تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

 

 

 

 

 

 

إسرائيل ستتبع مقاييس جديدة لاحتساب جودة الحياة

 

 

*بحسب الصحافة الاقتصادية فإن إسرائيل "ستكون سبّاقة" في هذا المجال *الهدف وضع مقاييس تساهم في تحديد السياسات الإسرائيلية لمعرفة مستوى المعيشة وجودة الحياة وانعكاس الأمر على النمو الاقتصادي *عدة دول تتعامل مع هذه المقاييس جزئيا في أعقاب أبحاث عالمية *محللة اقتصادية: حملة الاحتجاجات الشعبية قبل عامين وضعت إسرائيل أمام أسئلة صعبة اضطرتها إلى البحث عن أجوبة*

 

 

 

بدأت الحكومة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة بتشكيل طواقم وزارية من تسع وزارات، تعمل على وضع مقاييس جديدة من أجل احتساب مستوى المعيشة وجودة الحياة في إسرائيل، ما سيساعد الحكومة لاحقا على تحديد سياساتها في هذا المجال، وبحسب التقارير الصحفية الإسرائيلية فإن إسرائيل قد تكون السبّاقة في العالم في هذا المجال، إذ أن دولا متطورة أخرى تتعامل هذه القضية بشكل جزئي أو من زوايا أخرى، بينما الاعتقاد السائد في إسرائيل أنه سيكون متكاملا لأول مرّة.

 

فقد قالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إنه من المتوقع أن ينجز طاقم موسع من تسع وزارات، بينها ديوان رئاسة الحكومة ووزارة المالية، تقريرا هو الأول من نوعه في العالم، وسيكون عنوان التقرير: "مقاييس لجودة الحياة والمناعة القومية"، وهو يتضمن سلسلة ضخمة جدا من الإحصائيات، التي تبلور مشهدا عاما يساهم في بلورة السياسة الحكومية لاحقا.

 

وبحسب الصحيفة، فإن المقاييس التي تتبعها الحكومات من أجل تحديد سياستها الاقتصادية اللاحقة، هي معدلات النمو الاقتصادي والناتج العام والعجز والدين الحكومي العام ونسب البطالة، وهذه مقاييس قائمة منذ 80 عاما، إلا أنه في العقد الأخير ظهرت متغيرات كثيرا قادت إلى تغير في توجهات الكثير من دول العالم وبينها إسرائيل، وأبرز هذه المتغيرات كان اندلاع الأزمة المالية العالمية، التي بدأت في الولايات المتحدة في العام 2007، وكشفت بشكل خاص ضعف المقاييس التي تستخدم في تحديد السياسات الاقتصادية.

 

والأمر الثاني من هذه المتغيرات إدراك محدودية موارد الكرة الأرضية، وضرورة الاعتراف بهذه المحدودية لدى اتخاذ القرار.

 

وهذان الأمران دفعا بالخبير الفرنسي العالمي جوزيف شتيجليتس، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد في العام 2009، إلى بلورة تقرير كان الأول من نوعه في العالم، ووضعه أمام حكومة دولته، فرنسا، داعيا إلى اتباع مقاييس بديلة لتحديد حجم الناتج العام.

 

وتقول "ذي ماركر"، إن تقرير شتيجليتسكشف ضعف المقاييس القائمة لاحتساب الناتج العام، الذي يحتسب بشكل أساسي الإنتاج، ويهمل الكثير من جوانب المجتمع. فمثلا، المقاييس القائمة لا تأخذ بعين الاعتبار دور ربات البيوت، ودورهن في فسح المجال أمام عمل أكبر للزوج، ولتعليم الأولاد، كما أن هذه المقاييس لا تأخذ بعين الاعتبار حجم الأعمال التطوعية في المجتمع ومساهمتها في تطويره.

 

كذلك فإن المقاييس المتبعة منذ عقود، لا تأخذ بالحسان اللامساواة، وتأثيرها على المجتمع، ولهذا فإن ما يطرحه شتيجليتس هو الأخذ بالحسان الكثير من مقومات المجتمع، من أجل الوصول حقا إلى مستوى جودة الحياة، ومستوى المعيشة، والحصانة الاجتماعية.

 

وقد شرعت عدة دول في فحص طريقها في هذا المجال، وكانت أستراليا الطليعية، ثم دول مثل كندا وإيطاليا وبريطانيا، كما أن منظمة الدول المتطورة OECD نشرت تقريرا بهذا الخصوص، ولكن كما ذكر فإن كل الدول تعاملت مع هذا الجديد العالمي بشكل جزئي، بينما كما يبدو سيكون التقرير المتكامل الأول في إسرائيل، وهذا ما سيتضح في غضون بضعة أشهر.

 

 

الهدف: النجاح

في المهمة

 

وتقول صحيفة "ذي ماركر" إن إسرائيل تنضم بذلك إلى توجه عالمي، ولكن بطريقتها الخاص، وكما يبدو فإن هذا يتم في أعقاب الهزة التي أحدثتها حملة الاحتجاجات الشعبية التي نشبت في صيف العام 2011 واستمرت بشكل متقطع لخمسة أسابيع، لكن كل محاولات استئنافها لاحقا وفي السنة التالية وحتى في السنة الحالية باءت بالفشل.

 

وتتابع الصحيفة أنه بخلاف دول أخرى، فإن إسرائيل تطمح إلى عرض مقاييس، وليس مجرد مقاييس، وإنما مقاييس تحدد سياسات وآليات اتخاذ قرارات حكومية، ما يعني أن الهدف هو الطموح لتغيير شكل عمل الحكومة من خلال تغيير المقاييس القائمة.

 

كذلك توجهت الحكومة إلى منظمة التعاون للدول المتطورة، OECD، بطلب تلقي المساعدة في فحص التأثير المتبادل للمجالات المختلفة، التي سيتم فحص جودة الحياة من خلالها. فمثلا، إذا أرادت الحكومة تحسين نتائج التعليم والتحصيل العلمي، فهل سيكون لذلك تأثير على مداخيل العائلات وعلى شكل إشغال الجمهور لأوقات الفراغ؟، أو مثلا هل زيادة العمل يؤثر على الصحة؟، وهي أسئلة قد تبدو بديهية، ولكنها في هذا المقياس قد تبدو معقدة، بسبب ترابطها وتأثيراتها المتشابكة.

 

والهدف النهائي من كل هذا هو إنجاح بلورة أدوات سياسية قادرة على أن تكون مقياسا تستخدمه الحكومة في تحديد سياساتها.

 

 

تجربة تحتاج

إلى فحص عميق

 

وتقول المحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية ميراف أرلوزوروف، في مقال لها، إن إسرائيل ليست الأولى التي بدأت بالتفكير في إتباع مقاييس كهذه، فأستراليا تنشر سنويا ومنذ عشر سنوات مقياس التقدم، وهذا عدا مقياس النمو، والفائز بجائزة نوبل جوزيف شتيجليتس عرض على حكومته الفرنسية نشر مقياس حول مستوى المعيشة، كذلك فإن منظمة الدول المتطورة OECD نشرت تقريرا عن سلسلة من مقاييس بشأن جودة الحياة والثراء والرخاء العالمي.

 

ورغم ذلك، تقول أرلوزوروف، فإن إسرائيل على وشك أن تسبق العالم، لأنها لا تنوي عرض سلسلة من المقاييس لجودة الحياة، وإنما تنوي الذهاب إلى الاستنتاجات، بشكل يساهم في تحديد سياسة الحكومات الإسرائيلية، إذ أن الحكومة تنوي منذ الآن أن تجعل من مقاييس جودة الحياة أداة ثابتة في تحديد السياسة، وهذا بدلا من أن تفحص نتائج سياستها من خلال مقياس النمو الاقتصادي والناتج العام، وإذا ما تم هذا فعلا فنحن سنكون على أبواب حكومة جديدة، ما سينعكس على آليات اتخاذ القرارات لديها.

 

وتتابع أرلوزوروف قائلة: إننا نرى منذ الآن مؤشرات "للانقلاب" في تحديد السياسة الإسرائيلية، وهذا يظهر من خلال تجند الحكومة برمتها تقريبا، والوزارات الهامة فيها وذات الشأن لهذا الغرض، فتسع وزارات ستساعد في تحضير سلسلة من المقاييس التي ستساهم في فحص جودة الحياة، وهناك حماسة كبيرة في هذه الوزارات لإنجاز المهمة.

 

إلا أن أرلوزوروف تستدرك مؤكدة أنه من السابق الحكم على جوهر التغيير الذي سيحصل من هذا المسار، فمن الممكن أن نكون في بداية تغيير سياسة لحكومة ربما استوعبت ضرورة إحداث تغيير جوهري في سياستها، بعد حملة الاحتجاجات الشعبية في صيف العام 2011، إذ أن تلك الحملة أحدثت هزة ليست قليلة في الحكومة.

 

وتختتم أرلوزوروف كاتبة: إننا قد نكون أمام تجربة جديدة، إذ أن إسرائيل لم تنتظر دولا أخرى تباشر بهذا العمل ولتنتظر النتائج هناك، ولذا فعلى إسرائيل أن تدقق أكثر في فحصها لكل الأمور بشكل جذري، قبل التوصل إلى كل الاستنتاجات الأخيرة.