الأكاديمي الإسرائيلي زئيف شتيرنهل: إسرائيل فاشية لأنها تحارب التنوير والقيم الكونية
أكد الباحث الإسرائيلي ذو المكانة المرموقة في دراسة موضوع الفاشية، البروفسور زئيف شتيرنهل، على خلفية المناخ العنصري السائد في إسرائيل، وخاصة في أعقاب الحرب على غزة، على أنه "لم يعد بإمكاننا أن نقول لأنفسنا بعد الآن إننا الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وقسم كبير منا لم يعد يؤمن بهذا الأمر. كما أن أولئك الذين يؤمنون بذلك أو يتظاهرون بأنهم يؤمنون بذلك، لن يتمكنوا هم أيضا من الادعاء بأن هذه دولة ديمقراطية".
وأضاف أن التعددية الحزبية لا تعني وجود نظام ديمقراطي، مشددا على أنه صحيح أنه توجد أحزاب ونظام مبني على الأحزاب، لكن ما ينبغي التدقيق فيه في هذا السياق هو مناعة الديمقراطية، و"الديمقراطية في إسرائيل أخذت تتآكل حتى وصلت إلى نقطة حضيض جديدة في هذه الحرب، والمؤشرات، العناصر الفاشية، موجودة هنا بكل تأكيد".
ورأى شتيرنهل، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس"، قبل عشرة أيام، أن "ما يميز هذه الحرب هو سلوك المثقفين... وما حدث عندنا في الأسابيع الأخيرة هو التزام مطلق بالخط الرسمي من جانب معظم المثقفين والسير مع القطيع. والمثقفون بالنسبة لي هم الذين يحملون لقب بروفسور والصحافيون. وإفلاس الإعلام الجماهيري في هذه الحرب مطلق. ورغم أنه ليس سهلا الوقوف أمام قطيع. وبالإمكان أن تداس بسهولة. لكن دور المثقف والصحافي ليس التصفيق للحكم. ولقد رأيت خلال الحرب كيف أن الجامعات استقامت وفقا للحكم والأغلبية الصارخة في الشارع، وربما هذا هو الأمر الأكثر خطورة".
وأردف أن "الديمقراطية تنهار عندما يستقيم المثقفون، الطبقة المثقفة، وفقا للفتوات أو النظر إليهم مع ابتسامة. ويقولون عندنا شيئا من هذا القبيل: ’لا ضير في ذلك، وهذا لا يقترب من الفاشية لأنه لدينا انتخابات حرة وأحزاب وكنيست’. وها نحن قد وصلنا إلى أزمة الحرب، وفي هذه الأزمة، من دون أن يطلب منهم أحد، بدأت هيئات جامعية بصورة مباشرة تطالب الجالية الأكاديمية كلها بأن تكبح نفسها في انتقاداتها".
وأضاف أن ما دفع رؤساء جامعات إلى مطالبة أستذتها وطلابها بعدم إطلاق "تصريحات متطرفة ومسيئة" تجاه الحكومة والجيش الإسرائيليين هو "الخوف من السلطة، الخوف من العقوبات التي قد تكون في مستوى الميزانيات والخوف من ضغط الشارع. وتجسد الخزي والعار كان عندما هدد ذلك العميد لكلية الحقوق في جامعة بار إيلان باتخاذ إجراءات عقابية ضد أحد زملائه لأنه أضاف سطرين أو ثلاثة أسطر في بلاغ تقني حول موعد امتحان، وعبر فيها عن أسفه على سقوط قتلى، وعلى فقدان الحياة في كلا الجانبين. لقد أصبح التعبير عن الأسف لفقدان الحياة في كلا الجانبين عملا تآمريا، خيانة. هل تدرك إلى أين وصلنا؟ لقد وصلنا هنا إلى وضع باتت فيه الديمقراطية شكلية، وتنحط إلى مستوى متدن أكثر من كل مرة".
وتابع شتيرنهل أنه "تجري هنا عملية تدريجية لبلورة أيديولوجية قومية متطرفة، راديكالية، تمتاز بأنها تعتبر الأمة أنها جسم عضوي. وهذا مثل أن تنظر إلى شجرة فيها أغصان وأوراق، والأفراد، البشر كأفراد، هم أغصان وأوراق هذه الشجرة، أي أن البشر موجودون بفضل الشجرة فقط. لكن الأمة هي جسم حي. وعندنا يضاف إلى ذلك العامل الديني، الذي يقوي التميز القومي. وهذه ليست مسألة إيمان، وإنما مسألة هوية، والديانة تعزز هويتك المتميزة. وينبغي أن ندرك أنه من دون هذه القومية الراديكالية لا توجد فاشية. وأنا أفرّق بين الفاشية والنازية، لأن الفاشية ليست نظرية عرقية بالضرورة. وسأقول ذلك بصورة لا لبس فيها: الفاشية هي الحرب ضد التنوير والقيم الكونية. والنازية كانت حربا ضد الجنس البشري".
هناك احتمال لإلغاء
مواطنة العرب في إسرائيل
وأكد شتيرنهل أن رفض إسرائيل للقيم الكونية ومحاربة التنوير في السنوات الأخيرة "يستصرخ السماء. وإسرائيل هي مختبر غير عادي ترى فيه التراجع التدريجي لقيم التنوير، التي هي تلك القيم الكونية. وأنت ترى هذا الرفض لها، الذي كان موجودا في الهوامش، واقترب شيئا فشيئا حتى سيطر اليوم على المركز. وعندما يعتقدون أن الديمقراطية تمس بالقومية ويرفضون الاعتراف بقيمة القيم الكونية كقيد للديمقراطية، فإن هذه وصفة للقضاء عليها".
وأردف تمثيلا على ذلك "خذ قانون القومية الذي طرحه زئيف إلكين (ويهدف إلى تعريف إسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي فقط)؛ والحرب ضد المحكمة العليا، وهي هيئة تستند إلى أنه توجد معايير تتعدى القوة السلطوية؛ والقانون ضد الجمعيات اليسارية الذي يعبر عن تراجع وحشي وعنيف لحرية التعبير؛ والمظاهر المختلفة لصيد الساحرات الحاصلة هنا، مثل أن صحافي مثل غدعون ليفي يتجول مع حراسة".
وأضاف شتيرنهل "خذ قصة مطلب نتنياهو من أبو مازن بالاعتراف بالدولة اليهودية. وهذا ليس فقط إرغام أبو مازن والفلسطينيين على الاعتراف بدونية تاريخهم، والقول لهم: ’لقد خسرتم في العامين 1948 – 1949، فقدتم هذه البلاد، وهي ليست لكم. وأنتم تعيشون هنا، ونحن لا نطردكم، لكنها ليست لكم. فالدولة هي دولة يهودية’. لذلك، العرب هم مواطنون، لكن الدولة ليست لهم، وهذا يعني أنهم يميزون هنا بين القومية والمواطنة. وكل واحد بإمكانه أن يكون مواطنا، لكن نحن أصحاب البيت".
وحذر شتيرنهل من أن "احتمال إلغاء المواطنة قائم هنا أيضا. لماذا يتعين عليك إلقاء الدولة اليهودية مثل الوحل على وجه هؤلاء المواطنين الإسرائيليين؟ بينما كل ما ينبغي أن تقوله هو أن تصرفهم جيد جدا، وأن تفكر بأن المشاكل التي يواجهونها، أن لديهم عائلات هنا وفي الضفة وفي غزة أيضا، وهناك الضغوط الجاثمة عليهم، ورغم ذلك ليس معروفا، لي على الأقل، عن شبكة تجسس عربية – إسرائيلية واحدة. وصحيح أنهم لا ينشدون هتيكفا (النشيد الوطني الإسرائيلي) ولا يرفعون الأعلام (الإسرائيلية)، وليسوا أعضاء في الهستدروت الصهيونية، لكنهم كمواطنين، هم مواطنون يقومون بواجباتهم".
وأكد شتيرنهل أن الديمقراطية لا تنحصر بالتصويت في الانتخابات وإنما هي "تمتحن يوميا بموجب حالة حقوق الإنسان، وكل ما تبقى هو أمور ثانوية، لأنه بإمكانك وبسهولة، بواسطة وضع بطاقة اقتراع أن تقيم هنا نظاما ديكتاتوريا. وإذا ذهبت للتصويت وكانت لديك أغلبية من أجل إلقاء العرب من الكنيست أو فرض رقابة أو إلغاء دور المحكمة العليا يمكنك ذلك. وعلينا أن نتذكر أن الديمقراطية توقفت منذ زمن طويل في المناطق (المحتلة). فليس لديهم (الفلسطينيون) حقوق إنسان، وأن تسيطر عليهم بالقوة، وبعد مقتل الفتية الثلاثة حولت حياة السكان إلى جحيم، لأنه بإمكانك أن تسمح لنفسك بفعل أي شيء. وهذا حاصل منذ عشرات السنين وهو مفسد".
وأضاف أن "كل هذه المعايير تزحف إلى داخل الخط الأخضر، وعمليا أصبحت هنا، لأن الشبان، أولادنا وأحفادنا، يقضون معظم فترة خدمتهم العسكرية في المناطق. وعندما لا تجري هذه الوحدات المقاتلة في غزة تدريبات في النقب أو في مرتفعات الجولان، فإنها تكون موجودة في المناطق (الضفة)".
وفي سياق تحول إسرائيل إلى نظام فاشي، رأى شتيرنهل أن الاحتلال "لن يدوم طويلا" وأن "القصة ستنتهي في غضون سنوات. لأن هذه (إسرائيل) الدولة الكولونيالية الأخيرة في العالم الغربي. فكم سيدوم هذا؟ لولا ذكريات المحرقة، ولولا الخشية من تهمة العداء للسامية، لقاطعت أوروبا المستوطنات منذ زمن طويل".
وأضاف أنه يريد تحقيق حل الدولتين "من أجل منع أن تكون هنا دولة واحدة، لأنه في الدولة الواحدة، سيكون فيها نظام أبارتهايد. إذ أنه لا أحد يتسلى بفكرة أنه ستكون هنا مساواة مدنية بين نابلس وتل أبيب، وبين جنين وحيفا، وسيصوت الجميع في الانتخابات وسيكون هنا احتفال كبير والجميع سيرقصون رقصات شعبية".
وتوقع أنه في حال عدم زوال الاحتلال وعدم قيام دولة فلسطينية "ستنشب هنا حرب أهلية في أفضل الأحوال. وفي أسوأ الأحوال ستكون هذه دولة أبارتهايد نسيطر فيها على العرب، من دون ذلك البعد للحالة المؤقتة (للاحتلال)، رغم أن كل من أتحدث معه ومن لديه عينان في رأسه يدرك أن الحالة المؤقتة ولّت منذ زمن بعيد، وأن الوضع في الضفة الغربية هو وضع أبارتهايد".