تقرير جدير لمركز "كيشف": تفاقم التهديدات لحرية الصحافة في إسرائيل خلال العام الأخير

على هامش المشهد

 

مناهج التدريس الإسرائيلية تنمي الكراهية والعنصرية والتحريض ضد العرب في المدارس اليهودية

 

 

 

 

بلغت مظاهر العنصرية في إسرائيل ذروة جديدة، تذكّر بأكثر الفترات حلكة في التاريخ البشري، بعد أن أصدرت قاضية محكمة الصلح في مدينة ريشون لتسيون، أول من أمس الأحد، قرارا عنصريا بامتياز سمحت بموجبه لمجموعة دينية من المتطرفين اليهود المهووسين، يشكلون حركة يطلق عليها اسم "لهافا"، بالتظاهر ضد حفل زواج شاب عربي وشابة يهودية من يافا.

 

وكان الزوجان ميرال مالكا ومحمود منصور قد توجها إلى المحكمة مطالبين بإصدار أمر يمنع نشطاء "لهافا" من تنظيم مظاهرة خارج قاعة الأفراح التي سيجري فيها حفل زفافهما. وحذر الزوجان، بواسطة محاميهما، من أن مظاهرة كهذه قد تؤدي إلى حدوث أعمال عنف. ورغم أن مندوبة الشرطة قالت خلال جلسة المحكمة إنه لم يتم تقديم طلب للتظاهر بعد وإن الشرطة لم تبحث في تنظيم مظاهرة كهذه، إلا أن القاضية أصرت قرارا تسمح بموجبه بالتظاهر على بعد 200 متر من قاعة الأفراح.

 

وتوجه الزوجان إلى المحكمة بعد سلسلة من التحرشات بالزوجين من جانب نشطاء "لهافا"، خلال الأسبوع الماضي. فقد وزع هؤلاء النشطاء صورة عن الدعوة للحفل ودعوا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي إلى حضور الحفل وتخريبه "من أجل منع الانصهار". كذلك تلقى الزوجان تهديدات عبر الهاتف.

 

ورغم أن مظاهر العنصرية وكراهية الآخر والتحريض على العنف ضده تفجرت بصورة رهيبة في المجتمع الإسرائيلي، بعد اختفاء المستوطنين الثلاثة والعثور على جثثهم، وخلال الحرب العدوانية على قطاع غزة، إلا إن نشاط "لهافا" لم يبدأ خلال الشهرين الأخيرين وإنما منذ سنوات. لكن على ما يبدو أن الأجواء السائدة في إسرائيل دفعت هذه الحركة إلى تصعيد نشاطها، والأخطر من ذلك سمحت للمحكمة بإصدار قرارها بالسماح بالتظاهر ضد حفل الزواج.

 

إلا أن مظاهر العنصرية والكراهية والتحريض على خلفية قومية أوسع من ذلك بكثير في المجتمع اليهودي الإسرائيلي. وتتكشف هذه المظاهر بصورة جلية في المدارس.

 

ووصف تقرير حول الموضوع في صحيفة "هآرتس"، هذه المظاهر الواسعة النطاق بأنها "تسونامي الكراهية" الذي يغرق إسرائيل، مشيرا إلى أن "التحريض ضد العرب وإسكات من يشتبه بأن وطنيته ناقصة، لا ينبغي أن يفاجئ أحدا. إذ أن معلمي موضوع المدنيات يتحدثون منذ سنوات عن انعدام إمكانية إجراء محادثات مركبة في الصفوف، تتناول عدة وجهات نظر حول الواقع. وهذا الوضع هو نتيجة تربية ذات بعد واحد".

 

 

 

منع أي ذِكر لرواية

 

تاريخية فلسطينية

 

 

 

وقالت الصحيفة إن قرار وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، شاي بيرون، "بعدم التعامل بصورة مباشرة مع عنصرية أبناء الشبيبة هو قرار أيديولوجي". إذ أن وزارة التربية والتعليم نشرت، قبل عام، برنامجا تحت عنوان "الآخر هو أنا"، وكانت مشكلة العلاقات بين اليهود والعرب أحد المواضيع فقط التي تضمنها البرنامج. لكن يتبين الآن أن عددا قليلا من المدارس اليهودية اهتم بتطبيق برنامج العلاقات اليهودية – العربية، بينما طبق معظم المدارس البرنامج من خلال موضوع دمج المهاجرين اليهود الجدد في المجتمع، الذي يعتبر "أكثر ليونة وأقل تهديدا".

 

ورأت الصحيفة أنه لا يوجد سبب يدعو المدارس إلى تناول موضوع مشحون، مثل العلاقات بين اليهود والعرب، خاصة على خلفية صمت بيرون تجاه قضية المعلم آدم فيرتي، الذي تم فصله من العمل بعد أن اشتكت إحدى تلميذاته ضده لأنه عبر عن مواقف وُصفت بأنها يسارية. كذلك امتنع بيرون عن المشاركة في مؤتمر بادرت نقابة العاملين الاجتماعيين إلى عقده، قبل أسبوعين، وتناول جرائم الكراهية في إسرائيل، مثل "جباية الثمن".

 

ويبين توزيع الميزانيات داخل وزارة التربية والتعليم، في العام 2014، سلم أولوياتها: دائرة التربية المدنية في السكرتارية التربوية حصلت على 9ر1 مليون شيكل لتمويل نشاطاتها؛ 5ر4 مليون شيكل لتمويل ثقافة إسرائيل؛ 2ر5 مليون شيكل لمواضيع تراثية، مثل التوراة والنصوص الدينية اليهودية الشفهية والفلسفة اليهودية؛ 10 ملايين شيكل لتمويل نشاطات "التجدد اليهودي".

 

وأشارت الصحيفة إلى أنه لا توجد اليوم سياسة شاملة في مجال التربية على التعايش والتسامح والسلام في وزارة التربية والتعليم. ويشير معلمون إلى الصعوبة البالغة التي يواجهونها في دروس التربية المدنية، خاصة عندما يجري تناول مواضيع مثل الأفكار المتطرفة ضد العرب واليساريين والمهاجرين الجدد والحريديم والمثليين.

 

وكان وزير التربية والتعليم السابق، غدعون ساعر، قد قاد حربا ضروسا ضد أي ذكر لرواية تاريخية فلسطينية، مثل التطرق إلى النكبة في المنهاج الدراسي أو حتى في الصفوف. ولا يزال تأثير قرارات ساعر بهذا الخصوص ساريا حتى اليوم. كذلك لا تزال الوزارة ترفض تدريس اللغة العربية في المدارس الابتدائية، رغم مطالبة معلمين وخبراء في مجال التربية والتعليم بإلزام التلاميذ في المدارس اليهودية بذلك. وفي المقابل فإن دراسة اللغة العربية في المدارس اليهودية الثانوية هي اختيارية.

 

جهاز التعليم ليس قادرا

 

على مواجهة العنصرية

 

 

 

يتوقع أن يصدر في إسرائيل، بعد ثلاثة شهور" كتاب بعنوان "صور من حياة المدرسة" من تأليف الباحثان الدكتور عيدان يارون والبروفسور يورام هارباز. ويستند هذا الكتاب إلى مشاهدات أنثروبولوجية قام بها يارون على مدار ثلاث سنوات في مدرسة ثانوية في وسط إسرائيل. ووصف يارون هذه المدرسة بأنها "مدرسة متوسطة" تعكس الأجواء العامة في المدارس الثانوية اليهودية في إسرائيل.

 

واقتبست الصحيفة من فصل في الكتاب، مخصص لمظاهر الطائفية والقومية والعنصرية، أقوال تلميذة في الصف العاشر: "العرب بالنسبة لي هم شيء لا يمكنني رؤيته ولا تحمله. وأنا عنصرية جدا. وجئت من بيت عنصري. وإذا أمكنني خلال خدمتي العسكرية أن أطلق النار على أحدهم، فإنني لن أفكر مرتين. وأنا مستعدة لأن أقتل بيدي هاتين أحدا ما، وهذا سيكون عربيا. وتعلمت من خلال تربيتي أن تربيتهم هي أن يكونوا مخربين، وأنه لا ثقة بهم. وأسكن في منطقة عرب، وأرى هؤلاء الإسماعيليين يوميا، يمرون في محطة الحافلات ويصفرون. وأتمنى لهم الموت".

 

والصورة التي يستعرضها الكتاب حول المدرسة تدل على أن كراهية العرب هو أمر يتم التعبير عنه "بشكل أساس ومتكرر يوميا بين الفتية، وتحول إلى عنصر هام في هويتهم". والاستنتاج الآخر من الكتاب هو "مدى عدم قدرة جهاز التعليم، وعدم رغبته أيضا، في معالجة قضية العنصرية".

 

وخصص قسم كبير من الفصل في الكتاب لحصة في موضوع التوراة، بعد أن طلب المعلم من التلاميذ مناقشة موضوع الانتقام. وأصر أحد التلاميذ، ويدعى يوءاف، على أن "الانتقام هو شعور هام. وهو يربط المادة الدراسية برسالته الخفية – الظاهرة بأنه يجب قتل جميع العرب. ويبدأ الصف بالهيجان. ويتفق خمسة تلاميذ مع يوءاف، ويدعمونه ويقولون إنه يجب قتل العرب".

 

وقال تلميذ آخر إن "العرب هم عماليق، وهناك فريضة بقتلهم كلهم". وقال تلميذ آخر إنه سينتقم ممن قتلوا عائلته ولكن ليس جميع العرب. وقد أثارت أقوال هذا التلميذ "غضب تلاميذ آخرين. وبعد ذلك أوضح أنه لا يحب العرب وأنه ليس يساريا".

 

لكن عندما قالت تلميذة، اسمها ميخال، إنها تؤمن بأن "الانتقام سيحدث دائرة دموية، وإنه ليس كل العرب أشرار، وبالتأكيد ليس جميعهم يجب أن يموتوا"... بدأ تلاميذ آخرون يصرخون، وبعضهم شعروا بإهانة شخصية من أقوالها، لتجد نفسها وحيدة في هذه المعركة. وراح التلاميذ يصفونها بأنها ’تحب العرب’ و’يسارية’". وبعد أن انتهت الحصة هاجمها عدد من زملائها، الأمر الذي اضطر المعلم إلى إدخالها إلى غرفة المعلمين. وبعد ذلك تم طرد ستة تلاميذ لمدة يومين.

 

وكتب الباحث يارون، بعد محادثات مع ميخال ويوءاف وتلاميذ آخرين والمربي ومديرة المدرسة، أنه "يوجد صراع عميق وانعدام ثقة بين المربين والتلاميذ. كل عالم يجري على حدة، مع وجود تأثير ضئيل للكبار على الصغار". وأشار الباحث إلى أن أحد التلاميذ صرخ في وجه معلمه وشتمه لأنه "وقف إلى جانب العرب".

 

ولدى تلخيص المعلم للنقاش، سأل كيف بالإمكان اجتثاث العنصرية، وأجاب التلاميذ على الفور أن هذا ممكن من خلال "تضاؤل العرب". وعندما قال المعلم "أريد أن تعلموا أن الظاهرة موجودة، وأريد أن تكونوا نقديين تجاه أنفسكم وربما بذلك تمنعون هذه الظاهرة"، أجاب أحد التلاميذ أنه "إذا لم نكن عنصريين، فسنكون يساريين إذن".

 

واعترف مدير المدرسة بأنه "لا يوجد في المدرسة نقاش حول قضية العنصرية، وعلى ما يبدو أنه لن يكون هناك نقاش كهذا، لأننا لسنا مستعدين للعملية العميقة والطويلة الأمد المطلوبة. ورغم أني أعي المشكلة بصورة دائمة، فإنها بعيدة عن المعالجة. وهي تنبع، قبل أي شيء آخر، من البيت والمجتمع، ويصعب علينا مواجهتها. وعلينا أن نذكر أن هذه المشكلة موجودة لدى المعلمين أيضا. ومواضيع مثل ’كرامة الإنسان’ و’الإنسانية’ تعتبر مواضيع يسارية، وكل من يتعامل معها يعتبر موبوءا".

 

كذلك أكد البروفسور هارباز أن "المدرسة بوضعها الحالي ليست قادرة على مواجهة شخصية وهوية عنصرية. فهي ليست مبنية لذلك، وإنما لمنح المعرفة والمهارات الأساسية وإجراء امتحانات فيها وتصنيف التلاميذ. وحتى هذه الأمور تواجه المدرسة صعوبة في تنفيذها. وبوجود 40 تلميذا في الصف، وفيما هناك برنامج دراسي ملزم وامتحانات فإنه ليس بالإمكان الانشغال في التربية على القيم".

 

من جانبه أشار الدكتور يارون إلى أن ثمة أهمية للمعلمين والمدير للتمسك بالبرنامج الدراسي لأنه يضمن الهدوء في واقع متخم بالمخاطر. "وهذا التمسك يسمح للمعلمين بألا يدخلوا إلى مجال متفاعل ويستوجب انفتاحا وقد يفتح صندوق بندورا (أي صندوق شرور)".

 

وأضاف أن "التهديد الأكبر على المعلمين هو حدوث ضجة، بعد أن يشكوهم أحد ما. والخطر الأكبر هو مناقشة مواضيع تهم أبناء الشبيبة، مثل الهوية الجنسية والعنف والعنصرية. ولأنه لا توجد بحوزة المعلمين أدوات للتعامل مع أمور كهذه، فإنه يتم نقل معالجتها إلى جهات خارجية، الأمر الذي يعقر المعلمين أكثر".

 

ورأى هارباز أنه توجد لمسألة "الهدوء" في المدرسة جوانب أيديولوجية "تحت الرعاية الحكومية". وهناك مجموعة كبيرة من المواضيع التي لا يُنصح بمناقشتها في المدرسة، مثل النكبة وحقوق الإنسان واختبار عمليات الجيش الإسرائيلي من الناحية الأخلاقية. وهذا أحد أسباب نشر جامعتي تل أبيب وبئر السبع تحذيرات من إطلاق "أقوال متطرفة ومسيئة" لسياسة إسرائيل والجرائم التي ارتكبها الجيش في العدوان على غزة.

 

وأضاف هارباز أنه "في إسرائيل لم يطوروا فرعا تعليميا للتربية السياسية، يعلم المعلم من خلاله التلاميذ كيف يفكرون بصورة نقدية حيال مواقف سياسية وأن مواقف كهذه مرتبطة دائما وأبدا بوجهات نظر ومصالح".

 

وقال هارباز إن التغيير المطلوب يجب أن يكون راديكاليا، مشددا على أن "القيم والمواقف تُكتسب بعملية طويلة من التماثل مع ’آخرين مهمين’، مثل المعلمين. وهذا يعني أن كل جانب في المدرسة – نمط التعليم، مبنى المدرسة والمناخ الثقافي – يجب أن يتغير وأن يكون حواريا وديمقراطيا أكثر. كذلك ينبغي عدم التهرب من معضلات سياسية أخلاقية، ولا من الانتقادات التي قد تنشأ أيضا. وقياداتنا الغبية تخاف جدا من الانتقاد، لكنها لا تدرك أن التربية على الانتقاد تحدث رابطة واهتماما. فنحن نغضب على من نحب".