رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون : شارون هو تعبير صارخ عن مفهوم الجدار الحديدي

على هامش المشهد

 

 

 

المحلل الاقتصادي موطي بسوك في تلخيص للعام الماضي: الضرائب انخفضت ورصد الميزانيات للتعليم والبنى التحتية تراجع وميزانية الأمن تضخّمت

 

 

 

*نتنياهو أقام لجنة "تراختنبرغ" وتعهد بتنفيذ كل قراراتها بحذافيرها *لبيد ركب موجة الاحتجاجات الشعبية في طريقه إلى الحكومة *اليوم يسير كلاهما جهارا في الطريق المعاكس: يدفعان الحكومة لتقدم خدمات أقل للجمهور، وجباية ضرائب أقل، ويقودان ميزانية الأمن إلى ذروة جديدة*

 

 

 

نشر المحلل في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، موطي بسوك، مقالا موسعا يلخص فيه السياسة الاقتصادية ونتائجها في العام 2013، رابطا الأمر بتبعات حملة الاحتجاجات الشعبية والانتخابات البرلمانية، وشخص وزير المالية يائير لبيد، الذي تحدث كثيرا في حملته الانتخابية عن حملة الاحتجاجات الشعبية، بأنه انقلب على كل ما طالبت به تلك الحملة، من خلال السياسة الاقتصادية التي تبناها وطبقها، وهي أساسا المدرسة التي يتمسك بها بنيامين نتنياهو.

 

هنا المقال كاملا:

 

في صيف العام 2011، خرجت إسرائيل إلى الشوارع، ومئات الآلاف شاركوا في صرخة الاحتجاجات الشعبية، وكان الحدث خارجا عن المألوف في الجانب الاقتصادي الاجتماعي في الدولة، فقد احتجت الشرائح الوسطى العليا في شوارع المدن الكبرى على غلاء المعيشة، وأصيب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالذهول، وأقام بسرعة "لجنة تراختنبرغ"، وتعهد بتنفيذ توصياتها بحذافيرها.

 

وأقيمت "لجنة تراختنبرغ" من أجل تخفيض غلاء المعيشة في الدولة، ومساعدة الشرائح الوسطى، وأيضا الشرائح الضعيفة، على تلبية احتياجاتها الشهرية، ومن أجل زيادة رصد الميزانيات للبنى التحتية والتعليم والصحة والرفاه. ونشرت اللجنة توصياتها خلال شهرين، ولم تكن تلك التوصيات ثورية، ولكنها شملت اقتراحات مفصلة من أجل تغيير سلم الأفضليات.

 

وقبل مرور أقل من عام واحد على تلك الحملة، قرر يائير لبيد، بضغط أصدقائه في شمال تل أبيب و"كفار شمرياهو" و"سفيون" (مناطق سكنية للشرائح الميسورة والثرية)، أن يخوض الانتخابات، ولم يكن مفاجئا أنه قرر الاندفاع نحو الحكومة على متن حصان القضايا الاجتماعية، وتبنى توصيات لجنة تراختنبرغ كما لو أنها توصياته شخصيا.

 

 

حملة الاحتجاج الاجتماعية مُحيت

 

 

في العامين ونصف العام الأخيرة، يبدو أن الكثير من معاني ومغازي حملة الاحتجاجات الشعبية قد تلاشى، والكثير من توصيات لجنة تراختنبرغ لم يتم تنفيذه، وفي الأشهر الأخيرة يبدو أن الحكومة تتجه في الاتجاه المعاكس لتلك التوصيات، فالماسكين بالمقود، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير المالية يائير لبيد، يقولان في الأيام الأخيرة، ليس بلهجة متلعثمة وإنما بصوت جهوري وعلى رؤوس الأشهاد، إن وجهتهما في السنوات القليلة المقبلة ستكون نحو حكومة صغيرة تقدم للجمهور خدمات أقل، أي تعليم أقل، وبنى تحتية أقل، ورفاه أقل، وصحة أقل، وتبرير ذلك أن الحكومة ستجبي ضرائب أقل، وهذا عكس ما طرحته لجنة تراختنبرغ.

 

وبطبيعة الحال فإن نتنياهو ولبيد لم يخترعا الدولاب، ففي العالم يقوم نموذجان نقيضان، حكومة واسعة على شاكلة الدول الاسكندنافية في غالبية العقود الأخيرة، وهي تقدم خدمات واسعة للجمهور ولكنها تجبي ضرائب عالية، ونموذج الحكومة الضيقة، التي تقدم القليل من الخدمات وتجبي ضرائب أقل.

 

وفي العقود الأولى لإسرائيل، ذهبت الدولة في اتجاه أقرب للنموذج الأول، أي الحكومة الواسعة، بينما في العقود الأخيرة تقترب إسرائيل من النموذج الثاني: الحكومة الضيقة. وهذا التغيير تلقى دفعة قوية، في إطار خطة استقرار الاقتصاد في العام 1985، ودفعة أخرى قوية بين العامين 2003 و2005 في فترة ولاية نتنياهو كوزير للمالية في حكومة أريئيل شارون.

 

 

 

خيار الحكومة الضيقة

 

اختار نتنياهو ولبيد عن سابق معرفة، في الأشهر الأخيرة، تبني نموذج الحكومة الضيقة، وهذا الأمر جرى الإعلان عنه رسميا في جلسة الحكومة التي عقدت في يوم الأحد الأخير من العام المنصرم 2013، حين أقرت الحكومة حجم مصروفها للعام المقبل 2015، وقدم مبررات مشروع القرار نتنياهو ولبيد، فأقرت الحكومة الأمر، وبذلك، فإن ميزانية العام 2015 سترتفع بنسبة 6ر2% عن ميزانية العام 2014، وليس بنسبة 4% كما كان مخططا، وإلى جانب ذلك لن يتم رفع جديد للضرائب في العام المقبل، على الأقل كما أقر حتى الآن.

 

ومنذ الآن، فإن الحكومة ستقدم أقل، ولكنها لن تجبي ضرائب أكثر، ولن تزداد الميزانية بنسبة ارتفاع النمو الاقتصادي وإنما أقل، بينما ستستخدم الحكومة الفائض في الميزانية والضرائب لتقليص الدين العام، إذ أن الحكومة وضعت هدفا لها يقضي بتخفيض الدين العام إلى نسبة 50% من مجمل الناتج العام، بدلا من نسبة 60% المتبعة في دول الاتحاد الأوروبي، أما بالنسبة للمداخيل من الغاز والكنوز الطبيعية، التي من المفترض أنها تابعة لكل الجمهور، فسيتم خزنها "في خزينة الثراء" للمستقبل.

 

إن نتنياهو ولبيد من أنصار الاقتصاد المحافظ اليميني، الذي يلوّح بالحكومة الضيقة، فاليوم تصل الميزانية السنوية العامة إلى نحو 40% من الناتج العام، ومن بين الدول المتطورة، فإن ميزانية كوريا الجنوبية فقط تقل عن هذه النسبة، وفي الولايات المتحدة النسبة شبيهة بالنسبة في إسرائيل، أما في باقي الدول فإن النسبة أعلى بكثير، ما يعني أن الجمهور في إسرائيل يتلقى خدمات أقل من الخزينة العامة، مقارنة بباقي الدول المتطورة.

 

وعدا ذلك، وبما أن قسما كبيرا من الميزانية يصرف على احتياجات الأمن، الجيش وجهازي المخابرات "الموساد" و"الشاباك" وحرس الحدود، وبشكل أكبر من باقي الدول، خاصة الدول المتطورة، لذا فإن الميزانية من حيث نسبة الصرف المدني تقل بنسبة كبيرة عن 40%، ورأينا أنه حتى بعض الاقتصاديين المحافظين في إسرائيل اشتكوا في الآونة الأخيرة من أن حكومة إسرائيل أضيق من اللزوم، وحتى قبل أن تقلص الحكومة نسبة زيادة ميزانية 2015.

 

وبحسب خبراء قسم الميزانيات في وزارة المالية، فإن تعديل نسبة زيادة الميزانية سيجعل الميزانية العامة في العام 2015، تساوي 39% من الناتج العام، وبتقديرات خبراء اقتصاد آخرين فإن هذه النسبة ستقل مستقبلا أكثر.

 

ونرى أن بنك إسرائيل اتجه في السنوات الأخيرة يدا بيد مع وزارة المالية، ولذا فإن البنك يعد صاحب موقف اقتصادي شبيه، وعرض البنك في الأبحاث الأخيرة موقفا مستقبليا، وطلب رفع ميزانية 2015 بنسبة 3%، بينما بدأت وزارة المالية الأبحاث بطلب رفع الميزانية بنسبة 8ر1% فقط (كما كان قائما حتى العام 2010). ومعنى أن يتم رفع ميزانية 2015 بنسبة 6ر2% عن العام 2014، أن ميزانية 2015 ستقل بقيمة 8 مليارات شيكل (3ر2 مليار دولار)، وهذا سيكون بعد تقليصات مكثفة في ميزانيتي العامين 2013 و2014، وبعد عامين من زيادة العبء الضريبي في إسرائيل بشكل غير مسبوق.

 

دائما توجد أموال للأمن

 

لقد وعد نتنياهو ولبيد جهاز الأمن بأنه لن يعاني من انتقال الحكومة من حكومة واسعة إلى ضيقة، لأن ميزانية الأمن لن تتقلص، فقد أوصت لجنة تراختنبرغ قبل نحو عامين بتقليص ميزانية الأمن في العام 2012 بنحو 5ر2 مليار شيكل (714 مليون دولار)، وصادق نتنياهو في حينه على التوصية، كما أن مدير عام ديوان رئاسة الحكومة في حينه إيال غباي، الذي كان عضوا في لجنة تراختنبرغ، تحمّس كثيرا لهذا القرار، الذي تبنته الحكومة أيضا بدعم من وزير المالية في حينه يوفال شتاينيتس.

 

إن ميزانية الأمن في العام الجاري 2014 ستزداد وستصل بدعم نتنياهو إلى رقم قياسي غير مسبوق على مر السنين، وهذا بعد أن مرّرت وزارة المالية في لجنة المالية البرلمانية مشروع قرار لتحويل 1ر5 مليار شيكل (45ر1 مليار دولار) إضافية لميزانية الأمن في العام الجاري، وسيتم تخصيص 54% من ميزانية الأمن في العام 2014 للقوى العاملة، رواتب وتقاعد وغيرها، وليس للقتال وتعزيز القدرات.

 

وفي العام 2015 ستكون ميزانية الأمن أكبر من ميزانية 2014 عدديا ونسبيا، ما يعني أن تقليص الميزانية العامة في العام 2015 بقيمة 8 مليارات شيكل سيكون من نصيب الميزانيات المدنية، كما جرت العادة على مر السنين.

 

نتنياهو ولبيد ليسا وحدهما، بل كل القيادة الجديدة في وزارة المالية، مثل المديرة العامة ياعيل اندوران ورئيس قسم الميزانيات أمير ليفي ومدير سلطة الشركات الحكومية أوري يوغيف، تعمل بتفكير واحد، ولذا ليس صدفة أنهم يعملون هناك (في وزارة المالية)، وبالمناسبة هم كانوا هناك أيضا في جولة التقليصات السابقة في ميزانية الحكومة في بداية العقد الماضي مع نتنياهو.

 

 

الأسعار مستمرة في الارتفاع

 

صحيح أن الحكومة ألغت في الأسابيع الأخيرة رفع ضريبة الدخل بنسبة 1% إلى 2% لكل الجمهور، إذ كان من المفروض أن يدخل رفع الضريبة حيز التنفيذ في مطلع الشهر الجاري، كانون الثاني، ولكن هذا فقط نقطة في بحر، ففي المقابل هناك سلسلة طويلة من الضربات التي سيشعر بها الجمهور ابتداء من مطلع العام الجاري. فمثلا، لن يتم تعديل التدريج الضريبي في مطلع السنة، كما لن يتم رفع نقاط الاستحقاق الضريبي كما هو متبع سنويا (وهذا بحد ذاته يشكل رفعا غير مباشر للضريبة)، وهذان الإجراءان وحدهما سيضيفان لخزينة الضرائب نحو 900 مليون شيكل (257 مليون دولار)، ما يعني أيضا تآكل رواتب العاملين بنسبة 8ر1%.

 

وسترتفع ضريبة الشركات من 25% إلى 5ر26%، وسترتفع أسعار تذاكر المواصلات العامة بنسبة 7ر4%، ما يضر أساسا بمستخدمي المواصلات العامة، وهم من الشرائح الوسطى والفقيرة والضعيفة، وهذا بعد أن كانت الحكومة قد رفضت طلب وزير المواصلات يسرائيل كاتس تأجيل رفع أسعار المواصلات العامة من أجل تشجيع استخدامها.

 

وكذا أسعار الوقود ارتفعت ببضعة قروش، وهذا ليس كل شيء، فضريبة المسطحات سترتفع هي أيضا بنسبة 4ر3%، كما سترتفع أسعار الكهرباء في شهر نيسان.

 

 

لماذا لا يزداد عرض البيوت؟

 

وعلينا ألا ننسى حكاية أسعار البيوت، فعلى الرغم من إجراءات الحكومة وبنك إسرائيل، فإن أسعار السكن تواصل ارتفاعها، إن كان لدى شراء بيوت أو استئجار بيوت، وثمة أمر واحد نسي أن يفعله رئيس الحكومة ووزير المالية ووزارته والحكومة كلها، وهو مكتوب في السنة الأولى لدراسة الاقتصاد، وهو زيادة عرض البيوت، كما فعل رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون بنجاح في سنوات التسعين، حينما واجهت إسرائيل فيضا من مليون مهاجر من دول الاتحاد السوفياتي السابق ومن أثيوبيا.

 

ولذا، فإنه باستثناء إعلان الوزير لبيد ووزير الزراعة يائير شمير عن تخفيض أسعار الحليب ومنتوجاته بنسبة 1ر1%، فلن يكون لنا عزاء آخر في مسألة الأسعار.

 

إن لبيد الذي يقول في أربع جمل من أصل كل خمس جمل في أي خطاب جماهيري أنه مهتم بالشرائح الوسطى يقوم في كل أربعة إجراءات من أصل خمسة إجراءات بعكس ما يقول بالضبط، فمن دخل إلى الحكومة بصوت جهوري عال على أكتاف حملة الاحتجاجات الشعبية، اهتم خلال عام تقريبا من عمله بأن يشطب كليا توصيات لجنة تراختنبرغ، وأكثر من هذا، فهو ونتنياهو يعملان على شطب الإنجازات الاقتصادية الاجتماعية التي حققتها كل حكومات إسرائيل على مر الأجيال، وسيفعلان ما هو أكثر من هذا.