والبلدات العربية، وإلى عدم تردد قاضٍ إسرائيل بإصدار قرار يسمح فيه لمجموعة يمينية عنصرية بالتظاهر قبالة قاعة أفراح للاعتراض على زواج شاب عربي وشابة يهودية من مدينة يافا.

 


ورافقت ظاهرة العنصرية هذه، إقدام مؤسسات رسمية وشركات كبيرة على فصل موظفين عرب لمجرد أنهم عبروا عن استيائهم أو معارضتهم للعدوان الوحشي الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وحول هذا الموضوع أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المدير المشترك لـ"سيكوي – الجمعية لدعم المساواة المدنية"، رون غيرليتس.

 


(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى ظاهرة العنصرية المتصاعدة، في الشهور الأخيرة، في المجتمع اليهود ضد العرب؟

 


غيرليتس: "أعتقد أن حجم العنصرية تجاه المواطنين العرب خلال فترة الحرب في غزة كانت غير مسبوقة. وهذا يعني أنه لم نشهد أبدا في إسرائيل هذا الحجم الواسع من الاعتداءات على العرب مواطني إسرائيلي. وقد شملت هذه الموجة مظاهر جديدة بينها فصل عرب من العمل ودعوات إلى فصل عرب من العمل".

 


(*) لماذا تصاعدت ظاهرة العنصرية بهذا الشكل؟

 


غيرليتس: "هناك عدة أسباب وعوامل. وأعتقد أن الجهات العنصرية في اليمين المتطرف لم ينظروا أبدا إلى المواطنين العرب في إسرائيل على أنهم متساوون في الحقوق. والأمر المثير هو أنه في السنوات العشر الأخيرة ازدادت قوة المجتمع العربي في إسرائيل، لأسباب داخلية متعلقة بالمجتمع العربي نفسه، ولأن هناك جهات داخل الوزارات والمؤسسات الإسرائيلية التي أدركت أنه من ناحية التشغيل على الأقل توجد مصلحة لدى المواطنين العرب بأن يكونوا جزءا من سلك العمل والاقتصاد الإسرائيلي. وعلى أثر ذلك تم توجيه ضغوط من داخل المجتمع العربي ومن داخل الوزارات من أجل تطوير اقتصادي للمجتمع العربي. ولذلك فإن القوة الاقتصادية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل ارتفعت بشكل كبير قياسا مع وضعهم قبل عشرين عاما. كذلك فإن حضورهم في المجتمع والاقتصاد في إسرائيل أصبح أكبر مما كان عليه قبل عشر أو عشرين عاما. والمجتمع الإسرائيلي كان معتادا، في الماضي، على ألا يرى العرب في فروع التجارة والاقتصاد وإنما كان يلتقي بهم في أماكن عمل شاقة، مثل الزراعة والنظافة. أما اليوم، فإن المجتمع الإسرائيلي يلتقي العربي كصيدلاني أو كطبيب مناوب في غرفة الطوارئ في المستشفيات، وأيضا كمحاضرين في الجامعات. وهذا يعني أن توازن القوى في إسرائيل، الذي كان فيه اليهود في المناصب العليا والعرب يقدمون خدمات، لم تعد موجودة في كل مكان. وقسم من المجتمع الإسرائيلي يرى بذلك تطورا إيجابيا. لكن بالنسبة لأناس آخرين، خاصة في اليمين المتطرف العنصري في إسرائيل، فإن هذه ظاهرة غير مريحة وينظرون إليها بصورة سلبية. وعندها، يوجد رد فعل مضاد لتزايد قوة العرب، وقد قاد رد الفعل المضاد هذا السياسيون، مثل أفيغدور ليبرمان وأعضاء كنيست من حزب ’البيت اليهودي’. وقد بدؤوا بذلك خلال السنين الأخيرة، وليس خلال الحرب، من أجل الحد من تقدم المواطنين العرب. والحقيقة هي أنه رغم الضجة التي أثارها هذا اليمين وإطلاقه الشعارات العنصرية إلا أنه لم ينجح. لأن الخطوات لاندماج العرب في الاقتصاد الإسرائيلي استمرت".

 


(*) هل اندماج العرب في الاقتصاد وزيادة عدد المتعلمين بينهم يهدد أحدا في المجتمع الإسرائيلي؟

 


غيرليتس: "نعم. إنه يهدد العنصري. فهو يعتبر أن العرب أصبحوا في مكانة قوية. وهو يعتبر أنه إذا كان يعمل المواطن العربي في أعمال التنظيف في الجامعة، فهذا حسن. لكن إذا كان هو طالب جامعي والمحاضر عربي فإن هذا يثير عنصريته. وبالنسبة له، فإنه إذا ارتكب مخالفة سير واضطر إلى الذهاب إلى المحكمة ووجد أن القاضي عربي، فإن هذا ليس مقبولا عليه. وقاضي المحكمة المركزية في تل أبيب، جورج قرا، أرسل الرئيس السابق موشيه كتساف، إلى السجن (بعد إدانته بمخالفات جنسية). والجناح اليميني العنصري اعتبر في أعقاب ذلك أن ثمة أمرا هنا ليس منطقيا. وعموما، وهذا يحصل في دول كثيرة، فإنه عندما تبدأ قوة الأقلية الضعيفة والمستضعفة بالازدياد، وعندما يكون هناك حضور لازدياد القوة هذه، فإن اليمين المتطرف العنصري يريد خفض رأس هذه الأقلية. وهو يريد إعادة العرب إلى مكانهم ’الطبيعي’. وما حدث أثناء الحرب، هو أن الجمهور اليميني العنصري انضم إلى السياسيين. أي أن ما لم ينجح نواب اليمين المتطرف في تنفيذه في الكنيست من خلال مشاريع قوانين، تم تطبيقه في الشارع".

 


(*) العنصرية ضد العرب ليست ظاهرة جديدة، وكانت موجودة دائما على المستويين الرسمي والشعبي، وأبرز تعبير عنها هو التمييز البالغ ضد العرب منذ تأسيس إسرائيل. ما هي مصادر هذه العنصرية؟

 


غيرليتس: "خلال الصراع القومي بين حركتين قوميتين تكون الأفكار سلبية لدى كل واحدة من الحركتين تجاه الأخرى. ويوجد دائما جانب الأخيار، وهو ’نحن’، وجانب الأشرار وهو المجموعة الأخرى ’العرب’. هذا ما تقوله القصة اليهودية، وأنا لا أوافق عليها طبعا. وهذا يحدث بالاتجاه المعاكس أيضا، إذ يقول العرب أنهم على الحق واليهود ليسو على حق. وليس صحيحا القول أن جميع اليهود هم عنصريون. فالعنصرية في إسرائيل هي ليست ظاهرة مشابهة لظاهرة العداء للسامية، التي كانت ظاهرة جينية تقريبا، حيث كان كره اليهود جزءا من الثقافة والروح القومية. وأعتقد أن العنصرية هنا ضد العرب هي نتيجة مباشرة للصراع اليهودي – العربي، كما أن هناك، لأسفنا، أجزاء في القيادة اليهودية التي تغذي هذه العنصرية. ولذلك أعتقد أن الخلفية هي الصراع الذي لم يتم حله ولا أعتقد أنه توجد هنا، من جانب اليهود، كراهية جينية".

 


(*) رغم ما تقوله، إلا أن تعامل إسرائيل مع العرب والفلسطينيين أخطر بكثير مما تصفه. لماذا، مثلا، كان رد الفعل الإسرائيلي شديد إلى هذه الدرجة على خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. ألا تدرك القيادة الإسرائيلية، في الحكومة والمعارضة، أنه بسقوط هذا العدد الكبير من القتلى المدنيين في غزة والدمار الهائل هناك، ما هو إلا جرائم حرب وإبادة شعب؟ هل فوجئوا بأن أحدا يوجه لهم اتهاما كهذا، أم أنهم يعتقدون أنه مسموح لهم أن يفعلوا ما يشاؤون؟

 


غيرليتس: "سأقول لك أمرين. الأول هو أنه في الجناح اليساري في إسرائيل هناك جهات تنتقد السلطات بشكل كبير جدا. وحتى ميرتس، وهو حزب صهيوني، عبر عن معارضته للحرب. وبعد خطاب أبو مازن اعترض اليسار على ردود الفعل الإسرائيلية رغم عدم موافقته على التعابير التي استخدمها أبو مازن. والأمر الثاني، هو أنني أعتقد أن قتل المدنيين والدمار الهائل الذي سببته الغارات الإسرائيلية لم تكن شرعية ولا مبررة. لكن كل واحد من الجانبين يعتقد أنه على حق. ولذلك فإن التوقع الفلسطيني بأن تعترف إسرائيل بأنها نفذت جرائم في غزة هو أمر غير واقعي، ولن تفعل ذلك أية دولة".

 


(*) ما هي انتقاداتك تجاه أعضاء الكنيست العرب؟

 


غيرليتس: "كل الانتقادات التي يوجهها أعضاء الكنيست العرب للحكومة الإسرائيلية هي انتقادات شرعية. وانشغال أعضاء الكنيست العرب في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو أمر هام. وفي إطار الديمقراطية بإمكان أعضاء الكنيست أن يقولوا ما يشاؤون ضد الدولة. كما أن القيادة العربية ليست مسؤولة عن أي ظاهرة عنصرية ضد المواطنين العرب. لكن عندما نريد علاقات أفضل بين اليهود والعرب في إسرائيل، فإنه مثلما لا ينبغي على القيادة الإسرائيلية نفي شرعية القومية والأيديولوجية الفلسطينية، لا ينبغي على القيادة العربية في إسرائيل أن تنفي شرعية الأيديولوجيا الصهيونية، لكونها الأيديولوجية المنظِمة للجمهور اليهودي في إسرائيلي، سواء وافقنا على ذلك أم اعترضنا عليه. ولذلك فإني أعتقد أن الادعاءات المتكررة بأن الأيديولوجيا الصهيونية هي عنصرية وكولونيالية، ورغم أنها ادعاءات شرعية، لا تسهم في إقامة علاقات جيدة مع الأغلبية اليهودية، لأن الجمهور اليهودي لن يتخلى عن أيديولوجيته المؤسِسة".

 


(*) كيف بإمكان أعضاء الكنيست أن يعقبوا على تصعيد الاستيطان ومصادرة أربعة آلاف دونم من أراضي الفلسطينيين من أجل بناء مستوطنة لليهود قرب بيت لحم؟ واضح أن دولة إسرائيل تنفذ عملية كولونيالية في الضفة الغربية المحتلة. ما السيئ في قول أمر كهذا خاصة وأنه وصف حقيقي للوضع؟

 


غيرليتس: "لست في مكان يمكنني فيه أن أقول للقيادة العربية كيف عليها أن تتحدث. أنا قادم من مكان نقدي جدا تجاه الحكم في إسرائيل، ولكني أعرف أيضا كيف يفكر الجمهور الإسرائيلي. ومن هذا المكان الذي أتواجد فيه، أعتقد أن التحدث عن إسرائيل أنها كولونيالية، وهو وصف صحيح بنظري. لكن هناك فرق بين القول إن سياسة الاستيطان هي سياسة كولونيالية وبين القول ’إننا نعارض هذه الدولة لأنها صهيونية وتحمل أفكارا عنصرية وكولونيالية’. لأن هذا يقول ل99% من اليهود في إسرائيل إن هذه ليست سياسة الحكومة وإنما أنتم العنصريون والكولونياليون، وأعتقد أنه يوجد فرق بين الأمرين".