وثائق وتقارير

 

يتناول تقرير منظمة "بتسيلم" بعنوان "نظام الشوارع الممنوعة"، الصادر أخيرًا، أحد المركبات المركزية، والأقل معلومية، في سياسة اسرائيل لتحديد وتقييد حركة الفلسطينيين في الااضي المحتلة: مركب المنع الذي تفرضه اسرائيل على حركة الفلسطينيين في شوارع معينة في الضفة الغربية.

 

ان نظام الشوارع الممنوعة يتسم بطابع التملص. ويكمن السبب في ذلك، فيما يكمن، في أن قواعد النظام لم تكتب أبداً: ليس من خلال التشريع في الكنيست، وليس بقرار من المحفل السياسي، ولا بأمر عسكري، ولا بإعلان للصحافة، وليس حتى من خلال لافتة للفلسطينيين، تحذرهم من ان الدخول الى الشارع والسفر فيه مقيّد أو ممنوع.

 

ان وجود هذا القانون وسريانه يأتي ترجمة للتعليمات الشفهية التي يتم اصدارها للجنود، وكذلك بعض التطبيقات والاجراءات التي يقوم الجيش الاسرائيلي بتطبيقها في الضفة الغربية منذ بداية الانتفاضة.

 

الشوارع الممنوعة

 

يستدل من التحقيقات التي قامت بها منظمة "بتسيلم" أنه يمكن تقسيم الشوارع الخاضعة لنظام الشوارع الممنوعة الى ثلاث مجموعات أساسية، طبقاً لقسوة القيود المفروضة في استعمال الشوارع: المنع التام، المنع الجزئي والاستعمال المحدود.

 

* المجموعة الأولى – المنع التام : وتشمل الشوارع المخصصة للاستعمال الحصري للمواطنين الاسرائيليين، وهي شوارع يُحظر على الفلسطينيين استعمالها نهائياً. والحديث هنا يدور عن شوارع يتم فيها تطبيق المنع بصورة صريحة وواضحة، أي بواسطة حاجز مُعزز بطاقم، ويتم السماح فقط للسيارات الاسرائيلية بالمرور والسفر. بالاضافة الى ذلك، فإن هذه المجموعة تشمل الشوارع التي يسري عليها المنع نتيجة لقطع طرُق الوصول المؤدية الى القرى الفلسطينية، بحيث يصبح الوصول اليها غير ممكن أو عديم الجدوى للسكان.

 

* المجموعة الثانية – المنع الجزئي : وتشمل الشوارع التي يحق فيها للفلسطينيين السفر بشرط حيازتهم على تصاريح الحركة والتنقل والتي يتم استصدارها من مكاتب الارتباط والتنسيق أو بالتناوب، بشرط أن يكون سائق السيارة والمسافرون معه مسجلين في بطاقات الهوية الخاصة بهم أنهم من سكان بلدات معينة تتعلق حركتهم بصورة استثنائية بالشارع الذي يسيرون عليه.

 

* المجموعة الثالثة – الاستعمال المُحدد : ويشمل الشوارع التي تجوز فيها حركة السيارات الفلسطينية بشكل عام، دون الحاجة الى الحصول على تصريح خاص، الا أن معظم طرق الوصول الى هذه الشوارع مغلقة. ولهذا يتطلب الدخول الى هذه الشوارع، في معظم الأحيان، الوصول الى مفترق طرق يتواجد فيه جنود يقومون بإجراء تفتيش على السيارات التي ترغب في السفر على الشارع.

 

وتمتاز هذه الشوارع بتطبيق مُشدد واختياري (على المواطنين الفلسطينيين فقط) لقوانين المرور على يد افراد الشرطة الاسرائيلية، وبإعاقة المواطنين الفلسطينيين لفترات زمنية طويلة، ومصادرة سياراتهم، وهو ما يردع سائقين كثيرين من استعمال هذه الشوارع.

استصدار التصاريح:

  ان النظام البيروقراطي المسؤول عن استصدار تصاريح الحركة والتنقل، والمطلوبة من الفلسطينيين من أجل تنقلهم عبر قسم من الشوارع (الادارة المدنية ومكاتب التنسيق والارتباط)، يمتاز بغياب الشفافية بصورة فظّة وبالتعسّفية التامة. وقد امتنع هذا النظام عن تحديد المعايير التي يتم وفقها المصادقة على طلب التصريح أو رفضه، بحيث يتم اتخاذ القرار عملياً وفقاً للرؤية الخاصة بأعضاء طاقم مكتب التنسيق والارتباط فقط.

بالاضافة الى ذلك، فإن قرارات النظام بخصوص رفض طلبات التصاريح يتم تسليمه للفلسطينيين شفهياً دون الاشارة الى أية مبررات. أما بالنسبة لطلبات الفلسطينيين المعرّفين كأصحاب "منع أمني" فيتم رفضها على الفور. ان الصلاحية لرفع هذا المنع وازالته ممنوحة بصورة حصرية لرجال جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، ويستغل جهاز الأمن الداخلي تعلّق الفلسطينيين بالتصاريح، اذ يُوظف هذا التعلق من أجل الضغط عليهم وتحويلهم الى متعاونين.

تشويش مناحي الحياة:

  ان نظام الشوارع الممنوعة يُلزم السكان الفلسطينيين استخدام طرق بديلة، طويلة وملتوية، بدلاً من الشوارع التي تربط مباشرة ما بين المدن والألوية المُختلفة. ونتيجة لذلك تضطرب، وبصورة اعتيادية ومتواصلة، كافة مناحي الحياة في الضفة الغربية، وبضمنها الاقتصاد، الصحة، التربية والتعليم، ويؤدي هذا الى الحاق الأذى البالغ بنسيج الحياة الاجتماعية والأسرية. فضلاً عن ذلك، يتوجب اضافة الاهانة والاذلال الكامنين في وسائل التطبيق المتنوعة التي تنتهجها قوات الأمن من أجل تطبيق النظام، وهو ما يعايشه كل انسان يُضطر الى التعاطي مع نظام يتّسم بالتفرقة القاسية.

  إن شق الشوارع الممنوعة، والمخصصة لخدمة المشاريع الاستيطانية، استوجب في معظم الأحيان السيطرة على أراضٍ بملكية شخصية للفلسطينيين، علماً بأن أحد المبررات الرئيسية التي قدمتها اسرائيل لتبرير مصادرة هذه الأراضي يكمن في أن هذه الشوارع من شأنها أن تخدم السكان الفلسطينيين أيضاً.

  وفي محاولة منها لتبرير سياستها، تدّعي اسرائيل أن القيود المفروضة على حق الفلسطينيين في السفر على هذه الشوارع ينبع من الاعتبارات الأمنية العاجلة. وفعلاً، ومنذ بداية الانتفاضة، في أيلول 2000، طرأت زيادة حادة على حجم العمليات التي قامت بها التنظيمات الفلسطينية ضد المواطنين الاسرائيليين داخل اسرائيل وفي المناطق. وقد قُتل نتيجة لهذه العمليات أكثر من 600 مواطن، وبضمنهم أكثر من مائة قاصر.

  إن الهجمات المتعمدة ضد المدنيين تمسُّ كافة القواعد الاخلاقية والقانونية، والتعريف الخاص بها في القانون الانساني الدولي على أنها جريمة حرب لا يمكن تبريرها، مهما كانت الظروف. إن من حق اسرائيل، بل من واجبها، اتخاذ كافة الاجراءات للدفاع عن مواطنيها، ومع هذا، ينبغي أن تخضع هذه الوسائل للقيود التي تمّ تحديدها في القانون الاسرائيلي والدولي.

  ان نظام الشوارع الممنوعة يمسّ في ذات الوقت الحق في حرية الحركة والحق في المساواة. ان هذا المس يُشكّل خرقاً للقواعد الأساسية في القانون الدولي، واسرائيل ملزمة بها لكونها طرفاً في المواثيق والاتفاقيات الدولية، ومن بينها الميثاق الدولي والخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الخاص بالتخلص من كافة أشكال التمييز العنصري واتفاقية جنيف الرابعة.

 العزل من خلال التفرقة – ممارسة لنظام عنصري

  إن هذا النظام والذي يعتمد على العزل من خلال التفرقة، يمتاز بالكثير من خطوط التشابه البارزة مع نظام التمييز العنصري الذي كان سارياً في جنوب أفريقيا حتى عام 1994. وهذا لأن المنشأ القومي لكل انسان يُسافر في شوارع الضفة الغربية، هو الذي يتم استعماله لتحديد حقه في استخدام الشوارع المختلفة. إن نظام الشوارع الممنوعة مبني على فرضية مفادها أن كل مواطن فلسطيني، كائناً من كان، يُشكّل خطراً أمنياً، الأمر الذي يبرر المسّ بحرية حركته، وهذه فرضية عنصرية، وليس من شأنها أن تبرّر السياسة التي تمسّ، وبدون تمييز، بالسكان الفلسطينيين كافة، ولهذا فهي تُشكّل خرقاً لحقوق الانسان والقانون الدولي.

منظمة "بتسيلم" تطالب حكومة اسرائيل من خلال التقرير بالالغاء الفوري لنظام الشوارع الممنوعة، واحترام حق المواطنين الفلسطينيين في حرية الحركة على جميع الشوارع في الضفة الغربية.