سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

على هامش المشهد

 

 

 

قانون منع تعددية الاحتكارات في إسرائيل يستثني عمليا وسائل الإعلام

 

 

 

 

*سن قانون منع تعددية الاحتكارات بعد عامين من إقراره بالقراءة الأولى وسبعة أعوام من المداولات في أروقة المؤسسات الاقتصادية الرسمية *القانون يضع حدا لعدد الشركات التي بإمكان المستثمر أن يسيطر عليها *تركيز خاص على شركات الاستثمار التي تتعامل مع أموال صناديق التقاعد *القانون يسري على وسائل الإعلام الخاصة بعد 17 عاما وهذا ليس صدفة*

 

 

أقر الكنيست في الأيام الأخيرة قانونا يمكن تسميته بـ "قانون منع تعددية الاحتكارات وتشعبها"، وهو القانون الحكومي الذي أقر بالقراءة الأولى قبل أكثر من عامين، بعد جدل كبير في الحلبتين السياسية والاقتصادية ظهر لفترة طويلة في السنوات الأخيرة، إذ أن سلسلة من الأبحاث والتقارير أظهرت أن عددا من "حيتان المال" بات كل واحد منهم يسيطر على شركات فيها تشابك مالي وأكثر، ما أوحى بتشكيل خطر على بنية الاقتصاد، خاصة على ضوء ظهور قضايا كبيرة، مثل قضية نوحي دانكنر التي انتهت في الأيام الأخيرة بنزع سيطرته عن واحدة من أكبر شركات الاستثمار في إسرائيل.

 

وقد جرى إقرار القانون بصيغة يرى البعض أنها جاءت مخففة نوعا ما عن الأهداف الأولى التي طرحت في البداية، فمثلا يدخل القانون حيز التنفيذ بعد سنة كاملة من يوم نشره في الجريدة الرسمية، ما يعني في هذه الحالة في مطلع العام 2015، وفي ما يخص وسائل الإعلام فإنه يدخل حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات من يوم إقراره ولكن فعليا فإنه سيدخل حيز التنفيذ بعد 17 سنة من اليوم.

 

تعدد الاحتكارات وتشعبها

وقد بدأ التداول في مسألة تعدد وتشعب الاحتكارات في إسرائيل في السنوات السبع الأخيرة على وجه الخصوص، بعدما رأت الأوساط الاقتصادية أن الخصخصة من جهة، وتضخم حيتان المال بوتيرة سريعة جدا من جهة أخرى، أديا إلى أن يكون الجزء الأساس من الاقتصاد بيد عدد قليل من الناس، ما يعني أن أي أزمة لدى أحدهم، ستنعكس فورا على نسبة جدية من الاقتصاد، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أيضا أن اصحاب الاحتكارات لديهم قوة سيطرة على شركات أخرى ومتشعبة تحمي مصالحهم الأخرى.

ففي حين كان يجري الحديث قبل سنوات عن أن 30 عائلة تسيطر على 50% من الاقتصاد، منها 16 عائلة فقط تسيطر على 34% من الاقتصاد، فإن المعطيات الجديدة باتت تتحدث الآن عن 20 عائلة تسيطر على نحو 50% من الشركات التي يتم التداول باسمهما في البورصة الإسرائيلية، ولربما أن العدد الأخير ليس دقيقا، ولكن ما هو واضح أن عدد العائلات المسيطرة في تراجع.

ويرى خبراء الاقتصاد، ومعهم المؤسسات المالية الرسمية، أن الخطورة تكمن في أن الكثير من العائلات تسيطر على مجالات متنوعة من الاقتصاد، مثل الصناعات والاستثمارات المالية في آن واحد، ومنها عائلات تسيطر أيضا على وسائل الإعلام، لتضمن رأيا عاما يسكت على الأوضاع الاقتصادية واتساع الفجوات الاجتماعية، لتكون الفجوات الأوسع في الدول المتطورة.

وتبين من تقارير أن في إسرائيل كما في غالبية دول العالم، يسيطر رجال الأعمال على الاقتصاد من خلال السيطرة على المؤسسات المالية، وعلى أموال الآخرين، بمعنى أموال الجمهور، وأن إسرائيل لا تختلف كثيرا عن الولايات المتحدة، كما كانت عليه قبل نحو قرن، إذ أن نحو 20 عائلة تسيطر على نصف الشركات التي يتم التداول بأسهمها في البورصة، وأن نصف أموال الاعتمادات التي تقدمها سوق المال في إسرائيل، هي أموال صناديق التقاعد للجمهور في إسرائيل، والمبلغ المقدّر نحو 675 مليار دولار.

وبحسب كل تلك التقارير فإن الاحتكارات الضخمة في إسرائيل تثير إشكالية، إذ تجد لدى العائلة الواحدة، من عائلة "حيتان المال" أو "الطغمة المالية"، احتكارات متشعبة ترتبط ما بين الصناعة والبنوك وأسواق المال ووسائل الإعلام، وأن هذه العائلات تضخم ثراءها من خلال الارتكاز على الاعتمادات المالية، التي هي أساسا أموال الجمهور، فمثلا من الممكن أن تجد عائلة واحدة تسيطر على قطاع انتاجي لإحدى الصناعات وفي نفس الوقت تسيطر على أحد البنوك أو إحدى شركات التأمين، ولها أسهم كثيرة في إحدى كبرى وسائل الإعلام.

 

وكانت القضية التي ضجت بها إسرائيل في العام الأخير على وجه الخصوص ومرتبطة بشكل كبير في ظاهرة تعدد وتشعب الاحتكارات، هي قضية الثري نوحي دانكنر، صاحب الأسهم الأكبر لشركة الاستثمارات "آي دي بي"، التي تستثمر في قطاعات مختلفة، ولكن بشكل خاص في قطاعي الصناعة والإعلام، ويقدر حجم الشركة بقرابة 700 مليون دولار، وقد شكلت الصعوبات المالية التي واجهها دانكنر خطورة على هذه الشركة، وطالب أصحاب الأسهم بمنع سيطرت نوحي على ادارة الشركة، وهذا ما أقرت به المحكمة العليا الإسرائيلية في الأيام الأخيرة.

 

القانون ووسائل الإعلام

يتندّر بعض الصحافيين بأن الغالبية الساحقة جدا من أعضاء الكنيست الذين صوتوا على القانون، تأييدا ومعارضة، لم يعرفوا أو يفهموا كل تفاصيل بنود القانون الواسع، وكان تصويتهم على الأغلب بموجب علاقتهم بالائتلاف الحاكم، مع أو ضد.

وقد بات القانون يمنع أن يكون لشركة تسلسل شركات تابعة، مثل أن القانون يسمح أن يكون لشركة ما "شركة تابعة" أو "شركة ابنة"، ولكن يُحظر على الشركة التابعة أن تشكل شركة تابعة لها، كذلك فإن أصحاب الشركات الكبرى، وحينما يريدون الاستثمار في شركات في قطاعات أخرى، عليهم أن يحصلوا على موافقة لجنة حكومية خاصة برئاسة المسؤول على التقييدات الاقتصادية في السوق الإسرائيلية.

 

ولكن حسب ما ذكرته صحيفة "ذي ماركر"، فإن هذا القانون الذي سيدخل حيّز التنفيذ بعد عام سيبدأ تطبيقه عمليا في واقع الأمر على الشركات المسيطرة على وسائل الإعلام بعد 17 عاما من الآن، فالقانون بصيغته سيبدأ حيز تنفيذه رسميا في وسائل الإعلام بعد ثلاث سنوات من الآن، ولكن في العام 2015 سيبدأ تطبيق قانون يسمح للمستثمرين بالحصول على حق بث في القنوات التلفزيونية التجارية لمدة 15 عاما، ما يعني أنه حينما سيبدأ تنفيذ قانون منع "تعددية الاحتكارات" في وسائل الإعلام، يكون قد سبقه قانون يحصّن المستثمرين من الاستغناء على سيطرتهم على وسائل الإعلام.

وهذا ليس صدفة، ففي تقرير سابق لصحيفة "ذي ماركر" نشر في مطلع حزيران 2013 (ونُشر بعده في "المشهد الإسرائيلي") عن شكل المداولات في لجنة المالية البرلمانية حول قانون منع تعددية الاحتكارات، تبين أن اللجنة الحكومية التي عملت على اعداد القانون، عملت على تجنيب وسائل الإعلام منه، وأشار المحلل الاقتصادي في حينه، إيتان أفريئيل، إلى أن هذا متعلق بمدى تأثير وسائل الإعلام على السياسيين واعضاء الكنيست.

 

وقال أفريئيل في حينه إن النواب يعرفون أن نحو ألف شخص يبلورون فريق الطغمة المالية، من بينهم مديرون عامون للبنوك ومستشارون، وأعضاء مجالس إدارة في كبرى الشركات، وكل هؤلاء يحظون بحماية ودعم غالبية وسائل الإعلام، خاصة الصحف "غلوبس" و"كالكاليست" و"يديعوت أحرونوت"، فمثلا هذه الصحف التي تسارع لتغطية كل أعمال الحكومة وتنتقدها، لا تعمل على تغطية الأبحاث حول هذا القانون.

 

وكانت إسرائيل قد شهدت في العامين الأخيرين ضجة كبيرة في أعقاب تزايد سيطرة حيتان المال على وسائل الإعلام المركزية في إسرائيل، وبشكل خاص على الصحف الكبرى ومحطات التلفزة واسعة الانتشار، وبشكل خاص القناتين الثانية والعاشرة، وهذه القضية طرحت أكثر من مرّة على بساط البحث في الكنيست وفي أوساط معينة، ولكن لن نستغرب إذا ما تجدد البحث من جديد من على عدة منابر ولا نسمع عنه مجددا، كون وسائل الإعلام المركزية باتت تحت سيطرة مطبقة لأولئك الذين يعنيهم البحث.

 

وقد ثارت القضية على وجه الخصوص، في أعقاب صفقات جديدة أبرمت في العامين الأخيرين في فترات مختلفة، وفي إطارها دخل مستثمرون كبار لعدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، يدفقون أموالا على الصحف وقنوات التلفزة لإنقاذها من أزماتها المالية، وهو ما قد يقود إلى تغيير وجه السوق بشكل جوهري.

 

فسوق الإعلام هي سوق ضعيفة، والأرباح فيها قليلة جدا وهامشية، وغالبية الأطر التي تعمل فيها في السنوات الأخيرة تعاني من تراجع مالي كبير جدا يجعلها غير حصينة في وجه الأزمات، وأحد أسباب هذا الضعف هو التغيرات المتسارعة في سوق الإعلام، وأمام وضع كهذا تتحول وسائل الإعلام من ذراع للمسؤولية تجاه المجتمع إلى ذراع استراتيجية لحماية مصالح أصحاب رأس المال.