تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

 

 

حملة الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل اختفت رغم تصعيد الضربات الاقتصادية

 

 

 

*محلل يتهم "اليسار" ويسلط الضوء على دور وسائل الإعلام في إخماد الاحتجاجات *القادة السابقون لحملة الاحتجاجات يرفضون فكرة موت الحملة كليا*

 

بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على اندلاع حملة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدن إسرائيل لبضعة أسابيع في صيف العام 2011، يتساءل محللون عن أسباب تلاشي هذه الحملة، فمثلا في هذه المرحلة يواجه المواطنون في إسرائيل أوضاعا اقتصادية أصعب وضربات اقتصادية أقسى من تلك التي كانت قائمة قبل ثلاث سنوات، إلا أنه لا أحد يسمع عن حملة احتجاجات، ولا حتى عن مؤشر لحملة احتجاجات.

 

وقد نشرت مجلة "ذي ماركر" الشهرية، التي تصدر إلى جانب الصحيفة اليومية بذات الاسم، ملفا يسعى إلى الرد على هذا التساؤل، من خلال محللين بحثوا عن "متهمين"، ومن خلال عدد من الذين وقفوا في الصف الأول في تلك الاحتجاجات، فحاولوا تلطيف الرد، والادعاء بأن آثار الحملة ما زالت قائمة، وقد تندلع بأشكال أخرى في أي وقت.

وكانت إسرائيل قد شهدت في أوائل صيف العام 2011 حملة احتجاجات، بدأت باحتجاج شابة، ومن ثم مجموعة شباب وشابات في مدينة تل أبيب على غلاء وإيجارات البيوت، فحملت الأولى أمتعتها وانتقلت إلى خيمة نصبتها في أحد ميادين المدينة، ليلحق بها آخرون، وخلال أيام تطور الاحتجاج من احتجاج يقتصر على أسعار السكن، إلى الاحتجاج على غلاء المعيشة.

وكان واضحا منذ البداية أن التنظيم غائب عن تلك الاحتجاجات، فسعت عدة أطر للتدخل بهدف التنظيم وحتى فرض أجندات، ورغم ذلك فقد شهدت تلك الحملة مظاهرات ضخمة، بلغت ذروتها بخروج ما يقارب نصف مليون نسمة في عدة مظاهرات في ليلة واحدة، كانت أكبرها في مدينة تل أبيب.

 

غير أن عملية تفجيرية واحدة على الحدود مع سيناء في شهر آب من العام ذاته، كانت كفيلة بأن تلغي نشاطات الاحتجاج في الأسبوع ذاته الذي سبقه أسبوع الذروة، ولم تنجح كل محاولات استنهاض الحملة لإعادتها إلى تلك الذروة، ورويدا رويدا تلاشت تلك الحملة كليا.

وفي الحقيقة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو السابقة تفاجأت في حينه من حجم الحملة، وسعت بكل الطرق إلى اسكاتها، بداية بمهاجمتها، ومن ثم تشكيل لجنة خاصة "لجنة تراختنبرغ" لفحص كيفية خفض غلاء المعيشة، وقد خرجت اللجنة بسلسلة توصيات، إلا أن الحكومة لم تتعامل معها بكامل الجدية، إذ أنه ما إن أنهت اللجنة عملها، حتى تلاشت الحملة.

وبعد عام ونصف العام من تلك الحملة جرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكان صاحب النصيب الأكبر من "الثمار الانتخابية" لتلك الحملة، الحزب الجديد "يش عتيد" (يوجد مستقبل) الذي أسسه وترأسه من بات وزيرا للمالية، يائير لبيد، فلبيد تبنى في حملته سلسلة شعارات ومطالب من تلك الحملة، إلا أنه انقلب عليها كليا، ما أن وطئت قدماه مكتب وزارته، حتى طرح ميزانية صقرية للعامين الماضي والجاري، وتتنبأ استطلاعات الرأي تباعا أنه سيدفع ثمنا انتخابيا لهذه السياسة، في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة.

 

 

الأوضاع ساءت والجمهور لا يتحرك

ويقول المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير مجلة "ذي ماركر" الشهرية، إيتان أفريئيل، إن الجمهور يتلقى يوميا معلومات جديدة حول تدهور أوضاعه الاقتصادية، من اتساع فجوات اجتماعية، وغلاء معيشة وأسعار السكن، وخفض الدعم الاجتماعي من الحكومة، وحتى ضيق فرص العمل أمام الأجيال الشابة، التي منها من بات يفكر بالهجرة، ولو لغرض العمل، وحتى باتت العاصمة الألمانية برلين رمزا لتلك الهجرة، ويضاف إلى كل هذا ما ينشر عن حيتان المال، من حيث تسهيلات ضخمة في تسديد قروضهم وغيرها من الأمور.

ويتابع أفريئيل أنه أمام كل هذا، وعلى الرغم منه، فإن الجمهور لا يخرج إلى الشوارع ولا يعبّر عن الإحباط، في حين أن أوضاعا أقل وطأة في صيف العام 2011، أخرجت حتى نصف مليون نسمة إلى الشوارع، وأقيمت عدة مخيمات احتجاج في ميادين المدن والبلدات، بينما اليوم لا نرى ولا حتى متظاهرا واحدا ينزل إلى الشارع، سوى بعض النرفزات التي نشهدها في شبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك".

ويقول أفريئيل "إن حملة الاحتجاجات اختفت بالذات في الوقت الذي فيه الأوضاع الاقتصادية أقسى من تلك التي كانت في العام 2011، وأيضا بالذات، حينما بات الجمهور أكثر معرفة بأهداف الاجراءات الاقتصادية، التي تؤدي إلى جرف أموال كبيرة من أموال الجمهور إلى جيوب مجموعات مصالح".

 

ويشير أفريئيل إلى تأثير تلك الحملة على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولو لفترة محدودة، ومن ثم على حملة الانتخابات البرلمانية، التي بدأت بعد عام من حملة الاحتجاجات تلك، ويستذكر الكاتب شعارات من بات وزيرا للمالية لبيد في حملة الانتخابات.

 

ويزيد أنه حتى اليوم لم يندمل الجُرح الذي تركته تلك الحملة على الحلبة السياسية، فالكثير من القضايا الاجتماعية مطروحة على أجندة أعضاء الكنيست، وانعكس الأمر في تعزيز قوة نقابات عمال كثيرة، وحتى أن الحكومة "ضعيفة أمامها" حسب تعبير الكاتب، ورغم ذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية تسوء أكثر.

 

ويسعى أفريئيل إلى البحث عن أسباب تلاشي تلك الحملة، وهو يلقي التهمة الأكبر على قوى اليسار، بادعاء أن دخولها كأحزاب وقوى سياسية إلى قيادة الحملة، وما خلّف هذا من صراعات أدى إلى اخماد الحملة، من وجهة نظره.

 

لكن في ذات الوقت يلفت أفريئيل النظر إلى قضية هامة، إذ يقول إن وسائل الإعلام ساهمت أيضا في اخماد الحملة، حيث أن وسائل الإعلام أعطت دفعا لهذه الحملة وناصرتها، ولكن ما أن بدأ قادة الحملة أو جزء منها الحديث عن حيتان المال والبنوك، ومقاطعة شركة كبرى، حتى انقلب الأمر، وفتحت وسائل الإعلام صفحاتها وأجوائها لمهاجمة الحملة وحتى التشكيك في نواياها وقدرتها على التغيير.

 

ونشير هنا إلى أن تقريرا لقسم الأبحاث في بنك إسرائيل أشار بعد عدة أشهر من تلك الحملة، إلى أن حملة الاحتجاجات الشعبية لم تتغلغل إلى الشرائح الفقيرة الاساسية في المجتمع، وهي بقيت عند الشرائح الوسطى، وحتى الشرائح الوسطى العليا، التي رأت نفسها متضررة من السياسة الاقتصادية، إذ لم تصلها ثمار النمو بالقدر الكافي، وما يعزز استنتاجات بحث بنك إسرائيل المركزي أن تلك الحملة لم ترفع، مثلا، شعار الحد الأدنى من الأجر، ولا مسألة العمل في شركات القوى العاملة، بل إن هذا الأخير جاء مطلبا متأخرا، وبالأساس من اتحاد النقابات العامة "الهستدروت"، الذي وقف جانبا في تلك الحملة، وبعد أن وُجهت له الكثير من الانتقادات، لحق بالحملة ولكن دوره كاتحاد نقابات بقي هامشيا جدا.

 

 

البحث عن التوازنات

 

يقول المحلل سامي بيرتس في المجلة ذاتها "إن المجتمع الإسرائيلي موجود حاليا في عملية بحث عن نقاط التوازن في شبكة العلاقات القائمة بين الحكومة والجمهور، وبين المصالح الصناعية والتجارية والمستهلكين، وبين مجموعات تساهم أكثر في اقتصاد المجتمع ومجموعات تساهم بدرجة أقل، وبين أولئك الذين يحصلون على قدر أكبر من "الكعكة" وبين أولئك الذين يحصلون في أفضل حالاتهم على فتات".

 

ويتابع أنه أمام وضع كهذا، فلا حاجة لمعسكرات خيام احتجاجية من أجل استنهاض حملة الاحتجاجات، بل هناك حاجة للتدخل وفهم مجريات الأمور، وفهم إلى أين تتجه الأموال، وما هي الأسباب ومن هي الجهات التي تتسبب في حالة اللامساواة في توزيع المقدرات.

 

ويرى بيرتس أن حملة احتجاجات صيف 2011 لم تمت، بل إن فتيل الجمهور قصير، وهو ينفجر في نقاط عينية محدودة وفي فترة محددة، وفي كل مرّة في مكان ما، ولا يمكن معرفة أين سيكون الانفجار في المرّة القادمة.

 

ويختتم كاتبا "نأمل أن يكون هذا الانفجار في المكان الحقيقي الذي فيه بالإمكان تحقيق التغيير، وليس مجرد انفجار".

 

قادة الحملة يدافعون

تقول الشابة الأولى التي قررت اقامة خيمة في ميدان تل أبيب وكانت نواة انفجار الحملة، دافني ليف: "أنا لم أخرج إلى الشارع بهدف القيام بحملة احتجاج ضد الحكومة، لقد فهمت بعد نصف عام أنني في الشارع من دون مسكن، وقررت القيام بخطوة أقول فيها: إنني قررت توفير إيجار مسكن". وتضيف: "إن حالة التململ الحالية هي ليست تلك التي كانت قبل ثلاث سنوات، فالناس اليوم ليسوا بمستوى الخروج إلى الشارع، والسؤال المطروح، هل الهدف هو الخروج بشكل مكثف إلى الشارع، أو التغيير. وهذه المجموعة الجالسة هنا لا تستطيع التنبؤ بما سيحصل لاحقا، فالجالسون هنا، هم من مجموعات لا تعمل بشكل عفوي، بل من جهات منظمة، وتفكر باستراتيجيات للصراع على وسائل الإعلام، إن هذه المجموعة، هي ليست المجموعة التي ستأتي بحملة الاحتجاجات الشعبية الجديدة".

وتعبر ليف هنا عن امتعاضها من الصراع الداخلي الذي شهدته قيادة حملة الاحتجاجات على الظهور في الصف الإعلامي الأول للحملة، ومحاولة تجيير أي انجازات لهذا الطرف أو ذاك.

أما المحامي إلداد يانيف، عضو اللجنة الخاصة التي بحثت في سيطرة حيتان المال على أذرع المؤسسة الحاكمة، فيرفض مقولة أن لا غضب في الشارع الإسرائيلي، ويقول، "ليس صحيا أنه لا يوجد غضب، فحتى صيف العام 2011 لم تكن في وعي الرأي العام معلومات كافية عن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، فكنت حتى ذلك الوقت تسمع جدلا حول الفلسطينيين وحول الاحتلال، ولكن الناس لم تنشغل بالأوضاع الاقتصادية، ومعسكرات الخيام الاحتجاجية ساهمت في نشر هذا الوعي".

ويدعو يانيف إلى قيام معسكر سياسي مناهض للسياسة الاقتصادية، ويقول إنه في صيف العام 2001، حينما كان شعور بأن معسكرا كهذا يتبلور، شعر نتنياهو أن حكومته ستنهار، ولكن بعد تلك الاحتجاجات بات يشعر نتنياهو أنه لا يوجد شيء يشكل خطرا عليه.

أما الشاب ألون لي غرين (شيوعي) الذي برز أسمه في العامين الأخيرين في المعركة من أجل إقامة نقابة للندلاء (جمع نادل) في إسرائيل، وبالفعل أعلن العاملون في عدد من شبكات المطاعم الإسرائيلية عن الانضمام لها، كما تم سن قانون يحفظ حقوق العاملين في هذا القطاع، يقول في تلك الحلقة التي ضمت عددا من قادة الحملة، بهدف التحدث للمجلة، إنه كما لم يكن بالإمكان التنبؤ بحملة الاحتجاجات في صيف العام 2011، وأن تصل إلى جرف الحشود إلى الشوارع، فأيضا الآن لا يمكن التنبؤ بما سيحصل في القريب، فقد يقام معسكر سياسي يقف في مواجهة معسكر سياسي آخر، ويمثل مصالح أخرى غير تلك التي يمثلها الجمهور في إسرائيل، معسكر يعرف كيف يطرح البدائل، وكيف أن الأموال الطائلة تتحول إلى المستوطنات على حساب القضايا الأخرى.

ويرد عليه فورا أحد الحاضرين ويدعى إيال عوفر: طالما أنك ذكرت المستوطنات، فإنك ستخسر نصف الجمهور فورا، ويدافع المحامي يانيف قائلا إن ألون لي يطرح نموذجا لم تتم تجربته بعد، وليس بالإمكان القول إنه ليس صحيحا، لأن هذه تجربة لم تكن في تاريخ إسرائيل.

 

ويعكس هذا الجانب الضيق من الحوار الذي نشرته المجلة جانبا من اختلاف الرؤى في الشارع الإسرائيلي، إذ أن الجمهور حينما يشكو من الضربات الاقتصادية، فهو كما يقول المحلل بيرتس، يتركز في نقطة عينية ومحدودة، ولا يتطرق إلى الجوهر، وكيفية توزيع الميزانية، وهذا بحد ذاته مرتبط بعدة عوامل تحدد السياسة العامة.

 

هذا يعني أن أجواء الشارع الإسرائيلي لا تسمح بطرح سؤال عن حجم ميزانية الجيش ووزارته، ولا عن ميزانية الاستيطان، رغم أن ميزانية الاستيطان كانت مركزية في الجدل السياسي حتى نهاية التسعينيات، ولكن هذا الأمر حوصر وتقلص في الحوار السياسي كانعكاس للتطرف اليميني، ولكبر حجم الاستيطان وأعداد المستوطنين وتغلغلهم القوي في أروقة المؤسسة الحاكمة.