مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

على هامش المشهد

 

فقاعة كحلون لاستمرار فرقعة الحلبة السياسية الإسرائيلية

 

 

 

 

 

*كحلون يعلن عودته للسياسة بعد عام ونصف العام ويترك الباب مفتوحا لشكل خوضها والاحتمال الأكبر تشكيل حزب جديد * كحلون ابن أحياء الفقر يلوّح بالأجندة الاجتماعية، وينتقد سياسة حكومة نتنياهو * ينتقد سيطرة اليمين المتشدد على حزب "الليكود" ولا يطرح برنامجا سياسيا بديلا * كحلون وحزبه الافتراضي "النجم الموسمي" لما قبل الانتخابات * تجارب الماضي البعيد والقريب تؤكد عدم ثبات أحزاب موسمية كهذه*

 

 

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

 

 

أعلن الوزير السابق موشيه كحلون، في الأيام الأخيرة، عن عودته إلى الحلبة السياسية، بعد عام ونصف العام من استقالته كوزير للاتصالات في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، إلا أنه لم يحدد شكل العودة، في حين يعتقد الكثيرون أنه بدأ يعد العدّة لإقامة حزب جديد مع عدد من الشخصيات العسكرية السابقة والأكاديمية، رغم أن الانتخابات البرلمانية القادمة قد تجري بعد أكثر من ثلاث سنوات، ولكن كما يبدو فإن كحلون هو "النجم" الجديد الذي سيرافق الحلبة السياسية من خارجها في الفترة المقبلة، ليُغني تقارير التكهنات، إذ أن الاستطلاعات بدأت تضعه على الخارطة "بقوة ملموسة"، ويسبب "حزبه" بذلك في تكريس حالة تشتت الحلبة البرلمانية.

 

 

موشيه كحلون

 

دخل موشيه كحلون (54 عاما) لأول مرّة إلى الكنيست في انتخابات مطلع العام 2003، ضمن كتلة حزبه "الليكود"، وانتخب مرتين أخريين إلى حين استقالته من العمل السياسي مع انتهاء الدورة البرلمانية السابقة، في مطلع العام الماضي 2013، وسطع نجمه في انتخابات العام 2009، حينما فاز في الانتخابات الداخلية في "الليكود"، بالمقعد الثاني، مباشرة بعد مقعد رئيس الحزب بنيامين نتنياهو، وحاول "الليكود" استثمار هذا التدريج العالي في اللائحة الانتخابية لكسب اصوات أحياء الفقر، التي أتى منها كحلون، فهو يهودي شرقي ذو بشرة سمراء، ويحظى بشعبية في تلك الأحياء وتجمعات الفقر اليهودية.

 

وقبل دخوله إلى الكنيست، تنقّل كحلون في عدة وظائف مؤسساتية، غلب عليها طابع "الاستشارة" إما في "الليكود" أو عضوية إدارة في مؤسسات وشركات رسمية لها طابع سياسي، وهي من نوع الوظائف التي تسمى "وظائف ثقة" بمعنى حصة وظائف في أي مؤسسة، يتم اشغالها عن طريق التعيين المباشر من منتخب الجمهور، وينتهي عمل الشخص فيها، على الأغلب، مع انتهاء ولاية ذلك المسؤول. ويطغى على هذه التعيينات الطابع الحزبي، بمعنى أن كحلون كان محط أنظار قادة "الليكود"، فمثلا عمل كحلون من العام 1996 إلى 1999، في وظيفة "الممثل الشخصي لوزير الدفاع في منطقة الشمال"، في فترة حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، وهي وظيفة لا يسمع بها أحد، سوى أنها تضع العامل فيها في دائرة ذلك المسؤول، وتمنحه راتبا جيدا.

 

وتولى كحلون في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة وزارة الاتصالات، بينما الأضواء كانت تتسلط عليه بصفته وزيرا "مناصرا" للقضايا الاجتماعية، رغم أنه جلس في حكومة انتهجت سياسة اقتصادية شرسة، فلربما يكون قد اعترض على جوانب منها في الجلسات الحكومية، إلا أنه انصاع لها في التصويت عليها في الهيئة العامة للكنيست، ولم يهدد في أي يوم بالانسحاب من الحكومة على خلفية تلك السياسة.

 

في المقابل، يُسجل لصالح كحلون أنه أحدث انقلابا في عالم شركات الهواتف الخليوية والأرضية، بتفكيكه الكثير من الأنظمة التي كانت تتسبب بارتفاع هائل في التكلفة للمستهلك، وفتح أبواب المنافسة على مصراعيها، وقد لمس المواطنون الفارق الهائل في انقلاب الأسعار، ويجري الحديث عن فوارق تصل إلى حد 70% في فاتورة الهواتف.

 

وعلى الصعيد السياسي، لم يبد كحلون أي نفور من سياسة حكومته، بل كان منسجما معها، علما أنه كان من مجموعة المتمردين على رئيس الحزب السابق أريئيل شارون، في خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، ما يعني أنه كان في الجناح اليميني المتشدد في الحزب، إلا أنه في مقابلة مطولة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، نشرت قبل أيام، ظهر منتقدا سيطرة اليمين المتشدد على حزب "الليكود"، وعلى الهيئات العليا في الحزب، وقال في تلك المقابلة إن "الليكود" أهمل القضايا الاجتماعية لصالح الأجندة اليمينية المتشددة.

 

ومعروف أن حزب "الليكود" وصل إلى الحكم لأول مرّة في العام 1977، بدعم قوي من أحياء وبلدات اليهود الشرقيين، وهي مناطق الفقر الأعمق بين اليهود، بفعل سياسة الإهمال والتمييز ضدهم التي انتهجتها حكومات حزب "مباي" (المعراخ والعمل لاحقا) في السنوات الـ 29 الأولى لإسرائيل، وعلى الرغم من أن حكومات "الليكود" عمّقت أكثر السياسة الاقتصادية الصقرية، إلا أن اسم "الليكود" ظهر وكأنه مناصر لأحياء وبلدات الفقر.

 

وفي تلك المقابلة، كان واضحا أن كحلون يتهرب من عرض حقيقة موقفه السياسي من قضية الصراع، باستثناء إعلان تأييده لما يسمى "يهودية الدولة"، ودعا إلى بناء ثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، كمقدمة للتوصل إلى حل للصراع، وهي عبارات ضبابية، لا تكشف كليا حقيقة موقفه، كما لم يبد كحلون أية إشارة إلى انقلاب مفترض في مواقفه السياسية، سوى أنه دعا إلى التركيز على القضايا الاقتصادية.

 

 

عناوين واستطلاعات

 

ونظرا لسطوع اسم كحلون في الفترة البرلمانية السابقة، فإن وسائل الإعلام قفزت على الأمر، ليحتل كحلون عناوين تصدرت الصحف والمواقع الالكترونية، ونشرات الاخبار الإذاعية والتلفزيونية، وما رافق ذلك من تحليلات وتكهنات، وفي المقابل، سارعت قناة الكنيست التلفزيونية إلى اجراء استطلاع للرأي، منح حزبا يقيمه كحلون 13 مقعدا، في ما لو جرت الانتخابات في هذه الأيام، مقابل لجم قوة كتلة الشراكة بين حزبي "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" التي ستحظى بـ 32 مقعدا بزيادة مقعد واحد عما لها اليوم، وسيزيد حزب "العمل" أربعة مقاعد ليحصل على 19 مقعدا.

 

ويأخذ استطلاع الرأي بالحسبان نسبة الحسم الجديدة 25ر3%، ولذا فإن كحلون سيحقق قوته على حساب لوائح لن تعبر نسبة الحسم، وهبوط واضح لحزب "يوجد مستقبل" بستة مقاعد، والأهم في معادلة كحلون تراجع حزب "شاس" لليهود المتدينين المتزمتين الشرقيين بمقعدين.

 

من الواضح أن هذا ليس استطلاعا بالإمكان اعتماده كليا، لكونه يطرح أسئلة افتراضية بشأن حزب كحلون، ولم يأخذ بعين الاعتبار اصطفافات جديدة على ضوء نسبة الحسم، منها في الشارع العربي، وأيضا في الشارع اليهودي، مثل، إعادة التئام شقي حزب "كاديما"، والقصد كتلتي "كاديما" التي لها مقعدان برئاسة شاؤول موفاز، و"الحركة" برئاسة تسيبي ليفني التي لها 6 مقاعد، وغيرها من الأمور.

 

لكن نتائج هذا الاستطلاع فيها معطيات قريبة من نتائج استطلاعين لصحيفتي "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت"، إذ أن الاستطلاعين منحا حزبا يقيمه كحلون 10 مقاعد، و"اتفقا" على ارتفاع ملحوظ في قوة حزب "ميرتس"، إذ توقع استطلاع "هآرتس" حصول ميرتس على 9 مقاعد، مقابل 10 مقاعد في "يديعوت أحرونوت" و12 مقعدا في استطلاع قناة الكنيست، مقابل 6 مقاعد لميرتس اليوم، و3 مقاعد في الدورة البرلمانية السابقة، كما أن حزب "العمل" يراوح ما بين الحفاظ على قوته اليوم- 15 مقعدا- وزيادة ما بين مقعدين إلى أربعة مقاعد في الاستطلاعات التي نشرت في الشهر الأخير.

 

ولم يوضح كحلون في المقابلة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" شكل عودته إلى الحلبة السياسية، فهو لم يرفض فكرة العودة إلى صفوف حزب "الليكود" كما لم ينف فكرة تشكيل حزب جديد، ولكن التلميح كان واضحا للخيار الثاني، خاصة وأن المقابلة ذاتها ذكرت الأسماء التي بدأ كحلون في التشاور معها، ومن بينها رئيس جهاز المخابرات الخارجية "الموساد" السابق مئير داغان، الذي يُكثر في انتقاداته السياسية لحكومة نتنياهو، ورئيس قسم الميزانيات في مجلس التعليم العالي، ورئيس لجنة التحقيق الحكومية السابقة في القضايا الاجتماعية، مانويل تراختنبرغ، الذي وضع سلسلة من التوصيات أمام الحكومة في أعقاب حملة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إسرائيل لبضعة اسابيع في صيف العام 2011، وغيرهم من الأسماء.

 

والتقدير، أن كحلون سيكون الاسم الافتراضي الذي سيرافق الحلبة السياسية من خارج الكنيست، كجهة "تهدد" كتلا وأحزابا ما في الانتخابات المقبلة، كما رأينا هذا على مدى سنوات العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، إذ حصل أن أسماء وأحزابا كهذه، سطع نجمها في الفترة بين دورتين، ونجحت في دخول الكنيست، لمرّة أو اثنتين، ولكن سرعان ما بهت بريقها، واختفت عن الساحة السياسية ليظهر غيرها، الأمر الذي يساهم في لجم قوة الحزبين الكبيرين التقليديين في إسرائيل "الليكود" و"العمل"، ولكن الأهم هو الإبقاء على حالة التشتت في التركيبة البرلمانية، وتعدد الكتل البرلمانية "الكبيرة"، القريبة من بعضها من حيث عدد مقاعد كل واحدة منها، ما يساهم أكثر في حالة عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل.

 

 

 

نماذج من الماضي

 

لم تكن أية انتخابات برلمانية في إسرائيل، إلا وظهرت فيها أحزاب موسمية، ولكن حتى مطلع سنوات التسعين، كانت تلك الأحزاب تحصل على مقعد أو اثنين ولربما أكثر بقليل ثم تختفي بسرعة بعد دورة أو دورتين، وهذا باستثناء انتخابات العام 1997 التي أتت بحزب "الليكود" إلى الحكم، إذ ظهرت في تلك الانتخابات لائحة "داش" التي حصلت على 15 مقعدا، وكانت تضم مجموعة من الشخصيات العسكرية السابقة والسياسيين من توجهات مختلفة، وكانت هذه اللائحة إحدى القوى التي امتصت أصواتا تقليدية لحزب "مباي" (العمل لاحقا)، ولكن هذه الكتلة البرلمانية اختفت عن الوجود كليا في الانتخابات التالية.

 

ومنذ انتخابات العام 1992 بدأت في كل انتخابات تظهر لوائح موسمية، تقتطع عددا ملحوظا من المقاعد، ما بين 6 إلى 15 مقعدا، وكانت تشارك في الحكومات التي تتشكل بعد الانتخابات، ثم تغيب بعدها، ونذكر منها: حزب "تسومت" بزعامة رئيس أركان الحرب الأسبق رفائيل ايتان، الذي حصل في العام 1992 على 8 مقاعد، بأجندة مكافحة الإكراه الديني، إلى جانب التشدد اليميني، إذ قبل تلك الانتخابات كان له مقعدان، وفي انتخابات 1996 عرف إيتان مصير حزبه الذي انقسم على حاله، فانضم إلى كتلة "الليكود" ليختفي لاحقا عن الواجهة الانتخابية.

 

وفي انتخابات العام 1996 ظهر لأول مرّة حزب "يسرائيل بعليا" للمهاجرين الجدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق، ليحصل على 7 مقاعد، ونجح في البقاء في الواجهة السياسية حتى انتخابات 2003 مسجلا تراجعات دائمة، حتى انخرط في حزب "الليكود".

 

وفي انتخابات العام 1999 ظهر على السطح حزب "المركز" الذي ضم عددا من الجنرالات، من بينهم إسحق مردخاي، وأمنون ليبكين شاحك، اضافة إلى ابنة إسحق رابين، داليا، وكانت التوقعات في حينه أن يحصل هذا الحزب على عدد أكبر من المقاعد، إلا أنه حصل على 6 مقاعد، ليختفي عن الوجود في الانتخابات التالية.

 

كذلك في انتخابات العام 1999، ظهر حزب "شينوي" برئاسة يوسيف لبيد (والد يائير لبيد) بأجندة مكافحة الإكراه الديني، وحصل على ستة مقاعد، إلا أن بقاءه في المعارضة لحكومة "العمل" برئاسة إيهود باراك، وتكثيف نشاطه ضد الكتل الدينية، ساعده على مضاعفة قوته البرلمانية في العام 2003 ليحصل على 15 مقعدا، ليخسرها كلها في انتخابات 2006، التي ظهر فيها حزب "كاديما" الذي أسسه أريئيل شارون قبل تلك الانتخابات ببضعة أشهر، بعد انشقاقه عن حزب "الليكود"، الذي كان يرأسه.

 

ونذكر أيضا حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، فصحيح أن هذا الحزب على الساحة منذ العام 1999، ولكن ليبرمان كان يقرأ مستقبله بشكل جيد، حتى الآن، ولهذا كان يغير شكل مشاركته في الانتخابات بحسب ظروف كل مرحلة. ففي العام 2003 اندمج مع عدة كتل من اليمين المتطرف، وحصل هذا التكتل على 7 مقاعد، في حين أن لحزب ليبرمان وحده كان في العام 1999 أربعة مقاعد، ثم انشق وخاض الانتخابات لوحده في انتخابات 2006 ليحصل على 11 مقعدا، وفي انتخابات 2009 حصل على 15 مقعدا، ولكن في انتخابات مطلع 2013، تخوف ليبرمان من وضعية حزبه، بسبب محاكمة الفساد التي واجهها، وخاض الانتخابات بشراكة مع حزب "الليكود"، فخسر الحزبان معا 11 مقعدا، وكان من الصعب معرفة من الذي ساهم في الخسارة أكثر، إذ أن استطلاعات الرأي ما تزال تتعامل مع الحزبين كوحدة واحدة.

 

وكانت المفاجأة الأكبر والأقوى في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، في الانتخابات الأخيرة مطلع العام الماضي، حصول الحزب الجديد "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد على 19 مقعدا، وهي نتيجة لم تتوقعها أي من استطلاعات الراي التي ظهرت على مدى ما يقارب ثلاث سنوات، منذ أن بدأ لبيد يلمح إلى احتمال خوضه السياسة، ومن ثم اعلانه رسميا ذلك.

 

وما زال الوقت مبكرا لتحديد مصير هذا الحزب في الانتخابات المقبلة، ولكن استنادا إلى تجارب الماضي، وإلى ما تتنبأ به كل الاستطلاعات التي ظهرت بعيد الانتخابات الأخيرة وحتى آخرها قبل أيام، فإن وجهة هذا الحزب في تراجع واضح، نظرا للتناقض الكبير بين خطابه الانتخابي ونهجه العام في الحكومة.