تحليلات إسرائيلية: فوز السيسي بشرى جيدة لإسرائيل وتوجس في الجانب الأمني

وثائق وتقارير

 

في ختام زيارته لاسرائيل، أواخر الأسبوع الفائت، أعلن رئيس وكالة الامم المتحدة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، ان رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون اكد له ان اسرائيل "مستعدة لبحث اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الأوسط، ولكن فقط في إطار محادثات سلام في المستقبل". ومع ان البرادعي نفسه أبدى مؤشرات الى ان اعلان الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية سيتطلب وقتاً طويلاً، الا انه أظهر ارتياحاً الى محادثاته مع شارون. وفي الوقت نفسه حرمت تل ابيب البرادعي من مشاهدة مفاعل ديمونة النووي خلال رحلة بالطائرة نظمتها له "لمشاهدة البلاد من الجو".

 

 

وفي بداية المحادثات في القدس بين البرادعي ومسؤولي الدولة العبرية جرى ما يمكن اعتباره “حوار طرشان”، إذ كان البرادعي يتحدث عن ضرورة تبديد المخاوف الأمنية الاقليمية من الترسانة النووية الاسرائيلية، في حين كانت اسرائيل تتحدث عما اعتبرته تهديداً نووياً من ايران. كما حرص البرادعي في تصريح للصحافيين على الاشارة الى أن الدول العربية تشعر بأن اسرائيل تعامل بصورة مختلفة عندما يتعلق الامر بتعاطي المجتمع الدولي مع الانتشار النووي في الشرق الاوسط.

وأنهى البرادعي يوم الجمعة زيارة الى اسرائيل استمرت ثلاثة ايام، في مسعى لإقناعها بتعديل موقفها التقليدي القديم الذي يعتبر منافسة قدرات اسرائيل النووية من المحظورات بالنسبة لها.

وقامت اسرائيل خلال الزيارة بإيماءة تدل على انها تعتبر ان من حقها استخدام “جميع الوسائل” دفاعاً عن نفسها، إذ نظمت للبرادعي رحلة جوية استطلاعية فوق اسرائيل، رافقه خلالها مسؤول رفيع في سلاح الجو الاسرائيلي. وصرح مسؤول اسرائيلي آخر مطلع على رحلة البرادعي، طالباً عدم ذكر اسمه، بأن مسؤول سلاح الجو الاسرائيلي حرص على ان يقول للبرادعي ان اسرائيل ليس لديها “عمق دفاعي، لأن بإمكان طائرة ان تطير من حدود الى حدود خلال ثلاث دقائق ونصف الدقيقة”.

ومما كان له دلالة كبيرة ان التنظيم الاسرائيلي للرحلة الجوية “الاستطلاعية” حرم البرادعي من الاقتراب من مفاعل ديمونة، الذي يشكل عصب البرنامج النووي الاسرائيلي. وقال المسؤول الاسرائيلي انه في احدى اللحظات، حلقت طائرة البرادعي فوق جنوب صحراء النقب ضمن مجال رؤية مفاعل ديمونة، ولكن من مسافة بعيدة بدا منها المفاعل “نقطة بنية صغيرة”.       

 

وأكد المراقبون أنه بعد سلسلة المحادثات مع المسؤولين الاسرائيليين يبدو ان الدولة العبرية ماضية في انتهاج سياسة التعتيم الضبابية على قدراتها النووية التي تبنتها منذ ان امتلكت قدرة تصنيع اسلحة الدمار الشامل في نهاية الخمسينات. من جانبه اوضح البرادعي قبيل مغادرته البلاد ان زيارته هدفت إلى تطهير منطقة الشرق الاوسط من الاسلحة الذرية واقناع اسرائيل بالانضمام الى وثيقة اقليمية بعدم نشر هذا السلاح. واضاف " كنت سعيدا لو استجابت اسرائيل لهذا المطلب لكنني لا املك الوسيلة لاجبارها على تغيير سياستها". في لقائه مع وزير الصحة داني نفيه بحث البرادعي مسألة تقديم الوكالة الدولية للطاقة النووية التمويل والمساعدات التقنية دعما لبرامج استخدام الطاقة النووية في صالح مكافحة مرض السرطان والطب عامة والزراعة. في اعقاب لقائه مدير عام الوكالة الاسرائيلية للطاقة النووية، غدعون فرانك، صرح البرادعي لوسائل الاعلام بأن زيارته ابتغت تحقيق غايتين: الأولى التأكد من استعمالات الطاقة النووية للاهداف الانسانية والثانية تتعلق بعدم استخدامها لاغراض عسكرية لافتا الى ان محادثاته كانت جيدة. وعلم ان الجانبين بحثا قضية سياسات اسرائيل في مجال الطاقة الذرية وباقتراح البرادعي بان توافق اسرائيل على فتح محادثات مع البلدان المجاورة تحت رعاية الوكالة الدولية حول هدف تطهير المنطقة من السلاح المدمر. كما بحثا قضايا اخرى مثل علاقات اسرائيل بالوكالة وانضمامها الى معاهدات دولية خاصة بسلامة الافران الذرية وتبادل المعلومات عند نشوب حوادث خطيرة اضافة الى منع تسرب مواد ذرية الى "منظمات ارهابية". واعتبر مراقبون ان الزيارة التي جاءت بناء على دعوة من اسرائيل تجسد محاولة لاستباق الحدث ومحاولة منع اتخاذ قرار رسمي بمطالبتها بفتح الباب امام التفتيش والمراقبة ازاء تصاعد الضغوطات والمطالب العالمية بذلك والتي تقودها مصر وجهات عربية واجنبية اخرى.

 

ومنذ تأسيس المنشآت النووية الاسرائيلية عام 1958 بمبادرة شيمون بيريس، مدير عام وزارة الدفاع وقتذاك، تواصل اسرائيل انتهاج سياسة التعتيم ونثر الضباب حول قدراتها الذرية واسلحة الدمار الشامل التي بحوزتها وتقدر ب 200 الى 400 قنبلة وصاروخ. واستهدف واضعو هذه السياسة ردع اعدائها والافلات من الرقابة الدولية في الوقت نفسه.

 

في حديث ل"المشهد الاسرائيلي" كشف النائب عصام مخول ( الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة ) انه سبق ووجه رسالة الى البرادعي طلب اليه فيها لقاءه لاطلاعه على مخاطر الملف النووي الاسرائيلي واسماعه وجهة النظر البديلة وتحذيره من أن يكون قدومه للبلاد مجرد زيارة يحل فيها ضيفا على الحكومةالاسرائيلية بدلا من أن تخصص للمراقبة والتمهيد لاجبارها على فتح الابواب امام التفتيش كما هي الحال في بلدان اخرى في العالم. وكشف مخول ان البرادعي اعتذر في رسالة جوابية عن اللقاء به معتبرا ان اجندة زيارته محددة من قبل الجهات الرسمية شاكرا التوجه اليه ولفت نظره الى المخاطر الحقيقية لاسلحة الدمار الشامل على العرب والمنطقة عامة، بمن في ذلك المواطنون الاسرائيليون انفسهم. كما افصح مخول انه سيعلن في السادس والعشرين من الشهر الجاري (تموز) عن انشاء حركة خاصة داخل الكنيست لمناهضة التسلح الاسرائيلي النووي تحت شعار " شرق اوسط نظيف من اسلحة الدمار الشامل" يشارك فيها نواب عرب ويهود وشخصيات هامة محلية وعالمية موضحا انه يخطط ان تكون مبادرته "كرة ثلج" سرعان ما تتدحرج وتستقطب المزيد من المؤيدين نحو المزيد من الضغط على اسرائيل لانهاء اللعب بالنار الاشعاعية. وفي سياق انتقاداته لقيام وزارة الصحة بتوزيع الاقراص الواقية من الاشعاعات على المواطنين اليهود فقط في منطقة النقب اكد مخول في خطابه الاخير في الكنيست انه لم يعد بامكان اسرائيل ابقاء ملفها النووي طي الكتمان وانتهاج سياسة التعتيم التي اعتبرها " نكتة" وضربا من الغباء والاستغباء بالنسبة للعالم الخارجي وجريمة بالنسبة للمواطنين داخل اسرائيل وخارجها محذرا من الاشعاعات ايضا في مدينة حيفا جراء رسو الغواصات النووية وفي منطقة الجليل الغربي وقرية نمرين المهجرة تحديدا حيث توجد مخازن للرؤوس النووية.

ويعتبر مراقبون ان أسير الذرة مردخاي فعنونو لعب دورا في تسخيف قضية التعتيم الاسرائيلي حول امتلاكها اسلحة الدمار الشامل محذرين من ازدياد المخاطر النووية الاسرائيلية بسبب العقلية المتطرفة لدى قادة اسرائيل.

الى ذلك يتوقع هؤلاء المراقبون ان تقوم اسرائيل باستخدام عدة "اوراق اعلامية" دفاعا عن نفسها في حالة مطالبتها رسميا باخضاع منشآتها للتفتيش كالزعم الذي تتبناه امريكا وبريطانيا بان اسرائيل دولة صغيرة محاطة بالملايين من الاعداء المتربصين لها لاغراقها في البحر او اتهام البرادعي بالانضمام الى النشاط المصري المعادي في هذه المسألة.

الى ذلك تحدثت مصادر إسرائيلية عن وجود تفاهم غير مكتوب بين البرادعي وإسرائيل يقوم بموجبه البرادعي بزيارة إسرائيل ومطالبتها بالانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فيما تستقبله تل ابيب استقبالاً حاراً وتجري معه المحادثات من دون التطرق بجدية إلى قدراتها النووية.

وينعكس مضمون هذا التفاهم في عدم زيارة البرادعي للمفاعل النووي في “ديمونة” وحتى عدم مطالبته بزيارة المفاعل والموافقة على ترتيب برنامج الزيارة وفق ما تقرره إسرائيل، بحيث اقتصر جدول أعماله على زيارته لمركز الأبحاث “ناحل سوريك”.

ونقلت يومية "هآرتس" ان إسرائيل جددت موقفها من أن “الوقت الحالي غير مناسب للحديث عن خلو الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وبأنها ترى أن مثل هذا الأمر يمكن الحديث عنه فقط بعد تحقيق السلام في المنطقة” مشيرة بإصبع الاتهام الى ايران بوصفها الدولة "الاخطر" من هذه الناحية في الشرق الاوسط.

ومنذ شهور كان مراقبون دوليون يرجحون ان تتبنى إسرائيل واحدا من خيارين: إما عدم الإقرار بوجود أسلحة نووية ومواصلة اللعب في قضية التعتيم النووي، وهذا يعني عدم إجراء عمليات تفتيش دولية أو الالتزام بمعاهدات دولية، وإما الكشف عن قدراتها النووية مقابل اعتراف العالم بأن تكون دولة نووية غير خاضعة للتفتيش أو القوانين كبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا. وفي نهاية زيارة مدير "الوكالة" بات واضحا ان اسرائيل لا زالت ملتزمة بسياسة التعتيم.

وتسعى إسرائيل إلى اقتناء غواصتين جديدتين تحملان رؤوسا نووية إضافة إلى الثلاث الموجودة عندها كما أنها طورت صواريخ أمريكية بحرية لتصبح قابلة لحمل رؤوس نووية وقررت شراء حاملة طائرات.

وتأتي زيارة البرادعي إلى إسرائيل بعد قيامه بزيارتين مهمتين هذا العام إحداهما إلى ليبيا التي تخلت عن أسلحتها للدمار الشامل والثانية إلى إيران. كما تأتي زيارة البرداعي في أعقاب إطلاق سراح الإسرائيلي مردخاي فعنونو الذي كشف معلومات عن مفاعل “ديمونة” الإسرائيلي ويدعو إلى تخلي إسرائيل عن الأسلحة النووية وفتح الباب أمام عمليات التفتيش الدولية.

واشتكت الدول العربية الأعضاء في الوكالة الدولية من عدم التحقيق في وضع إسرائيل النووي في الوقت الذي تتعرض فيه إيران إلى عمليات تفتيش مكثفة من قبل الوكالة.