تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

السياسيون الإسرائيليون يسعون لإرغام الحريديم على الخدمة العسكرية والجيش يرى في تجنيدهم عبئاً

 

 

 

 

*آلاف الحريديم يتظاهرون ضد التجنيد للجيش الإسرائيلي، لكن احتجاجهم موجه ضد قيادة التيار الحريدي المركزي أيضا* لجنة برلمانية تحاول سن قانون جديد لتجنيد الحريديم بعد بلوغهم سن 24 عاماً*

 

 

 

تظاهر آلاف اليهود الحريديم (المتشددين دينياً)، يوم الخميس الماضي، في خمس مدن، هي القدس وبيت شيمش وبني براك وأسدود ومستوطنة "موديعين عيليت"، وأغلقوا شوارع رئيسة وأشعل بعضهم سيارة شرطة ووقعت مواجهات بينهم وبين قوات الشرطة الإسرائيلية، التي اعتقلت العشرات من المتظاهرين.

 

وجاءت هذه المظاهرات على خلفية رفض الخدمة العسكرية، واحتجاجا على قرار المحكمة العليا، يوم الثلاثاء الماضي، القاضي بوقف دفع مخصصات للشبان الحريديم المرشحين للخدمة العسكرية. كذلك جاءت هذه المظاهرات ضد زعيم التيار المركزي للحريديم الليتوانيين، الحاخام أهارون لايف – شطاينمان. ولم يشارك فيها حريديم من التيار الليتواني المركزي أو من حزبي شاس و"يهدوت هتوراة".

 

ونظم هذه المظاهرات الحريديم الذين ينتمون للجناح المتعصب في التيار الحريدي الليتواني، الذي يتزعمه الحاخام شموئيل أويرباخ، وإلى جماعات حريدية معادية للصهيونية. وكانت الذريعة المباشرة لتنظيم المظاهرات، اعتقال طالب ييشيفاة (معهد ديني يهودي) من مدينة أسدود، بسبب انصياعه لأمر الحاخام أويرباخ ورفضه المثول في مكتب التجنيد لغرض تسوية إعفائه من الخدمة.

 

وتحدث أمام المتظاهرين في القدس الحاخام دافيد زيخرمان، أحد أتباع أويرباخ. وهاجم زيخرمان الحكومة الإسرائيلية، وبشكل خاص رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، ورئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، وقال: نعْلم أن حكم الشر هو الـ "لبن"، وهو اختصار للأشرار الثلاثة الذين يتزعمون هذا الحكم الشرير، في إشارة إلى لبيد وبينيت ونتنياهو. وأضاف: "لقد حاولوا من قبلكم ولم ينجحوا! لقد حاول تيتوس، وحاول أنتيوخوس. ولن ينجح لبيدوس وبينيتيتوس! لن ينجحوا". ووصف محاولة تجنيد الحريديم بأنها "محاكم تفتيش". وهدد "سنخرج إلى الحرب، ودولة إسرائيل ستشتعل كلها وتصبح مثل موقدة. فنحن، الناجون من المحرقة، موجودون الآن في محرقة روحانية... والأخوان بينيت ولبيد يحاولان تربيتنا، لكن هذا لن ينجح أبدا. وندرس الآن الإمكانية القانونية لأن نعلن عن عصيان في دفع الضرائب ووقف تسديد قروض الإسكان".

 

وأشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن أويرباخ، الذي تعرف جماعته في الشارع الحريدي بتسمية "الفصيل المقدسي" أو "المخربين"، يحرص على منح دعمه الشخصي لطلاب الييشيفوت الذين يتم اعتقالهم بسبب أوامرهم لهم بعدم الامتثال في مكاتب التجنيد، منذ نهاية العام 2012. ويحاول أويرباخ دائما زيارة طلاب الييشيفوت المعتقلين في السجن العسكري رقم 6.

 

محاولة سن قانون خاص لتجنيد الحريديم

 

يذكر أنه في شهر آب من العام 2012 انتهى سريان مفعول "قانون طال"، الذي منح الحريديم، منذ العام 1999، امتيازات وإعفاءات واسعة للحريديم من الخدمة العسكرية. وجاء إلغاء هذا القانون، بقرار من المحكمة العليا، في أعقاب احتجاجات واسعة جرت في إسرائيل ضد استمرار سريان "قانون طال". ولم تنجح حكومة نتنياهو السابقة، التي كان تشارك فيها الأحزاب الحريدية، في سن قانون بديل ينظم الخدمة العسكرية للحريديم، تحسبا من معارضة الأحزاب الحريدية وسقوط الحكومة.

 

وفي الانتخابات العامة الأخيرة، التي جرت في كانون الثاني من العام الماضي (2013)، خاض حزبا "يوجد مستقبل" و"البيت اليهودي" الانتخابات تحت شعارات عديدة، أبرزها فرض الخدمة العسكرية على الحريديم تحت شعار "المساواة في العبء"، على خلفية عدم إلزام الحريديم بهذه الخدمة وعدم انخراطهم في سوق العمل ومنحهم، كطلاب في الييشيفوت، مخصصات شهرية ضمن التسوية المعروفة بتسمية "توراتهم حرفتهم". وتعهد لبيد وبينيت، الذي يمثل اليمين المتطرف وقسما واسع من التيار الصهيوني – الديني، بأن يسعيا إلى سن قانون جديد يلزم الحريديم بالتجنيد للجيش. وفي هذا السياق، أقام لبيد وبينيت حلفا بينهما، بعد الانتخابات الأخيرة، اشترطا من خلاله بأنهما سينضمان إلى تحالف نتنياهو الحكومي في حال عدم ضم الحزبين الحريديين، شاس و"يهدوت هتوراة"، إلى الحكومة.

 

وعلى هذه الخلفية، أصدر وزير المالية لبيد تعليمات إلى المحاسبة العامة في وزارته، ميخال عبادي – بويانجو، في أعقاب قرار المحكمة العليا من الأسبوع الماضي، تقضي بتجميد الميزانيات التي تدفعها الدولة للييشيفوت، وبينها ميزانيات لم يشملها قرار المحكمة العليا ومخصصة لطلاب الييشيفوت غير المرشحين للتجنيد حتى الآن.

 

وقال لبيد، في أعقاب المظاهرات: "لا نريد تنظيم عقوبات جنائية خاصة على الحريديم، وإنما أن نحدد بالقانون أن من لا يستوفي شروط قانون التجنيد للجيش، سيسري عليه قانون الخدمة الأمنية مثلما يسري على أي مواطن في الدولة".

 

من جانبه قال بينيت إنه "لا توجد حاجة لإنزال ضربات أخرى على الجمهور الحريدي، ولا حاجة للتظاهر. ويجب العودة إلى العمل الهادئ والبدء في تطبيق القانون الجديد من أجل إحضار الحريديم إلى العمل والخدمة".

 

وفي موازاة ذلك، تعمل لجنة في الكنيست، منذ سبعة شهور، برئاسة عضو الكنيست أييليت شاكيد، من حزب "البيت اليهودي"، على وضع صيغة لقانون جديد ينظم خدمة الحريديم العسكرية. ويتضح في هذه الأثناء أنه توجد خلافات بين أعضاء اللجنة حول صياغات في مشروع القانون الجديد، الذي سيتم التصويت عليه قريبا ويتوقع أن تكون مداولات اللجنة عاصفة ومشحونة بالتوتر. وينص أحد البنود على أن تقرر الحكومة ما إذا كان الجمهور الحريدي قد استجاب لغايات التجنيد في كل عام، وذلك بموجب مقاييس محددة سلفا. ويتعارض هذا البند مع صيغة سابقة لمشروع القانون شددت على وجوب الاستجابة لغايات التجنيد لدى الحريديم من دون أن تكون هناك أية إمكانية للتساهل في هذا الصدد. ولذلك احتجت مصادر في حزب "يوجد مستقبل" على أن الصيغة الحالية هي "ثغرة للابتزاز السياسي المستقبلي لرئيس الحكومة ووزير الدفاع"، وسيكون بإمكان الحكومة أن تتخذ أي قرار يتلاءم مع تركيبة ائتلافها.

 

صراع داخل الجمهور الحريدي

 

يؤكد المحللون الإسرائيليون أن مظاهرات الحريديم، يوم الخميس الماضي، لم تكن ضد محاولات تجنيدهم للجيش وضد المحكمة العليا فقط، وإنما تأتي في إطار صراع يدور داخل الجمهور الحريدي أيضا، وبشكل خاص بين زعيم الحريديم الليتوانيين، الحاخام شطاينمان، والجماعة الأكثر تعصبا داخل الحريديم الليتوانيين بقيادة الحاخام أويرباخ. ولذلك فإن هذه المظاهرات كانت ضد شطاينمان أيضا.

 

ووفقا لمحلل الشؤون الحريدية في صحيفة "هآرتس"، يائير أتينغر، فإن ما هو مطروح الآن هي "طريقة شطاينمان"، وما إذا كان سينجح بأسلوبه الرسمي والجامد في الحفاظ على عالم الييشيفوت الحريدي. وعلى ما يبدو فإن قانون التجنيد الجديد سيضع صعوبات أمام أويرباخ في مواصلة وصف الواقع المتغير بأنه ملاحقة ضد التوراة وعالم الييشيفوت. إذا يقضي القانون الجديد بالسماح بإرجاء تجنيد الحريديم حتى بلوغ سن 24 عاما، بدلا من 18 عاما، وستكون هناك مسارات خدمة لفترات قصيرة نسبيا، وذلك إلى جانب دفع رواتب لهم. والأهم من كل هذا أن القانون الجديد يحدد تجنيد عدد من الشبان الحريديم، وبالإمكان تجنيده بسهولة من "هوامش الحريديم وحتى من بين أولئك الذين توقفوا عن كونهم حريديم. وهذا يعني أنه لن يتم تجنيد أي حريدي، أو مسياني، خلافا لرغبته".

 

وكشفت "هآرتس"، في بداية الأسبوع الماضي، عن محادثات سرية جارية بين حاخامين من أتباع شطاينمان وبين ضباط في الجيش الإسرائيلي وشاكيد، رئيس اللجنة البرلمانية التي تعمل على إعداد قانون تجنيد الحريديم الجديد. وعلى أثر ذلك انبرى أتباع شطاينمان يدافعون عن حاخامهم بعد أن اتهمهم أويرباخ وأنصاره بأنه "يساوم" في قضية التجنيد، وأنه ليس جديرا بزعامة الحريديم الليتوانيين. ويبرز الخلاف الحريدي الداخلي بمعارضة شطاينمان لدعوات أويرباخ للمرشحين للتجند بعدم الامتثال في مكاتب التجنيد، وبتنظيم مظاهرة للحريديم في نيويورك تضامنا مع رافضي التجنيد الحريديم، ورفض المظاهرات في إسرائيل كتلك التي جرت الأسبوع الفائت.

 

وقال مصدر ضالع في المفاوضات حول تجنيد الحريديم وصياغة قانون التجنيد الجديد لـ "هآرتس"، حول ما يريده شطاينمان والتيار الحريدي الليتواني المركزي، إن "الحريديم يريدون أن يغتصبوهم. وهم يدركون أن الوضع الحالي لن يستمر، لكن لن يأتي أي من الحاخامين والناشطين حاملا خطة ولن يقول ’نعم’ على أية خطة تطرح على الطاولة. وأكثر ما يمكن أن يقولوه هو ما لا يمكن أن يوافقوا عليه كي يكون الاغتصاب محتملا، لكن الجميع يدرك أنه سيكون هناك اغتصاب".

 

وأبدى حاخام مقرب من شطاينمان موافقته على هذا الوصف، وأوضح أن عدم وجود خطة للتجنيد لدى الحريديم هو بحد ذاته خطة تخدم الحريديم منذ سنوات طويلة، وستستمر في خدمتهم لسنوات مقبلة وفقا لمسودة قانون التجنيد الجديد. واستعار هذا الحاخام مثالا من التاريخ السياسي الإسرائيلي، وقال إن "رئيس الحكومة [إسحق] شمير رفض بعناد أي اقتراح سياسي طوال سنين، رغم أنه كان يعلم أن تسوية سياسية [مع الفلسطينيين] هو أمر لا يمكن منعه وسنضطر في نهاية المطاف للتنازل. وقد أدرك أنه يوجد ثمن للرفض، لكنه اعتقد أن بالإمكان على الأقل كسب عدة سنوات من الوضع القائم في المناطق [المحتلة]. وهذا ما يفعله الحريديم. فنحن ندرك أن لا يمكن منع التغييرات، ونحن ببساطة نؤجلها من أجل بناء جيل آخر يملأ الييشيفوت. وقيادة الحريديم ليست بحاجة لإستراتيجية، وهي تدرك أنه ستطرأ تغييرات وهم يرجئونها، والحاخام شطاينمان يقوم بذلك بشكل ليس سيئا".

 

تجنيد الحريديم عبء على الجيش الإسرائيلي

 

يتبين من مسودة قانون التجنيد الجديد أن الحريديم سيشكلون عبئا على الجيش الإسرائيلي، بسبب إرجاء التجنيد إلى سن 24 عاما، من جهة، وبسبب المشاكل التي يعاني منها الجيش والمتمثلة بانخفاض نسب التجنيد العامة وافتقاره لقوى بشرية نوعية تلائم ميادين القتال الجديدة، من الجهة الأخرى.

 

ولفت المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، إلى أن "الجيش لا يحاول توسيع صفوفه بكل ثمن. وفي الواقع هو يبحث عن طرق لتسريح الفائض، مثل جنود في القواعد العسكرية في الجبهة الداخلية وتقصير فترة الخدمة العسكرية من ثلاث سنوات إلى سنتين. وفي واقع الميزانية الحالي، وبعد تقليص ميزانية الأمن، فإن الجيش الإسرائيلي ليس بحاجة إلى آلاف الجنود الزائدين، وغالبيتهم أبناء 24 عاما، وهم متزوجون ولديهم أولاد، وتبلغ تكلفة ضابط صغير منهم أكثر من خمسة آلاف شيكل".

 

وأشار يهوشواع إلى مشاكل سيواجهها الجيش في حال تجنيد الحريديم، وبينها اندماجهم مع الجنود النظاميين في سن 18 عاما، واضطرار الضباط إلى التعامل مع احتياجات الجنود الحريديم الذين لم يزوروا عائلاتهم، زوجاتهم وأولادهم، لفترات متواصلة. ولذلك فإن "الجيش يعتبر أن القانون الذي تقترحه لجنة شاكيد ليس جديا ولن يصمد أمام اختبار الواقع".

 

من الجهة الأخرى فإن الحريديم الذين سيتجندون لن يلبوا احتياجات الجيش الإسرائيلي. وكتب يهوشواع أن الجيش "بحاجة ماسة إلى جنود آخرين في المجالين القتالي والتكنولوجي. فقد تغيرت ميادين القتال، وأصبح إسهام كل واحد من الجنود النوعيين في وحدات السايبر [القتال في فضاء الانترنت] والتنصت، مثل الوحدة 8200، يفوق أحيانا إسهام فرقة عسكرية مقاتلة بكاملها. فإذا كان الجيش قد جند لمنظومة السايبر 100 جندي سنويا في السنوات الماضية، فإنه يجند اليوم 500 كل عام، وفي المستقبل القريب سيصل هذا العدد إلى ألف سنويا. ويدور الحديث هنا عن الجنود الذين لديهم معطيات شخصية هي الأعلى من حيث قدراتهم، وقسم كبير منهم يصل إلى وحدات السايبر رغم أن قدراته تؤهله للانخراط في وحدات النخبة القتالية، والتي هي الأخرى تعاني من نقص في الجنود. كذلك يحتاج الجيش إلى جنود كهؤلاء لقيادة دبابة، ويتعين عليهم أن يشغلوا 40 منظومة تكنولوجية متطورة في كل دبابة. وهكذا نشأ وضع في الجيش الإسرائيلي يوجد فيه عدد زائد من الجنود، ورغم ذلك يوجد نقص شديد في القوى البشرية النوعية".

 

وأضاف يهوشواع أنه "بإقرار لجنة شاكيد إرجاء تجنيد الحريديم إلى سن 24 عاما، فإنه حتى أولئك الذين سيتجندون فإنهم يفعلون ذلك في سن تكون فيه قدرتهم على الإسهام في أداء الجيش محدودة جدا، وذلك من دون أن يتمكن الجيش من التدخل في اختيار الجنود الذين يحتاج إليهم فعلا".

 

وتابع أن "هذه الضربة تصل إلى الجيش الإسرائيلي في فترة ليست جيدة. فمعطيات التجنيد [العامة] المتدنية أدت إلى انخفاض في عدد المجندين، وإضافة إلى ذلك الارتفاع في حجم المتهربين من الخدمة والانخفاض المستمر في المحفزات للخدمة في الوحدات القتالية. إلى جانب ذلك، تعاني قوات الاحتياط من تراجع نوعيتها لأن التقليص في ميزانية العام 2013 أدى إلى إلغاء معظم أيام التدريبات".