تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

ليبرمان ويعلون يسعيان لرئاسة الحكومة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

*ليبرمان عاد إلى حقيبة الخارجية ويسعى إلى تغيير الانطباع عنه في الساحة الدبلوماسية العالمية لتعزيز مكانته الشعبية في إسرائيل *يعلون يتطلع إلى تعزيز مكانته في الليكود وفرص منافسته لنتنياهو ضئيلة *نتنياهو قد يسجل سابقة بعدد السنوات المتواصلة في منصبه في حال انتخابه لرئاسة ثالثة متتالية في الحكومات الإسرائيلية*

 

 

 

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

برزت في الأسابيع الأخيرة محاولات الوزيرين أفيغدور ليبرمان وموشيه يعلون الظهور على السطح الإعلامي في أكثر الملفات سخونة، ملف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فليبرمان اجتهد فاشلا الظهور بنوع من "الاعتدال" النسبي، ويعلون بحث عن أكثر الزوايا ضيقا في المواقف المتطرفة، فلاقاها تعج بغيره، والانطباع القائم أن كل واحد منهما يستعد إلى مرحلة ما بعد بنيامين نتنياهو، رغم أن الأخير، وحسب الوضع القائم حاليا، قد يسجل رقما قياسيا بانتخابه مرّة ثالثة على التوالي لرئاسة الحكومة، في حلبة سياسية تستصعب الإشارة إلى منافس حقيقي لنتنياهو في هذه المرحلة وفي المدى المنظور، ورغم ذلك فإن نتنياهو بات يشعر أنه فقد شيئا في حزبه "الليكود".

 

ليبرمان

 

عاد ليبرمان في نهاية تشرين الثاني الماضي إلى منصبه في وزارة الخارجية، ورغم أنه لم يغب عن سدة القرار في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، إلا أنه بهذه العودة قرر ليبرمان أن يغير أولوياته، خاصة بعد انغلاق ملف تهم الفساد ضده، وسط علامات سؤال كبيرة تتعلق بنزاهة عمل النيابة العامة وحتى القضاء.

 

فحينما تولى ليبرمان حقيبة الخارجية في حكومة نتنياهو السابقة قبل بسلسلة من الشروط، التي فرضها واقع الحال الإسرائيلي، وكما يبدو بضغط من أوساط خارجية في دول العالم، وجدت حرجا في التعامل مع هذا المتطرف، ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة التي حيّدته كثيرا من برامج لقاءات كبار مسؤوليها مع قادة إسرائيل، وهو بدوره دخل إلى الوزارة "كالجمل الهائج في حانوت السيراميك"، معلنا أجندات خارجية لا تمت للواقع بصلة.

 

نذكر مثلا أن ليبرمان دعا في العام 2009 إلى عدم ربط مصير العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة، مراهنا على تغير حال العلاقات مع روسيا الاتحادية، ثم راح ينادي باختلاق مراكز علاقات خارجية أخرى مثل إفريقيا وأميركا اللاتينية، وكل هذا فشل فشلا ذريعا كونه ضربا من الخيال في الواقع الإسرائيلي، وكان هذا مشجعا أكثر لواشنطن في تحييده، وبشكل خاص في ملف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.

 

وكما يبدو فإن ليبرمان فهم شخصيا واقع وزارته وميادين عملها الأساسية، فبدأنا نسمع خطاب "غزل" مع الإدارة الأميركية ووزير خارجيتها جون كيري، وحاول ليبرمان مرارا الخروج إلى الإعلام بتصريحات أثارت الكثير من الاستغراب، كتلك التي يُعبّر فيها عن دعمه لاستمرار المفاوضات والسعي إلى التوصل إلى حل، ولكن الإعلام الإسرائيلي الذي انشغل أكثر في هذه التغيرات في خطاب ليبرمان، لم يلتفت كثيرا إلى حقيقة أن عبارات ليبرمان بشأن الملف الفلسطيني قصيرة وابتعدت عن الجوهر، لأن ما يقوله ليبرمان في هذه المرحلة لا يغيّر كثيرا من جوهر موقفه الداعي إلى "إدارة المفاوضات"، وليس التوصل إلى حل.

 

ونستطيع التكهن بأن ليبرمان يسعى حاليا إلى كسر الحواجز التي لاقاها في الساحة الدبلوماسية العالمية، في فترة الحكومة السابقة، ويريد بهذا أن يبني لنفسه شبكة علاقات عالمية جديدة، ترفع من مكانته في منصبه هذا، ومن ثم سيحاول اجراء تغيير في الانطباع السائد عنه في إسرائيل، بأنه ليس أهلا لتولي المنصب التنفيذي الأول.

 

وفي المقابل، يعرف ليبرمان، الذي يتربع على رأس حزب "إسرائيل بيتنا" ويحتكر القرار فيه، أن هذا الحزب وصل كما يبدو إلى الذروة في الانتخابات قبل السابقة، وهو يستصعب الخروج من الدوائر الجماهيرية التي حددها لنفسه مع ظهور الحزب في العام 1999، إلى دوائر جماهيرية أوسع، بقصد دائرة المهاجرين الجدد (في العقدين الأخيرين) من دول الاتحاد السوفياتي السابق، فهذا الجمهور يحاول التحرر من القوالب السياسية التي فُرضت عليه مع هجرته إلى البلاد، كما أن تبدل الأجيال يساعد أكثر على التحرر، ما يعني إضعاف القاعدة الانتخابية التي حددها لنفسه ليبرمان على مدى 14 عاما.

 

ونشير في هذا المجال، إلى أن "إسرائيل بيتنا" يستصعب في كل سنوات وجوده كحزب، جذب كم أكبر من الأصوات من أكبر معقل لليمين المتطرف، مستوطنات الضفة الغربية والقدس، فهناك المنافسة شديدة بين أحزاب المستوطنين المباشرة وبين الليكود، ويؤكد هذا الاستنتاج نتائج كل الانتخابات البرلمانية قبل العام 2013، وهذا على الرغم من أن في كتلة "إسرائيل بيتنا" عددا من المستوطنين البارزين، وأبرزهم دافيد روتم.

 

وهذا الاستنتاج الذي يعيه ليبرمان، إضافة إلى أسباب وعوامل أخرى، جعلته يتفق مع بنيامين نتنياهو على خوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لائحة مشتركة لم تجن شيئا، بل إن هذه الشراكة أضعفت الحزبين معا بـ 11 مقعدا، سبعة خسرها الليكود و4 مقاعد خسرها "إسرائيل بيتنا".

 

والخطوة الثانية التي حاول ليبرمان الإقدام عليها، وبموافقة نتنياهو، هو اندماج الحزبين في حزب واحد، فكما يبدو يعرف نتنياهو أن وحدة كهذه ستعزز مكانته رئيسا للحزب المشترك، في حين أن ليبرمان يرى أن وحدة كهذه ستعزز مكانته في اليوم التالي لرحيل نتنياهو عن المشهد السياسي، رغم أنه يوم ليس منظورا الآن، وقد استوعبت شخصيات الصف الأول في حزب "الليكود" هذه المعادلة، فوقفت صفا واحدا منيعا ضد هذه الخطوة، التي لا نستطيع الجزم بأنها سقطت عن جدول الأعمال كليا، وكما يبدو فإن ليبرمان قد يعطي فرصة أخرى لاستئناف محاولات الدمج، ويقرر خطوته السياسية اللاحقة بناء على نتيجة هذه المحاولات.

 

وعمليا فإنه لا أمل لليبرمان في الوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة من دون رئاسة حزب كبير، ولهذا فإنه إضافة إلى الانطباع السائد عن شخصيته، لا يمكن أن يشكل "خطرا" على مكانة نتنياهو.

 

 

يعلون

 

لم يخف موشيه يعلون مواقفه السياسية المتطرفة في أي يوم، منذ أن دخل إلى الحلبة السياسية في انتخابات العام 2009، كما أنه لم يخف في أي يوم توقه للوصول إلى أعلى المناصب في سدة الحكم، فقد فلت من بين يديه في العام 2009 منصب وزير الدفاع، الذي تولاه إيهود باراك، وتمترس طيلة الوقت في خانة الانتقادات لباراك من توقه للمنصب، إذ أن كليهما من مدرسة عسكرية واحدة، وعملا سوية في قيادة الأركان لسنوات ليست قليلة.

 

إلا أن شيئا واحدا من الجدير أن نتذكره عن يعلون وله ارتباط بمواقفه السياسية، ففي العام 1995 تولى يعلون رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية، وخلال توليه ذلك المنصب تعامل مع حكومتين، تلك التي كانت برئاسة حزب "العمل" (رابين وبيرس) والأخرى برئاسة الليكود (نتنياهو)، وحينها تفجرت حالة من التهكم عليه في صحف إسرائيلية، لأنه خلال أشهر قليلة أصدر تقريرين متناقضين عما يسمى "جاهزية سورية للسلام"، فقدم تقريرا "إيجابيا" لحكومة "العمل"، ثم انقلب على تقريره مع وصول الليكود إلى رئاسة الحكومة.

 

وهذه لم تكن الحادثة الوحيدة التي تدل على سعي يعلون لتأقلم مواقفه مع الأوضاع السياسية القائمة، وهو اليوم يقرأ جيدا أن عصب السياسة الإسرائيلية يتركز في هذه المرحلة في ساحات اليمين واليمين المتطرف، ولهذا فإن يسعى إلى تقديم استعراضات سياسية أمام هذا المعسكر لتعزيز مكانته.

 

وفي الأسابيع الأخيرة أكثر يعلون من التصريحات الرافضة لأي نوع من انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، بموازاة رفضه لإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وغيرها من المواقف، التي هي ليست ببعيدة من حيث الجوهر عن مواقف نتنياهو، ولكن يعلون يعرضها بديباجات تظهره وكأنه يتخذ مواقف أكثر تشددا من رئيس حكومته، في محاولة لمغازلة معسكر اليمين المتطرف، الذي يسيطر على أكثر من 25 بالمئة من هيئات حزب الليكود.

 

لكن يعلون ومنذ دخوله الحلبة السياسية، لم يكن في أي يوم شخصية شعبية، تحظى بود شعبي بنسبة ملموسة، وهو أمر ضروري لمن تتجه أنظاره إلى رأس الهرم، كما أن ركض يعلون إلى الزاوية الأكثر ضيقا في ساحات التطرف لن تفيده كثيرا، كون زوايا كهذه تشهد "اكتظاظا" من المنافسين، بما في ذلك في حزب الليكود نفسه.

 

 

نتنياهو

 

يعي بنيامين نتنياهو الواقع الذي تشهده الحلبة السياسية في السنوات الأخيرة، ولا نذكر مرحلة كهذه على الأقل بعد مرحلة دافيد بن غوريون، أن لا تجد منافسا جديا يشكل "خطرا" على من يتبوأ منصب رئيس الحكومة، إن كان من حزب منافس آخر، أو من داخل حزبه، وقد نكون شهدنا حالات كهذه في السابق ولكن لفترة قصيرة جدا، فالواقع اليوم يقول إن نتنياهو الفائز بدوره ثانية متتالية في الانتخابات الأخيرة، لا يجد له منافسا جديا في أي انتخابات برلمانية مستقبلية، ولهذا فإن الانطباع السائد هو أن نتنياهو يضمن لنفسه، وفق الظروف القائمة، دورة ثالثة متتالية ورئاسة حكومة رابعة، ليسجل بذلك ذروة في عدد سنوات رئاسة حكومة متواصلة.

 

وهذا لا يعود إلى مواصفات فريدة من نوعها في نتنياهو، بل هذا نتائج عوامل تراكمية عديدة، منها ضرب الأحزاب الكبيرة، وجنوح الحلبة الإسرائيلية إلى اليمين واليمين المتطرف، وسعي مراكز قوى في اليمين المتطرف لعدم إثارة الخلافات الداخلية، وتدريج أولوياتهم من الحكم، وعدم الضغط على من يقود الحكومة، كما حصل في فترات سابقة في حكومات الليكود، وهذا شرط أن أهداف اليمين تتحقق تدريجيا على الأرض، ويضاف إلى كل هذا أن نتنياهو عمل بشكل منهجي على استبعاد شخصيات قد تهدد، ولو بنسبة ضئيلة جدا، مكانته في الحزب، وهذا ما فعله قبيل الانتخابات البرلمانية السابقة، حينما استبعد شخصيات لها مكانة في الشارع الإسرائيلي مثل، بنيامين بيغن ودان مريدور وغيرهما.

 

لكن نتنياهو كما يبدو بات يشعر أن قواعد عديدة في الحزب أصبحت تحس بابتعاده عنها، وراحت تبحث عن شخصيات أخرى في الحزب تؤمن لها مطالبها الجارية، وهذا لا يعني بالضرورة بداية تمرد على مكانته كرئيس حزب، بل من الممكن أن تبقي عليه رئيسا للحزب، ولكنها لن تنصاع لكل رغباته التنظيمية والسياسية.

 

ولهذا قرأنا في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي أن نتنياهو استدرك "خطأه" وقرر الشروع في الاتصال المباشر مع قواعد وفروع حزبه الليكود، فهو وإن اطمئن على مكانته كرئيس، إلا أنه بحاجة لهم لتمرير إرادته في الحزب، ومواجهة معسكر موشيه فايغلين الذي يرتكز على عصابات استيطانية متطرفة جدا، ومعسكرات أخرى قد تنشأ.

 

ويخيل أن نتنياهو ينظر إلى كل من يحاول منافسته على مكانته بضحكة صفراوية، وقد لا نستبعد أن يكون مثل موشيه يعلون مستهدفا من نتنياهو في الانتخابات المقبلة.