تقرير مكتب الإحصاء: معدّل الرواتب الفعلي- 70 بالمئة من المعدّل الرسمي

على هامش المشهد

 

 

 

عوفر عيني كان رئيسا لاتحاد النقابات وصديقا لكبار أصحاب العمل

 

 

 

 

*عيني تولى منصبه خلفا لعمير بيرتس في العام 2005 *خلال سنوات عمله أظهر تقاربا كبيرا مع كبار أصحاب العمل واتحاد الصناعيين *خاض معارك في القطاع العام وفي الوقت ذاته تنكّر للقطاع الخاص*

 

 

كتب ب. ج:

 

أعلن رئيس اتحاد النقابات العامة الإسرائيلية - الهستدروت- عوفر عيني أنه يعتزم مغادرة منصبه في شهر شباط المقبل، بعد أن أمضى ثماني سنوات فيه، وادعى أنه استنفذ طاقاته في الهستدروت، ويريد الخروج لحياة خاصة، إلا أن عيني الذي من المفترض أن يكون "النقابي رقم 1" فرض نهجه الكثير من علامات السؤال والاستفهام، حول مصداقية قيادته للعمل النقابي وحقوق العاملين، في الوقت الذي تكشفت فيه في الكثير من الأحيان مدى علاقاته الوطيدة مع كبار أصحاب العمل في إسرائيل، وإهمال العاملين في القطاع الخاص وحقوقهم.

 

 

وعلى مر سنوات ولايته قيل الكثير عنه، مثلاً أنه أبرم سلسلة اتفاقيات وصفقات ذات طابع "نقابي" من وراء الكواليس انعكست عليها علاقاته هذه، فهو "المهاجم العنيد" في وجه الحكومة، صاحبة القطاع العام، وكان مشلول الحركة، أصم أبكم، في كل ما يتعلق بالقطاع الخاص، الذي حُرم منذ سنوات طوال من أية علاوة غلاء أو اتفاقيات عمل جماعية، ولهذا باتت الاتفاقيات الخاصة هي السائدة في القطاع الخاص.

 

من هو عيني

 

ولد عوفر عيني في العام 1958، في مدينة بئر السبع، وفور إنهائه الخدمة العسكرية الإلزامية، في نهاية سنوات السبعين من القرن الماضي، انتقل للعمل في سلطة الضريبة في منطقة الجنوب، وبعد فترة قصيرة، انتخب عضوا في نقابة موظفي الضريبة في الجنوب، وأيضا بعد ذلك بفترة قصيرة بات رئيسا لنقابة الجنوب في دائرة الضريبة، وفي أوائل سنوات التسعين من القرن الماضي بات رئيسا لنقابة موظفي الضريبة العامة.

 

وكما يبدو فإن عمله المتواصل في لجنة ونقابة الموظفين خطّ طريقه نحو العمل النقابي، ففي العام 1999، عينه رئيس الهستدروت في حينه، عمير بيرتس، رئيسا لنقابة موظفي الدولة، وفي العام 2004 عينه بيرتس رئيسا لقسم التنظيم المهني، وهو أقوى قسم في الهستدروت، ويعد صاحبه الشخص الثاني في اتحاد النقابات.

 

وفي العام 2005، وبموجب قانون جديد في حينه يمنع رئيس النقابات من أن يكون عضو كنيست، استقال بيرتس، ورشح بدلا منه عوفر عيني، الذي وصل إلى رئاسة الهستدروت في ذلك العام، وأعيد انتخابه في العام 2007، وأعيد انتخابه مجددا في العام 2012، على رأس لائحة نجح عيني في جمع الكثير من الأحزاب فيها، من حزب "العمل" و"ميرتس" وحتى "شاس" و"الليكود"، وفاز بنسبة 67% من الأصوات، فيما كان ينافسه النائب عن حزب "العمل" إيتان كابل، الذي دخل إلى الحلبة النقابية لغرض المنافسة، وسط مؤشرات واضحة إلى أن المعركة ستحسم لصالح عيني صاحب أكبر نفوذ في جميع النقابات الكبرى.

 

كما برز عيني في سنوات الألفين كالرجل القوي في حزب "العمل"، فقد انقلب على من فتح له الطريق إلى زعامة النقابات عمير بيرتس، ودعم عودة إيهود باراك إلى زعامة الحزب، ثم انقلب أيضا على باراك قبل أن انشق الأخير عن الحزب، في مطلع العام 2011، ثم لعب دورا في انتخاب شيلي يحيموفيتش رئيسة للحزب، في خريف العام ذاته- 2011.

 

 

إلا أن عيني برز بشكل خاص بقوته السياسية، في الانتخابات البرلمانية في العام 2009، فقد تعاون مع رئيس اتحاد الصناعيين شراغا بروش، وتوصل معه إلى صفقة اقتصادية عامة، تحقق بعض الفتات لموظفي القطاع العام، وتذلل عقبات كثيرة أمام حكومة بنيامين نتنياهو، وبموازاة ذلك، كان عيني عرّاب دخول حزب "العمل" بزعامة باراك إلى الحكومة.

 

وقد شد الدور المركزي الذي لعبه عيني في ضم حزب "العمل" لحكومة نتنياهو من جهة، والتصاقه بسلاطين المال الإسرائيليين من جهة أخرى، نحوه أعين وسائل الإعلام، التي شرعت تحقق وتسأل، ونشرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا موسعا عن عيني، ونشرت تفاصيل كثيرة حول علاقاته المتشعبة مع كبار أصحاب رأس المال، وحول علاقته برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وطبيعة هذه العلاقات تضع علامات سؤال كثيرة حول طبيعة الشخص، وحول مدى التصاقه بالقضية الأساس التي كان عليه أن يمثلها ويدافع عنها.

 

التنكر للقطاع الخاص

 

 

حين تسلم عوفر عيني رئاسة الهستدروت، كانت قد بدأت عملية رفع اليد عن عمال ومستخدمي القطاع الخاص، وعلى الرغم من هذا فقد كانت محاولات لاتحاد النقابات لتحسين ورفع الأجور، إلا أنه مع تسلم عيني منصبه رفع الهستدروت يده كليا عن القطاع الخاص.

 

وأكثر من هذا، فإن عيني لم يتطرق في سنوات منصبه للقطاع الخاص، وهناك شعور أن هذا لم يكن صدفة، ولكن في نفس الوقت فقد ساهم في إضعاف مكانة اتحاد النقابات، الذي كان حتى مطلع سنوات التسعين من القرن الماضي يملك 30% من الاقتصاد الإسرائيلي.

 

 

وبالإمكان القول إن عوفر عيني استكمل عملية التنكر للقطاع الخاص، التي بدأت في منتصف سنوات التسعين، حينما تغير طابع اتحاد النقابات بعد خروج مئات الآلاف من عضويته على أثر تغيير قانون الصحة العام، الذي لم يعد يربط بين التأمين الصحي في أكبر شبكة عيادات تملكها النقابات في حينه، وبين عضوية النقابات.

 

 

ورأينا في تلك السنوات اتحاد النقابات العامة -الهستدروت- يفقد مكانته النقابية والشعبية، ففي حين كان اتحاد النقابات يضم ما لا يقل عن 80% إلى 85% من القوى العاملة في إسرائيل، فإنه اليوم لا يضم أكثر من 16% من القوة العاملة، وهذه نسبة لا تشمل المتقاعدين المسنين، الذين خرجوا من تعداد القوة العاملة، ومن هذه النسبة من ينتسب للنقابات لأسباب حزبية مثل قبيل الانتخابات كما حصل قبل عام ونصف العام، بمعنى أن النسبة الفعلية للعاملين المنظمين في الهستدروت قد لا تتجاوز 15%، وبغالبيتهم الساحقة جدا هم من موظفي سلك خدمات الدولة، والشركات والحكومية، والنقابات الكبرى في القطاع الخاص، مثل البنوك، على سبيل المثال لا الحصر.

 

 

في ظل وضع كهذا، فإن الهستدروت تحول إلى اتحاد النقابات الكبرى، من دون قطاع الأجيرين البسطاء والعاملين في مرافق صغيرة في القطاع العام، وهم الشريحة الأكبر الواقعة تحت الاستغلال، وظروف عملها بائسة، ولذا فإن تسمية "اتحاد النقابات العامة" باتت مسمى تقليديا، ولا يعكس الواقع.

 

 

وما يعزز انطباع التنكر للقطاع الخاص، وبشكل خاص للقضايا الاقتصادية الاجتماعية، هو غياب اتحاد النقابات، برئاسة عيني، بشكل واضح عن حملة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت قبل أكثر من عامين لبضعة أسابيع احتجاجا على غلاء المعيشة.

 

 

وكانت أضخم حملة احتجاجات شعبية ضد الغلاء شهدتها إسرائيل في تاريخها في صيف 2011، إذ كانت هذه الحملة بيد "قيادات شارع" إن صح التعبير، تبلورت خلال الحملة الشعبية، ومن ثم انضمت لها قوى حزبية، لم تلعب هي أيضا دورا قياديا ومقررا في هذه الحملة، وربما أن غياب قوة مركزية، وخاصة سياسية، ساهم أيضا في تلاشي هذه الحملة بعد أقل من شهرين على ظهورها، وكل محاولات استنهاضها من جديد بزخم باءت بالفشل حتى الآن، ومن المثير أن هناك من ينتظر فترة العطل الصيفية، اعتقادا منه أن بالإمكان استنهاضها في تلك الفترة من جديد.

 

 

وهذا ما زاد من الانتقادات للهستدروت بزعامة عيني، إذ أن الاتحاد لم يساهم في استنهاض هذه الحملة على مدار عامين، رغم السياسة الاقتصادية التقشفية التي فرضتها الحكومة، وبشكل خاص للعامين الجاري والمقبل 2014.

 

 

وأعلن عيني أنه لا ينوي الانخراط في العمل الحزبي بعد استقالته، رغم أنه عضو في حزب "العمل" الذي يشهد في الأسبوع المقبل انتخابات داخلية لانتخاب رئيس جديد، كما أنه على غير عادة، فإن عيني لا يبرز في هذه الانتخابات كداعم لأحد المرشحين، شيلي يحيموفيتش الرئيسة الحالية، ومنافسها النائب إسحاق هيرتسوغ.

 

وهذا ما عزز الانطباع بأن عيني قد يتوجه إلى القطاع الاقتصادي الخاص بعد استقالته، وهو أمر كان قد ظهر قبل أكثر من عامين، إذ تحدثت تقارير صحافية في حينه عن أن عيني سيغادر منصبه متجها للأعمال الحرّة، وكما يبدو لإدارة أحدى الشركات، ولكن بعد أشهر من تلك التقارير خاض عيني مجددا الانتخابات لرئاسة اتحاد النقابات وفاز.

 

 

ويسعى عيني حاليا إلى انتخاب من يشغل رئيس قسم التنظيم المهني في الهستدروت، المحامي آفي نيسانكورن، لرئاسة الهستدروت، وهو تماما ما حصل مع عيني الذي كان في المنصب ذاته، حينما استقال عمير بيرتس، كما حصل الأمر ذاته مع بيرتس، حينما استقال الرئيس الذي سبقه حاييم رامون.

 

إلا أن نوايا عيني تواجه معارضة من منافسه في انتخابات العام الماضي- 2012- النائب من حزب "العمل" إيتان كابل، الذي أعلن نيته المنافسة في داخل هيئات الهستدروت على رئاسة الاتحاد، ولكن موازين القوى في داخل الهستدروت تجعل فرص كابل ضئيلة جداً.

 

وتقول الصحافية طالي حروتي سوفير، في مقال لها في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إن عوفر عيني بقي منغرسا في كرسيه على الرغم من الانتقادات الحادة التي وجهت له، بسبب فشله في حملة الاحتجاجات الشعبية في صيف العام 2011، وعلى الرغم من حياة الرفاهية التي يعيشها في شمال تل أبيب (إحدى مناطق رموز الثراء في إسرائيل)، وتعيين موظفين كبار مقربين منه في الهستدروت، واهتمامه بالدفاع عن النقابات الكبرى، ومنع إصلاحات أرادتها الدولة في الشركات الحكومية الكبرى وغيرها من الأمور.