المحكمة العليا تقرّ دستورية "قانون الأخ الأكبر" الإسرائيلي

وثائق وتقارير

مصادر قضائية وحقوقية ل"المشهد الاسرائيلي": القانون بصيغته الجديدة يمسّ بشكل مباشر بالمواطنين العرب المتزوجين من "سكان المنطقة"

في ظل تصعيد الازمة السياسية العامة، تلعب الحكومة الاسرائيلية دورًا رئيسيًا في تجسيد هذا التصعيد عن طريق إتخاذ خطوات ملموسة. بدا هذا واضحًا، أخيرًا، في قرارها من يوم 18/7 بتمديد فترة قانون "المواطنة والدخول الى اسرائيل" والذي بموجبه يمنع "لمّ الشمل" للمواطنين الفلسطينيين لفترة نصف سنة إضافية، بعد ان سرى مفعوله لمدة سنة، كما يمنع المواطنون من تقديم طلبات لـ "لمّ الشمل" ولن يتم بحث طلبات قديمة قدمت ما بعد تاريخ 12/5/2002.

 

 

كان المركز القانوني لحقوق الاقلية العربية في اسرائيل، "عدالة"، قد قدم إلتماساً للمحكمة العليا في تاريخ 3.8.2003 بعد المصادقة على القانون، بواسطة المحامي حسن جبارين، مدير مركز "عدالة"، والمحامية أورنا كوهين من المركز ايضًا، بإسم عائلتين أحد الزوجين فيهما فلسطيني من المناطق المحتلة، وبإسم جميع أعضاء الكنيست العرب: طلب الصانع، محمد بركة، عزمي بشارة، عبد المالك دهامشة، جمال زحالقة، واصل طه، أحمد طيبي وعصام مخول، وبإسم لجنة المتابعة العليا. وأصدرت المحكمة في يوم 9.11.2003 أمراً مشروطاً في الإلتماس، وثلاثة أوامر إحترازية تمنع الدولة من طرد ثلاثة فلسطينيين من المناطق المحتلة متزوجين من مواطنين في إسرائيل، إلى حين الإنتهاء من البتّ في الإلتماس. إلا أن المحكمة لم تصدر بعد قرارها النهائي في الإلتماس. واليوم في ظل عدم اتخاذ المحكمة اي قرار شهد القانون، الذي تعتبره الكثير من منظمات الانسان عنصريًا، تمديدًا لستة اشهر اضافية.

في أعقاب هذا القرار إعتبر مركز "عدالة" تمديد القانون مسّا في الحقوق الأساسية الدستورية للمتضررين من القانون وسيزيد من وقعه عليهم، معدداً سلبياته التي تتجلى بالفصل بين الزوج وزوجته، وبين الأهل وأطفالهم، إضافة لما تعانيه هذه العائلات منذ قرار الحكومة الذي منع لم الشمل منذ 12.5.2002 . وأكد مركز "عدالة" على ان استمرار تطبيق القانون سيلحق بالعائلات المتضررة ضرراً أكبر، بينما لن يلحق إصدار أمر منع بوزارة الداخلية ضرراً. "وهذا"، فسرت المحامية كوهين، "لكون الإجراء المدرج التي كان تتبعه وزارة الداخلية في قضايا لم الشمل قبل المصادقة على القانون في العام المنصرم وقبل القرار الذي أصدرته الحكومة في هذا الصدد في 2002، إجراءً طويلاً، يشترط منح مكانة للأزواج بعدم وجود أي منع أمني أو جنائي". وبكلمات أخرى، فإن وزير الداخلية مخوّل، وفق الإجراء المدرج، بمنح مكانة أو عدم منح مكانة على أساس فحص فردي للطلبات.

 

ما هو القانون؟

أصدرت الحكومة الإسرائيلية يوم 12.5.2002 قراراً حول موضوع "معالجة قضايا المقيمين غير القانونيين في الدولة، وسياسة لمّ الشمل لعائلات أحد أفرادها من أصل فلسطيني أو من الضفة الغربية والقطاع". وقد نص القرار على أن الإجراء العام المتبع في قضايا منح الجنسية، بشكل تدريجي، (الإجراء المدرج) لأزواج او زوجات مواطنين إسرائيليين، لا يسري على أزواج أو زوجات لمواطنين إسرائيليين، الذين هم من أصل فلسطيني أو من سكان السلطة الفلسطينية. وجاء أيضاً في القرار أنه وحتى إصدار تعليمات جديدة:

 

* لن يسمح بتقديم أية طلبات لمنح مكانة لفلسطينيين او فلسطينيات من سكان السلطة الفلسطينية أو من أصل فلسطيني.

* لن يصادق على أية طلبات عالقة في وزارة الداخلية بخصوص منح مكانة لأزواج او زوجات عرب في إسرائيل، من سكان السلطة أو من أصل فلسطيني.

* حتى في الحالات التي نال/ نالت فيها أحد/ى الأزواج/ الزوجات تصريحا يمنحه/ها مكانة ما، فإنه لن يتم تعديل هذه المكانة الى مكانة متقدمة أكثر (أي أن يتم تجميد المكانة التي نالها/ نالتها الزوج/ة مثل "مقيم مؤقت" أو "مقيم ثابت)".

 

المحامي مراد الصانع:"هذه مسخرة"

 

المحامي مراد الصانع يسكن قرية اللقية في النقب المعترف بها منذ العام 1992، بالاضافة الى كونه محاميًا ويعمل في مركز "عدالة" فهو يعاني شخصياً من هذا القانون الجائر. تزوج مراد العام الماضي (تموز 2003) من فتاة من بيت لحم، وفي 2003/8/6 تم إقرار قانون المواطنة في الكنيست الاسرائيلي.

 

وفي حوار خاص اجريناه من "المشهد الاسرائيلي" مع مراد سألناه عن القضية فقال: "زوجتي من بيت لحم، وعقدنا القران في شهر شباط 2003 وتزوجنا في تموز 2003، بعد زواجي بأسبوع واحد، وفي تاريخ 6/8/2003 تحديداً تم إقرار "قانون المواطنة" الذي نحن بصدده الآن وكان القانون صدمة بالنسبة لي لم يكن استيعابها سهلاً. لقد قرأت الخبر في صحيفة اردنية اثناء عودتي من شهر العسل، وهذا أمر في غاية الصعوبة، فلم يخطر لي ببال ان تتجرأ هذه الدولة وتسن قانوناً فيه هذا الحد من العنصرية الصارخة، فمع كل المساوئ التي نحياها الا ان توقعاتي لمثل هذا القانون كانت منخفضة، وأنا أتحدث عن سن قانون عنصري من هذا النوع، وهذا يدل على اننا نشهد قفزة نوعية جداً من العنصرية القومية".

وزاد: "هذه كارثة، بل وحتى ازود من كارثة، فهذا القانون الجديد يفرض عليك اسوأ الخيارات، اما ان تعيش مع زوجتك بشكل غير قانوني، واما ان تتركا بعضكما البعض، واما ان تتركا البلاد وتهاجرا الى بلد آخر، وهذا طبعًا يشجع هجرة العرب من البلاد، وفي جميع الحالات الخيارات ليست مقبولة إطلاقاً. هذا قانون جائر، انا لا ابرره كونه لا يرتكز على حقائق" ..

 

(*) "المشهد الاسرائيلي": لكنهم يبررون قانونهم بان هناك من هو متورط بعمليات انتحارية؟

(*) هذه "مسخرة"، ثمة فرق بين الحجج والاسباب، انا لا ابرر هذه الخطوة، فالقضايا التي يتحدثون عنها ليست مبرهنة بشكل قاطع وهم يتحدثون عن مواد سرية وما شابه، ثانيًا اذا كانت القضية هكذا فلماذا لا يحددون شروطًا تتعلق بالأمن مثلاً؟. ثمة مئات العمال الفلسطينيين الذين يدخلون إلى اسرائيل عن طريق الاردن. وهناك من جاء من بريطانيا لتنفيذ عملية انتحارية، فماذا يعني؟ انا لا افهم هذه السياسة. هم دائما يتذرعون بالأمن، خذ مثلا قضية الفتاة الروسية التي قدمت المساعدة لمنفذ عملية انتحارية، هل يمنعون كل الروس من دخول هذه البلاد؟!، القضية واضحة وضوح الشمس، ان هذا القانون عنصري ضد الفلسطينيين والامر واضح، وما قلته انا لك قاله القضاة في ذلك الحين، لقد قال القضاة: لماذا لا تنيطون الدخول بشروط أمنية .

(*)"المشهد الاسرائيلي": ولكن اداء "المحكمة العليا" أيضًا فيما يتعلق بالفلسطينيين في الفترة الاخيرة هو اداء جائر نوعًا ما، كيف ترى انت ادائها ؟

(*) لا شك بان المحكمة العليا هي جهاز اسرائيلي بكل ما تحمل الكلمة من معان، وهم يتفهمون هذه القضية ولكن من منظور اسرائيلي لا يمكن تجاوزه او تجاهله، فالمحكمة العليا تضع نصب عينيها "مصلحة الدولة" ومن بعدها تضع كل الجهات وهكذا تتعامل.. ثانيًا بالنسبة للأداء الذي تحدثت عنه يجب ان تعلم ان ثمة اشكالية قانونية فيما يتعلق بصلاحيات السلطة التشريعية والقضائية في اسرائيل، فمثلاً هذا القانون تم سنّه على يد السلطة التشريعية في الحكومة والكنيست وليس سهلاً ان تأتي السلطة القضائية في اسرائيل وتلغي ما توصلت له السلطة التنفيذية، هذا يؤثر كله على اداء المحكمة العليا في النهاية..

 

 

 

"وصمة عار على جبين الدولة والديمقراطية"

 

مركز"عدالة" ليس وحده، وقضية المواطنة وما تحمله من عنصرية اثارت الكثير من منظمات حقوق الانسان في البلاد، فقد سارعت "جمعية حقوق المواطن في اسرائيل" الى اصدار بيان لها عقب تمديد القانون مطالبة بإبطاله نهائيًا نظرًا للعنصرية التي يحملها في طياته.. جاء في البيان:

"بطلب من الحكومة مددت الكنيست اليوم قانون الجنسيات والدخول الى اسرائيل لمدة ستة أشهر إضافية. هذا القانون يمنع الفلسطينيين مواطني الأراضي المحتلة المتزوجين من مواطنين اسرائيليين من الدخول إلى إسرائيل أو الحصول على مكانة قانونية فيها. هذا قانون عنصري يمزق العائلات فقط بسب قومية أحد الأزواج. هذا القانون يحرم الأطفال من ذويهم ويهدد بتشتيت الكثير من العائلات. رغم التسويغات الأمنية الواهنة التي استخدمت لتبرير مثل هذا القانون، أصبح واضحا للعيان اليوم أن الدوافع الحقيقية لسن هذا القانون هي دوافع ديموغرافية عنصرية. جمعية حقوق المواطن في اسرائيل تعتبر تمديد هذا القانون وصمة عار على جبين الكنيست والديموقراطية في إسرائيل".

في حديث خاص لـ "المشهد الاسرائيلي" قال المحامي عوديد فلر، من "جمعية حقوق المواطن": "إن هذا القانون عنصري". سألناه مرة اخرى.. "عنصري"؟، أجاب: "نعم عنصري وانا اقصد ما اقول، اعطيك مثالاُ، مكتب الداخلية يفحص طلبات المواطنة قاطبة لمن ينوي العيش في دولة اسرائيل وهذا ليس متعلقاً اذا كان من قدم الطلب هو روماني او اردني او بريطاني، وفي حالة وجود انسان خطير للدولة وأمنها فهم يرفضون الطلب، الى هنا انا اتفهم، ولكن انا لا اتفهم رفض طلب المواطنة للفلسطيني لان في عروقه يجري دم فلسطيني، الا تسمي هذا عنصرية؟ تخيل لو حصل هذا في الولايات المتحدة ومنعوا تقديم المواطنة لليهود في امريكا، عندها ماذا ستسمي اسرائيل هذه الظاهرة غير أنها عنصرية. هذا القانون سيعطي موظف الداخلية الشرعية الكاملة لفحص من هو الاب، وهناك سيربطون الشخص مع قوميته وهذه هي العنصرية بعينها".

اما عن الخطوات القادمة التي ستقوم بها "جمعية حقوق المواطن"، قال فلر: " نحن نواكب القضية منذ سن القانون، مركز عدالة قدم التماسا ونحن سنعمل ايضاً بالمقابل، هناك الكثير من الحالات الصعبة في هذا الموضوع"..

 

تفرقة وأكثر

 

"قانون المواطنة" شهادة اخرى جاءت تحمل في طياتها الكثير من الرؤى "العنصرية"، على حد تصريحات جمعيات حقوق المواطن القضائية داخل وخارج واسرائيل، والحديث هنا ليس فقط عن "تفرقة" انما الحديث جار أيضًا عن "عنصرية" لذاتها. لقد كان صراع "منظمات حقوق الانسان" في الماضي يدور حول تعامل الدولة مع الفلسطينيين والتفرقة وانعدام المساواة التي يعيشون في ظلها لكن اليوم المنظمات صعدت درجة اضافية في صراعها كما تصاعدت السياسة الاسرائيلية بالضبط، واذا اتبعت اسرائيل التفرقة بمسوغات غير مباشرة حتى اليوم، ها هي اليوم تأتي وتسلب حقوقًا للفلسطينيين كونهم فلسطينيين لا أكثر. "امنستي"، منظمة العفو الدولية، قالت في بيان صادر عنها مؤخراً إن "هذا القانون يمأسس بشكل رسمي سياسة التمييز العنصري على أساس قومي".

 

وهذا ما أكدته صحيفة "هآرتس" في إفتتاحية خاصة أنشأتها حول هذا الموضوع، غداة إتخاذ الحكومة الاسرائيلية قرارها بتمديد سريان مفعول القانون. وكتبت تحت عنوان "تشريع عنصري" تقول:

 

"في الصيف الماضي عدلت الكنيست قانون المواطنة بشكل يفرض قيوداً قاسية على حرية زواج مواطني اسرائيل العرب. فالمواطن العربي في اسرائيل من مدينة الطيبة، مثلاً، لم يعد بمقدوره الزواج ممن اختارها قلبه اذا كانت من رام الله وتأسيس عائلة وإياها في اسرائيل. اذا اصر على الزواج منها، فسيضطر إلى العيش في بلاد أخرى.
الحكومة هي من بادر إلى مثل هذا التعديل وفقاً لتوصية رئيس الشاباك، الذي ادعى انه "منذ العام 2001، تبين أن هناك 23 شخصاً من الذين نالوا مكانة مقيم دائم في اسرائيل في اعقاب لم شمل العائلات، كانوا ضالعين في تقديم المساعدة الفعلية لنشاط معاد". في أعقاب هذه التوصية، ومن دون اجراء نقاش عام يتناسب وشدة المس بحقوق المواطنين العرب، قررت الكنيست منع لم شمل العائلات منعاً تاماً، والسماح بالإقامة في اسرائيل لمدة قصيرة جداً، لأهداف طبية، أو لأصحاب الحالات الخاصة الذين هم بشكل عام من العملاء لإسرائيل.
بحسب ادعاء الدولة الذي جاء في ردها على الالتماس المقدم إلى المحكمة العليا حول هذا الموضوع، يتعلق الأمر بتدبير قانوني مؤقت، بيد أن التدبير المؤقت يتحول بطبيعته إلى تدبير دائم، وفي هذه الأثناء تتضرر حقوق آلاف المواطنين العرب إلى الأبد.
ان تمديد فترة سريان التدبير القانوني لنصف سنة، والذي تقرر يوم 18/7، يوفر برهاناً اضافياَ للخشية من أن لا يكون المبرر الأمني سوى غطاء لموقف سياسي عنصري.
وما يخيب الآمال بشكل خاص هو موقف وزير الداخلية ابراهام بوراز، صاحب الآراء الليبرالية، الذي سمح بتعديل القانون، واكتفى بإقامة لجنة لمحاولة بلورة التسهيلات.
اذا كانت الذريعة للمس الجوهري بالحقوق الأساسية للعرب في اسرائيل هي ذريعة امنية فقط، فكان يمكن لنا أن نتوقع من الدولة ان لا تغير باستخفاف لا يُطاق أحد القوانين المهمة وعنصرالمساواة في كتاب القوانين. وكان يمكن توقع اهتمام الدولة بالقيام بفحص أمني اكثر عمقاً للمرشحين للسكن في البلاد بحكم الزواج، خاصة وأن عدد الضالعين في النشاط المعادي والذي كشف عنه الشاباك، 23 شخصاً، يشكل نقطة في بحر، اذا ما أخذنا في الاعتبار أن نحو مائة ألف فلسطيني سكنوا في اسرائيل خلال العقد الأخير بناء علي هذا القانون.
قانون المواطنة هدف الى التخفيف قدر الإمكان من التمييز النابع من قانون العودة، وكل مس به يُبعدنا عن المبادئ الأساسية التي تعمل بموجبها الديموقراطيات الغربية.
فبينما هدف قانون العودة للحفاظ على الطابع اليهودي لدولة اليهود، هدف قانون المواطنة إلى فتح ثغرة ضيقة لدخول غير اليهود، في ظل ظروف شخصية معينة.
في الماضي كان وزير الداخلية يملك صلاحيات واسعة لكي يقرر من يدخل، من يكون مقيماَ ومن يحظى بالمواطنة. لكن هذه الصلاحية انتفت الآن عملياً في كل ما يتعلق بمن يُعرّفه القانون على أنه "من سكان المنطقة". فالقانون بصيغته الجديدة، يمس بشكل مباشر بالمواطنين العرب المتزوجين من "سكان المنطقة".
لإسرائيل الحق في تحديد عدد المهاجرين اليها، كما يحصل في دول عديدة، لكنها لا تستطيع فعل ذلك على حساب الحقوق الاساسية لمواطنيها العرب. وعلى اسرائيل بشكل خاص، على ضوء الظروف التاريخية التي وُلدت في ظلها، ان تُظهر تمالكا للنفس عند سعيها لسن قوانين تكون نتيجتها تمييزاً جوهرياً بحق المواطنين من أبناء أقلية قومية كبيرة. فلا يمكن الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة على حساب المساواة، ويجدر بنا أن نتذكر أن من يهدد الطابع اليهودي لدولة اسرائيل ليس قانون المواطنة، بل استمرار سيطرتها على السكان الفلسطينيين المتزايدين الذين هم تحت الاحتلال".