محمود درويش في حيفا انطباعات كاتبة إسرائيلية

وثائق وتقارير

تقرير: وديع عواودة

 الاسير عز الدين عمارنة، من بلدة يعبد شمال الضفة الغربية، يستهل صباحه الباكر في سجن مجيدو العسكري كل يوم بتمارين اللياقة البدنية وهو ينشد قصيدته الشعبية المفضلة "يا ظلام السجن خيم اننا نهوى الظلاما.......ليس بعد الموت الا فجر مجد يتسامى ..". ثم يباشر في اداء مهماته في القراءة وتعليم سائر الاسرى التاريخ والعربية وعلوم الشريعة. ومثل هذه "القصة" رائجة جدا في السجون "الاسرائيلية" وليس لها ان تتعدى حدود الامور الطبيعية الروتينية بعيدا عن الخصوصية والندرة لولا ان صاحبها شاب ضرير من الولادة في الثالثة والثلاثين من عمره، متزوج وله خمسة اطفال. لكن عمى العينين لم يمنعه من اخذ دوره

الريادي في حركة التحرر الوطني التي يخوضها شعبه بضراوة قبل وخلال سجنه من خلف القضبان عام 2001 مستثمرا كافة مهاراته وينبوع ابداعاته الذي لا ينضب بل فاض على ضفتيه في اسره ما اهله لتبوؤ مسؤولية مرموقة في قيادة الحركة الاسيرة الى حد التحدث باسمها . وامام تنوع قدراته تخشى مصلحة السجون من بصيرة ابو احمد وتحسب الف حساب لثقافته وعذوبة صوته وسحره الشخصي ومشاعر الاحترام التي يكنها زملاؤه له، لكن كافة ضغوطاتها عليه تحطمت على صخرة صموده. في حديث ل "المشهد الاسرائيلي" روى عز الدين عمارنة، ابو احمد، الناطق بلسان اسرى مجيدو، قصة حياته منذ طفولته التعيسة مرورا بجامعة النجاح التي تخرج منها الى اعتقاله وما يقوم به داخل السجن بكثير من التواضع والاطلاع على دقائق امور السجناء دون ان يسمح للقيود النيل من خفة دمه وظرافة شخصيته. وافاد ابو احمد ان المناضلين في سجن مجيدو (1200 سجين) جزء من الاضراب المفتوح عن الطعام وانهم شرعوا في تنظيم الاعتصامات والمسيرات داخل السجن اضافة الى مقاطعة السجانين ووقف زيارات الاهل وتطيير الرسائل الى العالم الخارجي، مؤكدا قدررتهم على اجتراح الانتصار في معركة الكرامة، لكنه اكد على اهمية مساندتهم من قبل الاهالي والمؤسسات. واضاف "بالنسبة لنا لن ترهبنا تهديدات هنغبي وزمرته ولن تنطلي علينا الحرب النفسية فنحن مجربون ومؤمنون كبار في عدالة قضيتنا ولن يسعفهم اطلاق رائحة شواء اللحوم وغيرها من الضغوطات فالصبر مفتاح الفرج".

 

موقف ثابت وثقافة واسعة

 

ابو احمد اعتقل قبل ثلاث سنوات وادين بتهمة الانتماء ل "حماس" والتخطيط "لعمليات معادية" وصناعة المتفجرات وحض استشهاديين على تنفيذ عمليات استشهادية لكنه صنع من الاعتقال ساحة نضالية جديدة ومدرسة نوعية يؤدي بها دوره المميز خاصة في مجال التعبئة والتثقيف مسترشدا ببصيرة العقل وطلاقة اللسان وعذوبة الصوت علاوة على ثقافته الواسعة. وفور اكتشافها "خطورة" ابو احمد اقدمت مصلحة السجون على زجه في العزل الانفرادي مرات متعاقبة لكنه لم يفرط بما آمن به سيما انه مجرب وسبق ان سجن ثلاث مرات منذ العام 1994 فاقدمت على نقله الى نقله لسجون عسقلان وهداريم والجلمة وسائر السجون في محاولة للحد من نشاطه حتى انتهى به الامر في سجن مجيدو اليوم. وتتمحور مهمة ابو احمد اليوم داخل سجن مجيدو بكونه معلما مركزيا داخل السجن كل يوم وليس قبل ان يمارس رياضة تمارين البطن والظهر والقفز على الحبل التي يسميها بالرياضة "السويدية". وعن ذلك يقول "اولا انا احب الرياضة فهي تحفظ البدن من الوهن مثلما انها مفيدة للصحة النفسية، وثانيا الاقتداء فانا اوصل عبرها رسالة الى سائر السجناء تحفزهم على النشاط ومزاولة ما يشغلهم ويقيهم شر الملل والاحباط". وكشف ابو احمد انه يتمتع بصوت في غاية الحسن يوظفه ايضا في سبيل التعبئة والتعليم، لافتا الى انه يقرض الشعر بنفسه ويؤلف مختلف انواع قصائد الزجل كان اخرها "رنين القيد". واضاف "تمكنت من تسجيل شريط كامل للاغاني الشعبية والزجلية التي تنضح بالوطنية والثورية هي عبارة عن رسالة بلسان الاسرى وقد ارسلناها في فبراير/ شباط لمؤسسة "البيارق" للانتاج الفني ولكن للاسف لا زلنا ننتظر تنفيذ الوعود في نسخ الشريط وتعميمه على الشعب دعما للحركة الاسيرة".

وكان العمارنة قد انهى دراسته الجامعية في كلية الاداب والشريعة في جامعة النجاح الوطنية بمساعدة زوجته التي كانت تقرأ له المواد فيحفظها ويقدم الامتحانات فيها بواسطة طالب اخر توفره الجامعة ليكتب ما يملي عليه ابو احمد من نتائج. ويشدد ابو احمد على اهمية دور زوجته في تعليمه ومساندته بكل خطوة من مشواره مؤكدا امتنانه وعرفانه لها حيث كرر القول "نعم الزوجة المخلصة" كلما تطرق الى دورها ليعود ويقتبس المثل الفرنسي " فتش عن المرأة" ..

وينتظر ابو احمد الافراج عنه بعد عامين لاستئناف دراسته للقب الثاني وللدكتوراة في جامعة النجاح اذا سمح له وضعه الاقتصادي وتمكن من تأمين تكاليف رسوم التعليم لان توفير حاجات الأسرة يبقى يتصدر سلم اولوياته. وعن ذلك اضاف "المعرفة بحر له اول وليست له نهاية ولم اتوقف يوما عن الرغبة بغرف المزيد والجامعة بالنسبة لي افضل فرصة لذلك وكلي امل ان اتمكن من العودة الى مقاعدها فور الافراج عني باذن الله". ويستغل ابو احمد معرفته الغزيرة لقراءة الكتب وتقديم المحاضرات فيها للسجناء. وردا على سؤالنا عما اذا كان يملك جهاز بريل للمكفوفين أجاب ضاحكا "بالكاد نقدر على شراء السجائر" . لكن ابو احمد لا يدخن ابدا وعن ذلك اضاف"في مطلع شبابي رغبت بالتدخين بعد عدوى صديق لي وفي احدى المرات حصلت على سيجارة فوقفت انتظر مرور احد لانني لم امتلك ما يشعلها ولما احسست بشخص يمر من جانبي طلبت اليه بادب ان يشعل سيجارتي ولحسن حظي كان ذلك والدي فانتهرني، ومنذ ذاك التاريخ انقطعت العلاقات بيني وبين التدخين". ويمارس ابو احمد المطالعة بواسطة الكتب الخاصة المكتوبة بحروف نافرة معدة للمكفوفين بعد ان استجابت المحكمة العليا لالتماسه ضد ادارة السجن التي صادرت كتبه الخاصة ومنعت دخول كتب اخرى قبل عامين.