محللون: أولمرت ليس قادرا على إبرام اتفاقات سياسية

وثائق وتقارير

 

حتى النكبة في 1948 امتازت مدينة عكا بازدهار تجارتها البرية والبحرية بفضل موقعها ومينائها ووفرة اسماكها وبحقيقة كونها نقطة جذب سياحية. ولكن شتان ما بين البارحة واليوم .... المدينة التي كانت مزدهرة بأهلها والواثقة بذاتها وباسوارها لم تحسب حسابات لاحد كما عبر مثلها الشعبي الساخر : "يا خوف عكا من هدير البحر" .. وساد ذلك حتى عصف بها زلزال النكبة وهجر سكانها، اما من بقي فيها فيشكلون اليوم 29% من مجمل سكان عكا الجديدة (القديمة والجديدة التي بناها الاسرائيليون خارج الاسوار)، يعيشون فيما يشبه مدينة صفيح وهي تواصل مواجهة البحر باسوارها بيد ان الخطر الحقيقي يقف خلف مخططات السلطات الاسرائيلية للاجهاز عليها تماما وافراغها من أكثرية اصحابها العرب.

 

سطو مسلح على التاريخ والهوية

 في هذه المدينة المنكوبة يعيش اليوم نحو 20000 نسمة من مجمل نحو 55 الف شخص، كثيرون منهم وفدوا اليها من قراها المحيطة بعد ان سيطرت على 85% من منازلها (1125 منزلا) دائرة اراضي اسرائيل. وتدير هذه المنازل اليوم شركتان حكوميتان ( شركة تطوير عكا القديمة وعميدار). في حديث ل"المشهد الاسرائيلي" قال خالد سالم، وهو إبن لأسرة ذات جذور ضاربة في المدينة، ان السلطات الاسرائيلية لم تتوقف دقيقة عن تضييق الخناق على عكا العربية واضطرار سكانها الى الرحيل من خلال انذار السكان العرب ومنعهم من ترميم بيوتهم التي باتت معظمها تعاني من التصدعات بل والانهيار، كما حصل مع قاسم ابو خزنة الذي تهدم بيته عليه وقضى جراء ذلك. وافاد سالم ان اسرائيل طالما ارادت افراغ المدينة من المواطنين العرب ولما فشلت في ذلك سعت الى تقليل اعدادهم بالوسيلة ذاتها عبر منع بناء البيوت الجديدة او ترميم القديمة ما ادى الى حالة ازدحام شديدة ارغمت الكثيرين من الاسر على العيش في ظروف غير انسانية وخطيرة.

 

وفيما تسعى اسرائيل لحرمان العكيين من مصادر العمل وتفضيل اليهود في عملية التوظيف، فانها تستخدم مختلف المخططات لطمس الهوية العربية للمدينة وتهميش اصحاب الدار. ويظهر ذلك حتى بتسميات الشوارع والساحات للعامة، اذ تحول السوق الشعبي الى "سوق ماركو بولو" والميناء الى "رصيف الرمبام" وساحة الصيادين الى "فنيسيا" وساحة الكنيسة الى "جنوا" وحي الفاخورة الى "البيزاني" وساحة الكراكون الى شارع "الهجناه" . هذا هو في الواقع نموذج لتزوير التاريخ وتزوير الثقافة وخلق حالة من الاغتراب بين الانسان والمكان مثلما حصل لسائر مدن فلسطين، يافا –اللد –الرملة وغيرها..

كما تعيش المؤسسات التعليمية في المدينة حالة من الفشل والتخلف، ولذلك يضطر البعض لتعليم ابنائهم في حيفا والقرى المحيطة. كما تنعكس ملاحقة الاهالي في محاربة جمهور صيادي الاسماك من خلال اغلاق مناطق واسعة من البحر امامهم بذرائع مختلفة الى جانب فرض الضرائب والرسوم الباهظة عليهم و"التي تجعل مهنة الصيد ضربا من العبث"، كما يقول صيادوها .

 

ترانسفير على الطريقة الاسرائيلية

 

ازاء تفاقم الاوضاع المعيشية الخانقة شهدت عكا في الاونة الاخيرة مبادرات من ابنائها لتمكين السكان العرب من الحفاظ على بقائهم وهويتهم الثقافية الوطنية من خلال جمعيات اهلية. من هذه الجمعيات "جمعية الياطر للتنمية الثقافية والاجتماعية" . في حديث ل "المشهد الاسرائيلي" قال مديرها العام، السيد سامي هواري :" علاوة على تغييب الخدمات البلدية والمدنية من قبل السلطات الاسرائيلية استولت هذه السلطات على معظم البيوت وتحظر على ساكنيها ترميمها والاهم انها تحول دون قيامهم بالحصول على القروض لشرائها. اما القصور القديمة فنحرم من استخدامها مراكز جماهيرية ثقافية .

"ولذلك تعود ملكية هذا البيت فور وفاة ساكنه الى الشركة الحكومية التي تؤجرها الى جهات يهودية فقط بحجة انها ترمي الى تخصيص الاحياء المطلة على البحر الى الفنانين او ما الى ذلك .. هذه في الواقع طرق الترانسفير بماركة اسرائيلية.."

واضاف هواري : "في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية – الاجتماعية استفحل وباء المخدرات في اوساط الشباب اما السلطات فتغض الطرف عن تجار السموم وجرائمهم في الليل والنهار".

 

تبيع حزنها على أعتاب "اليونسكو"

 

وعن حالة الاغتراب ومحاولات التمسك بالحلم قال صاحب "دار الاسوار" للطباعة والنشر يعقوب حجازي: "اليوم وبعد 55 عاما على النكبة والتهجير، يحاول المنزرعون في عكا ان يستنهضوا الهمم لترميم زوايا الذاكرة وازالة غبار الحزن . عكا تعيش الاغتراب والعذاب لكن اسوارها وحماة تاريخها ينبشون الماضي لاضاءة المستقبل وزرع الوعي في الاجيال الصاعدة، فقد تنادي المخلصون من اهلها ليقيموا مشاريع ثقافية ونهضوية آخرها "ارشيف عكا" الذي يوثق تاريخ المدينة وتراثها .. عكا الآن تبيع حزنها على اعتاب اليونسكو، فمتى تجف دمعتها ؟".