سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

على هامش المشهد

 

 

 

ليبرمان يسارع لتلمس طريق سياسي يحافظ على بقائه

 

 

 

 

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

رافق قرار أفيغدور ليبرمان فض الشراكة البرلمانية بين حزبه "إسرائيل بيتنا" وحزب "الليكود"، الكثير من المبالغة في الحديث عن "المفاجأة"، وتصوير الأمر وكأنه مقدمة لحل الحكومة، فهذه خطوة كانت متوقعة، ولكن ليبرمان أساسا كان ينتظر الوقت المناسب لتنفيذها، بما يخدم مصلحته الشخصية، والحزب الذي يقوده كقطيع، فمثل هذه المصالح كانت وراء قرار الشراكة، كما أن قبول بنيامين نتنياهو بها كانت أيضا لمصالح نتنياهو الشخصية قبل الحزبية، والآن يتلمس ليبرمان طريقه الحزبية، ويبحث عن خانة ملائمة يعزز فيها قوة حزبه البرلمانية، بعد أن خسر خانة "المهاجرين الجدد" التي ارتكز عليها، وكما يبدو أن ليبرمان بدأ طريق الاضمحلال السياسي، إلا إذا وجد خشبة انقاذ جديدة، تمدد عمره السياسي لفترة أخرى.

 

 

حسابات الشراكة وفضّها

 

 

كانت المفاجأة الحقيقية في تشرين الثاني 2012، حينما أعلن كل من بنيامين نتنياهو رئيس حزب "الليكود" وأفيغدور ليبرمان زعيم "إسرائيل بيتنا"، عن شراكة انتخابية لخوض الانتخابات البرلمانية في مطلع العام التالي 2013، إذ أن الاتصالات والمفاوضات بين الاثنين كانت بعيدة عن الهيئات القيادية في الليكود، وعن شخصيات في حزب ليبرمان، وكان للحزبين معا في تلك الانتخابات 42 مقعدا، 27 لحزب الليكود و15 مقعدا لحزب ليبرمان.

 

وكان الطموح المعلن، خاصة من جانب نتنياهو، أن تحقق هذه الشراكة قوة برلمانية أكبر بشكل ملموس، تجعل نتنياهو مرشحا مضمونا لتشكيل الحكومة التالية بعد الانتخابات، أما ليبرمان، فكانت حساباته مختلفة، ففي تلك الأيام كان يواجه شبهات فساد، وتقرر في أوج الانتخابات تقديم لائحة اتهام بشأنها، ورغم أن الشبهات المركزية هي الأخطر في تاريخ فساد الحكم الإسرائيلي، بموجب التقارير التي كنا نقرأها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، قد تساقطت الواحدة تلو الأخرى، في ظل وابل من علامات السؤال، إلا أن لائحة الاتهام الهشّة التي واجهها ليبرمان، جعلته يتخوف من مصيره الانتخابي، وهروب أصوات كثيرة، خاصة تلك الأصوات التي يضمنها مقاولو أصوات لكثير من الأحزاب، مقابل مردود مالي أو مصالح يتم تحقيقها لاحقا.

 

وكان هذا الحساب المركزي لليبرمان، إضافة إلى حسابات أخرى، أبرزها تبلور لاحقا، فحسب اتفاق الشراكة الأولي، فإن هذه الشراكة كان من المفترض أن تستمر إلى يوم تشكيل الحكومة، أو أن يعاد النظر بها من قبل الحزبين بعد شهر من الانتخابات، وحينما رأى ليبرمان أن محاكمته ستستمر لعدة أشهر، وأنه لن يتولى حقيبة وزارية، إلى حين صدور الحكم بشأنه، أوجد ديباجات تبقيه في هذه الشراكة.

 

ولاحقا بدأ الحديث عن تحالف استراتيجي واندماج "إسرائيل بيتنا" بحزب "الليكود"، وكان طموح ليبرمان بأن ينافس يوما ما، وبعد نتنياهو، على رئاسة الليكود، وهذا ما لمسته شخصيات قيادية في حزب الليكود، ليقفوا تقريبا كلهم، حاجزا منيعا ضد ما يحيكه نتنياهو وليبرمان. وهكذا، فإن فقاعة الاندماج تفرقعت سريعا، واستمر الحزبان بالعمل ضمن كتلة برلمانية واحدة، دون أي حالة تمرد من كلا الطرفين على ما يريده الطرف الآخر، ولكن طيلة الوقت كان كل واحد من الحزبين ظاهرا كحزب مستقل.

 

وما يؤكد على حسابات ليبرمان، أنه بعد صدور الحكم بشأنه بالتبرئة، رغم أن الطرف الآخر في هذه القضية أدين وحُكم عليه!!، تسارع الحديث عن فض الشراكة، وكان أول المتحدثين وزير الأمن الداخلي (الشرطة) إسحاق أهرنوفيتش، من حزب ليبرمان، الذي قال في اليوم التالي لقرار المحكمة، إن حزبه سيفض الشراكة مع الليكود خلال أسبوعين، ولكن هذا لم يكن، واستمر الأمر لعدة أشهر.

 

وبعد أن تم اغلاق كل ملفات الفساد والمحاكمة، وعاد ليبرمان ليتولى من جديد حقيبة الخارجية، كان واضحا أنه عاد ليستأنف مسيرته السياسية والحزبية، على أمل أن تكون بقوة أكبر، ورأينا ليبرمان يبادر إلى مسلسل "استعراض عضلات" أسبوعي تقريبا، بداياته كان لاستعادة الكثير من الملفات التي تسرّبت من وزارته لأيدي وزراء آخرين، ما قلل من مكانة منصب وزير الخارجية، كما شمل "استعراض" ليبرمان اتخاذ مواقف في قضايا الساعة، تجعله يبرز في وسائل الإعلام.

 

وكانت أول مطالب ليبرمان بعد عودته إلى وزارة الخارجية، استرداد ملفات كثيرة توزعت بين ست وزارات، كذلك أبدى توجها لتغيير مواقفه بشأن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، فهذا الملف لم يكن بيديه في الحكومة السابقة، وكذا في الحكومة الحالية، فسَحب هذا الملف منه، اضافة إلى طابع ليبرمان الفظ والعنصري المتطرف، جعله يقف في الظل في الحلبة الدبلوماسية.

 

وحينما تولى ليبرمان حقيبة الخارجية في حكومة نتنياهو السابقة قبل بسلسلة من الشروط، التي فرضها واقع الحال الإسرائيلي، وكما يبدو بضغط من أوساط خارجية في دول العالم، وجدت حرجا في التعامل مع هذا المتطرف، ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة، التي حيّدته كثيرا من برامج لقاءات كبار مسؤوليها مع قادة إسرائيل، وهو بدوره دخل إلى الوزارة "كالجمل الهائج في حانوت السيراميك"، معلنا أجندات خارجية لا تمت للواقع بصلة، وفشلت وغابت عن خطابه بنفس السرعة التي ظهرت بها.

 

ولهذا حينما عاد ليبرمان إلى الوزارة، قبل ما يزيد عن ثمانية أشهر، فهم شخصيا واقع وزارته وميادين عملها الأساسية، فبدأنا نسمع خطاب "غزل" مع الإدارة الأميركية ووزير خارجيتها جون كيري، وحاول ليبرمان مرارا الخروج إلى الإعلام بتصريحات أثارت الكثير من الاستغراب، كتلك التي عبّر فيها عن دعمه لاستمرار المفاوضات والسعي إلى التوصل إلى حل، ولكن الإعلام الإسرائيلي، الذي انشغل أكثر في هذه التغيرات في خطاب ليبرمان، لم يلتفت كثيرا إلى حقيقة أن عبارات ليبرمان بشأن الملف الفلسطيني قصيرة وابتعدت عن الجوهر، لأن ما يقوله ليبرمان في هذه المرحلة لا يغيّر كثيرا من جوهر موقفه الداعي إلى "إدارة المفاوضات"، وليس التوصل إلى حل.

 

ولاحقا استنتج ليبرمان أن هذا النهج لم يساعده كثيرا في إعادته إلى مقدمة الحكومة، ليأخذه شركاؤه في الائتلاف الحاكم بالحسبان، خاصة أمام زعيم حزب "يوجد مستقبل"، وزير المالية، يائير لبيد، ورئيس حزب المستوطنين، حزب "البيت اليهودي" وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، وبات ليبرمان يشعر، بضرورة الإسراع في الظهور بقوة أكبر على الخارطة الحزبية، خاصة بعد مرور عام ونصف العام من الانتخابات البرلمانية السابقة، وهذا يعني نصف معدل عمر الدورات البرلمانية في إسرائيل، في السنوات الـ 19 الأخيرة، رغم أن الدورة البرلمانية السابقة، استمرت لزهاء 48 شهرا، وهي الدور الأطول منذ العام 1996.

 

ولهذا فإن ليبرمان أكثر في الأسابيع الأخيرة من الظهور بمواقف تعارض رئيس حكومته نتنياهو، وحتى مواقف وقوانين بادر لها شركاء في الحزب، من باب تنبيههم بوجوده في الائتلاف الحكم، كحزب مستقل، وليس كجزء من حزب الليكود ينصاع لأوامر، وكلما مرّ الوقت كان واضحا أن الشراكة البرلمانية باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وكل ما في الأمر مسألة وقت وفرصة مناسبة.

 

ولم يجد ليبرمان فرصة أفضل لفض الشراكة، من "المواجهة" بينه وبينه نتنياهو، حول شكل التعامل، ولنقل العدوان، على الشعب الفلسطيني في فترة اختطاف المستوطنين الثلاثة في شهر حزيران الماضي، وظهر ليبرمان كمن يدفع باتجاه اجتياح بري واسع لقطاع غزة، مقابل اعتراض نتنياهو، في الوقت الذي كانت كل التحركات على الأرض تؤكد استعداد جيش الاحتلال لاجتياح كهذا، فوقعت مواجهة كلامية حادة بين الاثنين، يوم 6 تموز فقفز ليبرمان إلى وسائل الإعلام في اليوم التالي للإعلان عن فض الشراكة البرلمانية فورا.

 

ورغم أن ليبرمان أكد أن هذه الخطوة لن تؤثر على تماسك الحكومة، إلا أن التقارير الإعلامية الإسرائيلية راحت تبالغ في مسألة مصير الحكومة، ودون أن تسأل إذ كان لأحد من شركاء الحكومة الحالية مصلحة في التوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة، إلا إذا كان في اعتقاد حزبي "الليكود" و"البيت اليهودي" التمسك بنتائج استطلاعات تدعي تعزز وقتهما في الانتخابات المقبلة، ولكن هذه استطلاعات لا يمكنها أن تعكس الواقع الحقيقي ليوم الانتخابات، فهذه استطلاعات جرت في فترة عاصفة، ولذا فإن نتائجها دائما موضع شك.

 

 

 

ليبرمان وحسابات الانتخابات المقبلة

 

 

من الصعب رؤية ليبرمان يجر حزبه إلى تحالف جديد لخوض الانتخابات المقبلة، فلا يوجد شركاء محتملون لخطوة كهذه، فمن ناحية سيكون من الصعب خوض اللعبة ذاتها مع حزب الليكود، خاصة وأنها لم تكن مفيدة، بل ساهمت بشكل كبير في تكبد الحزبين خسارة فادحة، واتهم كثيرون في حزب الليكود ليبرمان وحزبه بهذه الخسارة، إذ أن الحزبين خسرا 11 مقعدا، 7 مقاعد من حزب الليكود وأربعة من حزب ليبرمان، وتراهن جهات في الليكود، أنه لو خاض حزبها الانتخابات مستقلا لحافظ على قوته، أو لكانت خسارته ضئيلة.

 

كذلك سيكون من الصعب رؤية ليبرمان يتحالف مع حزب المستوطنين "البيت اليهودي"، فهذا الحزب ليس بحاجة إلى ليبرمان وحزبه ليعزز قوته، فجمهوره يتكاثر بوتيرة ملحوظة، استنادا إلى التكاثر المتسارع لدى المستوطنين، كذلك، فإن معسكر اليمين، وبالذات المستوطنين، يشعر أن ليبرمان يبقى جسما غريبا عندهم، نظرا لطبيعته وتقلبه بالمواقف، حتى اليمينية منها، فهو مثلا لا يحظى بدعم من وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة.

 

ونشير في هذا المجال أيضا، إلى أن "إسرائيل بيتنا" استصعب في كل سنوات وجوده كحزب، جذب كم أكبر من الأصوات من أكبر معقل لليمين المتطرف، مستوطنات الضفة الغربية والقدس، فهناك المنافسة شديدة بين أحزاب المستوطنين المباشرة، وبين الليكود، ويؤكد هذا الاستنتاج نتائج كل الانتخابات البرلمانية قبل العام 2013، وهذا على الرغم من أن في كتلة "إسرائيل بيتنا" عدداً من المستوطنين البارزين، وأبرزهم دافيد روتم.

 

إلا أن وجهة ليبرمان الآن هي معسكر اليمين، فهذه الورقة التي بإمكانه التلويح بها، بعد أن شعر أنه يفقد معسكر "المهاجرين الجدد"، فهذا جمهور، ورغم أنه ما زال منفصلا اجتماعيا بدرجة كبيرة، إلا أنه بدأ يجرب "حظوظه"، في أحزاب وتيارات سياسية مختلفة، ويرفض أن يبقى رهينا بيد ليبرمان، خاصة وأن الأخير لم يف بوعوده بتلبية الكثير من مطالب جمهور المهاجرين، وبشكل خاص التحرر من قيود قوانين الاكراه الديني، وعلى رأسها مسألة الزواج المدني، وتعريف من هو يهودي، فليبرمان في سنوات وجوده البرلماني الـ 15 لم يفعل شيئا، وحينما يكون في الائتلاف يتنازل بسرعة عن مطالبه هذه، وفي المقابل، لم يكن باستطاعته دفع هذه القضايا من صفوف المعارضة.

 

كذلك فإن هذا الجمهور يحاول التحرر من القوالب السياسية التي فُرضت عليه مع هجرته إلى البلاد، كما أن تبدل الأجيال يساعد على أكثر على التحرر، ما يعني إضعاف القاعدة الانتخابية التي حددها لنفسه ليبرمان على مدى 15 عاما.

 

كما أن الورقة العنصرية والتحريض على المواطنين العرب في إسرائيل، باتت ورقة تمسك بها الكثير من الأيادي والمنافسة فيها شديدة، من حزب "الليكود" إلى حزب "البيت اليهودي"، وهذه ورقة، كبرنامج سياسي أول، لن تحقق الكثير انتخابيا لصاحبها.

 

بطبيعة الحال، فإن التكهنات في السياسة أمر صعب، ولكن كل المؤشرات تفيد بأن ليبرمان في طريقه للاضمحلال السياسي، وهذا لا يعني بالضرورة اختفاءه السياسي الفوري في الانتخابات المقبلة، بل تراجع قوته بشكل ملموس جدا، وهذا بحد ذاته سيكون مقدمة للاضمحلال الكلي لاحقا.

 

لكن ليبرمان يسجل لنفسه رقما قياسيا، لحزب يعتمد على ويقوده شخص واحد، حزب الرجل الواحد، فأحزاب كهذه صمدت لدورة برلمانية واحدة أو دورتين، إلا أن ليبرمان ما يزال على الساحة منذ 15 عاما.