تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

غسل دماغ تلاميذ المدارس الإسرائيلية بواسطة تسليم تدريس التراث اليهودي لحركات دينية متطرفة!

 

 

 

كتب بلال ضاهر:

 

 

يتلقى التلاميذ في المدارس الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، "وجبات دسمة" من الدروس اللامنهجية في موضوع اليهودية، تشمل التراث اليهودي وفرائض الشريعة اليهودية المتعلقة بالحياة اليومية عموما وبقدسية يوم السبت والأعياد اليهودية خصوصا. وتدرس هذه المواضيع اللامنهجية جهات من خارج وزارة التربية والتعليم، ولكن بتمويل الوزارة. وتثير هذه الظاهرة غضبا واحتجاجا واسعين لدى ذوي التلاميذ، خاصة وأنها تجري في المدارس الحكومية التابعة لجهاز التعليم العام، العلماني، وليس في جهاز التعليم الديني أو الحريدي. كما أن من يدرس هذه المواضيع هم مرشدون من حركات وجمعيات ذات أيديولوجيا دينية متعصبة، وفي المقابل يتم إهمال مواضيع مثل الموسيقى والفنون، لدرجة إلغائها في قسم من المدارس، وكذلك يتم إهمال موضوع المدنيات والتربية على روح الديمقراطية والتعددية الفكرية.

 

وتبين من تقرير حول هذا الموضوع، نشرته صحيفة "هآرتس" يوم الجمعة الماضي، أن هذه البرامج التدريسية اللامنهجية، تزيد من تعصب التلاميذ ضد غير اليهود، أي العرب عموما والفلسطينيين خصوصا. وقد كثفت حكومة اليمين الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، السابقة والحالية، هذه المناهج بشكل واسع، بهدف إنشاء جيل يحمل أفكارها، وفي الوقت الذي يزعم فيه قادة هذه الحكومة أن المدارس الفلسطينية "تحرض ضد إسرائيل واليهود" لمجرد أنه يتم تدريس تلامذتها، على سبيل المثال، تاريخ فلسطين ومدنها.

 

 

 

حركة "حباد" اليمينية

المتطرفة في المدارس

 

قال المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في بئر السبع، آفي روبين، من بلدة غديرا، أنه سمع عن زيارات ممثلي الحركات والجمعيات الدينية اليهودية من أولاده الذين يتعلمون في المدرسة الإعدادية والمدرسة الابتدائية. لكنه قرر إرسال رسالة احتجاج، إلى مديرة المدرسة والمديرة العامة لوزارة التربية والتعليم، ضد هذه البرامج اللامنهجية بعد أن علم أن من يقدم هذه الدروس هن ناشطات في حركة "حباد" المسيانية المتطرفة، وقال إنه "توصلت إلى قناعة بأنه لم يعد بالإمكان الموافقة على ذلك".

 

وأضاف روبين أنه "واضح لي أن المدرسة، مثل الكثيرين من الأهالي، لا تدرك ما هو الأمر السيء في هذا النشاط... وأعتقد أن هذا النشاط ليس جيدا وأنه، بالأساس، خطير. فنشطاء حباد لا يخفون رغبتهم في دفع أكثر عدد ممكن إلى التديّن، وأنا لا أقبل هذا الأمر".

 

وأشار روبين إلى أنه "توجد في غديرا مدرسة حكومية دينية، ولن يسمح لي أحد بإجراء نشاط ذي طابع علماني، مثل تمرير درس حول مخاطر التعصب الديني، وأن يتم ذلك على حساب الدروس العادية. وأنا لن أحاول الدخول إلى هذه المدرسة، لكن حباد لا يعملون بهذا الشكل. والأمر المقلق هو انعدام ثقة الكثير من العلمانيين بالقيم الليبرالية. ولا يوجد اعتراف بمعنى أن تكون علمانيا، وأن العلمانية تشمل مجموعة كاملة من القيم، وأحدها هو محاربة الإكراه الديني".

 

وحذر روبين من أن "جهاز التعليم يخصص عدد ساعات كبيرا لتدريس التوراة، وأضف إلى ذلك دروس التراث اليهودي ونشاط الجمعيات من خارج جهاز التعليم في موضوع اليهودية. وكم ساعة مخصصة لتدريس الديمقراطية؟ وحدة تعليمية واحدة مسكينة، ويتعلمونها فقط في المدرسة الثانوية. والسؤال هو أن ولدا ينمو داخل كل هذا الجو، من دون التصحيحات المطلوبة في البيت، ما هي الأفكار التي سيخرج بها من المدرسة؟".

 

 

نحو تعيين حاخام

لكل مدرسة!

 

وقالت "هآرتس" أن جهاز التعليم الحكومي يتلقى في السنوات الأخيرة "وجبات دسمة" من "القيم اليهودية". ويتم التعبير عن ذلك من خلال برنامج الساعات الدراسية الرسمية بموضوع "ثقافة إسرائيل وتراثه"، الذي وُلد في فترة ولاية وزير التربية والتعليم السابق، غدعون ساعر. وقد عمل ساعر على وضع برامج مشتركة بين وزارة التربية والتعليم وجهات من خارج الوزارة، تروج لأفكار دينية وتربوية مختلفة عن أفكار سائدة في المدارس العلمانية. وتدرس هذه الجهات الخارجية مضامين يهودية خلال حصص الإثراء، بتمويل وإشراف وزارة التربية والتعليم.

 

وأضافت الصحيفة أن بين الجهات الخارجية التي تمرر هذه المضامين في المدارس حركات مثل "حباد" وطلاب من "ييشيفوت"، أي المعاهد الدينية اليهودية، التي يدرس فيها شبان التيار الصهيوني – الديني الاستيطاني المتطرف قبيل التحاقهم بالخدمة العسكرية. ويدخل هؤلاء إلى المدارس بالتنسيق مع مديريها ويمررون "مضامين وفق مشيئتهم وبموجب إيمانهم الديني". وحتى أن الرحلة المدرسية الوحيدة في كل عام استبدلتها مدارس عديدة برحلة تهدف إلى "غرس القيم اليهودية والصهيونية". كذلك فإن الوزارة خصخصت كل هذه الأنشطة التي تنفذ حركات اليمين القسم الأكبر منها.

 

ويواصل وزير التربية والتعليم الحالي، شاي بيرون، طريق سلفه ساعر. وأعلن بيرون، مؤخرا، عن إقامة "دائرة للتجدد اليهودي" في الوزارة. ووفقا للصحيفة فإن بيرون يحاول إدخال "روح يهودية أكثر تعددية"، لكن التوجه العام لم يتغير. وشددت الصحيفة على أن "جهاز التربية والتعليم يعاني من نقص مزمن بالميزانيات، بينما الموارد المخصصة لليهودية آخذة بالتزايد".

 

فقد أعلنت وزارة التربية والتعليم، قبل أسبوعين، عن تكثيف موضوع اليهودية في المدارس الثانوية. وجاء في إعلان الوزارة بهذا الخصوص أن "وزارة التربية والتعليم منحت في الماضي حصص إثراء لتدريس اليهودية في مدارس جهاز التعليم الحكومي – الديني والمدارس الحريدية، وفقا لروح عالمهم. والآن، في أعقاب توجهات من قبل مديري مدارس ثانوية من جميع أنحاء البلاد، والذين يرون بتدريس اليهودية أنه يربط التلاميذ مع الثقافة الإسرائيلية، قررت وزارة التربية والتعليم الاستجابة لطلبهم ومنح ميزانيات لتدريس الثقافة اليهودية في هذه المدارس أيضا". وجاء إعلان الوزارة تحت عنوان "نعزز علوم الآداب"، ما يعني أن علوم الآداب، بالنسبة للوزارة الإسرائيلية، موجودة في "التراث اليهودي".

 

وقال مسؤول في وزارة التربية والتعليم، من دون كشف هويته، للصحيفة إن حجم الميزانية المخصصة لنشاط هذه الجهات الدينية المتطرفة يبلغ قرابة 160 مليون شيكل سنويا، ولكن يصعب رصدها في ميزانية وزارة التربية والتعليم لأنها موزعة بين بنود عديدة في الميزانية. وأضاف المسؤول "لقد بدأنا نعطي أموالا أكثر للمدارس الحكومية التي تكثف تعليم اليهودية".

 

إضافة إلى الميزانية، قررت مديرة منطقة حيفا في وزارة التربية والتعليم، في أيلول الماضي، تعيين حاخام في جميع المدارس الابتدائية في كريات حاييم وكريات بياليك، كتجربة أولية سيتم تعميمها على مدارس أخرى لاحقا. وأعلن بيرون مؤخرا أنه على جميع المدارس أن تعين "مرافق روحاني" وفقا لمشيئة مدير المدرسة.

 

"نرجسية إثنية"

 

من جانبه ربط مدير معهد التربية التقدمية في كلية "سمينار هكيبوتسيم" في تل أبيب، البروفسور نمرود ألوني، بين تكثيف تدريس مواضيع يهودية في المدارس الحكومية وبين توجهات عامة لدى الجمهور الإسرائيلي ووصف ذلك بـ"النرجسية الإثنية". وقال "نحن منشغلون طوال الوقت في الثناء على أنفسنا وكم نحن رائعون، في حين أن الآخرين ليسوا كذلك".

 

وأضاف ألوني أن "أفكارا يهودية مثل التعامل المتساوي مع غير اليهودي، والسعي للسلام وتحقيقه، لا يتم تعليمها من وجهة نظر إنسانية تدفع الأفراد إلى تحقيق هذه الأفكار، وإنما من وجهة نظر إثنية محض. والنتيجة هي أنه في العام 2013 توجد في المجتمع الإسرائيلي عدالة أقل مما كان سابقا، والفجوات الاجتماعية أكبر من ذي قبل، وعملية السلام تعرج واحتمالات تحقيقها أصغر من أية مرة في الماضي، والتعامل مع غير الآخر أسوأ من أي شيء، وهناك عداء بالغ من جانب التلاميذ اليهود تجاه العرب. وكلما علمنا أكثر قيما كهذه نصبح أكثر سوءا".

 

وقال نائب رئيس معهد هيرطمان ومدير برنامج "بئيري" لتعميق الهوية اليهودية الإسرائيلية التعددية في المعهد، داني إليعازر، إن "التلميذ الإسرائيلي يجب أن يتعلم ويتعرف على ثقافته وأن يشعر بالانتماء إليها وامتلاكها، من أجل أن يتمكن من أن يختار منها ما هو مناسب له، ومن أن يكون نقديا في المكان الذي يرى فيه أنه من المناسب أن يشارك في النقاش حول الحيز العام اليهودي بالاستناد إلى المعرفة. والتشديد يجب ألا يكون على مضامين دينية وإنما على الثقافة اليهودية، وعلى القيم وليس على القيام بالفرائض الدينية".

 

وأشار غلعاد كاريف، مدير عام "الحركة من أجل يهودية تقدمية" التي تقوم بنشاطات في المدارس بتمويل جزئي من وزارة التربية والتعليم، إلى أن "استطلاعات الرأي تدل على أن أغلبية الجمهور اليهودي في البلاد مهتمة برعاية هويتها اليهودية". لكنه حذر من أنه "إذا لم نطرح أمام الجمهور خيارا علمانيا ليبراليا، فإن الانتقاء الافتراضي سيكون أرثوذكسيا" في إشارة إلى التيار الديني الأرثوذكسي الذي تمثله الحركات والجمعيات الدينية اليمينية.

 

وأضاف كاريف أنه "إذا كانت وزارة التربية والتعليم تكثف من دروس التراث، فإن عليها أن تكثف في موازاة ذلك من مجالات المواطنة والتربية الإسرائيلية الديمقراطية والإنسانية والهوية الإسرائيلية التي تضم غير اليهود أيضا. ولأسفي فإني لا أرى أن الجهود في هذا الاتجاه تتساوى مع تلك التي يتم استثمارها في تراث إسرائيل".

 

غسيل دماغ

بدأ تدريس موضوع اليهودية و"التراث اليهودي" في المدارس الرسمية في أعقاب توصيات "لجنة شنهار"، التي شكلها وزير التربية والتعليم الإسرائيلي الأسبق، زبولون أورليف، في العام 1991، وتم تقديم التوصيات بعد ثلاث سنوات إلى خليفته في المنصب، أمنون روبنشتاين. وتم تشكيل هذه اللجنة من أجل التدقيق في وضع تدريس اليهودية في المدارس الحكومية. وترأست اللجنة البروفسور عليزا شنهار، المحاضرة في قسم الأدب العبري في جامعة حيفا، وتترأس اليوم كلية "عيمق يزراعيل" (مرج ابن عامر).

 

وقالت شنهار إنه في تلك الفترة، قبل أكثر من عقدين، كانت قلقة من ابتعاد اليهود العلمانيين عن مواضيع مثل التوراة والفلسفة اليهودية، وهو أمر تم التعبير عنه بانخفاض عدد الطلاب العلمانيين الذين تسجلوا لمواضيع كهذه في الجامعات. وأضافت "لأنه عندما تعيش في دولة إسرائيل، عليك أن تفهم لماذا أنت موجود هنا. يجب أن يكون هناك شعور بالهوية والوحدة. وعندما يتسبب تدريس اليهودية باغتراب قطاعات مختلفة في المجتمع فإن هذا خطير جدا".

 

وأشارت شنهار إلى أن المبدأ الأهم الذي أوصت به لجنتها هو "إعادة مسؤولية التعليم إلى المجتمع الذي يأتي التلاميذ من داخله. أي أن مجال تدريس مواضيع اليهودية في جهاز التعليم العام، يجب أن يتم التعبير عنه من خلال تأهيل معلمين وإعداد برامج دراسية ومواد تعليمية تتناسب مع رؤية وقيم الجمهور العلماني. والوضع الذي فيه يوجد نقص في المعلمين المناسبين، على غرار الوضع القائم في مجال تدريس مواضيع اليهودية في قسم من المدارس العامة، وتسليم المجتمع مسؤولية تعليم أبنائه وبناته بالمقاولة إلى من يبدي استعدادا للعمل في هذا المجال [أي للحركات والجمعيات الدينية]، هو وضع غير سليم ويؤدي إلى صدام أو تهرب".

 

وأضافت شنهار أن "الإعلان عن أن من يدرّس مجموعة سكانية عامة يجب أن يأتي من داخلها غايته منع ’غسيل دماغ’"، لكن هذا بالضبط ما هو حاصل في السنوات الأخيرة. والمبدأ الثاني في توصيات "لجنة شنهار" هو أن تدريس مواضيع اليهودية يجب أن يكون من خلال التعددية الفكرية. وقالت شنهار إنه "طوال السنين الماضية لم يتحدثوا في جهاز التعليم عن أن أغلبية اليهود في الولايات المتحدة ينتمون للتيارين الإصلاحي والمحافظ. واليهودية التي تم استعراضها في جهاز التعليم هي الأرثوذكسية فقط. لكننا كتبنا في التوصيات أنه يجب أن يكون هناك تعبير عن جميع التيارات مع إمكانية التحديث والنقد".

 

وأكدت شنهار أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تطبق توصيات اللجنة وأنه "منذ نشر تقرير اللجنة تبدل هنا عشرة وزراء تربية وتعليم، ولذلك فإنه لا يوجد توجه موحد وكل واحد نفذ ما اعتقد أنه الصواب. وقسم من الأمور يختلف عن الروح الأصلية لتقرير اللجنة. واليوم يسلمون التعليم بالمقاولة لمن يقدر على العمل في ذلك، حتى لو كان من حباد، وحتى لو كانت توجهاته مناقضة لتوجهاتنا. والمثال الأبرز هو اقتراح بيرون تعيين مرافق روحاني لكل مدرسة. وواضح تماما أن هؤلاء سيكونون حاخامين من دون شك".