رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون : شارون هو تعبير صارخ عن مفهوم الجدار الحديدي

على هامش المشهد

محلل إسرائيلي: اليمين في إسرائيل يفتقر إلى أي فكرة أو رؤية لها صلة بالواقع

 

قال المحلل السياسي الإسرائيلي نوعام شيزاف إن قرار المحكمة الإسرائيلية العليا الذي ألغى قانوناً يسمح لإسرائيل بسجن طالبي اللجوء ثلاثة أعوام من دون تقديمهم إلى المحاكمة، أخرج إلى العلن مجدداً عقدة البارانويا التي يعاني منها اليمين الإسرائيلي.

وأضاف هذا المحلل في مقال نشره في شبكة الانترنت:

 

في محطات الإذاعة هاجم المتحدثون بلسان اليمين ما وصفوه بالطغمة القضائية، وشن كتاب الأعمدة في الصحف حملة شعواء ضد المنظمات الحقوقية، وما زال الحديث جاريا على هذا المنوال منذ صدور ذلك القرار قبل أكثر من أسبوعين.

وعلى رأي اليمين، فإن الذي يسيطر في إسرائيل هو أخطبوط متطور من المنظمات الاجتماعية أكثر ثراء من قارون، وتعمل إلى جانبها جوقة من الصحافيين، وأن هذه المنظمات تملي على المحاكم ما تشاء من قرارات وأحكام، فيما أن هدفها هو القضاء على شعب إسرائيل بطرق شتى، منها " اختراع شعب" فلسطيني، وتشجيع ملايين الأفارقة على التسلل واللجوء إلى إسرائيل عبر حدودها الجنوبية، وتغذية ودفع اللاسامية قدما في أوروبا، فضلا عن اختلاق "احتجاج اجتماعي" داخلي.

وفي هذا الوقت بالذات، وبعدما تسببت منظمات "الصندوق الجديد لإسرائيل" و"بتسيلم" و"ماتسبين" بالفرار الجماعي من الجيش الإريتري، وبالمجاعة في السودان، والمظاهرات المناهضة لجدار الفصل في بلعين، والأزمة في سوق السكن في إسرائيل، وصلت الخطة (المؤامرة) إلى مراحلها النهائية، الهادفة إلى استبدال بنيامين نتنياهو وإحلال عزمي بشارة مكانه، وإرغام الجيش الإسرائيلي على تسليم "أرض إسرائيل" بأكملها، باستثناء أنقاض قرية "الشيخ موّنس"، إلى قوى "الجهاد الإسلامي الفاشي النازي"، ولولا ثلاثة من المدونين واثنين من كتاب الأعمدة، الذين يواجهون بمفردهم هذه الهجمة، لكانت هذه المؤامرة قد خرجت إلى حيز التنفيذ منذ أمد بعيد.

وبرأي شيزاف ثمة مشكلة بسيطة فقط في هذه الرواية "المقنعة"، وهي أن اليمين يحتفظ منذ ثمانينيات القرن الماضي بزمام الحكم والسيطرة في الدولة، باستثناء فترات قصيرة، ويسيطر فها بصورة تامة ومطلقة طوال السنوات العشر الأخيرة. فجميع رؤساء الحكومات أتوا طيلة هذه الفترة من حزب "الليكود"، كما أن القوى المركزية في الائتلاف الحكومي هي من أحزاب ورجالات اليمين، ووزارة الداخلية يتناوب عليها رجالات اليمين تارة والمتدينين الحريديم تارة أخرى، وباتت صفوف الجيش الإسرائيلي مليئة بالمتدينين من معتمري القبعات المنسوجة، فيما أخذت وسائل الإعلام تنزاح أكثر فأكثر نحو اليمين في عملية ثابتة وسريعة للغاية. فالصحيفة الأكثر قراءة في إسرائيل (صحيفة "يسرائيل هيوم" التي توزع مجانا) ممولة من قبل ملياردير (يميني مقرب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو) لا يؤمن بوجود الفلسطينيين، وفي محطة إذاعة الجيش الإسرائيلي (غالي تساهل") يتنافس أفري جلعاد وعيريت لينور وجاكي ليفي على من يكره أكثر اليسار واليساريين، وحتى صفحات مقالات الرأي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" - التي وصفت فيما مضى بـ "فتح لاند"- باتت تعرض آراء كل ألوان الطيف الواقعة بين المتحدث السابق باسم رئيس الحكومة يوعاز هندل، وبين رجل التنظيم الإرهابي اليهودي، حجاي سيغل. ويقول أحد هؤلاء متسائلا: "منذ متى كان يمكن اعتبار شارون أو أولمرت أو حتى (بيبي) نتنياهو، من رجالات اليمين؟ فهم حين يكونون في السلطة، تجدهم يوافقون على إخلاء مستوطنات، ويصغون إلى المحكمة العليا، ولا يسمحون للجيش الإسرائيلي باستخدام كامل قوته وتحقيق الانتصار!". ولكن، ألم تنته كل محاولات اليسار لوقف مسيرة حكم نتنياهو، أو لتعيين قضاه ليبراليين بالفشل والإخفاق. لقد كان نتنياهو ذاته من بين أكثر الذين أشغلوا منصب رئيس الحكومة في ولايات متعددة وطويلة، بعد دافيد بن غوريون (المكان الثالث احتله الزعيم اليميني إسحق شامير). كذلك فقد نجح اليمين في تعيين مرشحه المفضل، آشير غرونيس، رئيسا للمحكمة العليا، وفي تمرير وإقرار العديد من القوانين (العنصرية) مثل "قانون المواطنة" و"قانون النكبة" وغيرهما.

وختم شيزاف: إن المشكلة الحقيقية لليمين لا تتمثل في اليسار (الضعيف والعاجز) أو في المحاكم، وإنما تتمثل في الواقع القائم. فلا اليسار ولا سواه حالا دون قيام حكومة نتنياهو الأولى والثانية أو الثالثة بضم المناطق الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) إلى إسرائيل، أو طرد سفراء دول الاتحاد الأوروبي، أو حتى تصفية محكمة العدل العليا الإسرائيلية.. في إمكان حكومة اليمين أن تغلق فورا محطة القناة الأولى في التلفزيون الرسمي إذا كانت تخضع لتأثير اليسار كما يقولون، وفي إمكانها أن "تدع الجيش الإسرائيلي ينتصر"، وأن تطرد اللاجئين الأفارقة، وأن تقوض حكم "حماس" في غزة وأن تنهي وجود السلطة الفلسطينية، وأن تلغي اتفاقيات أوسلو.. فاليسار الإسرائيلي لا يستطيع أن يفعل شيئا يحول دون كل هذه الأمور.

إن السبب في عدم حدوث كل ذلك يتمثل في افتقار اليمين الإسرائيلي إلى أية فكرة أو رؤية لها صلة بالواقع، فهو عاجز تماما عن مواجهة أو حل المشكلة الفلسطينية، عدا عن ترديد الشعارات وتوجيه النقد (المحق أحيانا) لأفكار ومقترحات اليسار، ولا توجد لديه خطة لحل مشكلة طالبي اللجوء الأفارقة، أو خطة لحل أزمة السكن في إسرائيل.

ولذلك فإن حكومات اليمين لا تفعل شيئا عدا التذمر والشكوى، تجاه العالم واليسار والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني والمحكمة العليا والأوروبيين وكل الآخرين.. كفى، فقد سئمنا وضاق ذرعنا بعد 36 عاما من "انقلاب 1977" الذي أفضى إلى تربع اليمين فوق سدة الحكم في إسرائيل.