مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

على هامش المشهد

 

 

 

 

مطلب الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية يستهدف أساساً الفلسطينيين في الداخل

 

 

 

 

 

بقلم: هنيدة غانم

 

بات مطلب الاعتراف بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي أحد الشروط الأساسية التي يضعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من أجل التوصل لاتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني. ورغم الرفض الفلسطيني الرسمي لهذا الشرط واعتباره في كثير من التصريحات مجرّد محاولة من نتنياهو لإفشال المفاوضات مع إلقاء مسؤولية هذا الإفشال على الجانب الفلسطيني، فإن من المهم الإشارة إلى أن نتنياهو لم يكن أول من طرح رسميا الموضوع على طاولة المفاوضات بل كانت تسيبي ليفني هي من طرحته في المحادثات التي جرت العام 2007 وبإيعاز وتفويض من الحكومة التي كان يرأسها في حينه إيهود أولمرت.

 

ورغم الأبعاد الكثيرة والخطيرة التي قد تنجم عن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية سواء فيما يتعلق بعودة اللاجئين، ناهيك عن ضرورة عدم الاستهانة بأن يتم تفجير المفاوضات على قضية يهودية الدولة لما تحظى به من إجماع إسرائيلي داخلي، وسهولة تحميل الفلسطينيين لهذه المسؤولية على الأقل أمام الجمهور الإسرائيلي، فإن من المهم الإشارة إلى أن الهدف الأساس من وراء انتزاع هذا الاعتراف هو حسم العلاقة نهائيا وبشكل قاطع مع الفلسطينيين في إسرائيل الذين يشكلون 20 بالمئة من عدد السكان وإجبارهم على القبول بأن إسرائيل هي دولة اليهود وليس دولة مواطنيها.

 

وهنا يمكن أن نشير إلى أربع محطات تاريخية مرتبطة بمحاولات حسم طابع وبنية الدولة تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل:

 

المحطة الأولى كانت في العام 1965 مع منع حركة الأرض من خوض الانتخابات للكنيست بادعاء حق الدولة في حماية نفسها من الاعتراض على كونها دولة ديمقراطية ومن محاولات المس بها كدولة يهودية.

 

المحطة الثانية في العام 1985 مع محاولة منع القائمة التقدمية بزعامة عضو الكنيست السابق محمد ميعاري الذي كان سابقا من قيادات حركة الأرض من خوض الانتخابات الـ 11 حيث تم تعديل قانون أساس الكنيست (تعديل رقم 9 فرع 7 أ في القانون) ليتم منع أية قائمة تهدف أو تعمل على رفض وجود دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي من خوض الانتخابات. ورغم أن الحركة التقدمية شاركت في الانتخابات بعد قرار من محكمة العدل العليا، فإنه منذ هذا التعديل صارت محكمة العدل العليا تنشغل تقريباً في كل انتخابات للكنيست في قضايا يتقدم بها رؤساء قوائم، من العرب خاصة، ضد قرار لجنة الانتخابات منعهم من خوض الانتخابات، سواء بحجة التحريض حيناً أو بحجة عدم الاعتراف بيهودية الدولة حيناً آخر.

 

المحطة الثالثة كانت في العام 1992 عندما تم سن "قانون أساس كرامة الإنسان وحريته" و"قانون أساس حرية العمل". وفيما هدف القانونان إلى ضمان حقوق أساسية، إلا أنهما كانا أيضاً تأكيداً أن هذه الحقوق تأتي في إطار القيم الأخلاقية لإسرائيل بوصفها دولة يهودية وديمقراطية. من المهم الإشارة هنا إلى أنه تم تمرير القانونين في الوقت الذي بدأت تتنظم حركة جديدة بقيادة الدكتور عزمي بشارة وتطرح تحويل إسرائيل إلى دولة جميع مواطنيها، وكانت هذه النقاشات ترتفع بالتوازي مع الإجماع إسرائيليا على ضرورة إيجاد حل مع الفلسطينيين وقبيل توقيع اتفاق أوسلو. وفعليا كان هذان القانونان الأساسيان بمثابة محاولة لحسم التحديات الداخلية التي أثارها مطلب تحويل إسرائيل إلى دولة مواطنيها وتصاعد هذا الخطاب إلى درجة تحوله فعليا إلى خطاب يحظى بتأييد نخب واسعة من المثقفين الفلسطينيين. ولا بد من التنويه هنا أن خطاب المواطنة هذا كان ضمن صعود تيارات "ما بعد الصهيونية" في المؤسسة الإسرائيلية والتي ضمت مؤرخين وعلماء اجتماع ممن طرحوا تصورات فكرية جديدة لتحليل إسرائيل وتوصيفها بأنها دولة مهاجرين استعمارية تقوم على السيطرة وقمع السكان الفلسطينيين، فضلاً عن التشكيك بروايتها الرسمية حول 1948.

 

المحطة الرابعة والإستراتيجية هي العام 2006 حيث تم البدء تباعاً بنشر مجموعة من التصورات والرؤى التي صاغتها نخبة من مثقفي وقيادات المجتمع المدني الفلسطيني في إسرائيل في محاولة لوضع تصور لهوية الفلسطينيين وعلاقتهم مع باقي الشعب الفلسطيني من جهة ومع الدولة التي يحملون مواطنتها من جهة أخرى. فقد نشر في العام 2006 تصور لجنة الرؤساء العرب التي تعد من أعلى الأجسام التمثيلية شبه الرسمية للفلسطينيين في الداخل، وأيضاً وثيقة مركز مساواة الذي يتابع حقوق المواطنين العرب في إسرائيل، ثم في العام 2007 نشر الدستور الديمقراطي الذي صاغه مركز عدالة، وكذلك وثيقة حيفا التي بلورها مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية .

 

في أعقاب نشر هذه الرؤى أعربت مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى عن قلقها من "زيادة التطرف" بين المواطنين العرب واعتبرته بمثابة "خطر استراتيجي حقيقي على المدى البعيد". وفي هذا الإطار كتب رئيس جهاز الشاباك في حينه يوفال ديسكين لمحرر جريدة "فصل المقال" التي يصدرها التجمع الوطني الديمقراطي من الناصرة أن الشاباك سيعمل على "ملاحقة الأعمال التي تسعى إلى المس بطابع الدولة اليهودي حتى لو تمت بأدوات ديمقراطية"، كما قام رئيس الحكومة حينها إيهود أولمرت بعقد اجتماع لرؤساء الجهات الأمنية لمناقشة هذا التطرف، وقد نشرت جريدة معاريف في 13.3.2007 أن أكثر ما يقلق الجهات الأمنية ظاهرة "وثائق الرؤى" التي تتكاثر بين النخب المختلفة لعرب إسرائيل، حيث توجد الآن أربع وثائق، "قاسمها المشترك هو النظر إلى إسرائيل كدولة جميع مواطنيها وليس كدولة يهودية".

 

وقد أذكت تحذيرات الجهات الأمنية النقاش المحتدم حول مكانة الفلسطينيين في إسرائيل وتعالت الأصوات التي تطالبهم بأن يثبتوا إخلاصهم ليبعدوا عنهم شبهة الـ "طابور الخامس"، وتحولت مسألة ضرورة تثبيت يهودية إسرائيل وطابعها كدولة لليهود وليس لمواطنيها إلى قضية "وطنية" إسرائيلية تلتف من حولها أغلب الأحزاب، هذا ناهيك عن أن صيغة "يهودية وديمقراطية" صارت تتقلص إلى صيغة إثنية بحتة عبر مقترحات تعريف إسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي.

 

كانت هذه النقاشات الملتهبة مع الفلسطينيين في إسرائيل إذن بمنزلة الحاضنة التي تطور فيها هذا المطلب، وكانت الخلفية التي على أثرها ذهبت ليفني إلى أنابوليس وفي جعبتها مطلب جديد: الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية كشرط للتوصل إلى اتفاق سلام دائم مع منظمة التحرير الفلسطينية.

 

ويمكن القول إن إسرائيل الرسمية كانت تطرح مطلبها على منظمة التحرير لكن عيونها كانت مصوبة أساساً على الفلسطينيين في إسرائيل.