الجامعات الإسرائيلية تواجه أزمة حادّة جراء التراجع الكبير في مخصصات الدعم الحكومية

على هامش المشهد

 

مصالح "الشبكة الأمنية" الإسرائيلية تؤثر على جميع المجالات وتمنع حل الصراع

 

 

 

*باحثان إسرائيليان: في إسرائيل "شبكة أمنية" غير رسمية مؤلفة من رجال أمن حاليين ومتقاعدين ولديهم شركاء في المجالات المدنية تؤثر على النواحي الثقافية، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والخطاب العام في إسرائيل وكذلك على العلاقات الخارجية للدولة*

 

 

 

تنهش الميزانية الأمنية قسما كبيرا من الميزانية العامة الإسرائيلية. وفي غالب الأحيان يتم تحديد حجم هذه الميزانية وبعد ذلك يتم تحديد ميزانيات الوزارات الأخرى وتدور خلال ذلك نقاشات تكون عاصفة أحيانا حول حجم الميزانية الأمنية.

 

 

واللافت هو أن الميزانية الأمنية التي يتم الإعلان عنها ضمن الميزانية العامة، تتضخم وتضاف إليها مليارات الشيكلات، وأحيانا أكثر من ذلك، في كل عام. فقد أعلنت حكومة إسرائيل السابقة، برئاسة بنيامين نتنياهو، عن وجود عجز مالي بمبلغ يقارب 40 مليار شيكل، وترددت أنباء عن أن معظم هذا العجز كان نتيجة لرصد ميزانيات لصالح جهاز الأمن من أجل مواجهة البرنامج النووي الإيراني.

 

وصدر مؤخرا كتاب بعنوان "Israel's Security Networks" (الشبكات الأمنية الإسرائيلية) عن دار النشر "كيمبريدج يونيفرسيتي برس" الأميركية، من تأليف الباحثين الإسرائيليين البروفسور غابريئيل شيفر والبروفسور أورن باراك، وكلاهما من الجامعة العبرية- القدس. ويقول الباحثان في هذا الكتاب إن بالإمكان تفسير الكثير من الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل، إذا تم التركيز على وجود تأثير بالغ لما يسميانه بـ "الشبكة الأمنية".

 

ويضيف الباحثان أنه منذ نشوء إسرائيل، وخاصة بعد حرب حزيران العام 1967، يمكن ملاحظة وجود "شبكة أمنية" غير رسمية لكنها بالغة القوة من حيث تأثيرها، ومؤلفة من رجال أمن حاليين ومتقاعدين ولديهم شركاء في المجالات المدنية المختلفة. وتؤثر هذه "الشبكة الأمنية" على النواحي الثقافية، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والخطاب العام في إسرائيل وكذلك على العلاقات الخارجية للدولة. ويشدد الباحثان على ضعف المجتمع المدني الإسرائيلي ويصفان المصالح القوية للشبكات الأمنية في إبقاء المجتمع ضعيفا.

 

وقال البروفسور باراك لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لمجموعة "هآرتس"، إن من وراء النقاشات الصاخبة في إسرائيل حول الاحتلال الإسرائيلي وعملية السلام توجد مجموعة قوية لديها مصالح وتعمل من أجل الحفاظ على مكانتها، وتشكل "ناديا أمنيا" ينجح في إخضاع السياسة الخارجية والحلبة السياسية وميزانية الأمن لمصالح هذه المجموعة.

 

وأوضح باراك أن "هذا ليس ناديا بمعنى أنه يوجد مكان يلتقي فيه أعضاء المجموعة، وإنما الحديث يدور عن قناعات وقيم مشتركة لأعضاء الشبكة، وعلى رأسها المكانة العليا للأمن، كما يفهمونه ويعرضونه، والجيش الإسرائيلي هو الممثل الرئيس له. وأعضاء الشبكة قادرون بكل تأكيد على أن يشكلوا يدا واحدة من أجل دفع سياسة تخدم مصالحهم. وميزانية الأمن هي مثال بارز لقوة وتأثير هذه الشبكة، وبالإمكان التأكد من كيفية أنهم ينجحون في كل عام في إحباط أية محاولة من أجل خفض حجم هذه الميزانية. وفي حالات كثيرة، هم يعملون من أجل زيادتها بعد إقرارها نهائيا في الكنيست. وهكذا بالإمكان تفسير الفارق بين ميزانية الأمن التي تمت المصادقة عليها وميزانية الأمن الفعلية".

 

وأشار باراك إلى أن أحد الأمثلة الآنية على نشاط "الشبكة الأمنية" وتأثيرها، هو مجال الغاز الطبيعي واستخراجه وأعمال التنقيب الجارية في البحر المتوسط وتدعي إسرائيل أن حقول الغاز هذه تابعة لها.

 

وقال إنه "بعد فترة قصيرة من اكتشاف مخزون الغاز في البحر المتوسط بدأت عملية لتحويل الأمر إلى موضوع أمني، أي أنه تحول من قضية مدنية إلى قضية ذات طابع أمني، وكان لأعضاء الشبكة دور هام في تصنيف هذا الموضوع كموضوع أمني. وبعد أن تحول الغاز إلى موضوع أمني، نشأت حاجة ماسة إلى استخراجه بسرعة كي لا يقع في أيد معادية، ومؤخرا نشأت حاجة إلى حماية مواقع التنقيب أيضا، بمساعدة زوارق حربية حديثة وثمينة. وهكذا بالضبط تعمل الشبكة الأمنية: تصنيف موضوع على أنه أمني، مصادرته من مجال القرارات المدنية - أي من أيدي الجمهور والكنيست والحكومة - ونقل السيطرة عليه إلى أيدي أعضاء الشبكة".

 

 

استمرار الصراع يخدم "الشبكة الأمنية"

 

تطرق باراك إلى الوضع الأمني في المنطقة والتهويل الإسرائيلي في هذا السياق. وقال "إنني أعتقد أن حالة الحرب المتواصلة في منطقتنا تخدم الشبكة الأمنية، لأنه في هذه الحالة توجد حاجة للمؤهلات المتميزة لأعضاء الشبكة الأمنية. ولا أدعي أن جميع أعضاء الشبكة هم مثيرو حروب. وبعضهم صحا وبات يدرك أهمية السلام الإقليمي ووضع حد لحالة الحرب بين إسرائيل وجاراتها. لكن معظمهم ما زالوا ينظرون إلى الوضع عبر الفوهة، وحتى عندما يضطلعون بدور في العملية السياسية فإنهم يتعاملون مع ذلك على أنه موضوع أمني وليس مدنيا. وتعامل كهذا يجعل العملية كلها عملية ذات طابع أمني وتفرغه من مضمونه المدني، وطبعا هذا يعاظم قوة رجال الأمن. وهكذا كانت الحال في فترة عملية أوسلو، التي بدأت كمبادرة مدنية، وتحولت إلى قضية أمنية".

 

وأضاف باراك أن "النخبة الأمنية في إسرائيل ليست الوحيدة التي تكسب من وضع كهذا طبعا. إذ أن النخب الأمنية في دول أخرى في المنطقة، وخاصة تلك الضالعة في الصراع الإسرائيلي - العربي، تحقق مكاسب كبيرة، لأن هذا الأمر يمكنها من الحفاظ على مكانتها الرئيسة وإسكات انتقادات داخلية، وتستخدم القوة أحيانا ضد لاعبين اجتماعيين يسعون إلى مشاركتهم في الحكم".

 

وقال البروفسور شيفر إن "جميع الجنرالات، المستشارين الأمنيين، خبراء الإرهاب والأكاديميين الذين يتعاملون مع القضايا الأمنية يشكلون ناديا غير منظم، ويجدر تسميته بالشبكة الأمنية. ولا يوجد شك في أن جميع هؤلاء الأشخاص ’يكسبون رزقهم’ من وجود واستمرار الصراعات، وهذا ليس فقط من ناحية دخلهم الشخصي... فهؤلاء الأشخاص يبرزون المخاطر الأمنية المتعلقة بالصراع، من أجل الاستمرار في التمتع بعدة نواح، مثل مكانتهم ومناصبهم وتأثيرهم. وإبراز المخاطر الأمنية لا يخدم وضعهم الشخصي وحسب، وإنما أيضا يخدم إمكانية الاستمرار في تجنيد الموارد الكثيرة لجهاز الأمن، مثل صنع وتصدير وشراء السلاح، الأمر الذي لا يخدم جهاز الأمن كله فقط، وإنما يخدم مكانتهم خلال فترة الخدمة وبعد ذلك عندما يتسرحون من الجيش ويستمر ضلوعهم في الشؤون الأمنية".

 

ورغم ذلك، فإن هناك قسما صغيرا من الذين تولوا مناصب أمنية وعسكرية رفيعة يعبرون عن أفكار مغايرة عن تلك التي يعبر عنها أعضاء "الشبكة الأمنية". وقال شيفر إن "هذا النادي أو الشبكة الأمنية لا يضم مخلوقات متجانسة. وتوجد بينهم مجموعات ثانوية وأفراد لا يوافقون دائما مع رأي الأغلبية المعنية بالأمور التي أشرت إليها سابقا. وهناك من يعترضون على رأي الأغلبية، وهناك من يطرحون أسئلة حول قرارات وقوة الأغلبية. وبعضهم يغير رأيه أيضا بعد فترة معينة أو أحداث معينة، مثلما تغير بعض الذي يدعون أن ثمة إمكانية لتحقيق السلام، لأنهم تخوفوا من أنهم لن يتمتعوا من الموارد ومن مكانتهم بعدما تحدثوا عن الحاجة لإلغاء الصراع. وهناك تحولات في الاتجاه المعاكس أيضا، أي الارتباط مع شبكات ثانوية تعارض استمرار الصراع".

 

وشدد شيفر على أن "صراعا مستمرا، مثل الصراع مع الفلسطينيين، وإطلاق التصريحات لرفع العتب بشأن حله، يخدم الحكومة والأفراد الأمنيين من كافة الجهات. وأفراد الشبكة الأمنية، الذين يحافظون على السرية بشأن الخطوات والأوضاع الأمنية المتعلقة بالصراع، يدركون جيدا الوضع والمخاطر المرتبطة به، ويريدون تعزيز انعدام المعرفة والفهم لدى معظم المواطنين حيال وضع الصراع والحاجة والإمكانيات لحله. وبواسطة استمرار الصراع يؤثرون على رصد الموارد الاقتصادية وتفضيل رصدها لجهاز الأمن الواسع جدا".

 

وأضاف أنه "لا شك في أن استمرار الصراع الذي تخوضه الدولة يصرف أنظار الجمهور عن رصد أموال عامة للأمن، وهذا أمر يضر بدخل الجمهور الواسع وبمجالات الصحة والتعليم والسكن وغير ذلك. ولا شك في أنه توجد حاجة أساسية لتوضيح الوضع الأمني على حقيقته بواسطة وسائل الإعلام لجميع السكان. لكن هذا الأمر لا يتم بسبب الرقابة وبسبب أمور غير واضحة من جانب أعضاء الشبكة، وبسبب حقيقة أن معاهد الأبحاث الأكاديمية التي تعمل في الشؤون الأمنية توظف، وأحيانا بأعداد كبيرة، ضباط جيش حاليين ومتقاعدين، ويوجد لدى قسم منهم مصلحة في دفع مصالح أعضاء الشبكة".

 

وأشار شيفر إلى أنه "قبل عام، كان هناك تحمس بين نشطاء اليسار وآخرين من فيلم ’حراس التخوم’، حول رؤساء الشاباك السابقين الذين اكتشفوا الضوء فجأة وعبروا عن مواقف مختلفة جدا عن مواقف جهاز الأمن. والسؤال المثير للفضول هو: ألا يوجد هنا، عمليا، مؤشر آخر على هذه الطريقة؟، أي أن من يتم إبعاده عن مواقع قوة أو أنهى مهام منصبه، يتبني توجهات ’حمائمية’ كي يبدو بديلا للشبكة الأمنية".

 

ورأى شيفر أن "وجود هذه الشبكات هو مشكلة حقا بالنسبة للدول التي تنشط فيها. ولا شك في أن جزءا من هذه الشبكات يتطلع إلى استمرار وجود الصراعات الأمنية الداخلية والخارجية. ولذلك فإنه سيواصل محاولاته للحفاظ على التهديدات الأمنية والنظر إلى مشاكل الدولة والمجتمع على أنه مشاكل أمنية. ويوجد للمسألة الأمنية تأثير على وجود أو إلغاء احتجاجات اجتماعية وسياسية، مثل الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل في العام 2011، التي اختفت بسبب التهديد الإيراني والتشديد البالغ عليه من جانب الشبكة الأمنية".