الأحزاب العربية: في إجمال المعركة الإنتخابية وتحليل نتائجها..

على هامش المشهد

 

 

 

محاضر متخصص في التاريخ والشؤون المصرية: ما ميّز الانتخابات في مصر أنها عبرت عن انقسام المجتمع بصورة غير مسبوقة

 

 

 

*إذا حاول السيسي قمع الإخوان المسلمين وحركات أخرى معارضة له بقوة شديدة، فإنه يتوقع حدوث ثورة رابعة، ضده هذه المرة، في ظل الأزمتين السياسية والاقتصادية*

 

 

 

 

كتب بلال ضـاهر:

 

 

 

تابعت إسرائيل باهتمام بالغ انتخابات الرئاسة المصرية، الأسبوع الماضي، وأسفرت عن فوز رئيس هيئة أركان الجيش ووزير الدفاع السابق، المشير عبد الفتاح السيسي، على خصمه حمدين صباحي. ولم تُخف إسرائيل، من خلال وسائل إعلامها، رغبتها بفوز السيسي الذي تعتبره أكثر اعتدالا تجاهها من صباحي.

 

وأجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية حول نتائج هذه الانتخابات مع المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في بئر السبع، والمتخصص في التاريخ والشؤون المصرية، البروفيسور يورام ميتال.

 

(*) كيف تنظر، كمتخصص في الشؤون المصرية، إلى نتائج انتخابات الرئاسة في مصر؟

 

ميتال: "واضح أن فوز السيسي كان متوقعا ولم يفاجئ أحدا. كذلك فإن نسبة التصويت المنخفضة لم تكن مفاجئة، لأن حركة الإخوان المسلمين وحركات مرتبطة بالثورة المصرية، مثل حركة 6 أبريل، أعلنت أنها ستقاطع الانتخابات. وأعتقد أن ما يميز هذه الانتخابات هو أنها تعبر بأقوى صورة ممكنة عن أن المجتمع المصري اليوم منقسم بصورة غير مسبوقة أبدا في التاريخ المصري الحديث. وهذا المجتمع منقسم على خلفية الصراع السياسي، بحيث أن هناك الجيش ومركبات الحكم الأخرى، مثل الشرطة والمخابرات، من جهة، ومن الجهة الأخرى هناك الإخوان المسلمون. ولا شك في أن الشكل الذي يجري فيه هذا الصراع هو غير مسبوق. فمنذ بداية القرن العشرين كانت هناك صراعات سياسية كثيرة داخل مصر، لكن لم يكن هناك أبدا أزمة عميقة إلى هذه الدرجة التي نشهدها الآن. وحتى لو قارنا الأزمة الحالية مع الأزمة الشديدة التي كانت في العام 1954 وحتى نهاية حكم الرئيس جمال عبد الناصر بين نظام الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، فإن الأزمة الحالية أكبر لأنها تقسم المجتمع المصري بصورة عميقة أكثر من الأزمة في سنوات الخمسين والستين".

 

(*) لماذا لم يستغل الناخبون المصريون حقيقة أنه يوجد مقابل السيسي مرشح آخر، حمدين صباحي، الذي حصل على عدد قليل جدا من أصواتهم؟

 

ميتال: "السبب الأول هو أن صباحي أطلق بنفسه تصريحات شديدة للغاية ضد الإخوان المسلمين. وهذا يعني أنه حتى أولئك من بين الإخوان الذين أرادوا التصويت ضد السيسي لم يكن لديهم بديل حقيقي. وعلينا أن نتذكر أنه في الانتخابات الرئاسية السابقة، صوت ناخبون كثيرون، لا ينتمون أبدا للإخوان، لصالح محمد مرسي، من أجل معاقبة أحمد شفيق، لأن هذا الأخير كان يعتبر من رموز النظام السابق في عهد حسني مبارك. والتفسير الثاني هو أن صباحي لم يحظ بتأييد جدي من جانب المجموعات الغنية ورجال الأعمال، الذين دعموا السيسي. والأمر الثالث هو أن صباحي لم يتمتع بدعم قوي لأجهزة الإعلام المصرية التي دعمت السيسي عمليا".

 

(*) هل سبب هذا الدعم الواسع للسيسي نابع من أن جميع هذه الفئات التي ذكرتها رأت به الرجل القوي ضد الإخوان المسلمين؟

 

ميتال: "أعتقد أن الأغلبية العظمى من المجتمع المصري حاليا، من الذين عارضوا السيسي وطبعا أولئك الذين دعموه، موجودة في أجواء خيبة أمل. وحتى أنني أصف الانتخابات الأخيرة بأنها جرت من خلال يأس عارم وليس أن المجتمع المصري نسي مؤشرات الديمقراطية والحرية وكل ما ناضلوا من أجله ضد مبارك. وإلى جانب خيبة الأمل هذه هناك تدهور كبير في الأمن الشخصي وأزمة اقتصادية تهدد بتحويل مصر إلى دولة مفلسة. وأدت هذه العوامل مجتمعة، برأيي، إلى دفع ناخبين كثيرين إلى تأييد السيسي على أمل أن الجيش، المؤسسة الوحيدة في مصر التي ما زالت تعمل، يأخذ زمام الأمور ويتمكن من إصلاح الواقع البالغ الصعوبة في البلاد".

 

(*) ماذا تقصد عندما تقول إن الوضع الاقتصادي في مصر متدهور، وما هي المعطيات التي تدل على ذلك؟

 

ميتال: "عنوان الوضع الاقتصادي في مصر حاليا هو ’أزمة على عتبة إفلاس’. والمعطيات هي أن رصيد العملات الأجنبية في مصر يبلغ اليوم نصف حجمه قبل إسقاط مبارك، أي 16 مليار دولار تقريبا، علما أن الحد الأدنى لكي لا تتدهور مصر إلى الهاوية هو 15 مليار دولار. وهذا المبلغ يجب أن يمكن مصر من شراء الاحتياجات الأساسية. ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم. أي من أجل صنع الخبز والأمور الأكثر أساسية. ومبلغ 15 مليار هذا يكفي مصر في حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور فقط لكي توفر للمواطنين المنتجات الغذائية الأساسية. والآن هي قريبة جدا من وضع كهذا، لأن رصيدها من العملات الأجنبية 16 مليار دولار فقط. الأمر الثاني هو أن الدين الخارجي المدينة به مصر لجهات في العالم أصبح أكثر بقليل من 47 مليار دولار. وهذا يعني أن على مصر دفع فوائد أكثر من الماضي. إضافة إلى ذلك فإن السياحة في الحضيض منذ ثورة 25 يناير 2011. كذلك فإن البورصة وصلت في الأسبوع الأخير إلى الحضيض. وهناك نضال للمطالبة بحد أدنى من الأجور. ووافقت الحكومة على أن يكون الحد الأدنى 170 دولارا شهريا. لكن إذا حاولوا تمويل هذا الراتب في القطاع العام فإن هذا الأمر سيزيد الضغوط على ميزانية الدولة. وترصد مصر ثلث إنفاقها على دعم أسعار المواد الغذائية والوقود. زد إلى ذلك أن نسبة البطالة تبلغ 20%، وخاصة بين خريجي الجامعات. وهذا يعني أن 70% من مجمل العاطلين عن العمل هم من الشبان".

 

(*) هذه المعطيات من شأنها أن تستدعي ثورة أخرى في مصر.

 

ميتال: "إذا جمعنا كل هذه المعطيات والأزمة السياسية الصعبة، فإن بإمكاننا أن نستشرف المستقبل القريب".

 

(*) ما هي سمات الأزمة السياسية في مصر؟

 

ميتال: "لقد حدث أمر غريب، وهو أن السيسي حصل على الدعم من مجموعتين متناقضتين وهما الليبراليون الذين كانوا يؤيدون النظام القديم ومن كانوا يسمونهم ’الفلول’، والسلفيون. أي أنه حصل على تأييد معسكر توجد بداخله تناقضات. ويضم المعسكر الثاني المعارض للسيسي، ويوجد فيه وضع مشابه أيضا، مجموعة كبيرة هي الإخوان المسلمين وإلى جانبهم مجموعات صغيرة ومؤثرة، مثل حركة السادس من أبريل، وهاتان الحركتان غير متفقتين فيما بينهما. وهذا يعني أنه بدلا من الاتحاد بينهم في أعقاب إسقاط مبارك، نرى أن السياسة أدت إلى انقسامات. وسيتركز أداء جميع هذه الفئات السياسية خلال الشهرين المقبلين على الانتخابات البرلمانية المقبلة. وهنا لن يكون مرشحان اثنان وإنما ستثار قضايا هامة وكبيرة. والسؤال هو أين ستذهب ملايين أصوات المؤيدين للإخوان في هذه الانتخابات. وأعتقد أن عبد المنعم أبو الفتوح، الذي انشق عن الإخوان وأسس حزب ’مصر القوية’ سيحصل على قسم من أصوات مؤيدي الإخوان لأن الإخوان أصبحوا الآن حركة محظورة ولا يمكنهم خوض الانتخابات. وهناك أحزاب جديدة أخرى مثل حركة تمرد التي أعلنت أنها ستخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة. وإذا ربطنا الوضع الاقتصادي بالوضع السياسي فإننا سنحصل على صورة وضع بالغة التعقيد. والملايين الذين منحوا صوتهم للسيسي يأملون بأن يحقق أمرا واحدا أساسيا وهو الاستقرار. ولكن من أجل تحقيق الاستقرار ينبغي التوصل إلى تسوية بين الفئات المركزية. لكن السيسي يقول لنا إنه لا يعتزم المساومة مع الإخوان وإنما سيمارس سياسة متشددة ضدهم. ومعنى هذا أن الأزمة السياسية العميقة ستستمر في الشهور المقبلة ولذلك فإنه سيكون من الصعب جدا ترميم الوضع الاقتصادي، وفي وضع كهذا سيكون بإمكان مصر مواصلة البحث عن مساعدة من السعودية والإمارات...".

 

(*) لكن من الجهة الأخرى، هل من الجائز أنه بعد الثورتين اللتين حدثتا، في بداية العام 2011 ونهاية حزيران العام 2013، ستحدث ثورة أخرى ضد السيسي إذا لم يحقق ما هو متوقع منه؟ لأن الانطباع هو أن الأمر الجيد الذي نتج عن "الربيع العربي" هو أنه تم كسر حاجز الخوف وأن المواطنين لم يعودوا يخافون من الخروج إلى الشوارع للتظاهر وإسقاط نظام.

 

ميتال: "الأمر متعلق بالسياسة التي سينتهجها السيسي في الشهرين أو الثلاثة الأولى كرئيس للبلاد. وفي حال حاول بناء ائتلاف يدعمه ويكون فيه فسحة أمل للإسلاميين، ولا يعتمد على الجيش والشرطة فقط، فإن هذا سيكون أحد السيناريوهات لتهدئة الوضع والخروج من الأزمة. وأنا أعتقد أنه يوجد احتمال ضئيل لحدوث سيناريو كهذا. والإمكانية الثانية، وأعتقد احتمال حدوثها أكبر، هي أن السيسي سيعمل بكل قوته ضد الإخوان المسلمين وحركات مثل السادس من أبريل. وعمليا هو سيحاول قمع الوعي السياسي الجديد الذي نشأ خلال الثورة ضد مبارك واستمر خلال الثورة ضد مرسي. وإذا حاول تنفيذ ذلك فإني أعتقد أنه ستبدأ الموجة الرابعة لثورة 25 يناير 2011. وأنا أدعي أنه كانت هناك ثورة ثانية خرجت فيها مجموعات ضد المجلس العسكري الذي شكله رئيس الأركان السابق، محمد حسين طنطاوي، وأرغمت هذه الثورة طنطاوي على إجراء الانتخابات التي جلبت مرسي إلى الرئاسة. والثورة الثالثة هي تلك التي أدت إلى إسقاط مرسي، وانتهت، الأسبوع الماضي، بأن تم انتخاب جنرال رئيسا لمصر. وأعتقد أن ما دفع كل واحدة من هذه الثورات هو ’الوعي السياسي الجديد’ الذي ما زال موجودا".

 

(*) في ظل هذا الوضع المصري المعقد، يبدو أنه لا توجد لدى إسرائيل مخاوف من السيسي، أو من أي شخص كان سينتخب رئيسا لمصر، إذ أن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر كان جاريا خلال فترة مرسي أيضا. ما رأيك؟

 

ميتال: "هذا صحيح، لكن ثمة فارق. ففي فترة مبارك وطنطاوي ومرسي والسيسي كان هناك تعاون أمني بين إسرائيل ومصر. وهذا التعاون هو ليس ظاهرة جديدة. وما تغير هو أن هذا التعاون استمر في فترة مرسي لأن مرسي لم يكن يسيطر على الجيش. كذلك فإن مرسي لم يحاول فتح جبهة أخرى. لكن من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن القيادة الإسرائيلية كانت راضية جدا من التعاون خلال فترة مرسي، ورغم ذلك كان المسؤولون الإسرائيليون يتخوفون طوال الوقت من أن الوضع قد ينقلب. لقد كانت إسرائيل تعتقد طوال فترة مرسي أنه يخيم فوق رأسها سيف يهددها. والأمر الثاني هو أنه في إسرائيل تابعوا بقلق كبير التقارب بين مرسي، كرئيس، وبين حماس. وفي إسرائيل رأوا بذلك على أنه مؤشر لمصائب مقبلة. وصورة الوضع الآن، بعد انتخاب السيسي، مختلفة تماما. لأن التخوف الإسرائيلي في فترة مرسي اختفى الآن. إذ أن السيسي، كوزير للدفاع وقائد الجيش، استمر في هذا التعاون الأمني وخاصة بكل ما يتعلق بالأنشطة المسلحة الحاصلة في سيناء. كذلك فإن السيسي أغلق الصفحة التي فتحها مرسي مع حماس. ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن السيسي منح إسرائيل هدية هائلة. ولذلك فإن المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل سعيدتان جدا من انتخاب السيسي. وطوال السنوات الـ 34 للسلام بين إسرائيل ومصر، تنظر إسرائيل إلى هذا السلام من خلال العدسة الأمنية فقط. والنضال من أجل الديمقراطية لا يهم الإسرائيليين أبدا. والإسرائيليون، من خلال توجههم الاستشراقي، يعتبرون أن الشعوب العربية لن تصل أبدا إلى الديمقراطية. ولذلك فإن إسرائيل تفضل أن تحيط بها أنظمة غير ديمقراطية. وبكل تأكيد، إسرائيل تفضل السيسي وترى به على أنه استمرار لحكم مبارك".

 

(*) وفيما يتعلق بالعلاقات بين مصر والولايات المتحدة في أعقاب انتخاب السيسي...

 

ميتال: "بداية هذه العلاقات ليس مريحة وليست جيدة. والعلاقات بين الجانبين يسودها التوتر وانعدام اتفاق مبدئي تجاه العملية الديمقراطية في مصر".

 

(*) وفي خلفية هذه العلاقات هناك محاولات من جانب روسيا لزيادة تأثيرها على مصر. وفي موازاة ذلك، نشهد تقاربا بين روسيا وإسرائيل، رغم أن هذا التقارب يشمل العديد من القضايا الإقليمية وليس مصر فقط. ماذا تعني كل هذه الخطوات؟

 

ميتال: "توجد لدى الولايات المتحدة انتقادات مبدئية حيال مسألة الديمقراطية، لكن في الوقت نفسه هي ليست معنية بأزمة خطيرة مع مصر. وما نشهده عمليا الآن هو البحث عن سلم من أجل النزول عن الشجرة. أي أن الولايات المتحدة تعرف قراءة صورة الوضع. فالجميع يذكر زيارة السيسي إلى موسكو قبل عدة شهور وأنه تحدث هناك عن صفقة سلاح كبيرة. لكن شريكا إستراتيجيا، مثل الولايات المتحدة، يوجد له مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية متشابكة على مدار أربعة عقود، لا يتم تغييره بسرعة. ولذلك ينبغي رؤية التقارب بين القاهرة وموسكو بنظرة أوسع. ونحن نرى أن الحكم في مصر يلمح للأميركيين أنه لديه عدة خيارات. ومن الجهة الأخرى ثمة الكثير الذي يمكن أن تخسره مصر ولذلك فإن ما نراه هنا هو أن أداء الجانبين المصري والأميركي حذر جدا ويحاولان عدم كسر قواعد اللعبة في هذه المرحلة. ولن أتفاجأ إذا أصدرت الولايات المتحدة، بعد الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات في مصر في الأيام المقبلة، بيانا ترحب فيه بالنتائج وتدعو السيسي إلى مواصلة العملية الديمقراطية في مصر. وهذا عمليا نوع من عدم قول شيء في اللعبة الدبلوماسية. والامتحان الحقيقي للعلاقات بين الولايات المتحدة ومصر سيحسم في الحلبة المصرية الداخلية. وإذا وصل السيسي إلى مواجهة مع القوى التي تعارض حكمه فإن هذا قد يقود بسرعة إلى أزمة مع الولايات المتحدة".