تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

الفضيحة المناوبة في شرطة إسرائيل ـ مادة متفجرة

 

 

 

*"قضايا فساد على نطاق عالمي من شأنها أن تهزّ أركان سلطات القانون في إسرائيل وكذلك الكونغرس الأميركي"!*

 

 

فضيحة أخلاقية وتنظيمية أخرى، علاوة على ما قد يكون فيها من انتهاك للقانون، تعصف هذه الأيام بشرطة إسرائيل، التي تشكل أحد أهم أذرع السلطة في الدولة والذراع السلطوية الأساسية المسؤولة عن تطبيق القوانين والحفاظ عليها. وفضيحة الفساد مميزة، من حيث خطورتها وإسقاطاتها، هذه المرة: فالمشتبه المركزي فيها هو النقيب (الرتبة الثانية الأعلى في الهرم البوليسي) منشيه أربيف، رئيس "الوحدة 433" في شرطة إسرائيل، وهي "الوحدة القطرية لمكافحة الفساد والجرائم الخطيرة" (أقيمت في كانون الثاني من العام 2008، كدائرة في قسم الاستخبارات البوليسية)، بالإضافة إلى البريغادير (الرتبة الثالثة الأعلى في الهرم البوليسي) إفرايم براخا، رئيس "الوحدة القطرية للتحقيق في قضايا الغش"!!

 

والضابطان المذكوران مشتبهان بتلقي رشى من حاخام يهودي يدعى ياشيهو بينتو، يمتلك ويدير "مراكز توراتية" في كل من نيويورك، حيث يقيم، ومدينة أسدود في إسرائيل (مسقط رأسه)، فضلا عن مدن أخرى في دول مختلفة، يؤمها أسبوعيا الآلاف من اليهود أصحاب الرساميل، السياسيين، جنرالات الجيش وضباط الشرطة، الفنانين والرياضيين، للاستماع إلى عظاته، لتلقي نصائحه وتلمّس بركاته! وكانت مجلة "فوربس" الأميركية قد توجته في العام 2008 "الشاب الأكثر تأثيرا في إسرائيل" (كان يبلغ من العمر آنذاك 35 عاما) وقدّرت ثروته بنحو 75 مليون دولار.

 

وكانت صحيفة "هآرتس" نشرت (يوم 13/1) رسما كاريكاتوريا تظهر فيه مجموعة من ضباط الشرطة وهم يصطفون في طابور يؤدون التحية للحاخام بينتو، فيما يلوّح لهم هو بيده فرِحاً!! ويكشف هذا الرسم، كما كتب المعلق السياسي في صحيفة "معاريف"، شالوم يروشالمي، حقيقة العلاقات الوثيقة الممتدة سنوات طويلة بين ضباط الشرطة الكبار وبين الحاخام بينتو: "لقد تزاحم في حضرة الحاخام العديد من رجال الصف الأول في قيادة الشرطة، يلتمسون بركاته، يطمعون في نصيحة نافعة منه ويطلبون مساعدته في الحصول على ترقية. من جانبه، لم يخيّب الحاخام رجاء أي منهم، إطلاقا. فقد مد لهم يد العون في كل ما استطاع... استمع إلى أسرارهم الدفينة والأكثر كتمانا، كما كانوا يبوحون بها أمامه... مارس تأثيره وحظوته لصالحهم، بل وزودهم بمعلومات استخباراتية على غاية من الأهمية وساعدهم في تجنيد شهود ملكيين في ملفات حساسة جدا"!!!

 

 

توصية بإجراء تحقيق جنائي

 

نشرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن "وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة" (ماحش) في النيابة العامة للدولة توصي بإجراء تحقيق جنائي مع النقيب منشيه أربيف، بشبهة الحصول على منافع شخصية من الحاخام بينتو، وذلك في ختام التحقيق الذي أجرته هذه الوحدة، فضلا عن التأكيد على أن "لائحة اتهام ستقدم ضد الحاخام، في كل الأحوال". فقد أبلغ رؤساء "ماحش" كلا من المستشار القانوني للحكومة والنائب العام للدولة بأن "البيّنات التي خلص إليها التحقيق تستوجب الانتقال إلى التحقيق الجنائي الكامل مع النقيب أربيف"!

 

ومن جهته، قال مكتب المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، إن الأخير عقد جلسة خاصة للنظر في القضية بمشاركة النائب العام للدولة، شاي نيتسان، مدير وحدة "ماحش" وموظفين كبار في النيابة العامة، وأصدر فاينشتاين في ختامها تعليماته "بمواصلة فحص قضية النقيب أربيف، إذ ثمة معلومات كثيرة جديدة لم يتم فحصها من قبل"!

 

وعلم، مما تناقلته وسائل الإعلام، أن وحدة التحقيق مع رجال الشرطة بذلت، خلال الأيام الأخيرة، جهودا حثيثة خاصة لتسريع الفحص في قضية النقيب أربيف وإنهائها بتوصية تقضي بإخضاعه للتحقيق الجنائي. وذكرت الأنباء أنه توفرت لدى محققي الوحدة "أدلة تثبت حصول أربيف على منافع شخصية من مقربي الحاخام. فثمة فواتير، تسجيلات ووثائق أخرى تؤكد الشبهات بأن أربيف حصل، إبان إشغاله منصب ملحق الشرطة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، على منافع شخصية" أصدرت المحكمة أمرا بحظر النشر عن ماهيتها وتفاصيلها. ويدور الحديث عن منافع شخصية حصل عليها، أيضا، أفراد من عائلة أربيف، أهمها وأخطرها هي تلك التي حصل عليها أحد أبنائه.

 

ونقلت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "مصادر مطلعة على مجريات التحقيق" قولها إن "التقارير التي نشرت حول القضية تضمنت الكثير من المبالغات، ومع ذلك فهي (القضية) تتجاوز السقف الجنائي"!

 

ومن جهته، قال محامي الدفاع عن أربيف إن موكله "قطع كل علاقاته واتصالاته مع الحاخام بينتو خلال السنة ونصف السنة الأخيرتين. وحتى قبل ذلك، لم يلتق به سوى 4 ـ 5 مرات، لا أكثر. والمرة الأخيرة التي التقى فيها بالحاخام أو بأي من مقربيه، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كانت قبل سنة ونصف السنة. فقد قرر قطع أية علاقة معه، بمبادرته هو، حين أدرك إن هذا الحاخام ليس بريئا تماما، بل مشتبه بالضلوع في ممارسات جنائية"! وأضاف المحامي أن مسألة العلاقة بين أربيف وبينتو "أخضعت لفحص معمق من جانب رئيس قسم التحقيقات في الشرطة، النقيب يوآف سيغلوفيتش، عشية تعيين أربيف رئيسا لوحدة لاهف 433، ولم يبيّن الفحص أي عيب في هذه العلاقة".

 

خيوط الفضيحة... حلية ودولية!

كتب شالوم يروشالمي، في "معاريف"، أن "تورط الحاخام بينتو في قضايا جنائية قد ينتهي قريبا. وسنكون، عندئذ، شهودا على قضايا فساد على نطاق عالمي، بعضها لا يزال تحت حظر النشر، ومن شأنها أن تهزّ أركان سلطات القانون والقضاء في البلاد، وكذلك الكونغرس الأميركي"!

 

ويقول يروشالمي إن بداية القضية كلها تعود إلى ما قبل ست سنوات خلت، حين انخرط شاب يدعى "ع"، إسرائيلي "نازل" (مهاجر من إسرائيل) وعضو سابق في حركة "كاخ" الفاشية التي أسسها مئير كهانا، في العمل تطوعا في جمعية "إرجع يا إسرائيل" في نيويورك، حيث قرّبه الحاخام منه وجعله أمين سرّه. لكن "ع" دأب على جمع أدق المعلومات عن الجمعية وما يدور فيها وعن الحاخام وعائلته. ولا تزال السلطات القضائية في الولايات المتحدة تحقق، حتى اليوم، في ادعاءات مقربي الحاخام وجمعيته بأن "ع" أفلح، خلال سنوات قليلة، في سرقة نحو 20 مليون دولار من خزينة الجمعية، سوية مع صديق له يدعى "ر"، الذي يعمل في مجال العلاقات العامة في نيويورك وتربطه علاقات وثيقة مع كبار أصحاب الرساميل والسياسيين والصحافيين في نيويورك. وقد استطاع الرجلان، أيضا، وضع اليد على ملفات طبية شخصية وحساسة لزوجة الحاخام بينتو واستغلالها في ابتزازه بمبالغ طائلة.

 

وفي أواسط العام 2011، مع تصاعد التهديدات ومحاولات الابتزاز ضد الحاخام من جانب "ع" و"ر"، توجه الحاخام إلى المحكمة الدينية اليهودية طالبا استصدار فتوى دينية تسمح له بتقديم شكوى ضد الرجلين. وفعلا، أصدرت المحكمة تلك الفتوى، فتقدم الحاخام بالشكوى ضد "ع" و"ر" إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف. بي. آي). وتضمن كتاب الشكوى، أيضا، موافقة الحاخام على فتح جميع سجلات جمعيته المالية أمام المحققين، مراقبة جميع العمليات المالية في الجمعية، التنصت على جميع المكالمات التي يجريها الحاخام، تواجد محققي الـ "إف. بي. آي" في مكاتب الجمعية في منهاتن وفي منزل الحاخام، في أي وقت يرونه مناسبا.

 

وخلال عمليات المراقبة اللصيقة هذه، توصل المحققون إلى عضو في الكونغرس الأميركي عن الحزب الجمهوري يدعى مايكل غْريم، والمعروف بأنه "أحد مؤيدي إسرائيل الأعلى صوتا في الكونغرس". وكان قد نشر، في العام 2011، إعلان دعم وتأييد لإسرائيل في وسائل الإعلام الأميركية شن من خلاله هجوما عنيفا على الرئيس الأميركي، بارك أوباما، على خلفية قراره تحويل أموال للسلطة الفلسطينية!!

 

وقد كشف تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عن علاقات غْريم الوثيقة مع "ع" و"ر"، إذ ساعده الأول في تجنيد الأموال من متبرعين يهود أغنياء كان قد تعرف عليهم لدى عمله في جمعية الحاخام، فيما ساعده الثاني في تنظيم حملة التبرعات وترويجها إعلاميا. وفي المقابل، ساعد غريم "ع" في الحصول على أوراق رسمية تمكّنه من العمل في الولايات المتحدة. ويقول مقربو الحاخام إن غْريم جاء إلى الحاخام وتعهد أمامه بتوفير الحماية له من تهديدات "ع" و"ر" الابتزازية، وحصل مقابل ذلك على مبالغ كبيرة من المال من الحاخام. وفي آب 2012، اعتقلت الشرطة الأميركية "ع" بشبهة الحصول على تصريح العمل بالغش والخداع.

 

وفي موازاة ذلك، أحكمت الشرطة الفيدرالية رقابتها على غريم للكشف عن التبرعات غير القانونية التي جمعها، كما حاولت تتبع ملايين الدولارات التي حصل عليها "ع" و"ر" ثم قاما بتهريبها إلى إسرائيل. وهنا، كما يقول تحقيق "نيويورك تايمز" ومحامو الحاخام، اصطدم المحققون الأميركيون بـ "جدار مصمت" من جانب سلطات القانون والقضاء الإسرائيلية. وقد أبلغ الحاخام بينتو محققي الـ "إف. بي. آي" بأن وزير العدل الإسرائيلي السابق، يعقوب نئمان، قد زاره في منزله في مدينة أسدود في مطلع العام 2012 وسأله، خلال الزيارة، عن مجريات وتطورات التحقيقات مع غْريم ثم طلب منه "التنازل عن هذا الموضوع"!! ومن جهته، أكد نئمان نبأ زيارته إلى الحاخام في منزله في الموعد المذكور، لكنه نفي أن يكون طرح قضية مايكل غْريم: "لم أسمع بهذا الاسم أبدا ولا علاقة لي به إطلاقا"!

 

وفي تلك الفترة نفسها، تورط الحاخام في قضيتين جديدتين أخريين، تتعلق إحداهما بمدرسة دينية تحمل اسم "رؤية إشعيا" ويديرها أحد مقربي الحاخام بينتو، الذي كان رئيسا فخريا لها. فقد ادعت الشرطة بأن خروقات عديدة ظهرت في سجلات المدرسة المالية وبأن المدرسة حوّلت مبلغ 2ر1 مليون دولار للحاخام بينتو بصورة غير قانونية. لكن الحاخام نفى هذا الادعاء وقال إنه "قدم تقريرا ماليا عن هذا المبلغ للسلطات المختصة في الولايات المتحدة، حيث يقيم، بل ودفع الضرائب المستحقة عنه قانونيا"!

 

وفي تشرين الأول 2012، اقتيد الحاخام إلى مركز الشرطة في مدينة أسدود، سوية مع زوجته، حيث تم التحقيق معه بشبهة تقديم رشوة للبريغادير إفرايم براخا (رئيس الوحدة القطرية للتحقيق في قضايا الغش، الرئيس السابق لوحدة التحقيقات في قسم التحقيقات والاستخبارات، الرئيس السابق لشعبة التحقيقات في وحدة التحقيقات الدولية والنائب السابق لرئيس الوحدة القطرية للتحقيق في قضايا الغش) مقابل أن يقوم براخا بتزويده بمعلومات حول مجريات التحقيق الذي كان يجرى معه آنذاك في قضية المدرسة الدينية المذكورة. وخلال التحقيق (في تشرين الأول 2012)، قال الحاخام للمحققين إنه تربطه مع براخا علاقات طويلة ووثيقة جدا وإن الأخير "حصل منه على مبالغ كبيرة من المال طوال سنوات صداقتهما الحميمة، لقاء مساعدته في القضايا التي تورط فيها"!! لكن الشرطة نفت هذا الادعاء، وكذلك فعلت النيابة العامة للدولة ووزارة العدل.

 

وبالرغم عن ذلك، قررت النيابة العامة تقديم لائحة اتهام ضد الحاخام بتهمة "عرض الرشوة". لكن قرار النيابة هذا تزامن مع ورود معلومات من الـ "إف. بي. آي" إلى الشرطة الإسرائيلية تتعلق بالتحقيقات التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالية في قضايا الابتزاز المختلفة التي تعرض لها الحاخام في نيويورك، وخاصة حول دور عضو الكونغرس مايكل غْريم فيها. وفي مرحلة معينة، قرر المحققون الأميركيون استكمال تحقيقاتهم بإجراء تحقيق شامل في إسرائيل، وخاصة حول المسارات التي تم من خلالها تهريب ونقل ملايين الدولارات التي تم الحصول عليها من بينتو بالابتزاز والتهديد. وبغية تنفيذ قرارهم هذا، توجه المحققون الأميركيون إلى النقيب منشيه أربيف، الذي عُيّن في أيار 2011 ممثلا للشرطة الإسرائيلية في الولايات المتحدة. لكن أربيف، طبقا لادعاء الـ "إف. بي. آي" ومصادر أخرى، "وضع جملة من العراقيل أمام المحققين الأميركيين ولم يعالج طلباتهم المتكررة إليه بصورة لائقة"!

 

وهنا، يصرّ مقربو الحاخام على الادعاء بأن المحققين الأميركيين جمعوا العديد من الوثائق والأدلة التي تبيّن شبكة متشعبة ووثيقة من العلاقات بين الحاخام وبين ضباط الشرطة المختلفين، ومن بينهم بشكل خاص إفرايم براخا ومنشيه أربيف اللذين "حاكا مؤامرة ملف المدرسة الدينية ضد الحاخام ليكون منجاة لهما"! وهكذا، وصل محامو الحاخام إلى المستشار القانوني للحكومة مشهرين ضد ضابطيّ الشرطة تهمة استغلال الحاخام وابتزاز مبالغ طائلة من المال منه على مدار سنوات عديدة. وبالتزامن مع ذلك، وصل إلى البلاد، في مطلع هذا الشهر، عدد من محققي الـ "إف. بي. آي" الكبار حاملين آلاف الأوراق والمستندات وأشرطة التسجيل، بغية التحقيق في ما إذا كان ثمة في إسرائيل مَن حاول التأثير على مجريات التحقيق في قضية عضو الكونغرس مايكل غْريم أو عرقلتها!! وهو ما يفسر قرار فاينشتاين بشأن "مواصلة فحص قضية النقيب أربيف، إذ ثمة معلومات كثيرة جديدة لم يتم فحصها من قبل"!