تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

مواقف إسرائيلية حول التعامل مع المدنيين خلال الحرب – ما بين حصانة المدنيين وحصانة الجنود

 

يدور نقاش داخل إسرائيل، بين فلاسفة وخبراء قانون ومؤرخين وغيرهم من المثقفين والأكاديميين، حول التعامل مع المدنيين، بصورة عامة وليس في إسرائيل فقط، خلال الحروب. أو بكلمات أخرى محددة أكثر، كيف يجب على إسرائيل وجيشها التعامل مع المدنيين في الجانب الآخر، الفلسطيني واللبناني وغيرهما، في أثناء الحروب؟.

 

وقد تناول هذا الموضوع عدد شهر نيسان الجاري من دورية "جيش وإستراتيجيا"، التي تصدر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، وتضمنت محاضرات ألقيت في يوم دراسي نظمه المعهد واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

 

وسيتم التطرق في السطور المقبلة إلى ثلاث محاضرات حول التعامل مع المدنيين في جانب "العدو". ويرى المحاضر الأول أنه ليس مقبولا أن يُسمح للجنود بتشكيل خطر على المدنيين في الجانب الآخر من أجل منع تعريض الجنود للخطر؛ ويتحدث المحاضر الثاني عن وضعية المدنيين في الحرب غير التناسبية؛ ويعتبر الثالث أنه يجب توفير الحماية المطلقة للجنود من المدنيين، عندما يحضرون، مثلا، إلى بيت في الضفة الغربية لاعتقال ناشط فلسطيني.

 

التوازن بين حماية المدنيين والجنود

 

عرّف رئيس القسم الفلسفة في جامعة بار إيلان، البروفسور نوعام زوهر، في محاضرته، المقاتل بالقول إن "كل من ينتمي إلى التنظيم القتالي، في حالة الجيوش النظامية، أو باختصار، كل من يرتدي الزي العسكري هو جزء من هذا التنظيم. وهو يمكّن من تفعيله، ويشارك في إطلاق النيران، ولذلك فإنه جزء من التهديد ومسموح العمل ضده بصورة شرعية من أجل الدفاع عن النفس. وبالطبع، فإن دفاع الجنود عن النفس هو ليس دفاعا عن حياتهم فقط، وإنما هو أيضا دفاع عن المجموعة والوجود السيادي للأمة التي يحاربون دفاعا عنها".

 

وأضاف زوهر أنه "من المفيد التفريق بين حرب تنظيمات الأنصار والتنظيمات الإرهابية. والمشترك بينهما هو أنهما ينشطان كقوات غير نظامية. والفرق بينهما هو أن تنظيمات الأنصار، من حيث تعريفها الكلاسيكي، هي نشاط لقوات غير نظامية ضد محاربين، بينما الإرهاب هو نشاط ضد غير محاربين. وإذا ما توخينا الدقة، فإن الإرهاب يمكن أن تمارسه قوات نظامية أيضا... والإرهاب هو هجوم متعمد ضد المدنيين. وهناك تعريفات وشروط أخرى لتعريف عملية إرهابية، لكن هذا هو لب الموضوع".

 

وأشار زوهر إلى أن الحكومة ووسائل الإعلام في إسرائيل تشوه وصف المحاربين الفلسطينيين عندما تصف جميعهم بأنهم "مخربون". وقال إنه "لدى استخدام مصطلح ’غير المحاربين’ في سياق القتال داخل منطقة مكتظة بالسكان فإننا نتعامل مع القتال ضد منظمات أنصار، وفي السياق الإسرائيلي فإن الجهات التي نعمل ضدها هي محاربو أنصار وفي أحيان متقاربة ضد إرهابيين. غير أن المصطلح الإعلامي والحكومي الإسرائيلي ’مخربين’ يشوه ذلك، عندما يطلق على أولئك الذين ينشطون بصورة عينية أو محدودة ضد جنود الجيش الإسرائيلي فقط وعلى أولئك الذين ينفذون عمليات عدائية ضد أهداف مدنية يسمون مخربين، وهذا تشويه للخطاب العام".

 

وأردف أن "هؤلاء أفراد تنظيمات أنصار وإرهابيين يحاربون ضد جنودنا. وهم الأشخاص نفسهم في كثير من الأحيان، ولكن ليس دائما. وعندما يحاربون ضد غير المحاربين فإنهم ينشطون ضد سكان مدنيين، وعندما يفعلون ذلك فإنهم إرهابيون. وفي هذا السياق يصبح السؤال من هم الذين يسمون ’محاربين’ معقدا، خاصة عندما لا يرتدون زيا عسكريا، وأنا أتفق مع البروفسور [إسحاق] بنباجي بأن المطلب بأن يرتدوا زيا عسكريا هو غير واقعي لأسباب كثيرة".

 

وتساءل زوهر "من في الجانب الآخر نعرفه كـ ’محارب’ أو ’غير محارب’؟"، وأجاب أنه "يوجد هنا المصطلح الذي كانت إسرائيل طليعية على ما يبدو في تعريفه، وهو ’الضالعون’ أو ’غير الضالعين’ [في القتال]،أي أنه لا يمكن القول إن شخصا ما لديه رتبة معينة أو يرتدي زيا عسكريا ويحمل بطاقة انتماء لمنظمة محاربة، ولكن في جميع الأحوال هو ضالع عمليا. وهو يعدّ قنابل أو يجند أشخاصا لكي يطلقوا الصواريخ على مدنيين أو جنود، وهو ضالع بالتأكيد، وبهذا المفهوم كان التصحيح مطلوبا بأنه لا يدور الحديث عن ’محارب’ مثل الحالة التي يقف فيها أمامنا جيش نظامي وإنما يدور الحديث عن ’ضالعين’".

 

وعبر زوهر عن معارضته الشديدة لإمكانية المس بالمدنيين خلال عملية عسكرية وحتى لو تم ذلك بصورة غير متعمدة أو من أجل حماية الجنود. وشدد في هذا السياق على أنه "عندما يخرج الجنود لعملية عسكرية مبررة، فإنهم يوافقون مسبقا على تحمل خطر معين مقرون بتنفيذ العملية، رغم أنها عادلة وضرورية. وبذلك هم يخاطرون بأنفسهم، وإذا حافظوا على طهارة السلاح، فإنهم يشكلون خطرا على السكان المدنيين أيضا وخصوصا خلال القتال في منطقة مأهولة ومكتظة. وفي هذا السياق السؤال ليس كما يصوغونه أحيانا، هل يجب على الجنود المخاطرة من أجل الحفاظ على حياة المدنيين، وإنما يجب أن يكون بصورة مباشرة، أي هل مسموح للجنود تشكيل خطر على المدنيين من أجل زيادة أمنهم هم؟" معتبرا أن "التوازن بين الأمرين هو المفتاح".

 

 

استهداف المدنيين في حروب غير تناسبية

 

رأى المحاضر في كلية الحقوق في جامعة تل أبيب، البروفسور إسحاق بنباجي، أن حصانة المدنيين هو المبدأ الأساس لكود "العدالة في القتال"، الذي يوضح للجنود ما هو مسموح وما هو ممنوع تنفيذه في الحرب، ويمنع إلحاق أي أذى متعمد بالمدنيين، حتى في حال كان إلحاق الأذى من شأنه أن يؤدي إلى تفوّق عسكري كبير. لكن "في حروب الاستقلال غير التناسبية يصبح هذا المبدأ إشكاليا. فهذه الحروب تدور بين جانبين يكون الفرق بين قوتيهما العسكرية كبيرا وبارزا، ولذلك فإن المحاربين في الجانب الضعيف يختبئون بين السكان المدنيين. ولا توجد جبهة ولا زي عسكري في هذا النوع من الحروب".

 

وأضاف بنباجي أنه بموجب "التفسير المعياري" فإن "المدنيين قد يكونون مسؤولين عن حروب غير عادلة ليس أقل، وأحيانا أكثر من الجنود الذين يحاربون فيها. ومثال على ذلك، سياسيون تدفع سياستهم باتجاه حرب غير عادلة أو يتسببون باستمرارها، ومدنيون يؤيدون هؤلاء السياسيين، وموظفو وزارة الدفاع ووزارة المالية المنشغلون في الإدارة المدنية المالية للحرب". ورغم ذلك فإنه بموجب "التفسير المعياري" يحظر إلحاق الأذى بالمدنيين تحت أي شرط تقريبا.

 

من جهة أخرى أشار بنباجي إلى أن "التفسير البديل" لمبدأ حصانة المدنيين هو التفسير المتوافق عليه، ويقضي "بتجاهل الحقائق حيال المسؤولية الشخصية والمسؤولية الأخلاقية". وأشار في هذا السياق إلى أن "المدنيين يتمتعون بحصانة من هجمات مباشرة بصورة عامة وشاملة من دون وجود علاقة لمدى تأييدهم للحرب ومدى مسؤوليتهم عن نشوبها وإدارتها".

 

وأشار بنباجي إلى الادعاء بأن التمييز بين المدنيين والجنود في الحرب يغبن حق شعوب تناضل من أجل استقلالها القومي ويتطرق إلى ثلاثة عناصر "الحصانة المدنية". العنصر الأول هو أنه "من السهل تخيل أوضاع يكون فيها واجبا على المحاربين ارتداء زي عسكري، الأمر الذي يصعب كثيرا على التمويه الناجع لمحاربي الحرية. وفي هذه الحالات يقيد مبدأ ’الحصانة المدنية’ بشكل كبير حرية تنقل ونشاط الجانب الأضعف عسكريا. وانصياعهم لهذا المبدأ يجعلهم أهدافا سهلة ويمهد الطريق لهزيمتهم".

 

ويتطرق العنصر الثاني إلى السماح بإلحاق الأذى بالمدنيين بصورة غير مباشرة، الأمر الذي يوازن ويزيد من قوة الجانب الضعيف. ويقدم الجانب الضعيف على شن هجمات كهذه لأنه ليس لديه أية إمكانية لمهاجمة أهداف عسكرية.

 

والعنصر الثالث يتعلق بحالات لا توجد فيها لدى الجانب الضعيف أية إمكانية لإلحاق الأذى بأهداف عسكرية، ولكن لديه قدرة ما على إلحاق الأذى بأهداف مدنية، ورغم أن احتمالات الجانب الضعيف بأن ينتصر على دولة ذات سيادة ولديها جيش نظامي ضئيلة.

 

وقال بنباجي إنه "على سبيل المثال، فإن مواطني دولة محتلة يتمتعون من ازدهار اقتصادي وشعور بالأمن والاستقرار هو من الشروط الأساسية لهذا الازدهار. وترتيبات القتال التي تسمح بالمس بهذا الشعور بإمكانها أن تضعف كثيرا الجانب القوي في الصراع، وزيادة احتمالات الجانب الضعيف في الانتصار أو فرض تسوية وإحداث تغيير. وفي أوضاع كهذه ، حظر إلحاق الأذى بالمدنيين يلغي عمليا احتمالات الجانب الضعيف بالانتصار، حيث يكون توازن القوى عندها يميل بشكل أكيد لصالح الجانب القوي".

 

وأضاف بنباجي أنه "مسموح للمحاربين من أجل الحرية، في ظروف معينة، تشويش الحياة العادية في دولة الاحتلال من أجل تقويض الدعم للاحتلال، بواسطة إلحاق أذى متعمد بالمجتمع المدني وبالحيز العام لحياته. وفي ظروف متطرفة مسموح لهم تفجير مؤسسات حكومية، هدم جسور وإلحاق أضرار بشوارع رئيسة. وهذا بالطبع انتهاك لمبدأ ’الحصانة المدنية’، لكن مسموح به لأن هذا المبدأ يفتقر للصلاحية الأخلاقية في ظروف انعدام المساواة المتطرف في توازن القوى".

 

رغم ذلك، يشير بنباجي إلى أنه "يتعين على المحاربين من أجل الحرية التعامل مع المدنيين في الصراعات العسكرية على أنهم أبرياء من مسؤولية شخصية للمظالم التي تسببوا بها، وهذا الأمر في صلب الكود الذي أسميه ’العدالة في حروب غير تناسبية". رغم ذلك شدد بنباجي على أنه "مسموح للمحارب من أجل الحرية إلحاق الأذى بمبنى تتواجد فيه مؤسسة عامة، لكن يحظر إلحاق الأذى بموظفيها بصورة متعمدة".

 

 

مدنيون - محاربون!

 

انتقد المحاضر في قسم الفلسفة في جامعة تل أبيب، البروفسور آسا كاشير، واضع "الكود الأخلاقي" للجيش الإسرائيلي، زوهر وبنباجي، "المنشغلين في محاولة فهم نظرية الحرب العادلة والقانون الدولي الذي يستند إلى نظرية الحرب العادلة ويحاولان تبريرها"، مشيراً إلى أنه "ينطلق من نظرة معينة أخلاقية ومن اختبار نظرية الحرب العادلة والقانون الدولي، في الناحيتين الإيجابية والسلبية". وعبر كاشير عن تأييده لقتل مدنيين بادعاء أنهم يعرقلون عمل الجيش الإسرائيلي.

 

واعتبر كاشير الذي مثّل، عمليا، في اليوم الدراسي النظرية الحربية للجيش الإسرائيلي، أن "سلم قيم العدو، أي عدو، ليس جزءا من الاعتبارات الدفاعية أمامه. ولا توجد أهمية لآراء العدو علينا أو على نفسه. والنقطة الأهم هي ما هو مستعد للقيام به ضدنا، وعندها ندافع عن أنفسنا كما يجب. ومن الجائز أن آراءه وقيمه مختلفة بالمطلق عن قيمنا. وسنحاربه عندما يهاجم وندافع عن أنفسنا أمامه من دون أي اعتبار لقيمه، وإنما فقط للمخاطر التي يشكلها".

 

وأضاف أن "الأمر الذي بنظري هو الفضيحة الكبرى للقانون الدولي ولنظرية الحرب العادلة هو التعامل مع الجنود. وقد انشغل زميلاي بالسؤال لماذا مسموح قتل الجنود. وإجاباتهما، رغم احترامي لهما، لم تكن مقنعة البتة".

 

وقال كاشير إن هناك ظاهرة تسمى "المجموعة السكانية الثالثة" وهي "على سبيل المثال، خلال عمليات الجيش الإسرائيلي في منطقة غزة، يمكن مشاهدة تجمع شبان على أسطح بيوت معينة وقيامهم بحركات مشينة، من أجل أن تصور الطائرة بدون طيار رد فعلهم تجاه الجيش الإسرائيلي وإسرائيل. أي أنهم موجودون هناك بصورة متعمدة. وهم يصعدون على الأسطح من أجل القيام بفعل خلال عملية هجومية إسرائيلية ضد أهداف معادية".

 

وتابع كاشير أن "أمرا مشابها يمكن أن يحدث عندما يحيط جمهور من النوع نفسه بيتا تريد قوة من الجيش الإسرائيلي أن تخرج منه مطلوبا منشغلا في تنفيذ عملية عدائية متدحرجة، أي شخص يوجد واجب فوري لصده. والمبنى الذي يتجمع حوله الأشخاص هو مبنى يطلقون النيران من داخله أيضا، وإن لم يكن في هذه اللحظة فبعد قليل، لأنه توجد فيه وسائل إطلاق صواريخ وأشخاص هذه هي نيتهم، وعندما يطلقون فإن الضرر سيكون كبيرا جدا".

 

وأضاف أن "أفراد ’المجموعة السكانية الثالثة’ هذه يبدون كمدنيين وليس كمحاربين. وإلحاق الأذى بهم سيبدو كإلحاق الأذى بالمجال المدني، سواء بشكل مباشر أو كضرر غير مقصود. وثمة من يعرض إلحاق الأذى هذا على أنه ممنوع أو مبالغ فيه بواسطة الإعلام".

 

واعتبر كاشير أنه يوجد ثلاثة جوانب من أجل "خفض حجم الضرر الحربي، ونحن نعمل على هذا النحو في معظم الحالات. الجانب الأول، التحذير. فأفراد المجموعة السكانية الثالثة لا يعتقدون أنهم هدف للهجوم، وكل ما يريدونه هو لعب دور المدنيين. ولذلك هم يصعدون إلى أسطح المبنى، لكي يكونوا مدنيين وربما يلحق بهم الأذى وعندها سنخفق، أو ربما نخسر في معركة إعلامية. وربما لن يلحق بهم الأذى لأننا لا نريد ذلك، وعندها سنخسر المعركة العسكرية".

 

وأضاف أن "الجانب الآخر هو التناسبية. وأفراد المجموعة السكانية الثالثة يعرقلون الجيش بشكل متعمد ونشط ومباشر. وهم بمثابة حقل ألغام حول منشأة يطلقون منها النار طوال الوقت، أو مثل سلاح مضاد للطائرات حول منشأة ما. وفي المعادلة التناسبية هم محاربون، وهم ليسوا ضررا عرضيا. وهم يعرقلون عمل الجيش في الدفاع عن مواطنيه. لذلك هم محاربون وليسوا مدنيين وإلحاق الأذى بهم ليس ضررا عرضيا وإنما إلحاق أذى بمحاربين".

 

وتابع كاشير أن "الجانب الثالث هو تشكيل خطر على الجنود [الإسرائيليين]. وبالإمكان إرسال الجنود من أجل محاولة طرد أفراد المجموعة السكانية الثالثة من سطح المبنى. وهذا يعني تشكيل خطر عليهم بكافة المخاطر المحدقة بهم، ولكن أكثر مما ينبغي، وربما يطلق النار عليهم وتفجير ألغام وربما خطفهم. ولا أرى أية حجة أخلاقية في العالم ترغمنا على تشكيل خطر على حياة جنودنا من أجل إنزال أشخاص عن السطح يتنكرون كمدنيين، وهم عمليا يعرقلون عملنا في القتال دفاعا عن مواطنينا".