كبير المعلقين في "يديعوت أحرونوت": الميزانية الأمنية الإسرائيلية ستبقى على ما هي عليه وربما ستزداد

وثائق وتقارير

 

تقرير: وديع عواودة

 تحت رعاية بلدية تل ابيب - يافا يعقد "الائتلاف لمكافحة التجارة بالنساء" اليوم، الاثنين، مؤتمرا خاصًا بمشاركة مندوبين عن المجتمع المدني والشرطة لبحث ظاهرة التجارة ب"الرقيق الابيض"، التي تشهد ازدهارا متناميا داخل اسرائيل في السنوات الاخيرة. ويعتبر منظمو المؤتمر ان الظاهرة التي تمس بحقوق الانسان وحرياته ليست جديدة، بيد ان العولمة فاقمتها حتى باتت جريمة ضد الانسانية اضافة الى ان تورط جهات عديدة من بينها أطراف رسمية قد جعلها "مشكلة اجتماعية من الطراز الاول".

 

 وفي حديث ل"المشهد الاسرائيلي" انتقدت المحامية دوريت شموئيلي القانون الاسرائيلي الخاص بالمتاجرة بالنساء والخدمات الجنسية باعتباره غير واضح وناقصًا، لافتة الى ان العالم السفلي والفنادق وشركات افلام الجنس وشركات الاعتماد المصرفية وبعض المؤسسات الرسمية التي تتلقى الرشاوى مقابل صمتها عما يجري على ارض الواقع، كل هذه الجهات متورطة في التجارة التي أحيت تجارة الرقيق والعبودية اضافة الى مسؤولية الزبائن انفسهم ايضا. واستنادا الى معطيات الامم المتحدة فان تجارة النساء والجنس تنتشر في معظم بلدان العالم ويبلغ عدد الاطفال الذين يتاجر بهم لاغراض الجنس 1.2 مليون طفل اما عدد الفتيات فيبلغ عددهن الملايين. في تايلاند وحدها تباع مليونا فتاة، وتقدر مدخولاتها بمئة مليار دولار في كل يوم وهي تخدم اقتصاد الدول المتطورة على حساب العالم الثالث وتزيد من الهوة بين القطبين. ومن ابرز البلدان "المصدرة" لفتيات الجنس باكستان والهند وتايلاند والفيلبين وفيتنام وكينيا ونيكاراغوا وبلدان شرق اوروبا ودول الاتحاد السوفياتي سابقا وغيرها من البلدان التي تشهد تدهورا اقتصاديا فتغض الطرف عن الظاهرة على امل ان تدخل هذه التجارة المدخولات والعملة الصعبة لخزينتها الخاوية.

 

3000 بائعة هوى

 

وتفيد معطيات "الائتلاف لمكافحة التجارة بالنساء في اسرائيل" انه استنادا الى التقرير الاخير للجنة الخاصة بالظاهرة والذي قدم للكنيست مؤخرا هناك نحو 3000 امرأة تباع وتشترى كل عام لكنه يعتقد ان الارقام الحقيقية اكبر من ذلك بكثير. ويقول "الائتلاف" ان 90 بالمئة من الفتيات يدخلن البلاد عن طريق التهريب من الحدود مع مصر حيث ينتظرهن مهربون في الجانب الاسرائيلي بسياراتهم مستفيدين من عدم معالجة السلطات المصرية لهذه الظاهرة . ومن خلال الشهادات التي جمعها "الائتلاف" افادت الفتيات "المستوردات" انهن تعرضن الى الاغتصاب على يد المهربين في الطريق كجزء من اجرة التهريب الى اسرائيل وفي حالات كثيرة تحدثن عن رجال يلبسون بزات عسكرية دون تحديد كونهم جنودا ام رجال شرطة ما يعزز تورط بعض دوريات حرس الحدود في العملية. وتتم عملية ابتياع الفتيات بثلاث طرق : الابتياع حسب طلب عيني محدد من جهة معينة، ابتياع الفتاة بشكل انفرادي بعد فحص "البضاعة" ما يعني ممارسة الاغتصاب، او الابتياع الجماعي حيث يقوم التجار بزيارة مكان تجميع الفتيات بعد ادخالهن البلاد وعادة ما يكون في الفنادق، وهناك تجتاز المرشحات للبيع "امتحانات وفحوصات" . وفيما يقوم البعض بشراء بائعة الهوى شراكة هناك من يرثها بعد وفاة "اصحابها" الاوائل كما يقوم البعض باستئجارها مقابل 500 شيكل يوميا. ويتراوح سعر الفتاة الواحدة من الف دولار الى اربعة الاف، وهذا منوط بمدى حسنها الخارجي وبجيلها وبجودة اوراقها الثبوتية المزيفة. وتتراوح اعمار بائعات الهوى المستوردات من 18 عاما الى 52 عاما فيما يبلغ المعدل 22 عاما وقد حصل ان اعتقلت الشرطة طفلة بعمر 11 عاما ، تستقبل كل واحدة منهن 10 الى 30 زبونا في اليوم ( 16-17 بالمعدل ) ولكن هناك حالات استقبلت فيها فتاة واحدة 47 زبونا في يوم واحد. ولا يتورع القواد عن تشغيل بائعات الهوى 30 يوما في الشهر حتى في حالات مرضهن او في فترة الحيض او الحمل.

 

تل أبيب بدلا من ايلات

وبعد مصادرة الكازينوهات العائمة في مدينة ايلات قبل نحو العام انتقل مركز نشاط الدعارة والمتاجرة بالنساء الى تل ابيب ومنطقةالمركز، التي تشهد ازدهارا بالاونة الاخيرة نتيجة لذلك.

وتؤكد المحامية شموئيلي بشاعة الاستغلال المالي للفتيات حيث تبقى الفتاة مدينة ل"صاحبها" باعتبار انه امتلكها بعد ان كرس اموالا "طائلة" في ابتياعها، ولذلك فهو يجبي محصلة ما تجبيه من زبائنها ( 150 شيكل الى 300 او 500 شيكل للنصف ساعة) فيما تحصل هي على حفنة شواكل لتأمين قوتها والكحول والسجائر وتبقى عاجزة عن اعادة الدين له حتى يتم بيعها لمالك جديد وهو بالطبع يبلغها في اول محادثة له انه كرس "اموالا طائلة" لشرائها ولذلك تجد نفسها امام ديون جديدة. وتفيد معطيات "الائتلاف لمكافحة التجارة بالنساء" ان الزبائن الذين يبحثون عن "خدمات" بائعات الهوى هم من الاسرائيليين اليهود يليهم مواطنون عرب ثم العمال الاجانب.

 

هل يدان الزبون ايضا كما في السويد؟

ويبدو ان اعلان "الحرب" من قبل وزير الامن الداخلي قبل نحو العام على تجارة النساء وصالات القمار (الكازينوهات) ظلت حبرا على ورق وخير دليل على ذلك كثرة الدعايات في كافة الصحف الاسرائيلية التي تروج لخدمات الجنس بغطاء "خدمات المرافقة"، ما ساهم في تحويل الدعارة الى ظاهرة مقبولة لدى المجتمع الاسرائيلي. ووفقا لمعطيات "الائتلاف" فان تجارة الجنس تعتبر مرفقا مربحا جدا حيث يبلغ عدد "زيارات" بائعات الهوى نحو المليون زيارة شهريا على الاقل ( 3000 بائعة هوى مستوردة تعمل كل واحدة منهن 30 يوما في الشهر، وتستقبل 16 زبونا في اليوم). وتعتبر المنظمات النسوية في اسرائيل ان عملية مأسسة الزنى تنطوي على كارثة لانها لن تؤدي الى وقف استيراد النساء من الخارج والمتاجرة بهن لانه لا دعارة بلا متاجرة والعكس صحيح، ثم انها ستساهم في تعزيز الشرعية التي تستحوذ عليها الظاهرة لدى الاسرائيليين يوما بعد يوم. ويدعو الائتلاف لمكافحة التجارة بالنساء في اسرائيل الى ضرورة تثقيف المجتمع ورفع مستوى وعيه لبشاعة الظاهرة، لا انسانيتها وخطورتها، باعتبارها متاجرة بالبشر واحياء للعبودية تمهيدا الى اعتماد اجراءات جديدة تتمثل بإدانة ومعاقبة الزبون نفسه كجزء من النشاط الوقائي اسوة بالسويد ودول اوروبية اخرى. وأشار "الائتلاف" الى ان تجربة ادانة ومعاقبة الزبائن ايضا فشلت في فرنسا ودول اخرى نتيجة عدم التمهيد المطلوب للمجتمع بواسطة التربية والتثقيف والتوعية.

 

اغتراب وخوف واحباط

وفي التقرير الذي سيعرض في المؤتمر الخاص بمتاجرة الرقيق الابيض في اسرائيل ستنشر معطيات حول الاضرار الجسمانية والنفسية والمادية التي تلحق بالفتيات نتيجة الاغتصاب والشروط القاسية التي تلازم "عملهن" يوميا. ومن ابرز الاعراض النفسية التي تصيب بائعات الهوى الشعور بالاغتراب والاحباط والخوف وتغير ملامح الوجه والاوجاع البدنية المختلفة. ويدعو "الائتلاف" السلطات الاسرائيلية "الى إعادة تأهيل الفتيات نفسيا وجسمانيا واقتصاديا بدلا من سجنهن وطردهن"، كما اكدت ل"ألمشهد الاسرائيلي" المحامية رينات دودوفيتش ، مديرة الملجأ الخاص بضحايا التجارة بالنساء، مشيرة الى ان المجتمع الانساني يشهد بسبب هذه الظاهرة استعمارا جديدا يقوم باالسيطرة على بلدان كثيرة في المعمورة عن بعد وبواسطة الاقتصاد ودون الحاجة للاحتلال على الارض. والى جانب الاعلانات المكتوبة في صفحات الصحف العبرية لترويج "المكالمات الساخنة" والخدمات الجنسية تزداد في الآونة الاخيرة الاعلانات المكتوبة باللغة العربية ايضا داخل هذه الصحف في محاولة لاصطياد اكبر نسبة ممكنة من الزبائن من الشباب العرب الذين لا يأبهون بالمخاطر الصحية الناجمة عن الامر.

 

ويناقش المؤتمر في تل ابيب ايضا قيام نساء اسرائيليات فقيرات بالسفر الى تركيا او جنوب افريقيا من اجل بيع اعضاء داخلية لمرضى اسرائيليين ينتظرون في الخارج لاجراء عمليات جراحية في ظل منع المتاجرة بالأعضاء في اسرائيل اضافة الى ظاهرة تأجير الرحم فيما يعرف ب"الفندقة"، حيث توافق سيدات فقيرات على زرع بويضات زوجين اخريين في رحمها فتحمل وتضع "مولودهما"(..) بهد تسعة شهور مقابل المال. وردا على الزعم بان المرأة هي المسؤولة عن ذاتها وانها حرة بجسدها يقول "الائتلاف لمكافحة التجارة بالنساء" ان الفقر وتكاليف الحياة الصعبة والخوف من زعران دائرة الاجرة هي التي تدفع الى هذه النتائج المأساوية كما هي الحال مع بائعات الهوى. واختتمت المحامية شموئيلي، منظمة المؤتمر، حديثها الينا بالتساؤل: متى سمعت بالمرة الاخيرة عن سيدة غنية قامت ببيع كليتها ؟ واضافت "هناك مسؤولية جماعية ينبغي ان يضطلع بها كل من يهمه الوجه الاخلاقي للمجتمع الذي يعيش فيه".