رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون : شارون هو تعبير صارخ عن مفهوم الجدار الحديدي

على هامش المشهد

الطب الإسرائيلي بين تدني المستوى وانتشار السوق السوداء

 

 

*استطلاع بين الأطباء: 20% من الأطباء يعتقدون أن مستوى الطب في إسرائيل تدنى في العقد الأخير *استطلاع عام: 12% من الإسرائيليين جاهروا بدفع رشى من أجل الحصول على خدمات طبية أفضل وأسرع*

 

 

 

كتب ب. ج:

 

يواجه قطاع الطب في إسرائيل في العقدين الأخيرين سلسلة من الظواهر السلبية، التي جزء منها قد يكون منتشرا على مر السنين، وليس فقط في العقدين الأخيرين، بينما سلسلة من الظواهر الأخرى انتشرت مع تعديل قانون الصحة العام الذي أقر في العام 1995 وفتح الأبواب على مصراعيها أمام ظاهرة "طب للأغنياء وطب للفقراء" وأمام استفحال ظواهر أخرى.

 

فقد اعتمد قانون 1995 المعدّل على وضع خدمات أساسية للخدمات الطبية، من خلال شبكات عيادات شبه رسمية، ولكنها في المقابل فتحت المجال أمام تأمينات طبية مكمّلة خاصة تكلف العائلة في العام الواحد آلاف الدولارات، وتهدف إلى تقديم خدمات طبية وصحية أفضل وأسرع، من بينها إجراء عمليات في أوقات خارج الدوام الرسمي، وضمان أدوية لا تشملها سلة الأدوية، وهذه الظاهرة زادت من حصة صرف المواطن على القضايا الصحية، وهي أعلى من مستوى الصرف في الدول المتطورة.

 

والقصد بالتأمينات المكملة هي تأمينات صحية خاصة، غير تلك التي تجبيها مؤسسة التأمين الصحي، وفي هذه التأمينات المكملة ثلاثة مستويات، بسيطة ومتوسطة وعليا، وتضمن للمؤمن خدمات طبية أعلى وأسرع من تلك التي يقدمها الطب العام. وهذه التأمينات هي بالأساس من نصيب الشرائح الميسورة، لكنها تحولت إلى قطاع تجاري واسع النطاق، ومنافسة شديدة بين شبكات العيادات التي هي أيضا فتحت لذاتها شركات تأمين مكمل، وبين شركات التأمين العادية.

 

وبموازاة ذلك، اتسعت ظواهر أخرى وأبرزها الرشى، وهذا ما أبرزته نتائج بحث اعتمد أساسا على استطلاع واسع أجراه كل من الدكتور نيسيم كوهين من قسم إدارة المجتمع في كلية العلوم السياسية في جامعة حيفا، والبروفسور داني فيلك من قسم السياسة والحكم في جامعة بن غوريون في بئر السبع، وشمل الاستطلاع 1105 أشخاص من جيل 30 عاما وصاعدا، ومن مختلف شرائح المجتمع وتوجهاته الدينية والعلمانية.

 

ويقول الباحثان إنه في السنوات الأخيرة كان الانطباع السائد بأن ظاهرة "الطب الأسود"، التي كانت منتشرة جدا، قد اختفت تقريبا كليا من المستشفيات العامة (شبه الرسمية)، وهذا في أعقاب تطور قطاع التأمينات الصحية الخاصة، وتطور قطاع الخدمات الصحية الخاصة المكملة، والمستشفيات الخاصة التي تسمح للمرضى باختيار الأطباء المتخصصين، ولكن ليست هذه هي الحال التي يكشف عنها البحث والاستطلاع، إذ يتبين أن هناك دفعاً لرشى، أو لأجور في السوق السوداء، وليس فقط للأطباء، بل وحتى لممرضين وممرضات، وذلك من أجل الحصول على خدمات صحية أفضل، وعلى فحوصات وعلاجات تخصصية أسرع، ويجري الحديث أحيانا عن مبالغ ضخمة تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، في الوقت الذي من المفروض أن يكون فيه العلاج مجانيا.

 

 

نتائج الاستطلاع

 

ويقول الباحثان إنهما اختارا شريحة من 1105 أشخاص، 494 من الرجال و611 من النساء، كلهم يشكلون شريحة نموذجية، وكان معدل الأعمار أكثر بقليل من 52 عاما. ووجه الباحثان أربعة أسئلة، وكان يكفي الرد على سؤال واحد فقط إيجابا، كي يظهر أن الشخص قد استخدم "الطب الأسود".

 

ويتعلق السؤال الأول فيما إذا دفع الشخص أو أحد أفراد عائلته مدفوعات سرية "من تحت الطاولة"، من أجل الحصول على خدمات طبية عادية. والسؤال الثاني، إذا ما تم دفع مدفوعات كهذه في مستشفى عمومي. والسؤال الثالث، إذا ما تبرع الشخص بالمال أو بالأجهزة لأحد المستشفيات، من أجل تسريع الخدمات الطبية التي يطلبها. والرابع يسأل إذا ما قدم الشخص هدايا لأحد أفراد الطاقم الطبي من أطباء وممرضين، لغرض الحصول على خدمات أفضل.

 

ويظهر من نتائج الاستطلاع أن 12% من الذين شملهم الاستطلاع استخدموا الطب الأسود، كذلك قال 28% من المستطلعين إنهم يعتقدون أن الكثير من الناس يضطرون إلى دفع "مبالغ سرية" للأطباء من أجل الحصول على خدمات صحية أفضل. وقال 14% من المستطلعين إنهم يعرفون أشخاصا دفعوا مبالغ كهذه، من أجل ضمان خدمات أفضل وأسرع، ما يعني بكلمات أخرى أن تطوير شكل تلقي الخدمات الصحية بين العام والخاص قلص ظاهرة الطب الأسود، ولكن لم يقض عليها.

 

كذلك فحص الباحثان ظاهرة ما يسمى "السوق الرمادي"، وهو مصطلح ملطّف للسوق السوداء، ويعتمد على نمط المقايضة، وقالا إن المعطيات أقلقتهم، إذ أن 27% من المستطلعين اضطروا إلى الاستعانة بعلاقات شخصية إما مباشرة أو عن طريق أحد أبناء العائلة من أجل الحصول على خدمات طبية مميزة. وقال 41% من المستطلعين إن أحد معارفهم أو أقاربهم استخدم علاقات خاصة لدى توجهه لتلقي خدمات طبية. كذلك فإن 25% أعلنوا أنهم قدموا هدايا للطاقم الطبي بعد انتهاء العلاج، الأمر الذي يعد من ناحية الباحثين على أنه "سوق رمادي"، رغم أن الجانب الأخير ظاهرة منتشرة، ويفسرها الجمهور على أنها اعتراف بالجميل، وتكون عادة هدايا تقدم للطاقم ككل أو لأقسام المستشفى.

 

ويقول الدكتور نيسيم كوهين، في تصريح لصحيفة "ذي ماركر"، إنه لا يمكن تجاهل أنه من ناحية موضوعية طرأ تراجع في المشهد التقليدي للطب الأسود، مقارنة مع ما كان في الماضي، ولكن إذا ما نظرنا إلى حقيقة أن الطب الخاص الذي بات منتشرا هو ما يقود إلى تقليص ظاهرة الطب الأسود، فهذا يعني أن ما حدث هو تحسين لصورة الطب الأسود من خلال الطب الخاص.

 

ويقول كوهين إن غالبية أفراد الطواقم الطبية من أطباء وممرضات، لا تتورط في السوق السوداء، لكن هذه الظاهرة كما يبدو تبقى ظاهرة لا يمكن القضاء عليها كليا على أرض الواقع.

 

ونصح كوهين بدفع محفزات مالية لائقة من أجل محاصرة هذه الظاهرة بقدر الإمكان، وفي المقابل يوصي الباحثان بتشديد العقوبات على كل من يتم ضبطهم متورطين بالسوق السوداء، والتوقف عن اصدار أحكام مخففة ليست رادعة، ومن بين ما يقترحونه سحب رخصة ممارسة مهنة الطب من كل طبيب يتورط في الطب الأسود.

 

 

تدني مستوى الطب

 

في المقابل، فقد نشرت في الأيام الأخيرة نتائج استطلاع واسع النطاق شمل قرابة 1700 طبيب في إسرائيل، حول ظروف عملهم أساسا، وأيضا بشأن انطباعهم عن جهاز الصحة العام في إسرائيل. وتبين أن هناك جوا من عدم الارتياح من المستوى الطبي، فقد قال 22% من المستطلعين إنهم يعتقدون أن مستوى الخدمات الطبية في إسرائيل تراجع في العقد الأخير، بينما قال 17% إن مستوى الخدمات تحسن في هذه الفترة، فيما قال 61% إن مستوى الخدمات الطبية تحسن في السنوات الأخيرة فقط.

 

ويقول القائمون على الاستطلاع إنه لدى فرز الأطباء بحسب التخصصات ظهرت فجوات كبيرة، فمثلا 78% من الأطباء المتخصصين بالأمراض السرطانية قالوا إن الخدمات الطبية تحسنت، فيما هبطت هذه النسبة إلى 32% لدى الأطباء النفسانيين وإلى 47% لدى أطباء الأعصاب، ما يعني أن الانطباع بشأن التحسن مرتبط بفرع الخدمات وتطوره في إسرائيل.

 

وارتباطا بما تقدم، بشأن السوق السوداء، أو تكاليف الطب، فقد قال 23% إنهم يتحادثون مع المرضى بشأن تكلفة العلاج فيما لو كان على حساب المرضى، ما يعني كم يكلف علاجهم الخزينة العامة، فيما قال 77% إنهم لا يتطرقون لهذا الموضوع إطلاقا مع المرضى، كما قال 81% من الأطباء إنهم صادفوا أو عرفوا مرضى اضطروا إلى التنازل عن أدوية باهظة الثمن بسبب التكلفة المالية.

 

وكما ذكر، فقد تطرّق الاستطلاع إلى ظروف عمل الأطباء ليتبين أن كل طبيب يعالج بالمعدل أسبوعيا 105 مرضى، ويخصص لكل مريض بالمعدل 17 دقيقة، وأن 25% من وقت عمل الطبيب مخصص للشؤون الإدارية في عيادته، وهذا يعد عملا ضاغطا، مقارنة مع معدلات عالمية، وهناك اختلاف بين فروع الطب من حيث ضغط العمل، فمثلا الأطباء المتخصصون بالجلد والجنس يعالجون أسبوعيا 182 مريضا بالمعدل، وأطباء العائلة (طبيب عام) يعالجون نحو 160 مريضا أسبوعيا، وأطباء الأعصاب 57 مريضا، والأطباء النفسانيون 39 مريضا.

 

وربما تؤكد تفاصيل الاستطلاع نتائج تقارير ظهرت مؤخرا تشير إلى وجود نقص واضح في أعداد الأطباء قياسا بكل ألف مواطن، ومقارنة مع دول أخرى متطورة، كما أن هناك فوارق كبيرة في أعداد الأطباء من حيث المناطق الجغرافية، ففي منطقة تل أبيب الكبرى ووسط البلاد هناك 4ر4 طبيب لكل ألف نسمة، بينما في جنوب البلاد هناك 4ر2 طبيب لكل ألف مواطن، وأدنى نسبة نجدها في شمال البلاد حيث يوجد 2ر2 طبيب لكل ألف مواطن.

 

كذلك فإن نسبة الأطباء المتخصصين من بين الأطباء في منطقة تل أبيب والوسط تبلغ 63% أما في منطقتي الشمال والجنوب فإن النسبة تهبط إلى 50%.

 

وما يزيد من نقص الأطباء انتشار ظاهرة هجرة الأطباء إلى الخارج، بحثا عن ظروف عمل أفضل ورواتب أكبر. فقد قال بحث صادر عن وزارة المالية قبل عدة أشهر إن 11% من الأطباء الإسرائيليين هاجروا من البلاد، وفق معطيات البحث حتى العام 2008، وأن المؤشرات تدل على أن هذه الظاهرة لم تتراجع في السنوات اللاحقة.

 

وقال البحث إن الدافع الأكبر لهجرة الأطباء هو مستوى الرواتب في الخارج، إذ أن التقرير يشير إلى أنه كلما كانت لدى الطبيب سنوات عمل أكثر زادت احتمالات هجرته، إذ أن 40% من الأطباء المهاجرين هم من عمر 35 عاما وحتى 49 عاما.

 

واللافت في الاستطلاع أنه على الرغم من ظروف العمل، فإن 80% من الأطباء الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم لو قرروا الآن أي مهنة سيختارون لكانوا اختاروا الطب مرّة أخرى، وقال 79% من الأطباء المتخصصين إنهم كانوا سيختارون التخصص الذي يعملون فيه، لكن فقط 58% قالوا إنهم يوصون أبناءهم بدراسة الطب.

 

ويقول أحد القائمين على الاستطلاع والبحث إن هناك فجوات كبيرة في الرضا عن المهنة وظروف العمل بين التخصصات المختلفة، وهذا يعود أساسا إلى طبيعة التخصص وإلى مدى صعوبة العمل فيه.