رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون : شارون هو تعبير صارخ عن مفهوم الجدار الحديدي

على هامش المشهد

 

شارون: جنرال جامح يستخف بالمسؤولين عنه وسياسي رفض الصلح مع العرب

 

 

 

يعتبر أريئيل شارون، رئيس حكومة إسرائيل الحادي عشر، الذي توفي يوم السبت الماضي عن عمر يناهز 86 عاما، أكثر جنرالات إسرائيل جموحا وشراسة وأكثرهم إيمانا بممارسة القوة لتحقيق رؤيته السياسية التي رفضت الصلح مع العرب.

 

 

وكان شارون، المولود في 26 شباط من العام 1928، قد غاب عن الساحة السياسية بشكل مفاجئ، في 4 كانون الثاني 2006، في أعقاب جلطة دماغية حادة أدخلته في غيبوبة لم يصح منها، لكن الأطباء وصفوا حالته في السنوات الأخيرة بأنها كانت "في الحد الأدنى من الوعي".

 

وينظر الإسرائيليون إلى شارون على أنه أحد أكثر الشخصيات المختلف حولها، سواء من ناحية سلوكه كعسكري وجنرال غير منضبط ولا ينصاع لأوامر قادته، أو من الناحية السياسية وخاصة عندما انشق عن حزب الليكود ونفذ خطة الانفصال عن قطاع غزة.

 

وولد شارون في فلسطين باسم أريك شاينرمان، وعندما بلغ سن 14 عاما تطوع لصفوف ميليشيا "الهاغناه" الصهيونية، وفي العام 1947 انخرط في "شرطة البلدات اليهودية" التابعة لشرطة الانتداب البريطاني في حينه. وتم تعيينه قائدا لفرقة في لواء "ألكسندروني" في أعقاب قرار تقسيم فلسطين، وبعد حرب العام 1948 تم تعيينه قائدا لسرية لواء "جولاني" في شمال إسرائيل، ثم ضابط الاستخبارات في قيادة المنطقة الوسطى وبعدها في المنطقة الشمالية.

 

وأقام شارون وحدة الكوماندوس "101" الشهيرة بعمليات القتل الكثيرة التي نفذتها ضد الفلسطينيين والعرب، والتي وصفت بأنها عمليات ثأر، واستخدمت خلال ذلك أساليب قتال وحشية. وفي أعقاب ذلك ذاع صيت شارون كضابط جامح وشرس، لا يخشى المخاطر، كما أن الأنظمة والأوامر الصادرة عن قيادته العسكرية كانت بالنسبة له "توصيات وحسب"، وفقا للمؤرخين والأرشيفات الإسرائيلية.

 

وفي تشرين الأول العام 1953 قاد شارون عملية عسكرية في قرية قبية الفلسطينية التي فجر جنوده 40 بيتا فيها ودفن تحتها 70 شخصا من سكانها، انتقاما لشن فدائيين فلسطينيين خرجوا من هذه القرية هجوما أسفر عن مقتل امرأة وولديها في بلدة يهودية مجاورة. وبعد الكشف عن هذه المجزرة تعرضت إسرائيل لانتقادات دولية، بينما نفى رئيس حكومتها حينذاك، دافيد بن غوريون، مسؤولية حكومته عن هذه المجزرة.

 

وبعد شهور معدودة تم حل الوحدة "101" ودمجها ضمن الكتيبة 890 التابعة لسلاح المظليين وتم تعيين شارون قائدا لها. واستمر شارون في تنفيذ مجازر عُرفت بـ "عمليات الثأر" خلف الحدود، وخاصة في قطاع غزة الذي كان تابعا لمصر والضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن.

 

وخلال العدوان الثلاثي على مصر، في العام 1956، برز شارون، الذي قاد لواء المظليين 202، كضابط رفض الانصياع لأوامر قادته العسكريين، واتهم رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في حينه، موشيه دايان، شارون بخرق أوامر عسكرية واضحة.

 

وفي شهادة تدل على شراسة شارون، كتب إسحق رابين في كتابه "دفتر الخدمة" أن بن غوريون قال له عن شارون: "أنت تعرف أني أتعامل بشكل مميز مع أريك شارون، وأعتبره أحد أفضل ضباط الجيش... لكن لو أنه كان يقول الحقيقة لساعده ذلك على الترقي" في سلم الرتب العسكرية. ورغم ذلك حصل شارون على رتبة لواء عشية حرب حزيران العام 1967، وبعد نشوب الحرب احتج شارون على تكليف فرقته العسكرية بمهمات دفاعية في الجبهة المصرية لكنه وضع خططا هجومية بمشاركة قوات مشاة ومظليين ومروحيات وطائرات مقاتلة ألحقت أضرارا فادحة بالقوات المصرية تمهيدا لاحتلال سيناء.

 

واستقال شارون من الجيش الإسرائيلي في العام 1973 بعد تعيين دافيد إلعازار رئيسا لهيئة الأركان العامة، لكنه عاد وتطوع للجيش بعد نشوب الحرب في تشرين الأول من العام نفسه، وحارب في الجبهة مقابل مصر. ورغم أنه رفض الانصياع لأوامر قيادته العسكرية إلا أنه اعتبر "بطل الحرب" بعد أن تمكن من اختراق القوات المصرية ومحاصرتها وتغيير وجه هذه الحرب لصالح إسرائيل.

 

بعد تلك الحرب انخرط شارون في الحياة السياسية وأقام حزب الليكود اليميني، الذي تشكل من حزب "حيروت" بقيادة مناحيم بيغن وأحزاب يمينية أخرى. ووصل الليكود في انتخابات العام 1977 إلى سدة الحكم وتم تعيين شارون وزيرا للزراعة في حكومة بيغن الأولى. ومنذ انخراطه في الحياة السياسية سعى شارون إلى تشجيع الاستيطان في الضفة الغربية خصوصا، وكان من المبادرين إلى تأسيس حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية، وبعدما تولى منصبه الوزاري سهّل أعمال الاستيطان بشكل كبير وبات يسمى بـ "أبو الاستيطان".

 

وبعد أن شكل بيغن حكومته الثانية في أعقاب انتخابات العام 1981، عيّن شارون وزيرا للدفاع، وكانت مهمته الأولى تفكيك المستوطنات وإخلاء المستوطنين من سيناء بعد اتفاقية السلام مع مصر.

 

وفي العام 1982 قاد شارون حكومة إسرائيل إلى حرب لبنان الأولى، بادعاء الدفاع عن منطقة الجليل وضرب وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. ورغم أنه وعد رئيس حكومته بيغن بأن القوات الإسرائيلية لن تتوغل إلى مسافة تزيد عن 40 كيلومترا في لبنان إلا أن الاجتياح الإسرائيلي وصل حتى بيروت. وأطاحت "لجنة كاهان" الرسمية الإسرائيلية بشارون من منصبه بعد أن حملته مسؤولية المجزرة التي ارتكبتها قوات الكتائب اللبنانية في مخيمي صبرا وشاتيلا وألمحت إلى أنها جرت تحت أنظار القوات الإسرائيلية، وأوصت اللجنة بعدم إعادة تعيين شارون في منصب وزير الدفاع.

 

وخلال سنوات التسعين كانت المنافسة على أشدها بين شارون والدبلوماسي الشاب بنيامين نتنياهو، العائد من ولايته كمندوب لإسرائيل في الأمم المتحدة، على زعامة حزب الليكود ومرشحه لرئاسة الحكومة. وبعد انتهاء ولاية نتنياهو الأولى في رئاسة الحكومة، في العام 1999، فاز شارون برئاسة الليكود، وكان معارضا شديدا لحكومة إيهود باراك، الذي خلف نتنياهو، وخاصة في كل ما يتعلق بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية التي كان يتزعمها عدوه اللدود ياسر عرفات.

 

وفي نهاية أيلول العام 2000 استجاب باراك لطلب شارون بالدخول إلى باحات الحرم القدسي، الأمر الذي رأى فيه الفلسطينيون استفزازا بالغا، وقوبل دخوله للحرم باحتجاج فلسطيني شديد أدى إلى سقوط عدد من القتلى بنيران القوات الإسرائيلية، الأمر الذي قاد مباشرة إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي سميت "انتفاضة القدس والأقصى".

 

وبعد ذلك بشهور فاز شارون برئاسة الحكومة، في العام 2001، وشن حملة "السور الواقي" العسكرية، في مطلع نيسان العام 2002، التي اجتاح الجيش الإسرائيلي فيها كل الضفة الغربية ما أدى إلى تدمير السلطة الفلسطينية. ورفض شارون "مبادرة السلام العربية" التي صادقت عليها القمة العربية في بيروت في موازاة شن حملة "السور الواقي"، واستمر في رفضه إجراء أية مفاوضات مع الفلسطينيين أو إقامة دولة فلسطينية. وفي المقابل، اتخذ شارون قرارا ببناء الجدار الفاصل، الذي أقيم القسم الأكبر منه في الضفة الغربية وعلى حساب أراضي الفلسطينيين.

 

ورغم موافقته لاحقا على لقاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ضمن قمة رباعية بمشاركة الرئيس الأميركي جورج بوش والملك الأردني عبد الله الثاني، إلا أن شارون سرب عبر صحافيين إسرائيليين أن أقصى ما يمكن أن يوافق عليه هو كيان فلسطيني في مناطق معزولة في الضفة وعرّفه بأنه "كيان الكانتونات".

 

لكن شارون فاجأ الإسرائيليين والعالم في العام 2005 عندما أعلن عن نيته الانسحاب من قطاع غزة وإخلاء المستوطنات والمستوطنين منه، وهي الخطة التي نفذها في خريف العام 2005 وعرفت بخطة الانفصال. وبدا واضحا حينذاك أن الانسحاب من غزة كان هدفه منح شرعية للمستوطنات في الضفة.

 

وقد نفذ شارون خطة الانفصال رغم معارضة شديدة لها داخل حزب الليكود بقيادة نتنياهو، وهو ما أدى إلى انشقاق شارون عن الليكود وتشكيل حزب كاديما في نهاية العام 2005، والذي كان يستعد لخوض الانتخابات على رأسه في العام 2006، لكنه أصيب بجلطة دماغية خفيفة في كانون الأول من العام 2005 وبعد أسبوعين، في الرابع من كانون الثاني العام 2006، أصيب بجلطة دماغية حادة أدخلته في غيبوبة وغاب في إثرها عن الحياة السياسية.

 

وبرحيل شارون تكون قد رحلت الشخصية قبل الأخيرة من الشخصيات التي أقامت وبنت إسرائيل، عسكريا وسياسيا، ولم يتبق من هذه الشخصيات على قيد الحياة سوى الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس.