في سابقة قضائية - المحكمة العليا الإسرائيلية تمنع نشر رواية أدبية

على هامش المشهد

 

مبادرات تشريعية حكومية لتقييد يدي الحكومة الإسرائيلية في أي مفاوضات سلمية

 

 

 

منع الإفراج عن أسرى فلسطينيين في أي مفاوضات سياسية أو صفقات لتبادل أسرى!

 

 

 

 

*اقتراحا قانونين جديدان باسم الحكومة يشكلان تعديلين لـ "قانون أساس: رئيس الدولة" للحد من صلاحية رئيس الدولة في كل ما يتعلق بمنح العفو المبكر لسجناء قبل إنهاء محكومياتهم التي فرضتها عليهم المحاكم في إسرائيل*

 

كتب سليم سلامة:

 

تعكف الحكومة الإسرائيلية هذه الأيام على إعداد وتشريع قانون إسرائيلي جديد يقضي، على نحو أساس، بمنع الإفراج عن أسرى وسجناء فلسطينيين قبل انقضاء محكومياتهم في سياق أي مفاوضات سياسية تجري بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

 

ويظهر مما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة أن مشروع القانون الحكومي الجديد يحظى بتأييد واسع، إذ أعلن حشد من أعضاء الكنيست من أحزاب سياسية مختلفة، مما يسمى "اليسار" ومن اليمين على حد سواء، دعمهم لمشروع القانون الحكومي هذا الرامي إلى منع الإفراج المبكر عن أسرى وسجناء فلسطينيين.

 

وكانت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع قد صادقت، يوم الأحد (11/5) على مشروع القانون المذكور، تمهيدا لوضعه على طاولة لجنة القانون والدستور والقضاء البرلمانية لإقراره وتحويله إلى الهيئة العامة للكنيست للشروع في الإجراءات التشريعية.

 

لكن تطورا لاحقا حصل يوم الاثنين الأخير (12/5) من شأنه أن يعيق عملية التشريع هذه، ولو مؤقتا، إذ قدم الوزير يعقوب بيري ("يوجد مستقبل")، عضو اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، اعتراضا على قرار اللجنة التصديق على مشروع القانون، الأمر الذي يعني عمليا ـ وطبقا للقانون الإسرائيلي القائم ـ إلغاء قرار اللجنة المذكور وعدم تأييد الحكومة لمشروع القانون، رسميا، بل اضطرارها إلى إعادة النظر فيه، مجددا، في غضون أسبوعين ثم اتخاذ قرار بشأن تحويله إلى اللجنة الوزارية لشؤون التشريع لاستئناف عملها في إعداده وتحويله إلى الكنيست. ومع ذلك، يتيح القانون لرئيس الحكومة، شخصيا، تحديد موعد آخر لطرح الموضوع على الحكومة للبحث فيه، ما يعني أن الموعد القادم للنظر المجدد في مشروع القانون غير معروف.

 

وكانت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع قد صادقت على مشروع القانون بأصوات أغلبية أعضائها (سبعة وزراء من "الليكود ـ بيتنا" و"البيت اليهودي")، مقابل معارضة ثلاثة وزراء هم: يعقوب بيري (الذي لم يكن حاضرا في تلك الجلسة) وياعيل غيرمان (وكلاهما من "يوجد مستقبل") وتسيبي ليفني ("الحركة"، رئيسة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع).

 

 

مناورات بين "البيت اليهودي" و"يوجد مستقبل"!

 

وقد قلنا، أعلاه، إن اعتراض الوزير يعقوب بيري على إقرار مشروع القانون المذكور من شأنه أن يعيق مساعي تشريعه مؤقتا، لأن الموقف الرسمي الذي صدر عن حزب "يوجد مستقبل" في توضيح خطوة الوزير بيري هذه تضمن اعترافا صريحا بأن اعتراض بيري "مرتبط، أيضا، بالاعتراض الذي قدمه الوزير أوري أريئيل ("البيت اليهودي") على مشروع قانون حكومي آخر يسعى حزب "يوجد مستقبل" إلى تشريعه، هو "قانون الحمل البديل" (أو: "تأجير الرحم"). ومن هنا، فإن معارضة بيري وحزبه "يوجد مستقبل" لمشروع القانون بشأن منع الإفراج المبكر عن أسرى فلسطينيين ليست معارضة مبدئية، بل تبدو مناورة سياسية داخلية ترمي إلى ممارسة الضغط على حزب "البيت اليهودي" لسحب معارضته لمشروع "قانون الحمل البديل".

 

ومما يدلل على هذا، أيضا، ما أورده رئيس حزب "البيت اليهودي"، الوزير نفتالي بينيت، في بيانه الحاد الذي أصدره تعقيبا على خطوة الوزير بيري، إذ قال إن حزبه "سيعمل بكل الوسائل المتاحة أمامه، بما فيها لجم مشاريع قوانين يتقدم بها حزب "يوجد مستقبل" إلى أن يتم إقرار مشروع القانون هذا"! وأضاف: "لن نصبر ولن نتسامح حيال المناورات والألاعيب السياسية الحزبية على حساب قوانين حيوية لأمن مواطني إسرائيل"!

 

وقال بينيت إنه "لا يُعقل أن تكون دولة إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تفرج عن قتلة مواطنيها... من الأفضل لنا ربط أيدينا وتقييدها بدلا من رفعها استسلاما في مواجهة الإرهاب"! وأضاف: "سنضع، بواسطة هذا القانون، حدا نهائيا لسنوات طويلة من الابتزاز وإطلاق سراح القتلة بالجملة"!

 

وانضمت رئيسة كتلة "البيت اليهودي" البرلمانية، عضو الكنيست أييلت شاكيد، إلى زعيم حزبها في مهاجمة موقف بيري و"يوجد مستقبل" من مشروع قانون الأسرى، علما بأن مشروع القانون هذا يأتي بمبادرة مشتركة منها (شاكيد) ومن عضو الكنيست دافيد تسور ("الحركة"). وكشفت شاكيد النقاب عن أن "بيري كان قد عبر شخصيا، أمامي وأمام شريكي دافيد تسور، عن تأييده لمشروع القانون ودعمه لنا، وهو ما يجعل تقديمه الاعتراض خطوة مستهجنة"! وأضافت شاكيد: "من المحزن أن تقرر الاعتبارات الحزبية الضيقة في مسلكيات حزب "يوجد مستقبل" السياسية، إذ كيف يعقل أن يكون رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) سابقا من مؤيدي الإفراج عن قتلة أيديهم ملطخة بالدماء؟"! وعادت شاكيد إلى تأكيد موقف رئيس حزبها، بينيت، بالقول: "سنستخدم جميع الأدوات والسبل البرلمانية المتاحة لنا من أجل إنجاز سن هذا القانون المهم والأخلاقي"!

 

أما عضو الكنيست دافيد تسور، الذي كان شريكا في تقديم مشروع القانون هذا، خلافا لموقف رئيسة حزبه ("الحركة")، الوزيرة تسيبي ليفني، فقال: "كنت أعتقد في السابق، ولا أزال أعتقد اليوم أيضا، بأن مسألة الإفراج عن القتلة شرطا لإجراء مفاوضات سياسية هي مسألة غير أخلاقية وغير ناجعة"! في الوقت الذي قالت الوزيرة ليفني إنها تعارض مشروع القانون لأنه "يحدّ من قدرة الحكومة على المناورة في إطار المفاوضات السياسية".

 

كما عبر رئيس كتلة حزب "العمل"، عضو الكنيست إيتان كابل، عن تأييده لمشروع القانون معلنا: "لو كنت عضوا في لجنة التشريعات الوزارية لصوتت تأييدا لمشروع القانون. فقد كنت، على الدوام، ولا أزال، معارضا للإفراج عن مخربين قتلة أيديهم ملطخة بالدماء. ولا يزال ضميري يؤنبني على تغيير رأيي وتأييد صفقة الجندي غلعاد شاليت"!

 

في المقابل، هاجمت رئيسة حزب "ميرتس"، عضو الكنيست زهافا غالئون، مشروع القانون المقترح واصفة إياه بأنه "اقتراح قانون ديماغوغي يخلق تمييزا بين دم ودم". وأضافت: "يمكن تفهم مشاعر عائلات ضحايا الإرهاب حيال إقدام دولة إسرائيل على الإفراج عن أسرى في إطار اتفاق سياسي. ولكن، مع ذلك، ينبغي ترك هامش المناورة السياسية مفتوحا أمام الحكومة، بما في ذلك الإفراج عن أسرى، ليس كمكرمة إنسانية أو كقطعة حلوى يتم تقديمها إلى الفلسطينيين، وإنما كصفقة تشكل جزءا من إجراء سياسي، كخطوة لبناء الثقة نحو تحقيق هدف المصالحة وتمهيد الطريق نحو التوصل إلى اتفاقية سلام نهائي".

 

 

تعديلان لقانون أساس: رئيس الدولة

 

 

 

ومشروع القانون الذي نحن بصدده هنا هو واحد من بين اثنين يرميان إلى تحقيق الغاية نفسها يبذل عدد من أعضاء الكنيست والوزراء، في الفترة الأخيرة، جهودا حثيثة لتشريعهما وضمهما إلى كتاب القوانين الإسرائيلي، وخاصة على خلفية الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، والتي تخللها الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين.

 

ويشكل مشروعا القانونين الجديدان تعديلين لـ"قانون أساس: رئيس الدولة" ينصّان، في محصلتهما، على الحد من صلاحية رئيس الدولة في كل ما يتعلق بمنح العفو المبكر لسجناء قبل إنهاء محكومياتهم التي فرضتها عليهم المحاكم في إسرائيل. والتعديل المراد إدخاله هو على البند 11(ب) من هذا القانون، الذي نص على أن: "لرئيس الدولة صلاحية العفو عن مجرمين والتخفيف من عقوباتهم، سواء بتقليصها أو استبدالها".

 

وقد وقع على التعديل الأول، الذي بادرت إليه أييلت شاكيد ودافيد تسور، سبعة أعضاء كنيست آخرون، إضافة إلى المذكورَين، هم: أوريت ستروك، شولي معلم ـ رفائيلي ومردخاي يوغيف، من "البيت اليهودي"، ياريف ليفين وروبرت أليطوف، من "الليكود ـ بيتنا"، ويسرائيل حسون من "الحركة".

 

ويقضي هذا التعديل بتخويل المحكمة التي تدين متهما بـ "القتل بدوافع قومية" صلاحية فرض عقوبة السجن المؤبد الكامل عليه، سوية مع تضمين قرار حكمها منعاً صريحا لأي إمكانية مستقبلية لتخفيف العقوبة عنه أو لمنحه العفو من جانب رئيس الدولة. كما يقضي اقتراح القانون، أيضا، بتخويل المحاكم، في "حالات القتل الخطرة والقاسية بشكل خاص، مثل قتل الأطفال"، صلاحية منع أي إمكانية مستقبلية لتقليص عقوبة المُدان أو منحه العفو من جانب رئيس الدولة.

 

وجاء في معرض شرح هذا التعديل وتسويغه: "في السنوات الأخيرة، أطلقت دولة إسرائيل سراح عدد كبير من المخربين، كجزء من صفقات لتحرير أسرى وكمكرمات سياسية. وقد خلق هذا الواقع حالة عبثية تم خلالها الإفراج عن مخربين اقترفوا جرائم قتل كجزء من صراعهم ضد دولة إسرائيل قبل انقضاء محكومياتهم بفترة طويلة. وتشكل هذه الحقيقة إخفاقا أخلاقيا ينطوي على التقليل من خطورة أفعال هؤلاء المخربين وتحقيرا لصلاحيات الجهاز القضائي في دولة إسرائيل. وعلاوة على هذا، فقد تم تقصير فترات محكوميات العديد من القتلة، بالرغم عن ارتكابهم جرائم قتل استثنائية الخطورة، مثل قتل الأطفال".

 

وجاء، أيضا: "يأتي اقتراح القانون هذا لإصلاح الوضع الحالي ومنع نشوء واقع يتقرر فيه، على خلفية ضغوطات شتى، منح العفو لمخربين اقترفوا جرائم قتل في إطار صفقات لتبادل الأسرى أو كمكرمات سياسية"!

 

ويقضي التعديل الثاني، الذي تقدم به عضو الكنيست يعقوب ليتسمان (حريدي)، بمنع رئيس الدولة من ممارسة صلاحيته في "منح العفو لمَن اتُهِم أو أدين في محكمة عسكرية، أو محكمة مدنية، بارتكاب جريمة بدوافع قومية ضد مواطن إسرائيلي، إلا إذا تيقّن (رئيس الدولة) من أنه (المتهم/ المدان) قد دفع كامل التعويضات المستحقة لضحية الجريمة أو أبناء عائلته، كما أقرتها المحكمة، وبموجب القوانين المعمول بها".

 

وجاء في شرح هذا التعديل وتسويغه: "نشهد في الآونة الأخيرة واقعا عبثيا مزدوجا ينشأ كلما قرر الجهاز السياسي الإفراج عن مخربين ـ ليس فقط إعادة نكء الجرح المفتوح الذي أصاب العائلات الثكلى أو المصابين، بل إن المخرب نفسه لا يدفع مقابل الضرر الاقتصادي الذي سببه"!

 

وجاء، أيضا: "في الحالات الجنائية المشابهة، تقضي المحاكم، علاوة على عقوبة السجن، بفرض غرامات مالية لقاء الأضرار الناجمة، ولا يمكن الإفراج المبكر عن سجين قبل أن يكون قد أتمّ دفع التعويضات المحكوم بها، إلا إذا وجدت لجنة الإفراجات أسبابا وجيهة لذلك. وحتى في مثل هذه الحالة، لا يكون السجين معفيا تماما من دفع التعويض. أما في الحالات الأمنية، وعلاوة على إطلاق سراح المخرب، يتم إعفاؤه أيضا من دفع أي تعويضات، مما يترك العائلات مجروحة مرتين، نفسانيا واقتصاديا"!

 

وعلى هذا، تضيف تسويغات التعديل القانوني: "يقترح هذا التعديل إلزام المخربين بدفع التعويضات التي قررتها المحكمة، على الأقل، قبل إطلاق سراحهم من السجن، وذلك بواسطة البند المقترح هنا ونصه تخويل رئيس الدولة صلاحية العفو عن مخربين فقط بعد إتمام دفع كامل التعويضات المستحقة عليهم"!

 

 

الهدف: إجهاض أي مساع لتحقيق السلام!

 

لا يبذل أصحاب المبادرات التشريعية المختلفة هذه أدنى جهد لإخفاء، أو حتى تمويه، مقاصدهم وأهدافهم الحقيقية من وراء مبادراتهم هذه، بل يصرحون بها جهارا: تقييد يدي الحكومة الإسرائيلية في أي مساع تجرى لتحقيق سلام مع الشعب الفلسطيني.

 

لكن الأمر لا يتوقف عند أصحاب هذه المبادرات، بصورة شخصية، بل يتعداه ليكشف حقيقة نوايا ومقاصد الحكومة الإسرائيلية، وخاصة رئيسها بنيامين نتنياهو، في كل ما يتعلق بالمفاوضات السياسية التي يضطر إلى إجرائها اضطرارا، تحت ضغوط دولية مختلفة وبدوافع محلية شتى، بل يبدو أن نتنياهو يستدعي هذه المبادرات خفية ويوفر لها كامل الدعم والتأييد. ذلك أن هذه المبادرات، التي تبدأ بمجهودات فردية، سرعان ما تتحول إلى مشاريع قوانين حكومية يتم طرحها على الكنيست لتشريعها من طرف الحكومة وباسمها، مما يجعلها ملزمة لأعضاء الحكومة وائتلافها البرلماني.

 

وقد أشار وكيل وزارة شؤون الأسرى والمحررين في السلطة الفلسطينية، زياد أبو عين، إلى هذه الحقيقة في سياق تصريحات نقلها عنه أحد المواقع الإسرائيلية على هذه المبادرات التشريعية، إذ قال إنها تمثل "محاولة فظة لسدّ أي أفق أمام التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية مستقبلا".

 

وقال أبو عين: "يدرك الإسرائيليون حقيقة أساس مفادها إنه من دون تحرير الأسرى لن يكون هناك سلام ولن تكون أي تسوية من طرفنا. فتحرير الأسرى هو الأمر الوحيد الذي يبقي على هذه المفاوضات على قيد الحياة حتى الآن. وإذا ما تم إقرار هذه الاقتراحات، فيتوجب على المجتمع الدولي النظر إلى إسرائيل باعتبارها تهديدا جديا على أمن المنطقة واستقرارها".