كيف تناولت الصحافة البريطانية جولة بوش

على هامش المشهد

 

 

 

تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية ومستقبل الاستيطان الإسرائيلي في المدينة

 

 

*إذا ما أقرت المحكمة عدم سريان "قانون أملاك الغائبين" على القدس الشرقية، فسيفتح هذا بابا واسعا أمام دعاوى يتم تقديمها بأثر رجعي للمطالبة باستعادة ممتلكات وعقارات يسكن فيها اليوم مستوطنون يهود بعد أن استولوا عليها بموجب القانون نفسه. أما إذا أقرت المحكمة سريان القانون، فسيؤدي هذا إلى انطلاق المستوطنين في حملة مجددة، نشطة وواسعة جدا، للاستيلاء على العديد من المباني والعقارات الإضافية في القدس الشرقية*

 

 

 

كتب سليم سلامة:

 

 

 

تعقد المحكمة العليا الإسرائيلية، في العاشر من شهر أيلول الجاري، جلسة إضافية أخرى لمواصلة النظر في مسألة تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية، وذلك في إطار هيئة موسعة من سبعة قضاة في مقدمتهم رئيس المحكمة العليا، آشير غرونيس.

 

وكانت المحكمة عقدت جلستها الأخيرة في هذه القضية في شهر أيار الأخير، إذ تنظر في التماس قدمته إليها الدولة (الحكومة) ضد قرار صدر عن المحكمة المركزية في القدس يأمر بالامتناع عن تطبيق هذا القانون في القدس الشرقية، إضافة إلى أربعة التماسات قدمها إليها مواطنون فلسطينيون من سكان الضفة الغربية على خلفية مصادرة ممتلكات تعود إليهم تقع في القدس الشرقية، بموجب هذا القانون.

 

وكان قضاة المحكمة العليا قد أصدروا، في ختام مداولاتهم في أيار الأخير، أمرا إلى المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، بالمثول أمامهم شخصيا لتوضيح موقفه من هذه القضية، مؤكدين على أنها "تنطوي على إسقاطات واسعة، بما في ذلك على الصعيد السياسي الخارجي، ما يستوجب إجراء بحث إضافي آخر موسع يشارك فيه المستشار القانوني للحكومة، شخصيا".

 

إشكاليات قضائية وسياسية

 

وفي قرارها هذا، عبرت المحكمة العليا الإسرائيلية عن الإشكاليات القانونية والسياسية العديدة التي يثيرها تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية ويضعها أمام السلطات الحكومية في إسرائيل كلما أقدمت عليه.

 

ففي العام 1968، وحين أرادت الحكومة الإسرائيلية اعتماد القانون وتطبيقه في القدس الشرقية، أصدر مستشارها القانوني آنذاك، مئير شمغار (الذي تولى رئاسة المحكمة العليا لاحقا) أمرا واضحا يمنع تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية. لكن حكومة الليكود عادت والتفت على ذلك الأمر وشرعت في تطبيقه في العام 1977. وفي العام 1992، إبان حكومة إسحق رابين، صدر أمر قضائي مجدد يمنع تطبيق القانون إياه في القدس الشرقية، وهو الأمر الذي أقرّ، مرة أخرى، في العام 1997. غير أن حكومة أريئيل شارون في العام 2004، عادت وقررت إعادة تخويل "القيّم (الوصي) العام على أملاك الغائبين" جميع صلاحيات الاستيلاء على الممتلكات في القدس الشرقية، خلافا لموقف وزارة العدل التي أعلنت معارضتها.

 

وفي العام 2005، وجه المستشار القانوني للحكومة، ميني مزوز، "رسالة شديدة اللهجة" (كما وصفتها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية) تأمرها بالتوقف عن تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس، مؤكدا أن "تفعيل صلاحيات الوصي على أملاك الغائبين في القدس الشرقية يثير صعوبات قضائية عديدة، سواء ما يتعلق منها بسريان القانون ومشروعية قرارات الوصي، أو ما يتعلق بالتزامات دولة إسرائيل تجاه قواعد القضاء الدولي"، ومحذرا أيضا من "الإسقاطات الدولية المترتبة على ذلك".

 

وفي العام 2006، أصدر قاضي المحكمة المركزية في القدس، بوعاز أوكون، قرارا قضى بالتوقف عن تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية، واصفا محاولات تطبيقه هذه بأنها "خدعة قضائية لا تستند إلى أي واقع"! وفي أعقاب ذلك القرار، قدمت الدولة (الحكومة) استئنافها إلى المحكمة العليا، في نهاية العام نفسه، وضمنته جملة من الادعاءات من بينها أن "السلطة الفلسطينية تمثل، هي أيضا، طرفا سياسيا أجنبيا ومعاديا، ولذا فإن سكانها يعتبرون، أيضا، غائبين"!

 

ورأى بعض الحقوقيين المطلعين أن المستشار القانوني مزوز "لم يطلب إلغاء سريان قانون أملاك الغائبين في القدس، وإنما الامتناع عن تطبيقه فقط، وهو ما يستدل من قراره تقديم الاستئناف على قرار قاضي المحكمة المركزية، أوكون". وأضاف هؤلاء أن المذكرة الجوابية التي قدمها المستشار القانوني الحالي للحكومة، يهودا فاينشتاين، إلى المحكمة العليا، في أواسط آب المنتهي، استجابة لأمر المحكمة من شهر أيار كما ذكر أعلاه، يشكل "استمرارا لموقف مزوز، لا انحرافا عنه"!

 

 

"أملاك الفلسطينيين سكان الضفة في القدس ـ أملاك غائبين"!

 

عشية انعقاد جلسة المحكمة العليا القريبة، في العاشر من أيلول الجاري، أصدرت النيابة العامة للدولة، في أواسط آب الأخير، بيانا خاصا أعلنت من خلاله إن المستشار القانوني، فاينشتاين، قدم مذكرة جوابية إلى المحكمة يشرح فيها موقفه من مسألة تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية، مؤكدة أن "المستشار القانوني يقّر القانون ويعتبر أنه في الظروف القضائية السائدة تعتبر الأملاك الموجودة في القدس الشرقية وتعود إلى فلسطينيين يقيمون في مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي أملاك غائبين حقا. فهذا ما يستدل من نص القانون ومن قرارات الحكم الصادرة عن المحكمة العليا"!

 

وبالتزامن مع بيان النيابة العامة هذا، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية النقاب عن "أمر إجرائي" أصدره المستشار القانوني فاينشتاين "يشكل استمرارا لمذكرته الجوابية إلى المحكمة العليا، والتي أقر فيها شرعية تطبيق قانون أملاك الغائبين في القدس الشرقية بغية الاستيلاء على ممتلكات فيها". وأضافت الصحيفة أن هذا "الأمر" يخوّل السلطات المختصة صلاحية تفعيل "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية، مشيرة إلى إن "الأمر يمثل، كما يستدل من نصه، أداة لمعاقبة الفلسطينيين ذوي الماضي الأمني أو ذوي العلاقة مع جهة معادية"!

 

وأوضحت الصحيفة أن "الأمر يتضمن بضعة معايير لرفع اليد عن عقارات تعود ملكيتها للاجئين فلسطينيين وإعادتها إليهم" بعد وضعها تحت سلطة "الوصي العام على أملاك الغائبين" التابع لوزارة العدل الإسرائيلية، من بينها "مسألة تأثير رفع اليد عن العقار على ضوء موقعه في نسيج الأحياء في القدس" (عند النظر في طلب الفلسطيني استرداد ممتلكاته)، الأمر الذي يتيح رفض الطلب وعدم رفع اليد عن العقار "بسبب وقوعه بين جيران يهود"!

 

وكان ممثلو النيابة العامة للدولة قد طرحوا هذا الادعاء أمام المحكمة العليا خلال إحدى جلسات النظر في القضية، فأوضح محامو الملتمسين الفلسطينيين، ردا عليه، أن الواقع العملي يثبت أن الدولة اعتمدت هذه الذريعة فنقلت حق السيطرة على تلك العقارات، في العديد جدا من الحالات، من يد "الوصي على أملاك الغائبين" إلى أيدي "جمعيات استيطانية"، مقابل رسوم استئجار رمزية. وبهذه الطريقة، تم إنشاء العديد من المستوطنات ("الأحياء") في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. كما تساءل المحامون، من جهة أخرى، عن مصير العقار الذي يقع لصق مستوطنة يهودية لكنه محاط بحيّ فلسطيني!

 

وبموجب الأمر الذي أصدره فاينشتاين، تخول "لجنة خاصة" صلاحية النظر في هذه الطلبات والبتّ بشأنها، يقف على رأسها إيهود برافر، نائب المدير العام في ديوان رئيس الحكومة لشؤون الحُكم والمجتمع، وهو الشخص ذاته الذي ترأس ما يسمى "لجنة تسوية توطين البدو في النقب" التي وضعت المخطط المعروف باسمه ("مخطط برافر")!

 

ومن بين المعايير الأخرى التي يشملها "الأمر": عدم إعادة عقار لصاحبه إذا ما توفرت لدى أجهزة المخابرات "مواد أمنية سلبية عنه" و/ أو إذا "كانت لديه علاقة بجهات معادية"! وهو، تحديدا، ما اعتبره عدد من الحقوقيين "أداة عقابية" يتاح للسلطات الحكومية الرسمية (من خلال "لجنة برافر") استخدامها كما تشاء، من دون رقيب أو حسيب، خاصة وأن "ليس ثمة شخص واحد، تقريبا، في الضفة الغربية لا تربطه علاقة ما بجهة معادية ما (وفق التعريفات الإسرائيلية) وليس ثمة عائلة فلسطينية واحدة، تقريبا، إلا وفيها معتقل أو مطلوب"، كما أكد المحامي سامي ارشيد، الذي يمثل أحد الفلسطينيين الملتمسين.

 

وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن "المعايير المضمنة في الأمر الجديد تمت صياغتها بصورة ضبابية تتيح للجنة الخاصة مساحة واسعة جدا من القدرة على المناورة" ورفض إعادة الممتلكات إلى أصحابها الفلسطينيين. ومن هذه، مثلا، أن "تأخذ اللجنة الخاصة في الاعتبار، لدى النظر في طلب استرداد أي عقار، ما إذا كانت ثمة حاجة إلى العقار لأغراض جماهيرية عامة (بما فيها الأغراض الأمنية التي صدرت بشأنها التصديقات اللازمة). ويشمل هذا، أيضا، وجود "حاجة محتملة، لم تتبلور بعد"!! ويتنافى هذا النص مع المسار الإجرائي الذي يحدده القانون في حالات "مصادرة ممتلكات لأغراض عامة" وما يتضمنه من آلية لتعويض صاحب العقار.

 

"عدالة" يطلب الانضمام "صديقا للمحكمة"

 

عشية انعقاد جلسة المحكمة العليا، الأسبوع المقبل، قدّم مركز "عدالة" طلبًا للانضمام إلى الالتماسات بصفته "صديقًا للمحكمة"، وذلك بغية تقديم وجهة نظر المركز في القضيّة. وقد قدّمت المحاميّة سهاد بشارة، من مركز "عدالة"، وجهة نظر قانونية توضح الموقف القانونيّ، إذ يرى أن وجهة نظر المستشار القانوني، فاينشتاين، تمس بالوضع القائم منذ عشرات السنوات، وهو الوضع الذي أيده المستشارون القانونيون منذ احتلال القدس في العام 1967، والذي يقول بأن القانون لا ينطبق على أملاك سكّان الضفة الغربيّة الواقعة في القدس الشرقيّة.

 

وأضافت ورقة "عدالة" إن الإعلان بأن سكّان الضفة هم بمكانة "غائبين" لم يكن نتاج أي تغيير حصل في مكانتهم القانونيّة، بل نجم عن قرار من طرف واحد اتخذته دولة إسرائيل، حين قررت ضم القدس المحتلة إلى أراضيها بما يتناقض مع القانون الدولي الإنساني، وقررت فرض القانون الإسرائيلي على هذه المنطقة. وفي هذا الوضع، يُعتبر قرار إعلان سكّان الضفة الغربيّة كغائبين مستهجنا للغاية، إذ أنهم سيكونون غائبين رغم أنهم لم يتركوا بيوتهم". وذكّر "عدالة" بما ورد في وجهة النظر التي قدمها المستشار القانوني السابق للحكومة، ميني مزوز، عن أن "غياب مالكي العقارات في القدس الشرقيّة من سكّان الضفة الغربيّة هو غياب تقنيّ الطابع. فهم قد تحوّلوا إلى غائبين بقوة قرار أحادي الجانب اتخذته دولة إسرائيل" وأن "الحديث يدور عن "غائبين حاضرين" سُلب حقهم على أملاكهم على ضوء الصياغة التقنيّة الجارفة للقانون".

 

وأكد مركز "عدالة" أن قانون أملاك الغائبين قد سُنّ لـ "هدف واضح ومعرّف وفي سياق سياسي- قضائي محدد، ولذلك لا يمكن تطويره بما يتلاءم مع الواقع الجيو سياسي المتغيّر. والموقف الرسمي الذي أعلنته دولة إسرائيل في إثر سنّه هو بأن القانون هو قانون طوارئ ناتج مباشرةً عن حالة الحرب، وأن الدولة تعي حقيقة كونه قانونًا استثنائيًا، وأنها لا تنوي مصادرة الأملاك إلى الأبد. وعليه، فإن تفسير القانون يجب أن يكون تفسيرًا مرتبطًا دائمًا بسياق سنّه، وهو السياق التاريخي لنكبة 1948، ولا يمكن تحويله إلى قانون مثل أي قانون آخر من قوانين الأملاك"، فضلا عن أن "تطبيق قانون أملاك الغائبين على عقارات القدس الشرقية يتناقض مع نصوص القانون الدولي. فالقانون المطبق على سكان الضفة الغربية هو القانون الدولي الإنساني، والذي يُلزم سلطة الاحتلال بعدم المسّ بأملاك المدنيين من دون حاجة أمنية ملحة".

 

 

قرار ذو أهمية بالغة جدا

 

ومع اقتراب موعد الحسم في القضية وإصدار المحكمة العليا قرارها النهائي بشأنها، أكد عدد من الخبراء القانونيين في إسرائيل أن "قرار المحكمة العليا، أيا كان منحاه، سينطوي على تأثير عميق وحاسم على مستقبل الاستيطان في قلب القدس الشرقية وضواحيها. فإذا ما أقرت المحكمة عدم سريان قانون أملاك الغائبين على القدس الشرقية، فسيفتح هذا بابا واسعا أمام دعاوى يتم تقديمها بأثر رجعي للمطالبة باستعادة ممتلكات وعقارات يسكن فيها اليوم مستوطنون يهود بعد أن استولوا عليها بموجب القانون نفسه. أما إذا أقرت المحكمة سريان القانون، فسيؤدي هذا إلى انطلاق المستوطنين في حملة مجددة، نشطة وواسعة جدا، للاستيلاء على العديد من المباني والعقارات الإضافية في القدس الشرقية".

 

ومن المعروف أن "قانون أملاك الغائبين" قد شكل، طوال عقود طويلة، الأداة "القانونية" المركزية التي استخدمتها "جمعيات" يهودية استيطانية ويمينية في مسعاها المحموم لتهويد القدس العربية، بدعم مباشر، سياسيا واقتصاديا، من الحكومة الإسرائيلية ومؤسسات الحركة الصهيونية العالمية المختلفة. فقد درجت تلك "الجمعيات" على التوجه إلى "الوصي على أملاك الغائبين" بطلبات لمصادرة بيوت وعقارات في القدس الشرقية تعود ملكيتها إلى فلسطينيين يقيمون في مناطق الضفة الغربية. وحال استجابة "الوصي" لتلك الطلبات ـ في الغالبية الساحقة من الحالات، إن لم يكن كلها ـ يقوم المستوطنون اليهود "باستئجار" تلك العقارات من "الوصي" مقابل "رسوم استئجار" رمزية جدا، في الغالب. وبهذه الطريقة، أقيمت العديد من المستوطنات اليهودية في قلب الأحياء العربية في القدس الشرقية وضواحيها.

 

وتنظر أوساط قضائية وحقوقية في إسرائيل إلى مسألة تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية باعتباره "مشكلة أخلاقية وقضائية"، ذلك بأن "سكان الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، يخضعون للحكم العسكري الإسرائيلي ويقيمون، في العديد من الحالات، على بُعد أمتار قليلة جدا من البيوت أو العقارات التي انتزعت منهم، وذلك خلافا للاجئين الفلسطينيين الذين فرّوا إبان الحرب إلى دول كانت في حالة حرب مع إسرائيل "!

 

وتؤكد هذه الأوساط أن تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس الشرقية "يندرج في إطار محاولات رسمية لتهويد أحياء فلسطينية في المدينة، للفصل بين القدس وبين بقية مناطق الضفة الغربية، وخاصة بين السكان في هذه المناطق، وهو ما يجري بطرق وأساليب أخرى، ومن بينها أساسا الجدار الفاصل"!

 

ما هو "قانون أملاك الغائبين"

 

يعتبر "قانون أملاك الغائبين" أحد القوانين الأساسية التي سارعت دولة إسرائيل إلى سنها في مرحلة مبكرة من حياتها بهدف قوننة وشرعنة استيلائها على أكثر ما أمكنها من الممتلكات الفلسطينية، بما فيها الأراضي والعقارات، التي اضطر أصحابها الفلسطينيون إلى هجرها والنزوح إلى مناطق أخرى لم تكن تحت سيطرة الدولة الإسرائيلية، أو إلى دول عربية، إبان النكبة الفلسطينية وتهجير أبناء الشعب الفلسطيني من بيوتهم وأراضيهم.

 

وقد سن الكنيست الإسرائيلي هذا القانون في العام 1950، ونصّ على أن "كل مَن تواجد في دولة معادية أو في أجزاء أرض إسرائيل الواقعة خارج سلطة دولة إسرائيل يعتبر غائبا وتوضع ممتلكاته تحت سيطرة الوصي على أملاك الغائبين"!

 

وقد حددت المادة رقم (1) من القانون تعريف "الغائب" على النحو التالي:

 

"الغائب - هو كل شخص كان في الفترة ما بين 29/11/1947 وحتى اليوم الذي أعلن فيه عن انتهاء حالة الطوارئ بتاريخ 14/5/1948، وكان يملك أموالا أو عقارات في داخل إسرائيل أو كان ينتفع منها أو كانت تحت تصرفه مباشرة أو بواسطة آخر، خلال الفترة المذكورة:

 

أ‌- مواطنا أو يقيم في لبنان، مصر، سورية، السعودية، شرق الأردن، العراق، اليمن، أو..

 

ب‌- متواجدا في إحدى هذه الدول أو في أي جزء من "أرض إسرائيل" خارج حدود دولة إسرائيل أو..

 

ج- مواطنا فلسطينيا ("في أرض إسرائيل") وانتقل من مكان إقامته العادي في إسرائيل إلى أحد المواقع التالية:

 

1- إلى أي مكان خارج "أرض إسرائيل"، قبل 1/9/1948.

 

2- إلى مكان ما في "أرض إسرائيل" كان يقع تحت سيطرة قوى كانت تعمل على منع إقامة دولة إسرائيل أو قوى حاربتها بعد إقامتها".

 

وقد أوجد هذا النص نوعين اثنين من "الغائبين"، هما:

 

- "الغائبون الحقيقيون": وهم الفلسطينيون الذين غادروا فلسطين إلى مكان يقع خارج "أرض إسرائيل" - أي الذين غادروا فلسطين قبل يوم 1/9/48 ولم يعودوا إليها.

 

- "الحاضرون الغائبون": وهم إما مواطنون فلسطينيون تركوا مكان سكناهم الأصلي (قبل النكبة) وانتقلوا إلى السكن في قرية أو مدينة أخرى في فلسطين كانت تحت سيطرة قوات "جيش الإنقاذ"، والتي أصبحت ضمن حدود دولة إسرائيل، لاحقا، وإما مواطنون فلسطينيون نزحوا عن فلسطين قبل يوم 1/9/48 وعادوا إليها "بشكل غير قانوني" ("متسللون"!) ثم حصلوا على الجنسية الإسرائيلية ضمن عمليات جمع الشمل.

 

وقضت المادة الرابعة من القانون بوضع جميع "أملاك الغائبين" تحت إمرة "القيم (الوصي) على أملاك الغائبين" فأصبحت هذه "مُلكا له" وله حق التصرف بها، بما في ذلك ما نصت عليه المادة رقم (19) من تخويله صلاحية بيع هذه الأملاك أو منحها من دون مقابل إلى "سلطة تطوير" في حالة إقامة سلطة كهذه. وكانت هذه المادة جزءا من مخطط شامل لنقل جميع هذه الأملاك إلى ملكية "سلطة التطوير"، أو ما يعرف باسم "دائرة الإنشاء والتعمير" التي تمت إقامتها فيما بعد، بموجب "قانون دائرة الإنشاء والتعمير" (قانون سلطة التطوير لسنة 1950). وبالفعل، فقد تم يوم 30/9/1953 نقل الغالبية العظمى من هذه الأملاك إلى "سلطة الإنشاء والتعمير"، التي قامت بنقلها، لاحقا، إلى أيد يهودية وخصوصاً عشرات الألوف من المنازل والوحدات السكنية التي اعتبرت بمثابة "أملاك غائبين"، تم وضعها تحت تصرف المهاجرين الجدد من اليهود.

 

ومن جهة أخرى، أبقى القانون على إمكانية محدودة لـ "تحرير أملاك الغائبين" وإعادتها إلى أصحابها الأصليين، أو تعويض "الغائب" بإعطائه "أرضا بديلة"، ولكن بشرط أن تكون الأرض قد انتقلت إلى ملكية "دائرة الإنشاء والتعمير" وأن يكون "الوصي على أملاك الغائبين" قد ألغى عن "الغائب" صفته هذه.

 

وفي العام 1960 أنشئت "مديرية أراضي إسرائيل" فوُضعت هذه الأملاك تحت إدارتها وتصرفها.

 

وقد انتهى العمل بهذه الأنظمة في سنة 1973 حيث سن "قانون أملاك الغائبين - تعويضات لسنة 1973"، والذي أعطى "الغائب" الحق في المطالبة بالتعويضات عن أملاكه، بواسطة طلب خاص يتقدم به إلى "لجنة خاصة" لهذا الغرض. وقد حددت الفترة بـ 15 سنة من تاريخ سن القانون، أي حتى سنة 1988.

 

ورغم الأنظمة والقوانين التي منحت الغائب "الحق في المطالبة باستعادة أرضه"، إلا أن الحالات التي تم فيها تحرير هذه الأملاك، فعلاً، كانت قليلة جداً، وذلك نظراً للسياسة المعادية التي انتهجها "القيم على أملاك الغائبين" واللجنة التي أوكلت إليها مهمة وصلاحية النظر والبتّ في طلبات تحرير الأملاك، إذ استغلت هذه اللجنة صلاحيتها فقامت بمساومة الكثير من "الغائبين" (الذين توجهوا إليها بطلب تحرير أملاكهم) بأن يتنازلوا عن حقوقهم مقابل توفير دار سكنية أو قطعة أرض للبناء يتم تأجيرها لهم لمدة طويلة. وقد فشلت محاولات الابتزاز هذه في معظم الأحيان، مما أدى إلى رفض معظم طلبات التحرير المقدمة إلى اللجنة.