على هامش المشهد

رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون : نلمس بداية تغيير في سياسة الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط

 

كتب بلال ضـاهر:

 

 

يسود في إسرائيل غضب وتوتر كبيران في أعقاب الاتصالات واللقاءات بين كبار المسؤولين الأميركيين ونظرائهم الإيرانيين، فيما سيسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال خطابه في الأمم المتحدة، إلى عرقلة هذه الاتصالات.

وكتب رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أفيغدور ليبرمان، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "هجوم المصالحة من جانب رئيس إيران، حسن روحاني، ليس إلا مناورة كاذبة أخرى، وشبيهة بتلك التي نفذتها كوريا الشمالية". واعتبر أنه "فيما يتركز انتباه العالم على محاولات الرئيس الإيراني الجديد الظهور بمظهر المعتدل، فإنه جدير أن نذكّر بأن الإيرانيين يستخدمون طوال السنين نمط خداع ثابتا". وعبر ليبرمان عن ثقته بأن نتنياهو "سيعرف كيف يدافع بصورة حازمة عن المصالح الحيوية لإسرائيل وسلامة واستقرار العالم كله" خلال لقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس، وضمن خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء.

وأثارت المحادثة الهاتفية بين أوباما وروحاني، يوم الجمعة الماضي، واللقاء الذي سبقها بين وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الإيراني، جواد ظريف، غضبا وتوترا في إسرائيل من احتمال التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني بحيث لا يتم وقف تطوير هذا البرنامج، وتتمكن إيران من الحصول على قدرة نووية.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر سياسي رفيع المستوى في الحكومة الإسرائيلية قوله إن "هدف سفر رئيس الحكومة هو كشف الكذب الإيراني في الأمم المتحدة. ويتخوف نتنياهو من أنهم يتجهون نحو اتفاق سيء مع إيران. وإذا كان الوضع على هذا النحو فإنه يفضل ألا يكون هناك اتفاق أبدا. وسوف يهدم نتنياهو الحفلة ولا توجد لديه أية مشكلة في ذلك، ولا يهمه أن يكون الوحيد الذي يقول ذلك علنا رغم أن آخرين في العالم يعتقدون مثله".

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن نتنياهو سيركز في خطابه أمام الجمعية العامة على تفاصيل تطور البرنامج النووي الإيراني، وسيشير إلى أن هذا التقدم سيسمح لإيران بصنع قنبلة نووية. وقبل ذلك سيستعرض نتنياهو هذه التفاصيل خلال لقائه مع أوباما في البيت الأبيض.

وقال رئيس "مركز دراسات الشرق الأوسط" في جامعة بن غوريون في بئر السبع، البروفسور يورام ميتال، لـ "المشهد الإسرائيلي"، حول رؤيته للتطورات الأخيرة المتعلقة بالاتصالات بين إيران والغرب وخاصة الولايات المتحدة: "أعتقد أنه لأول مرة منذ بدء الربيع العربي، أي منذ بداية العام 2011، تتواجد الولايات المتحدة وعدد من الدول المركزية في الشرق الأوسط، مثل مصر وإيران وتركيا، ودول في أوروبا، وهذه مجموعة كبيرة جدا من الدول، في صفحة التاريخ نفسها. وهذا يعني أن الخطوات التي نفذتها إدارة أوباما، في الأسابيع الأخيرة، مقابل سورية وإيران ومصر والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، تنضم إلى شيء ما هو بداية تغيير في السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة. وما أريد قوله هو أنه سواء كان واضحا للرئيس أوباما وإدارته وجهة سياستهما أو أن الأفق الذي يتجهان نحوه غير واضح بتاتا، فإن دفة سياستهما انحرفت وأصبح الانعطاف واضحا جدا. ومعنى ذلك هو أنه لا ينبغي الاستخفاف باحتمال أن هذا المسار غايته إنقاذ الولايات المتحدة، وبقدر كبير أيضا إنقاذ دول أخرى في المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، من حالة انعدام اليقين التي تخيم فوقها منذ إسقاط حكم الرئيسين التونسي، زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك. وهذا هو، برأيي، السياق الواسع للتطورات الأخيرة".

(*) "المشهد الإسرائيلي": إسرائيل وصفت زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، وظهوره في وسائل الإعلام وعلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنها "هجوم الابتسامات"، في إشارة إلى أن هذا الحضور لروحاني لا ينبغي أن "يخدع" الغرب. ما رأيك؟

ميتال: "لا أوافق بتاتا على الادعاء، الذي ينطوي على تناقض، بأن ما نشهده هو ’هجوم ابتسامات’ كما يسمونه هنا. وأعتقد أننا في بداية تغيير كبير للغاية، وفي هذا السياق أشدد على أنه في المرحلة الحالية، لا يمكننا أن نعرف ما إذا كانت هذه الفرصة ستستغل أو ربما ستفوّت لا قدر الله. لكن بالإمكان التأكيد أن ثمة ثغرة لتغيرات، لأن ما نشهده يختلف عما كان يحدث في العامين الأخيرين. وأعتقد أن هذا التغيير يحدث في وقته...".

(*) هذا التغيير في سياسة الولايات المتحدة والغرب، الذي تتحدث عنه، يصطدم مع التوجهات الإسرائيلية، أليس كذلك؟

ميتال: "واضح تماما أنه إذا قلت سابقا إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولا مركزية في الشرق الأوسط تقرأ في صفحة الكتاب نفسها، فإن حكومة نتنياهو ما زالت تقرأ، عمليا، ليس في الصفحة السابقة وإنما في الفصل السابق. ومن هذه الناحية، فإن حكومة نتنياهو ليست موجودة حتى في بداية فهم التغيير الإقليمي والتغيير الكبير الحاصل عالمياً. ويتم التعبير عن ذلك من خلال المفهوم الأساسي لحكومة نتنياهو للربيع العربي، سواء لما حدث في مصر أو ما يحدث مع إيران الآن. وإحدى النتائج الدراماتيكية لهذه الخطوات بين إدارة أوباما والإيرانيين قد تكون تعميق الانغلاق الإسرائيلي، وهذا يعني، باللغة الإعلامية، تعميق عزلة إسرائيل. ولكن فيما يتعلق بما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي وقرارات حكومة نتنياهو فإنها ستكون منغلقة ولا تأبه بما يفكر العالم. وهذا ليس بالأمر الجديد، لكن في حالات كهذه من التوتر والأزمة، أعتقد أن هذا سيؤدي إلى أزمة كبيرة في إسرائيل. ووصف أداء الرئيس الإيراني بأنه هجوم ابتسامات يعبر عن أن إسرائيل لا تصدق ما تقوله إيران. وقد استمعت إلى رئيس الموساد السابق، شبتاي شافيط، الذي قال للإذاعة العامة الإسرائيلية [أول من أمس الأحد]، إن الثقافة الإيرانية، وهذا تفسير استشراقي محض، هي ثقافة التظاهر بالشيء. وهذا يعني أن شخصا مثل شافيط لا يفكر للحظة بأنه توجد هنا محاولة للتوصل إلى حوار. والمفهوم القائل [في إسرائيل] إنه ’فقط نحن نعرف كيفية التحدث مع العرب’ يتم التعبير عنه تجاه الأزمة في سورية وفي الأزمة مع إيران أيضا. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن هذا الرفض لمنح فرصة للحوار تستند إلى الانغلاق والاستشراق الفظ. كذلك فإن حيز المناورة للسياسة الإسرائيلية في الملف الإيراني، تحول في أعقاب الاتصالات الأميركية – الإيرانية، إلى حيز أكثر ضيقا وبات من الصعب على إسرائيل المناورة فيه. وما هو واضح، أن نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة العام الماضي، واستخدامه رسم القنبلة، تحدث عن جدول زمني لا يتعدى شهورا معدودة، وأعلن عن العام 2013 أنه ’عام الحسم’ وأوحى أن هذا العام لا يمكن أن ينتهي من دون مهاجمة إيران. والآن نفهم من خلال الحوار بين إيران والولايات المتحدة أن الجدول الزمني الإسرائيلي تشوش بالطبع. وبالنسبة لإسرائيل سيكون من الصعب جدا ومعقدا للغاية، في أعقاب التطورات الحاصلة الآن، التفكير بخطوة هجومية".

(*) هل تعتقد أن الولايات المتحدة، والغرب عموما، أسقطا الخيار العسكري ضد إيران؟

ميتال: "لا. هذا الخيار قائم وسيبقى قائما. والولايات المتحدة استخدمت القوة في الماضي، وسياسة إسرائيل تستند أساسا إلى استخدام القوة، ولم تتم إزالة الخيار العسكري. وما أقوله هنا، هو أن التاريخ ليس معروفا مسبقا. وهناك الكثير من الحراك في التاريخ. فقبل أسابيع قليلة لم يتخيل أحد بدء حوار أميركي – إيراني. وهناك مفاجآت في التاريخ. ومشكلة إسرائيل هي في أنها منغلقة ومتقوقعة داخل نفسها ولا تنجح في قراءة التحولات الكبرى في منطقتنا. لكن حتى عندما نتحدث عن بداية تغيير في السياسة الأميركية، فإن هذا، برأيي، لا يزيل الخيار العسكري ضد إيران عن الطاولة، إلا أنه بكل تأكيد، أدت التطورات الأخيرة إلى خفض مستوى تهديد كهذا باستخدام القوة في الفترة الحالية، ولا يمكننا توقع ما سيحدث في المستقبل. وربما يقود الحوار الأميركي – الإيراني إلى تفاهمات، وربما إلى اتفاقيات أيضا، بين الدولتين وستكون لذلك تبعات هامة. وهناك أمران هامان قد ينبعان من ذلك. الأول هو أنه في حال التوصل إلى اتفاق كهذا ستصل إيران إلى مكانة دولة عتبة نووية. وهذا يعني، وفقا للخبراء في المجال النووي، أن إيران في نقطة قريبة جدا من صنع سلاح نووي خلال وقت قصير في حال أرادت ذلك. لكن، في الوقت نفسه، وهذا تحليلي، فإن التصريحات التي تأتي من جهة إيران تقول أن لا أحد سيأخذ منها حقها في تطوير مشروع نووي لاحتياجات مدنية، وأنها ليست مهتمة بتطوير سلاح نووي. وأعتقد أن الوجهة الجديدة للسياسة الإيرانية تقضي بالحصول على اعتراف دولي، خاصة من جانب الولايات المتحدة، لبرنامجها النووي المدني. وهذا يعني أنه من دون أن تطور إيران برنامجا نوويا عسكريا ستكون قادرة على ردع إسرائيل لكونها دولة عتبة نووية وذلك في ظل اعتراف دولي".

(*) هل هذا هو التغيير الاستراتيجي الحاصل في إيران، الذي يتحدثون عنه في الغرب؟

ميتال: "هذا تغيير بالغ الأهمية. والأمر الهام الثاني هو الأزمة الكبيرة في سورية. وإيران ضالعة في الأزمة السورية. وما هو مطروح الآن هو حل الأزمة الإيرانية والأزمة السورية. وباعتقادي أنه عندما يتحدث الإيرانيون مع الأميركيين فإنهم لن يتحدثوا عن إيران فقط، وإنما يتحدثون عن العلاقات بينهما وعن الوضع في الشرق الأوسط. وهكذا فإنه من شأن السياسة الإيرانية الجديدة أن تكون مهمة بالنسبة لإدارة أوباما في الحلبة السورية أيضا".

(*) هل تتوقع وضعا تتخذ فيه إسرائيل قرارا بشن هجوم منفرد ضد المنشآت النووية في إيران؟

ميتال: "صعب جدا، الآن، أن أرى حدوث أمر كهذا. وإذا كانت الفرصة التي بدأت بالحوار بين الغرب وإيران ستثمر عن نتائج، أي ستتواصل المحادثات واللقاءات، فإنه طالما بقيت هذه العملية تتقدّم سيتضاءل احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم منفرد. لكن إذا لم تنجح هذه العملية فإن هذا يعني العودة إلى المربع الأول. وعندها ستكون هذه معركة دولية ضد إيران. وهذا التحليل يستند إلى أمر أساس جدا، وهو أن ما يتم تداوله في إسرائيل هو أنها أعدت الخطط وأجرت كافة الاستعدادات وكل ما يلزم لمهاجمة إيران. وإسرائيل لم تشن هجوما كهذا حتى الآن بسبب العلاقات المميزة والقوية بينها وبين الولايات المتحدة. وما سيقوله أوباما لنتنياهو هو أنهما متفقان على عدم حيازة إيران على سلاح نووي. والأمر الثاني الذي سيقوله الرئيس الأميركي هو أن الولايات المتحدة هددت بمهاجمة سورية، وفي اللحظة الأخيرة أبدى [الرئيس السوري بشار] الأسد استعداده لكشف مواقع تخزين وصنع السلاح الكيميائي، وخلال فترة قصيرة سيصبح هذا السلاح غير نافذ المفعول. وسيكون ادعاء أوباما أن القناة الدبلوماسية، وإلى جانبها التهديد باستخدام القوة، هما أمر حقق نجاحا وأن هذا سينجح مع إيران أيضا، وأنه لا ينبغي على نتنياهو أن يقلق، لأنه في حال عدم نجاح المسار الدبلوماسي مع إيران فإنه سيتم استخدام وسائل أخرى".