ترجيح تقديم لائحة اتهام ضد أولمرت في قضية فساد ثالثة

على هامش المشهد

 

الشكاوى المحقة ضد المؤسسات الرسمية في إسرائيل تعادل أضعاف ما هو مقبول في دول العالم

 

 

 

 

"مفوض شكاوى الجمهور" يقدم تقريره الأربعين

 

كتب سليم سلامة:

 

قدم مراقب الدولة ومفوض شكاوى الجمهور، القاضي (المتقاعد) يوسف شبيرا، يوم 24 حزيران الأخير، تقرير "مفوضية شكاوى الجمهور" السنوي الذي حمل الرقم 40 للعام 2013، إلى كل من رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين، ورئيس اللجنة البرلمانية لشؤون مراقبة الدولة، عضو الكنيست أمنون كوهين.

 

وهو تقرير يعكس تظلمات المواطنين في إسرائيل وشكاواهم من جراء ما يلاقونه من معاملة غير لائقة، على الأقل، لدى توجههم إلى المؤسسات الرسمية، الحكومية والعامة، أو في توجه هذه المؤسسات إليهم.

 

ويعتبر مراقب الدولة ومفوض شكاوى الجمهور، في مقدمته للتقرير السنوي الأخير هذا، أن "تقرير مفوض شكاوى الجمهور هو تجسيد واضح لسياسة الرايتين الأساسيتين التي يعتمدها مراقب الدولة ومفوض شكاوى الجمهور: راية الدفاع عن حقوق الإنسان، بما فيها حقوق الفئات المستضعفة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وراية مكافحة الفساد الرسمي والعام ومن أجل طهارة المعايير".

 

وتوضح هذه الكلمات ماهية الشكاوى التي يقدمها المواطنون والهدف الحقيقي الذي أريد تحقيقه، أصلا، من وراء إنشاء "مفوضية شكاوى الجمهور" كدائرة فرعية في مكتب مراقب الدولة وتسمية مراقب الدولة نفسه "مفوضا لشكاوى الجمهور" ومن وراء تكليف المفوض بمهمة إصدار تقرير سنوي يعالج هذا المجال. وبكلمات أخرى، كان الهدف المعلن من وراء ذلك، تحديدا وأساسا: حماية حقوق الإنسان والمواطن في وجه العسف الحكومي والرسمي المتعدد الأوجه والمستويات، من جهة، ومحاربة الفساد السلطوي والرسمي المختلف الأشكال والدرجات. فهل يتحقق هذا الهدف، فعليا، في عمل "مفوض شكاوى الجمهور" وفي تقاريره، التي يصدرها سنويا، والتي بلغ تعدادها 40 حتى الآن؟

 

المرجعية القانونية

 

يشغل مراقب الدولة في إسرائيل وظيفة "مفوض شكاوى الجمهور" (المعروفة باسم "أمبودسمان" في بعض الدول - Ombudsman) بموجب نصوص قانونية خاصة، أبرزها البند الرابع من "قانون أساس: مراقب الدولة" والفصل السابع من "قانون مراقب الدولة" للعام 1958. و"مفوضية شكاوى الجمهور" هي دائرة فرعية ضمن مكتب مراقب الدولة وتعمل في تلقي ومعالجة شكاوى من المواطنين تتعلق بعمل وأداء الوزارات والدوائر الحكومية المختلفة، السلطات المحلية، هيئات ومؤسسات حكومية وعامة أخرى تخضع، قانونيا، لمراقبة مراقب الدولة نفسه. لكن هذا لم يبدأ في إسرائيل سوى في العام 1971، على الرغم من أن اقتراحات قانون خاصة عديدة بهذا الشأن قد وضعت على طاولة الكنيست من قبل، إلا أن الحكومة كانت تنجح دائما في إجهاضها وشطبها.

 

وفي العام 1971، أقر الكنيست الإسرائيلي تعديلين قانونين تم من خلالهما استحداث وظيفة "مفوض شكاوى الجمهور" وإناطتها بمراقب الدولة نفسه.

 

تمثل التعديل الأول في البند الرابع من "قانون أساس: مراقب الدولة"، الذي نص على: "يقوم مراقب الدولة بفحص شكاوى من الجمهور ضد هيئات وأشخاص، وفق ما يحدده القانون. في وظيفته هذه يحمل مراقب الدولة صفة "مفوض شكاوى الجمهور"". ثم جاء التعديل الثاني بإضافة فصل كامل (هو الفصل السابع والأخير) على "قانون مراقب الدولة لسنة 1958"، الذي يحدد صلاحيات المفوض ومهامه.

 

وينص البند الأول في هذا الفصل (البند 32 من القانون) على: "يؤدي مفوض شكاوى الجمهور مهامه بواسطة دائرة خاصة في مكتب مراقب الدولة تسمى "مفوضية شكاوى الجمهور"". ثم يمنح البند 33 من القانون الحق "لأي إنسان" أن يقدم شكوى إلى مفوض شكاوى الجمهور. وتحدد البنود اللاحقة هوية المؤسسات والشخصيات التي يمكن تقديم شكاوى ضدها، وكذلك ماهية هذه الشكاوى، مواضيعها ومجالاتها.

 

أما البند 38 من هذا القانون فيشمل قائمة "الشكاوى التي لا يجوز فحصها"، أي قائمة المواضيع، المجالات والشخصيات الرسمية التي لا يجوز تقديم شكاوى ضدها، وإن حصل وقدّمت فيتعين على المفوض تجاهلها، إهمالها وعدم الخوض في فحصها واستيضاح كنهها. والشخصيات التي لا يمكن تقديم شكاوى ضدها هي: رئيس الدولة، عضو الكنيست "على خلفية عمل قام به في إطار تأدية مهمته كعضو في الكنيست أو من أجل تأدية مهمته هذه"، وزير في الحكومة "باستثناء عمله كمسؤول عن وزارة أو عن مجال محدد"، عميد بنك إسرائيل (محافظ البنك المركزي)، سلك القضاة في المحاكم، رجال الشرطة و"سلطة السجون" في كل ما يتعلق بأنظمة وظروف العمل، جنود الجيش الإسرائيلي، سواء في الجيش النظامي أو في الاحتياط، في كل ما يتعلق بأنظمة وظروف العمل. أما المؤسسات والهيئات التي لا يسري عليها حق المواطن في تقديم الشكوى فهي: الحكومة ولجانها الفرعية، الكنيست ولجانه الفرعية والمحاكم.

 

لكن القانون لا يمنح "مفوض شكاوى الجمهور" (كما لا يخول مراقب الدولة، أيضا) أية صلاحية تنفيذية، بل يُبقي الأمر كله في خانة "التوصيات" التي لا تُسمن ولا تغني، دون أن تكون بين يديه أية قدرة (صلاحية) قانونية على فرض هذه التوصيات و/ أو ضمان تطبيقها، بل لا يمتلك أية صلاحية يمكن أن تساعد في تلقي ولو مجرد تعهد (!!)، على الأقل، بمعالجة القصورات والمشكلات، تطوير الخدمة للمواطن وتحسين تعامل المؤسسات الرسمية وموظفيها معه. والحالة الوحيدة التي يبدو وكأن المشرّع قد منح المفوض "صلاحية ما" بشأنها هي "إذا ما أظهر فحص الشكوى شبهة بارتكاب مخالفة جنائية"، عندئذ "يحق لمفوض شكاوى الجمهور التوجه إلى المستشار القانوني للحكومة لفحص الأمر"!!

 

شكاوى محقّة ـ أضعاف النسبة المقبولة في العالم!

 

ونظرا لعجز مراقب الدولة ومفوض شكاوى الجمهور وافتقاره إلى أية صلاحيات تنفيذية، تثبت تقاريره السنوية المتعاقبة أنه لم يطرأ أي تحسن جدي يذكر في هذا الموضوع، بل إن تدهورا وتراجعا واضحين يظهران في العديد من المجالات الحيوية. ولئن كانت هذه التقارير قد أثارت، في سنوات خلت، شيئا من الاهتمام السياسي ـ الحزبي والإعلامي قبل دفعها إلى أدراج النسيان، فمن الملاحظ أنها لم تعد تثير هذا القدر من الاهتمام في السنوات الأخيرة.

 

وزيادة في توضيح ما ذهبنا إليه هنا، نسجل هنا المعطيات المقارنة التالية كما أوردها مفوض شكاوى الجمهور على موقعه (موقع مراقب الدولة) العنكبوتي حول عدد الشكاوى المقدمة من مواطنين في إسرائيل ضد الدوائر والمؤسسات الحكومية والرسمية المختلفة، منذ العام 2005 وحتى العام 2012، والتي تؤكد الارتفاع المطرد في عدد هذه الشكاوى الإجمالي، كما في عدد الصادقة والمحقة من بينها:

 

· 2005 ـ 7825‎‎

 

· 2006 ـ 9928‎‎

 

· 2007 ـ 9749‎‎

 

· 2008 ـ 10571

 

· 2009 ـ 12639

 

· 2010 ـ 13976

 

· 2011 ـ 14880

 

· 2012 ـ 15123

 

ولعل أبرز ما يؤكد واقع أن هذه التقارير ومعطياتها لم تعد تثير كبير اهتمام، سواء على الصعيد السياسي ـ الحزبي أو على الصعيد الإعلامي الجماهيري، هو الحقيقة القاطعة التي ثبتها مفوض شكاوى الجمهور في تقريره الـ 40 الحالي: كل شكوى ثالثة قـُدمت في العام 2013 كانت صادقة ومحقة (وفق ما توصل إليه الفحص الذي أجراه المفوض، بالطبع) ـ وهي نسبة تزيد بكثير جدا عما هو مقبول في دول العالم المختلفة.

 

وفي الأرقام: بلغ مجموع ما قدمه المواطنون في إسرائيل من شكاوى إلى مفوض شكاوى الجمهور خلال السنة الماضية (2013) 14637 شكوى تتعلق بـ 15471 مسألة مسيئة للمواطن في العلاقة مع مؤسسات الدولة الحكومية والرسمية العامة. وعلى الرغم من أن هذه المعطيات تشير إلى هبوط طفيف في عدد الشكاوى الإجمالي قياسا بما كان عليه في العام السابق 2012 (15123 شكوى) ـ ومقابل 14880 شكوى في العام 2011 ـ إلا أن ما تميّزت به شكاوى المواطنين في العام 2013 هو أن نسبة تلك الصادقة والمحقة من بينها بلغت 32%، وهي نسبة مرتفعة جدا، نسبيا، تعادل أضعاف النسبة المقبولة إجمالا في دول العالم المختلفة.

 

ويظهر من التقرير أن 1972 من بين الشكاوى الـ 6253 التي اتخذت بشأنها قرارات عينية في السنة الماضية كانت شكاوى صادقة ومحقة، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 2ر16% عن نسبة الشكاوى المحقة في العام 2012 (2ر27%). ولكن، عند الأخذ في الحسبان 2290 شكوى لم يشملها تقرير مفوض شكاوى الجمهور، إطلاقا، نظرا لوقف عمليات الفحص بشأنها بعد تسويتها ومعالجتها مباشرة مع الهيئة أو المؤسسة المعنية، يتبين أن عدد (وكذلك نسبة) الشكاوى الصادقة والمحقة في العام 2013 كان أعلى مما ذكر (رسميا) بكثير.

 

الأكثر إيذاء للمواطنين وحقوقهم!

 

وحدد مفوض شكاوى الجمهور في تقريره "الهيئات والمؤسسات التي ورد عدد الشكاوى الأكبر ضدها"، على النحو التالي: * مؤسسة "التأمين القومي" ـ 1317 شكوى * شرطة إسرائيل ـ 713 شكوى * وزارة العدل ـ 538 شكوى * وزارة المالية ـ 458 شكوى * وزارة المواصلات ـ 407 شكاوى.

 

ثم حدّد "الهيئات والمؤسسات التي كانت نسبة الشكاوى المحقة ضدها، هذا العام أيضا، مرتفعة بشكل خاص"، أي مرتفعة جدا وأعلى من المتوسط العام كما ورد أعلاه (32%): * شركة البريد ـ 4ر56% (من الشكاوى ضدها كانت صادقة ومحقة!) * سلطة البث (حكومية) ـ 55% * ديوان رئيس الحكومة ـ 52% * وزارة المواصلات ـ 49% * بلدية اللد ـ 49% * وزارة التربية والتعليم ـ 47% * وزارة الاقتصاد ـ 44% * بلدية القدس ـ 3ر43% * بلدية حيفا ـ 5ر41% * وزارة الدفاع ـ 6ر38% * الجيش الإسرائيلي ـ 8ر37% * شرطة إسرائيل ـ 8ر36% * شركة الكهرباء ـ 3ر34%; * وزارة الصحة ـ 32%.

 

ويشير مفوض شكاوى الجمهور إلى أن مؤسسة "التأمين القومي" تتصدر لائحة الشكاوى في هذه السنة أيضا (1317 شكوى ضدها)، وذلك للسنة الخامسة على التوالي!! وبفارق كبير عن المؤسسات والدوائر الرسمية الأخرى التي تليها: شرطة إسرائيل (713)، ثم وزارة العدل (538) ووزارة المالية (458). وبالتذكير أن هذه المؤسسة تقدم الخدمات، بصورة أساسية، للفئات الفقيرة والمستضعفة اقتصاديا واجتماعيا (مرضى، عجزة، مسنون، مدمنون، أرامل، محتاجون وغيرهم) تكتسب هذه المعطيات معاني وأبعادا أكثر حدة وخطورة بكثير.

 

وكما في السنوات السابقة، كذلك في هذه السنة أيضا، تركزت شكاوى المواطنين، أساسا، على الخدمة المتدنية، بل السيئة، التي يقدمها "موظفو الجمهور" الذين يفترض أنهم يحتلون مواقعهم ومقاعدهم لخدمة المواطنين. فقد أظهرت معطيات التقرير أن 24% من الشكاوى ضد جميع المؤسسات والدوائر المختلفة تعلقت بمعاملة الموظفين في تلك المؤسسات والدوائر، سواء بعدم الرد وعدم تقديم أجوبة أو المماطلة والتأخير غير المبرر في الرد على التوجهات أو السلوكيات غير اللائقة أو عدم معالجة القضايا المختلفة.

 

أما المسألة الثانية التي شكلت دافعا لجزء كبير من الشكاوى فكانت جباية مؤسسات ودوائر حكومية مختلفة رسوما وضرائب مختلفة غير مبررة وغير منطقية من المواطنين.

 

مكافحة الفساد

 

أفاد تقرير مفوض شكاوى الجمهور بأن مكتب مراقب الدولة ومفوض شكاوى الجمهور واصل، في العام المنصرم أيضا، مساندة وحماية الموظفين كاشفي الفساد في المؤسسات والدوائر الحكومية والرسمية المختلفة، بل تشجيعهم على طلب الحماية القضائية (من جانب المفوض، طبقا للقانون) في وجه أية محاولات تنكيلية أو انتقامية من جانب المسؤولين في أعقاب الكشف عن قضايا فساد في مواقع عملهم.

 

وقال التقرير إن المفوض أصدر خلال العام 2013 تسعة "أوامر حماية" لموظفين كشفوا عن فساد في مؤسسات ودوائر حكومية ورسمية ـ اثنان منها ثابتان وسبعة أوامر مؤقتة.

 

 

السجناء والمعتقلون والمسنون

 

خصص مفوض شكاوى الجمهور فصلا من تقريره لمعالجة شكاوى تقدم بها سجناء ومعتقلون في السجون والمعتقلات الإسرائيلية المختلفة.

 

ويتضمن الفصل وصفا لبعض الشكاوى التي قدمها سجناء ومعتقلون وأبناء عائلاتهم تتعلق بالمس بحقوقهم المختلفة. وأشار المفوض إلى أنه "في أعقاب استيضاح هذه الشكاوى، قدمت مفوضية شكاوى الجمهور ملاحظاتها بهذا الشأن إلى سلطة السجون والشرطة".

 

وأوضح المفوض أنه "من المؤكد أن احتجاز إنسان يَمُس بطبيعة الحال بحقوقه الأساسية، وعلى رأسها حقه في الحرية، لكن احتجازه لا يلغي هذه الحقوق كلياً، ويتوجب الحفاظ عليها حتى بين جدران السجن، ولو كان ذلك في نطاق أضيق. لذلك، تقع على عاتق سلطه السجون وشرطة إسرائيل، المخولتين باحتجاز السجناء والمعتقلين، مسؤولية استعمال صلاحياتهما بحذر وتناسبية، مع الالتزام بسبل وطرق تضمن الحفاظ على حقوق الإنسان الأساسية".

 

وكرس المفوض فصلا آخر من التقرير لمعالجة شكاوى المسنين، مشيرا إلى أن "الازدياد الملحوظ في نسبة المسنين في إسرائيل والنسبة المرتفعة للمسنين الذين يعيشون في ضائقة، يتطلب من السلطات التعامل مع هذه الفئات بحساسية عالية والعمل قدر المستطاع للدفاع عن حقوقها".

 

ورغم كل ما أورده المفوض من تفاصيل وعينات عن الشكاوى المختلفة التي تقدم بها مواطنون ضد مؤسسات ودوائر حكومية مختلفة، ورغم ما عمد إلى تأكيده مرارا وتكرارا، إلا أن الحقيقة الأساس التي تحكم مصير هذه الشكاوى وما يختبئ خلفها من عسف سلطوي حكومي ورسمي بحق المواطن العادي تبقى هي المقررة: لا شيء يمكن أن يؤدي إلى التغيير المنشود سوى نص قانوني واضح وحازم يمنح المفوض (والمراقب) صلاحيات تنفيذية حازمة لضمان تطبيق توصياته واستخلاصاته. لكن مثل هذا النص القانوني، وإن توفر، لا يتعدى كونه الخطوة الأولى، الضرورية / الإجبارية لكن غير الكافية، طالما بقي تشخيص المفوض، التالي، صحيحا: "النسبة المرتفعة من الشكاوى التي تبين أنها محقة تشير إلى أن السلطات لم تدرك بعد أهمية تقديم الخدمة للجمهور على أفضل وجه"!