مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

على هامش المشهد

 

تحقيق صحافي: مسعى سياسي محموم لإقصاء المبدعين اليساريين عن مجلس الثقافة والفنون الإسرائيلي

 

 

 

 

*في "المجلس" قسم لـ "الثقافة العربية" وآخر لـ "الثقافة الدرزية والشركسية" يتولى رئاستهما حاييم بيرلوك شخصيا، إضافة إلى قسمين آخرين أيضا إلى جانب توليه رئاسة المجلس نفسه!*

 

 

نشرت صحيفة "هآرتس" (1/2/2014) تحقيقا صحافيا واسعا خصصته لحالة التدهور المتفاقمة في "المجلس الإسرائيلي للثقافة والفنون" التابع لوزارة الثقافة من جراء ممارسات رئيسه، حاييم بيرلوك، تحت عنوان "قيصر الثقافة ـ هكذا يستولي برلوك على الحياة الثقافية في إسرائيل"! وحاييم بيرلوك مقرب من وزيرة الثقافة، ليمور ليفنات (ليكود)، التي اعتمد مجلس الوزراء الإسرائيلي توصيتها الشخصية فقرر يوم 20/12/2009 تعيين برلوك لهذا المنصب، خلفا للرئيس السابق للمجلس يحيئيل ليكت الذي قدم استقالته.

 

ويدعي العارفون في خبايا الأمور، من مختلف المجالات الثقافية والفنية في إسرائيل، أن بيرلوك ـ برعاية الوزيرة ليفنات وبدعم غير محدود منها ـ يدير شؤون هذا المجلس بكثير من الهيمنة الفردية، باستقدام مقربين وتعيينهم في مناصب مسؤولة، باستبعاد القامات البارزة في مجالات الثقافة والفنون المختلفة في البلاد، ما أدى إلى إفراغ هذا المجلس تماما، تقريبا، من المهنيين المختصين في المجالات الثقافية المختلفة ليحتل مكانهم فيه أشخاص غير معروفين في الحقل الثقافي، هو ما سبب تدهورا حادا في مكانة "مجلس الثقافة والفنون" باعتباره السلطة الأعلى في مجال السياسات الثقافية في إسرائيل.

 

ويشكو هؤلاء أن بيرلوك يدير المجلس بأسلوب دكتاتوري، يتدخل في قرارات تتعلق بالأداء اليومي في الأجسام والمنظمات التابعة للمجلس، وكذلك في القرارات المهنية التي يتخذها المستوى المهني، حتى أصبح يطلق عليه في الأوساط الثقافية لقب "القيصر"، القادر على كل شيء!

 

يشار هنا إلى أن تأسيس "المجلس الإسرائيلي للثقافة والفن" ـ وكما ورد على صفحته العنكبوتية ـ جاء استنادا إلى "قانون الثقافة والفنون"، كجهة رسمية تطوعية إضافة إلى مديرية الثقافة في وزارة الثقافة. وتتركز مهمة المجلس في "تقديم الاستشارة للحكومة ولوزير/ ة الثقافة والرياضة في مجالات الثقافة والفنون والعمل لدعم حياة الإنتاج والإبداع في دولة إسرائيل.... ويقدم المجلس اقتراحاته لوزير/ ة الثقافة في إعداد برنامج متعدد السنوات للسياسة في مجالات الثقافة والفنون، بما في ذلك في مواضيع الدعم لمؤسسات الثقافة والفنون، المبادرات، نشاطات وورش لتشجيع ودعم الإبداع والفنان".

 


يتساءل تحقيق الصحيفة، بدءا: "من هو هذا الشخص الذي لم يكن معروفا قط حتى مؤخرا؟"، ثم يجيب: بيرلوك، الذي قررت الحكومة قبل بضعة أشهر تمديد تعيينه في منصب رئيس مجلس الثقافة والفنون، هو ليس خادم جمهور كلاسيكيا ترعرع في جهاز الخدمات العامة، بل جاء من عالم الطب، الأعمال الحرة والنشاط السياسي. وبكونه مقربا من حزب "الليكود"، كان من مؤيدي وزيرة الثقافة والرياضة، ليمور ليفنات. هو طبيب، مؤسس ومالك لمجمع من الشركات التجارية الكبيرة المتخصصة في تقديم الخدمات والاستشارة الطبية، ومن خلالها أقام شبكة واسعة ومتشعبة من العلاقات التجارية.

 

وفي سيرته الذاتية هذه، لم تكن لبيرلوك أية نشاطات ـ شخصية، مهنية أو جماهيرية عامة ـ في أي مجال ثقافي، حتى العام 2004، وهو العام الذي عيّنته فيه ليفنات، للمرة الأولى، رئيسا لمجلس الثقافة والفنون التابع لوزارتها. ولئن كان بيرلوك قد اعتمد، طوال دورته الأولى في هذا المنصب والتي استمرت حتى سنة 2007، العمل الهادئ من وراء الكواليس واكتفى به، فقد تميزت الدورة الثانية، ابتداء من سنة 2010، بالفاعلية الزائدة: فإلى جانب منصبه المركزي رئيسا للمجلس ـ وهو منصب يشغله تطوعا، كبقية أعضاء المجلس وأقسامه المختلفة ـ يتولى، أيضا، رئاسة أربعة من أقسام المجلس الـ 13، التي يتولى كل منها صلاحية إقرار وتحديد أي من الهيئات / الأجسام أو المبدعين المستقلين الناشطين في إطاره يستوفي الشروط والمعايير التي تؤهله للحصول على معونات مالية من ميزانية المجلس / الدولة.

 

تعيينات سياسية لا علاقة لها بالثقافة!

 

ويستدل من المعلومات المثبتة على موقع وزارة الثقافة على الشبكة العنكبوتية أن بيرلوك يتولى رئاسة الأقسام التالية: قسم الموسيقى، قسم مسرح الأطراف (الفرينج)، قسم الثقافة العربية (وهي المرة الأولى التي لا يتولى فيها رئاسة هذا القسم شخص عربي!) وقسم الأبحاث والتراث الإسرائيليين. وحتى الفترة الأخيرة، تولى بيرلوك، أيضا، رئاسة قسم "الثقافة الدرزية والشركسية"! وعلاوة على هذا كله، فإن بيرلوك عضو فعال ومهيمِن في أقسام أخرى من أقسام المجلس، من بينها قسم المسرح.

 

وتعليقا على هذا الوضع، يقول أحد العاملين القدامى والبارزين في الحقل الثقافي في إسرائيل: "لم يكن ثمة رئيس، من قبل، أشغل هذا العدد الكبير من المناصب في الوقت نفسه. هذا يدلل على مدى هيمنة هذا الشخص على الجهاز بأسره"، ويعزو ذلك إلى "الحرية المطلقة التي توفرها الوزيرة لهذا الشخص"!

 

ومن جانبه، يدعي بيرلوك ـ ردا على ما ورد ـ بأنه يشغل اليوم منصب الرئيس الثابت والدائم لقسميّ الموسيقى و"مسرح الأطراف" فقط، بينما يشغل منصب الرئيس المؤقت لقسمي الثقافة العربية والأبحاث والتراث الإسرائيليين "حتى تعيين رئيسين دائمين"، في أعقاب استقالة رئيسيهما السابقين، فيما "يُنظر هذا الأيام في تعيين مرشحة لتولي منصب رئيسة قسم الثقافة الدرزية والشركسية".

 

ولا يتوقف الأمر عند إشغال بيرلوك شخصيا رئاسة هذا العدد الكبير من الأقسام، فضلا عن رئاسة المجلس، وليس مهنيين بارزين وأكفاء، بل يتعداه إلى حقيقة أن جزءا كبيرا من أعضاء المجلس لا علاقة لهم بالثقافة ومجالاتها وفعالياتها. وحتى إذا ما أخذنا في الاعتبار أن بيرلوك يؤدي مهامه وفقا لقواعد وأصول العمل في مجال الأعمال والتجارة ويؤمن بأنه "يساهم في إدارة البيروقراطية الحكومية بصورة سليمة"، فإن هذه التركيبة في عضوية "مجلس الثقافة والفنون" لا تتلاءم مع متطلبات "قانون الثقافة والفنون" (2002) التي تقضي بأن يكون "نصف الأعضاء، على الأقل، مهنيين وناشطين في مجالات الإبداع، العمل، التنفيذ والبحث في ميادين الثقافة والفنون المختلفة" (البند 4)، فيما يمكن أن يكون الأعضاء الآخرون "من أنصار الثقافة الناشطين في المجالات المختلفة".

 

ويستعرض تحقيق الصحيفة أعضاء "مجلس الثقافة والفنون"، إسميا، فيجد بينهم شركاء لبيرلوك في مجال الأعمال الحرة والتجارة، زوجة أحد المسؤولين الكبار في شركة "هرئيل" للتأمينات، التي تشغّل بيرلوك نفسه في مجال الدعاوى الطبية، ثلاثة أطباء ينتمي أحدهم ـ يهودا سكورنيك ـ إلى حركة "القيادة اليهودية" التي يتزعمها المستوطن اليميني المتطرف موشيه فيغلين، بينما كان نجله (أوهاد سكورنيك) صديقا حميما ليغئال عمير، قاتل رئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، وقد تم التحقيق معه بشبهة الضلوع في جريمة القتل هذه! وأعضاء آخرين "مقربين من معسكر بيرلوك السياسي"، من بينهم أشخاص معروفون بأنهم "قاوموا خطة الانفصال عن غزة"!

 

ومن النظر في قائمة "أعضاء المجلس"، كما هي منشورة على صفحته العنكبوتية، يظهر أنها تشمل 22 عضوا، بمن فيهم الرئيس نفسه، ومن بينهم 3 أعضاء عرب هم: الممثلة خولة الحاج ـ دبسي، الممثل نهد بشير والسيدة هدى خير.

 

 

 

وينقل التقرير عن إحدى العاملات في مجال الثقافة والمطلعة على عمل الأقسام المختلفة في المجلس عن كثب أن "تعيين عضو جديد في أي من أقسام المجلس كان يجري، في السابق، مرة واحدة كل بضع سنوات. كانت تعقد جلسات احتفالية لإنهاء عمل عضو ما وتعيين آخر مكانه. أما اليوم، فإن الأمر يتم كما لو أنه في محطة قطار"!

 

وردا على هذه الاتهامات، يقول بيرلوك نفسه إن "جميع الادعاءات بشأن تعارض مصالح يخص أيا من أعضاء المجلس كان قد تمت معالجتها من طرف المستشارة القانونية في وزارة الثقافة والرياضة"!!

 

ويطرح التحقيق الصحافي تساؤلا حول منهجية اتخاذ القرارات في "مجلس الثقافة والفنون" وكيفية توصل أعضائه إلى تلك القرارات، فيؤكد: لا سبيل إلى معرفة شيء عن هذا! فالمحضر الأخير المتوفر من محاضر جلسات هذا المجلس هو من تاريخ 12 أيلول 2011، بينما تبين وثيقة حصلت عليها الصحيفة أن "أمرا صدر إلى مديرة موقع وزارة الثقافة والرياضة على الشبكة يحظر عليها نشر أية بروتوكولات عن جلسات المجلس"!

 

شهوة تسلطية جامحة

 

وتنقل الصحيفة عن عدد من المهنيين البارزين في مجال الثقافة والفنون في إسرائيل، ممن يعرفون سير عمل المجلس عن كثب، أن إحدى بؤر الاحتكاك والتوتر الدائمين في المجلس تكمن في "تدخل بيرلوك المتزايد في قرارات المجلس وأقسامه المهنية، وخاصة ما يتعلق منها بالدعم المالي الممنوح للمؤسسات والشخصيات الثقافية والفنية". ويضيف هؤلاء، طبقا لتحقيق الصحيفة، أن عمل المجلس خلال السنوات السابقة لتولي بيرلوك رئاسته تميز بالفصل الحاد والواضح بين "مجلس الثقافة" و"مديرية الثقافة" - وهذه الأخيرة هي الذراع التنفيذية لوزارة الثقافة والرياضة وفيها لجنة خاصة من المهنيين تنظر في طلبات الدعم وفق معايير مهنية محددة وثابتة - وأن عمل المجلس تركز، فيما مضى، بتقديم الاستشارة والرقابة العامة، بينما "تلاشت الحدود في الفترة الأخيرة ولم يعد ممكنا التمييز بين الهيئتين"! ويضيف هؤلاء أن "هذا الوضع نتج عن سلوك بيرلوك العدواني والعدائي وعن شهوة التسلط الفردانية الجامحة التي يبديها في نهجه في إدارة المجلس وأقسامه... إنها شهوة بلا حدود، إذ يريد التحكّم بكل صغيرة وكبيرة"!

 

ويقول أحد أعضاء لجنة الدعم في "مديرية الثقافة": "إنها فضيحة كبرى أن يقوم رئيس المجلس بتعيين أشخاص لا علاقة لهم، إطلاقا، بأي من مجالات الثقافة والفنون أعضاء في لجنة تنظر في طلبات الدعم المالي للمؤسسات والشخصيات الثقافية والفنية. فالحُكم على الثقافة هو مهمّة مهنية. ينبغي على مَن يقوم بها أن يكون ذا قدرة مهنية ومعرفية على تفكيك مركبّات العمل الثقافي أو الفني"!

 

وأوردت الصحيفة تعقيب الوزارة على ما ورد في التحقيق، فجاء فيه، من بين ما جاء، أن "وزيرة الثقافة هي التي تقوم بتعيين أعضاء المجلس، طبقا للتوجيهات المنصوص عليها في القانون ومن خلال التشاور مع أجسام ثقافية، بموجب تعليمات المستشارة القانونية للوزارة، وبعد مصادقة الحكومة"!

 

وقالت الوزارة إن بيرلوك، وخلافا لما ادعاه التحقيق الصحافي، لا يشغل منصب رئيس "قسم الثقافة الدرزية والشركسية"، بل تشغله السيدة هدى خير، مديرة المركز الجماهيري في قرية المغار. وهذا، بينما قال بيرلوك نفسه، في تعقيبه للصحيفة، إن السيدة خير "لا تزال، حتى الآن، مرشحة لإشغال هذا المنصب"! أما بالنسبة للأقسام الأخرى التي يتولى بيرلوك رئاستها، فادعت الوزارة أن الأمر ناتج عن "أمر أصدره المستشار القانوني للحكومة يحظر على الوزيرة تعيين أعضاء جدد لمجلس الثقافة والفنون، بسبب انتخابات الكنيست"، علما بأن هذه الانتخابات جرت قبل أكثر من عام كامل (في 22 كانون الثاني 2013)!!

 

هذا، وخصصت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها يوم 1/2/2014 لهذا الموضوع وما كشف عنه تحقيقها الصحافي، فزادت أن بيرلوك، إضافة إلى ما ورد عنه أعلاه، تبرع بمبلغ يزيد عن عشرة آلاف شيكل لتمويل الحملة الانتخابية للوزيرة ليفنات في الانتخابات الداخلية (برايميرز) التي جرت في حزب الليكود في العام 2009، وفي العام 2010، قامت بتمديد ولايته في هذا المنصب، الذي كانت أوكلته إليه قبل ذلك بسنة واحدة.

 

وقالت الصحيفة: إن ليفنات، التي تدعو المبدعين الإسرائيليين إلى ممارسة الرقابة الذاتية لتحسين صورة دولة إسرائيل في خارج البلاد، والتي مارست ضغوطا على العديد من المسارح في البلاد لتقديم عروضها في مستوطنة أريئيل، والتي أنشأت "جائزة الإبداع الصهيوني"، قامت بإفراغ "مجلس الثقافة والفنون" من المهنيين والمختصين ووضعته تحت إمرة مقرّبها الذي ينتهج القوة في إدارة هذه المؤسسة.

 

وأعادت الصحيفة التذكير بتصريح أدلت به ليفنات في مقابلة مع الصحيفة نفسها في الماضي، قالت فيه: "كما في كل مكان آخر في العالم، كذلك هي الحال في إسرائيل ـ كثيرون من الفنانين يتماثلون مع اليسار وهذا ما يسبب قطيعة بينهم وبين الواقع"! وأضافت الصحيفة: "يبدو، الآن، أن الوزيرة ليفنات تسعى إلى فرض رؤيتها هذه على المبدعين الذين تعتبرهم خصوما سياسيين لها، وهي تلقي المهمة هذه على بيرلوك شخصيا".

 

وخلصت الصحيفة إلى دعوة مراقب الدولة لفحص المعلومات والادعاءات الواردة في تحقيقها والتحقيق في مجريات الأمور في "مجلس الثقافة والفنون".