ميزانية الأمن الإسرائيلية لن تحصل على زيادة من دون عملية عسكرية برية في قطاع غزة
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي، أول من أمس الأحد، إنه لا يعرف متى ستنتهي الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، و"نحن نستعد لمواصلة القتال".
ويبدو أن هذا التصريح بعيد عن الواقع بعض الشيء، لسببين مركزيين. الأول هو أن عقيدة الحرب الإسرائيلية تقضي بتقصير مدتها قدر الإمكان، والثاني هو أن تكلفة الحرب وسيرها وتأثيرها على الاقتصاد الإسرائيلي يجعل القيادة الإسرائيلية تسعى نحو تقصير مدتها.
وستتناول السطور التالية الناحية الاقتصادية للحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، استنادا إلى تقارير نشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الأيام الأخيرة.
التكاليف العسكرية
دار صراع كبير حول ميزانية الأمن الإسرائيلية، خلال الشهور الماضية، بين وزارة المالية وبين وزارة الدفاع والجيش. وطالبت وزارة الدفاع والجيش بزيادة حجم هذه الميزانية، فيما رفضت وزارة المالية ذلك وحاولت تقليص حجم الميزانية. وتبادل الجانبان الاتهامات وادعى الجيش الإسرائيلي بأنه سيوقف تدريب القوات، وبضمنها تدريبات سلاح الجو.
ويتبين من تقارير نُشرت في الأيام الأخيرة، أنه في حال بقي سير الحرب الحالية على غزة على حاله، أي من خلال القصف الجوي ومن دون شن اجتياح بري للقطاع، تستخدم فيه الدبابات والمدفعية وقوات برية وسلاح الهندسة، فإنه لن يتم تعويض ميزانية الأمن على الخسائر من الميزانية العامة. ولذلك فإن الحرب التي تعتمد على سلاح الجو تعتبر أرخص من غيرها، رغم أنه تُستخدم فيها وسائل غالية ومتطورة جدا. والسبب هو أنه في الحرب البرية يتم استخدام فيالق عسكرية كبيرة وأنواع أسلحة كثيرة، إضافة إلى أن مدتها تكون أطول في معظم الأحيان.
وتشير المعطيات حول الحروب الثلاثة الأخيرة التي شنتها إسرائيل إلى حجم هذه التكاليف: بعد أن انتهت حرب لبنان الثانية، في العام 2006، التي شملت عمليات برية واستمرت 34 يوما، طالب الجيش الإسرائيلي بزيادة ميزانيته بثلاثين مليار شيكل، لكن الحكومة قررت زيادة الميزانية بـ2ر8 مليار شيكل؛ وبعد انتهاء الحرب على غزة في العام 2008 (عملية "الرصاص المصبوب")، التي شملت عمليات برية واستمرت 22 يوما، تم تقدير كلفتها بـ8ر3 مليار شيكل، وتم زيادة ميزانية الأمن بـ45ر2 شيكل؛ ولم تنشر، حتى اليوم، معطيات رسمية حول تكلفة الحرب على غزة في العام 2012 (عملية "عمود السحاب")، لكن التقديرات تشير إلى أن كلفتها العسكرية بلغت ملياري شيكل والكلفة المدنية مليار شيكل، علما أنها استمرت ثمانية أيام وشملت توغلات برية محدودة.
ورغم أن الحرب الحالية على غزة لم تنتهِ بعد، وتشير التوقعات إلى أنها لن تشمل عمليات برية واسعة، إلا أنه بالإمكان تقدير تكلفتها من خلال المعطيات التالية:
تبلغ تكلفة البطارية الواحدة من منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى ما بين 60 إلى 80 مليون دولار. وتبلغ تكلفة الصاروخ الواحد الذي تطلقه هذه المنظومة ما بين 40 إلى 50 ألف دولار، وذلك من أجل اعتراض صاروخ قسام لا تزيد كلفته على بضع مئات الدولارات أو صاروخ "غراد" يصل ثمنه إلى بضعة آلاف قليلة من الدولارات. ويوجد بحوزة الجيش في جولة القتال الحالية سبع بطاريات، ويخطط الجيش لأن يصل عددها إلى ما بين 10 - 13 بطارية. وتعمل شركتا "رافائيل" (سلطة تطوير الأسلحة) والصناعات الجوية بصورة حثيثة على صنع عدد آخر من بطاريات "القبة الحديدية" وتسليمها للجيش في الفترة القريبة المقبلة.
تبلغ تكلفة ساعة طيران طائرة مقاتلة 15 ألف دولار، وتكلفة ساعة طيران مروحية مقاتلة خمسة آلاف دولار، وساعة طيران طائرة بدون طيار 1500 دولار.
وقررت الحكومة الإسرائيلية، قبل أسبوعين، استدعاء 40 ألف جندي من قوات الاحتياط. ولم يستدعِ الجيش كل هذا العدد وإنما جزءا منه. ووفقا للمعطيات فإن تكلفة تجنيد الأربعين ألف جندي احتياط في اليوم الواحد تبلغ 18 مليون شيكل، وتكلفة تجنيد عشرة آلاف جندي احتياط في اليوم الواحد تبلغ 5ر4 مليون شيكل، وتكلفة تجنيد جندي احتياط في اليوم تبلغ 450 شيكل.
التكلفة غير المباشرة للحرب
وإضافة إلى التكاليف المباشرة للحرب هناك تكاليف غير مباشرة، وهي التكلفة الأكبر للحرب. وتعتبر منطقة جنوب إسرائيل، في جولة القتال الحالية، أنها منطقة قتال. ويوجد في هذه المنطقة قرابة ألف مصنع وعدد مشابه من المصالح التجارية الصغيرة. وجميع هذه المرافق الاقتصادية تقلص عملها في الفترة الحالية. كذلك فإنه تم إلغاء قسم كبير من المخيمات الصيفية، ولذلك فإن جزءا من العاملين يتغيب عن العمل من أجل البقاء برفقة أطفاله وأولاده في ظل التصعيد الأمني. وهذا الحال يكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر كبيرة.
من جهة ثانية، لحقت أضرار بفرع الزراعة جراء إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه جنوب إسرائيل. فمنظومة "القبة الحديدية" مبرمجة بشكل أنها ترصد الصاروخ منذ إطلاقه في قطاع غزة، وتجري حسابات سريعة لمعرفة مكان سقوطه. وفي حال تبين أن الصاروخ لن يسقط في مناطق مأهولة بالسكان، فإن هذه المنظومة لا تطلق صاروخا لاعتراض الصاروخ الفلسطيني، الذي يسقط في مناطق مفتوحة ويؤدي إلى نشوب حرائق فيها.
وقسم كبير من هذه المناطق المفتوحة التي تقع في مناطق نفوذ كيبوتسات بلدات زراعية يهودية قريبة من الشريط الحدودي مع القطاع هو حقول زراعية. وفي هذا السياق، قال مركز الزراعة والمتحدث باسم كيبوتس "نير عام" في الجنوب، عوفر ليبرمان، لملحق "ذي ماركر" الاقتصادي، إنه "بدأنا نشهد حدوث أضرار. وبعد يوم واحد من نشوب حريق في منطقة مراع مساحتها ألف دونم، نشب حريق آخر في حقلي حنطة. ورغم أن الحنطة حُصدت، لكن لم يتم تجميع القش، لأن العمال امتنعوا عن المجيء للعمل منذ اندلاع القتال. وسعر القش مرتفع، بحيث أنه خسرنا مالا كثيرا".
تضرر السياحة والتجارة
ذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أن أعدادا كبيرة من السياح المتواجدين في إسرائيل طلبوا تقصير زيارتهم إليها بسبب الوضع الأمني. وفي موازاة ذلك قال مسؤولون في الفنادق الإسرائيلية إن الكثيرين من الإسرائيليين ألغوا حجوزات في فنادق في أنحاء البلاد. ونقل موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني عن مسؤولين في فرع الفنادق قولهم، يوم الجمعة الماضي، إن سياحا كانوا يقضون إجازاتهم في جنوب إسرائيل طلبوا الانتقال إلى شمالها، وإن سياحا يقضون إجازاتهم في تل أبيب طلبوا مغادرة إسرائيل كليا.
وقال مدير عام شبكة فنادق "فتائيل"، رؤوفين أليكس، إنه على ضوء سقوط الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة في إسرائيل، فإن "هذا الأمر بدأ بضيف هنا وآخر هناك ثم تزايد ذلك في اليومين الأخيرين. ولدينا عدد كبير من إلغاء الحجوزات، سواء من جانب إسرائيليين بسبب الأمر 8 (استدعاء قوات الاحتياط) أو من جانب سياح. وقد طلب الكثيرون أن يغادروا، لكنهم يواجهون مشكلة لأن جميع الطائرات المغادرة مليئة بالمسافرين، ويصعب حجز تذاكر في الطائرات".
وقال مسؤول آخر في مجال الفنادق لـ"يديعوت أحرونوت" إن "كافة التوقعات الوردية بشأن عام آخر تسجل فيه السياحة أرقاما قياسية قد تبددت". وأوضح أنه "توقفت كافة الحجوزات في خارج البلاد لمجموعات كانت ستأتي في أشهر أيلول - تشرين الثاني، وكذلك إلغاء الحجوزات بوتيرة عالية في خارج البلاد، تؤكد لنا أننا نتجه إلى فترة ليست هينة أبدا".
وتبين من استطلاع أجرته وزارة السياحة الإسرائيلية بين بعثاتها في أنحاء العام، أن إلغاء الحجوزات بدأ في نيويورك. وهناك توقف كامل لحجز تذاكر في شركة الطيران الإسرائيلية "إل – عال" في شيكاغو وأتلانتا وكندا، وخاصة بين مجموعات يهودية. كذلك هناك إلغاء حجوزات في أميركا الجنوبية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وقال مدير عام شبكة فنادق "دان"، رافي ساديه، إن "الوضع لا يبدو جيدا" وإنه لا توجد لديه معطيات بشأن إلغاء حجوزات من جانب رجال أعمال وأفراد يأتون إلى إسرائيل بشكل فردي وليس ضمن مجموعات منظمة. وحذر من أنه "في حال استمرار الأوضاع الأمنية ولو لعدة أيام أخرى فإن تأثير ذلك على فرع الفنادق سيكون لفترة طويلة جدة".
من جهة ثانية، قررت شركة الطيران الألمانية "تي يو آي فلاي" وقف تسيير رحلاتها الجوية إلى إسرائيل، حتى نهاية شهر تموز الحالي، على خلفية التصعيد الأمني. وأعلنت الشركة أنها أجرت اتصالات مع زبائنها الذين حجزوا تذاكر في طائراتها المتوجهة إلى إسرائيل خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة وأبلغتهم بقرارها وقف تسيير رحلاتها الجوية إلى إسرائيل.
وقالت الإذاعة العامة الإسرائيلية إنه بسبب تقليص المجال الجوي للطيران المدني فإنه يوجد تأخير في تحليق الطائرات من مطار بن غوريون. وعلى خلفية ذلك، قررت شركتا الطيران الإسرائيليتان "يسرائير" و"أركياع" نقل نشاطهما من مطار دوف في تل أبيب إلى مطار بن غوريون، بحيث تنطلق رحلاتهما الجوية الداخلية من الأخير.
وذكرت صحيفة "هآرتس، أول من أمس الأحد، أن الهجمات الصاروخية على إسرائيل تؤثر على عمل مراكز الترفيه والتجارة، وأنه على الرغم من الطقس المريح في نهاية الأسبوع، إلا أن السكان لم يخرجوا من بيوتهم وفضلوا البقاء في مناطق آمنة.
وباستثناء تجمعين تجاريين في وسط تل أبيب ووسط مدينة هرتسليا، فإن معظم أماكن الترفيه والتجمعات التجارية الأخرى بقيت قفراء. كذلك فإن ميناء تل أبيب، وهو موقع ترفيهي وتجاري يعج بالزوار طوال الوقت، كان خاليا يومي الجمعة والسبت الماضيين، كما أن موقف السيارات القريب منه، الذي يصعب إيجاد مكان فارغ فيه، كان خاليا من السيارات. كذلك تراجع عدد الزوار في مجمع عزرائيلي، رغم قربه من مقر وزارة الدفاع في تل أبيب والحماية من الصواريخ التي توفرها بطارية "القبة الحديدية".
وسجلت المبيعات في شبكة أزياء كبيرة تراجعا في جميع أنحاء إسرائيل. وقال مسؤول في هذه الشبكة إن المبيعات في فروعها في حيفا وكريات آتا وكرميئيل، في شمال البلاد، تراجعت يوم الجمعة الأخير بنسبة 10% قياسا بيوم الجمعة الذي سبقه. وتراجعت المبيعات في ريشون لتسيون ورحوفوت، في وسط إسرائيل، بنسبة 15%. لكن التراجع الأكبر تم تسجيله في فروع الشبكة في جنوب البلاد، في أسدود وأشكلون وبئر السبع، وبلغ حجم التراجع 60%.