الجامعات الإسرائيلية تواجه أزمة حادّة جراء التراجع الكبير في مخصصات الدعم الحكومية

على هامش المشهد

 

 

 


ميزانيات الجيش الضخمة تأتي دائماً على حساب الميزانيات الاجتماعية

 

 

 

بقلم: ميراف أرلوزوروف

 

 

 

*حجم ميزانية الجيش الضخم يأتي على حساب الميزانيات المدنية *الميزانيات المدنية من أهم محركات النمو الاقتصادي ومن دونها لن يكون لإسرائيل في المستقبل موارد حتى لسد مطالب الجيش الضخمة*

 

 

 


مع توقعات نمو اقتصادي بنسبة 8ر2% حتى نهاية العام الجاري، لا يكون للدولة موارد كافية لتسديد مطالب الجيش المالية.

 

 

 

في العام 1972، حينما كانت دولة إسرائيل في ذروة أمنها الذاتي، وصلت حجم ميزانية الجيش إلى نسبة ما بين 18% وحتى 19% من حجم الناتج العام، وبعد ذلك بثلاث سنوات، وفي أعقاب صدمة حرب يوم الغفران، بلغ حجم ميزانية الجيش 30% من حجم الناتج العام، وبقي حجم ميزانية الجيش يتراوح ما بين 20% إلى 30% من الناتج العام لفترة عقد من الزمن.

 

 

 

ولهذا لقبت الفترة ما بين العامين 1973 و1985 بـ "العقد المفقود"، إذ واجهت إسرائيل الأزمة الاقتصادية الأقسى في تاريخها: 3 آلاف قتيل في حرب يوم الغفران، وفقدان الثقة بقيادة الدولة، اضافة إلى معاناة لا تطاق، ولا لزوم لها، من الأزمة الاقتصادية الضخمة.

 

 

 

إن جذور الأزمة، من دون شك، كانت حالة الهلع التي تملكت قيادة الدولة في أعقاب تلك الحرب، إذ جرى في أعقابها تحويل موارد ضخمة جدا لميزانية الجيش، وليس واضحا إذا ما ضمنت تلك الموارد الضخمة أمنا أكثر لإسرائيل، وفي نهاية المطاف، فقط حرب واحدة، حرب لبنان الأولى، اندلعت في نفس العقد من الزمن، كانت تلك حرب اللاخيار، ولكن كان واضحا أنها ألقت عبئا لا يطاق على اقتصاد إسرائيل.

 


إن تحويل الموارد للجيش مسّ بمسار نمو الاقتصاد الإسرائيلي، ومنذ سنوات السبعين الأولى جرى لجم النمو الاقتصادي الذي شهدته إسرائيل في العقدين الأولين لها (سنوات الخمسين والستين)، وعلى الرغم من ضعف القيادة، وتحويلها للأموال الضخمة لميزانية الجيش، إلا أنها لم تكن على استعداد لضرب الميزانيات المدنية، ما جعلها تخرق اطار الموازنة العامة، وتصل إلى عجز مالي ضخم، ودين عام ضخم، تزايد بوتيرة هائلة.

 

 

 

وكل هذا مجتمعا أدى إلى ضرب قيمة الليرة الإسرائيلية (اسم العملة الإسرائيلية الأولى، حتى العام 1978- الترجمة)، وبسرعة كبيرة تدهور الاقتصاد إلى نسب تضخم هائلة، ولم تنجح قيادة الحكومات في لجم هذا التدهور على مر سنوات الأزمة، إلى أن وصل الأمر إلى حضيض كبير في شهر تموز العام 1985، حينما بلغ الدين العام لإسرائيل بما يعادل 200% من الناتج العام، وكانت إسرائيل عمليا غير قادرة على التسديد، وأمام هذا الوضع اتبعت إسرائيل خطة طوارئ اقتصادية، "خطة الاستقرار"، التي انقذتها من الافلاس.

 

 

 

وفقط حينها، في أعقاب خطة الاستقرار الاقتصادي، وبعد أن توطد اتفاق السلام مع مصر، بدأت ميزانيات الأمن تتقلص، وفي العام 1986، عاد مستوى ميزانية الجيش، من حيث نسبته من الناتج العام، إلى المستوى الذي كان عليه عشية حرب يوم الغفران، ومن ثم بدأ حجم ميزانية الحرب يتراجع من حيث نسبتها من الناتج العام، وحتى أنها وصلت للنسبة التي كانت عليها في سنوات الستين، قبل اندلاع حرب الأيام الستة (توضيح ترجمة- الميزانية الكمية تضخمت، بموازاة ارتفاع حجم الناتج العام).

 

 

ليس صدفة أن عملية الانتعاش والنمو الاقتصادي في إسرائيل منذ العام 1985، كانت بموازاة تقليص حجم ميزانية الجيش، فالقدرة على تحويل أموال للميزانية المدنية، التي تدير عجلة النمو الاقتصادية، مرتبطة بعاملين أساسين: نمو القطاع الاقتصادي ومعه زيادة كعكة الميزانية، وتحرير موارد من ميزانية الجيش إلى ميزانيات مدنية، بمعنى توزيع الكعكة. وهذان العاملان مرتبطان الواحد بالآخر، ويغذيان بعضهما، وكلما زاد تحويل المواد للجيش، فإن موارد أقل تحول إلى العوامل التي تدير عجلة النمو، والعكس بالعكس.

 

 

لكن من باب التوضيح، بعد الانخفاض النسبي في ميزانية الجيش، فإن إسرائيل ما تزال تصرف على الأمن أربعة أضعاف المعدل القائم في منظمة الدول المتطورة OECD، بمعنى أنه منذ البداية ثمة ثقل كبير على قدرة النمو الاقتصادي عندنا.

 

 

 

هذا الجدل، الأمن مقابل النمو، مطروح حاليا مجددا على جدول الأعمال العام، ففي أعقاب حملة الجرف الصامد يطالب الجيش بزيادة ميزانيته بشكل ثابت (الميزانية الأساسية) بـ 11 مليار شيكل (ما يعادل 05ر3 مليار دولار)، ابتداء من العام المقبل 2015، وهذه الزيادة هي أكبر من زيادة الميزانية العامة التي ستبلغ 8 مليارات شيكل (22ر2 مليار دولار)، والتجاوب مع طلب الجيش يعني تقليص كل الميزانيات المدنية، وأن برامج ومخططات مصيرية، مثل تطبيق توصيات لجنة غيرمان لتعزيز جهاز الصحة العام، أو تقليص الفجوات في جهاز التعليم، لن يتم تطبيقها اطلاقا، كما أن انعكاسات هذا التجاوب قد تكون قاسية أكثر مما نتوقع.

 

 

 

وقد تكون الانعكاسات قاسية بشكل خاص على مسار النمو، بالضبط في المرحلة التي تبدي فيها إسرائيل بشكل عام، ضعفا في النمو؛ فتقديرات وزارة المالية تشير إلى أنه حتى نهاية العقد الحالي، فإن وتيرة النمو الاقتصادي ستكون بطيئة، وأن نسب نمو 5% التي ميزت سنوات الألفين قد تبدلت بنسب نمو أقل من 3% سنويا.

 


ولهذه التقديرات أسباب ديمغرافية: خروج كبير من سوق العمل إلى التقاعد، من القادمين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وأسباب أخرى، مثل انخفاض معدلات الولادة، ووصول نسبة المشاركة في العمل إلى أقصى حد ممكن، ومن دون معالجة هذه الأسباب وغيرها، قد تؤدي إلى استمرار تراجع وتيرة النمو، ما يعني أن حجم الكعكة لم يعد يسمح بدعم أيضا ميزانية الجيش الضخمة، ودعم الميزانيات المدنية التي تستحق.

 

 

 

جهاز مبذّر

 

 

 

 

 


صحيح أنه توجد احتياجات أمنية مصيرية، تكشفّت في حملة الجرف الصامد، إلا أن الاحتياجات المصيرية قائمة أيضا في جهاز التعليم وجهاز الرفاه والبنى التحتية والصحة، وفي وضعية إسرائيل الحالية، مع توقعات بانخفاض حاد في نسبة النمو، فإن الاستهلاك الفردي لا أقل ضرورة لحياة الدولة من الاحتياجات الأمنية، وإذا لم نسم الولد باسمه، من دون التجاوب مع الاحتياجات الاجتماعية الاقتصادية، فلن يكون لدولة إسرائيل ما تسدد به الاحتياجات الأمنية، كما تعلمنا هذا على جلدنا خلال "العقد المفقود" (1973- 1985).

 

 

 


والاستنتاج الماثل هو أنه لا يمكن الصمود أمام مطالب الجيش الضخمة، وكي يستطيع الجيش أن يؤمّن الاحتياجات التي تكشّفت في الجرف الصامد، فعليه أن يؤمن ميزانيات ولو بجزء منها، من الميزانية الحالية التي بحوزته.

 

 

 


ولن نكون نحن الحَكم في عرض أولويات الاحتياجات الأمنية من المُهم إلى الأقل أهمية، لكن بالتأكيد أنه في مجال القوى العاملة، بالإمكان العثور على بنود صرف زائد، فيكفي أن يتنازل الجيش عن مبدأ الجيش الفتي، ويوافق على رفع جيل التقاعد في الجيش النظامي، وخلال عدة سنوات سيكون بالإمكان توفير مليارات الشواكل، من ميزانية الجيش القائمة.

 

 

 


إن الواقع الذي بناه الجيش في ميزانيته مبالغ فيه، وبموجبه يكون على الميزانيات المدنية أن تبني لنفسها سلم أولويات، وميزانيات أبدا لا تكفي الاحتياجات، بينما الجيش يطالب دائما بميزانيات اضافة إلى ما يحصل عليه، دون أن يتنازل عن بنود في ميزانيته، ما سمح للجيش أن يترفه على مدى السنين، ويكون مُبذّرا بشكل واضح، وأن يكون طبيعيا في إسرائيل أن تتعايش الوزارات الاجتماعية مع ميزانيات تسد 60% من احتياجاتها فقط، بينما الجيش ليس مستعدا أن يكتفي بسد اقل من 90% من احتياجاته.

 

 

 


وقد آن الأوان لأن يضع الجيش سلم أولويات لاحتياجاته، وأن يتعلم التوفير في ميزانيته.