استفحال التمييز ضد النساء في إسرائيل

وثائق وتقارير

تقرير: وديع عواودة

 رغم مرور 56 عامًا على النكبة الفلسطينية في 1948 يكتشف المهتمون والباحثون ان أحداثا كثيرة مفزعة شهدتها الارض الفلسطينية وظلت اما طيّ الكتمان او انها ذكرت بشكل عابر وذلك لان الرواية الفلسطينية الموثقة لم تكتمل حتى الان بالمستوى التفصيلي الشامل، سيما الرواية الشفوية المستمدة من شهود العيان الذين ما زالوا احياء.

 

 

في مثل هذه الايام من العام 1948 ضرب زلزال النكبة فلسطين اثر قيام الصهيونية بتطبيق مشروع التهجير لاكثر من 520 مدينة وقرية فلسطينية ,ارتكبت خلاله المجازر الجماعية بحق السكان العزل في نحو 70 موقعا. وكما يجري اليوم في رفح لم تتورع عصابات " الايتسل" و"الليحي" و"الهغناه" عن اعمال سيف القتل ضد الاطفال والنساء والشيوخ وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها والسطو المسلح على الارض مستهدفة التطهير العرقي . وتمتد مواقع الوجع المدماة في خريطة فلسطين من دير ياسين الى الصفصاف واللد وعين الزيتون وعيلبون وعيلوط والطنطورة والكثير من القرى التي ربط فيما بينها خيط احمر افضى باهلها الى مهالك الغربة واللجوء والعذاب اللانهائي . ربما كانت مجزرة دير ياسين الابرز من بين مذابح الصهيونية غير ان ما جرى في قرية عيلوط (قضاء الناصرة)، على سبيل المثال لا الحصر، لا يقل فظاعة ووحشية .

بعد الاعلان عن قيام دولة اسرائيل بشهرين تقريبا استسلمت مدينة الناصرة وبعدها بلدة صفورية في 10/7/1948 فاحتلت قوة من الجيش المنطقة و دخلت القرية المجاورة، عيلوط، واختطفت ثلاثة عشر رجلا من القرية. وقد ظن اهالي القرية انهم اخذوا اسرى ولم يعرف احد مصيرهم وقتها. وقبيل المساء امر الجيش الاسرائيلي اهالي القرية بالنزوح عن قريتهم مهددا اياهم بقتل كل من يخالف الاوامر ويبقى في بيته لكن اهالي القرية رفضوا ان يكونوا مشردين وان يكونوا لاجئين في المدن والقرى فقرروا العودة الى بيوتهم بعد ايام متحدين الخوف والارهاب .

 

يوم لا ينسى

 وعما حصل لاحقا روى ل "المشهد الاسرائيلي" الحاج خالد الصالح ابو الوليد (72 عاما) فقال " في صبيحة يوم 21/7/1948 أفاق الناس على رجل ينادي بأعلى صوته ان على جميع السكان ترك منازلهم والتجمع في ساحة القرية وكانت شوارعها تعجّ بسيارات الجيش فتبث الرعب والخوف في النفوس . بدأ الرجال بالنزول الى ساحة القرية وقد قام الجيش بتقسيمهم الى قسمين، الاول قرب الجامع والقسم الثاني على بيادر القرية. وحشروا النساء والاولاد داخل ساحة بيت في وسط القرية . كان الفزع سيد المشهد حيث اختلط عويل النساء ببكاء وصراخ الاطفال. وكان من وقت لآخر يدخل احد الجنود على النساء ويطلب منهن ان يخلعن اساورهن عن ايديهن والحلق عن اذانهن فقامت النسوة بالصياح وعندها دخل احد الضباط واخرج الجنود وقد غنموا بعض الخواتم والاساور والحلي من بعض النساء".

 

وزاد ابو الوليد "تسللت عبر احد الازقة لأتفقد والدي الذي رفض ان ينزل الى الطريق وفضل البقاء في البيت قائلا اذا ارادوا قتلي فليقتلوني هنا ... وفي الطريق اقتربت من المجموعة الواقفة على ساحة البيادر واذا الرصاص يحصد رجلين ( صالح سعيد ابو راس وطه ابو عياش) فسقطا جريحين على الارض وهما بدون ملابس. ورغم مرور 56 عاما لم يبرح ذاك المنظر الرهيب ذاكرتي حتى اليوم . بعدها ساقوا المجموعة الى ساحة الجامع وأجبروا الرجال على الاصطفاف في ساحة واحدة. وقف كافة الرجال صفا واحدا امام الجنود، وكان احد هؤلاء الجنود يمسك بيده ورقة وفيها لائحة المطلوبين حيث اخذ ينادي كل واحد باسمه ويلزمه بالصعود الى عربة عسكرية، اما من كان غائبا في تلك اللحظة فقد استبدل بشخص آخر . في اعقاب ذلك امروا من تبقى من الرجال بترك القرية خلال ساعة سوية مع النساء والاطفال". اشعل ابو الوليد سيجارته "العربية" الصنع ونفث دخانها وكأنه يخرج اوجاعه الدفينة منذ نحو ستة عقود مستذكرا مسيرة "الهجيج"، كما يقول ، وأضاف " فور مغادرتنا القرية وقبل ان تغيب عن انظارنا نسفت ثلاثة بيوت وشعرنا بان السماء تكاد أن تطبق علينا من قوة الانفجار".

 

الكارثة الاولى

 

وعن المجزرة التي اقترفتها قوات الهغناه في اليوم ذاته كما شهد ناجيان منها، قال ابو الوليد " في مكان يبعد نصف كيلومتر عن ساحة الجامع غربا توقفت عربات الاسرى واختار الجنود اربعة وعشرين رجلا انزلوهم من السيارات وامروهم بالجلوس على الارض. وفي اقل من دقيقة وباشارة من احد الضباط كان رشاش يحصدهم فسقطوا قتلى. وشاء القدر ان يقوم اثنان من بينهم لم تكن اصابتهما قاتلة، وهما خضر علي ابو راس ومحمد مصطفى المامور، اللذان تظاهرا بالموت ثم قاما وولا هاربين اما الباقون فقد اخذوا اسرى . ولم ينج الاسرى من القتل فقد داست احدى سيارات الجيش عمدا المرحوم مفلح حسن محمود وصرعته . انتشر الخبر بين الاهالي بسرعة البرق وارتفع العويل والنحيب في كل بيت وشارع فلم يسلم أي بيت من الكارثة . بعد ان ابتعد الجنود قامت النسوة بجمع جثث القتلى ووضعها في الجامع وفي اليوم التالي جرى دفنها".

 

ويروي محمد امين بشر، صاحب كتاب "عيلوط عبر التاريخ"، عن تلك المجزرة وفق شهادات شفوية جمعها من شهود العيان علاوة على ارشيفات الجيش، فيقول: "في صباح السادس عشر من شهر تموز/ يوليو عام 48 هاجمت الكتيبة الثالثة من الفوج الثالث عشر في لواء جولاني قرية عيلوط وكان الهجوم على محورين. وبعدما اتموا حصار القرية اخذوا يفتشون المنازل بحثا عن اسلحة فعثروا على عدد من البنادق داخل البيوت فنسفوها بالديناميت وهي بيوت مختار القرية حسن محمد الاحمد وساري ابو عياش وعبد الحليم ابو عياش وسليم ابو عياش . بعد ذلك جمعوا السكان وسط القرية قرب الجامع ، ووضعت النساء في حوش دار عبد الكريم الواكد والرجال في حوش دار محمد اليونس.

 

ترجل قائد الوحدة، "الخواجا نسيم"، من السيارة واخرج من جيبه ورقة وقرأ عدة اسماء لاشخاص من اهالي البلدة فلم يجب احد ثم سأل عمن عمل في معامل تكرير البترول في حيفا فأجاب شخصان هما نايف حسين السلطي وصالح محمد فاشير لهما ان يجلسا على حدة، بعد ذلك قسموا الرجال الى فريقين حسب تعليمات القائد. الفريق الاول وضع داخل المركبات العسكرية وشحن الى معسكرات الاعتقال والفريق الثاني مع الرجلين اقتيد مترجلا امام المجنزرات . هبت النساء يصرخن ويبكين، وتوسلن الى القائد كي يخلي سبيلهم. فرد القائد "ليس هنالك من شيء، بل ان بعض الصخور تعيق طريق العربات العسكرية ويجب ازالتها". واستكمل حديثه بالتهديد: "يجب على كل السكان ترك القرية والرحيل الى كفرمندا المجاورة ومن يخالف الامر تطلق عليه النار". تركت الوحدة القرية مصطحبة معها الرجال وعندما وصلت على بعد مائتي متر من بيوت القرية بالقرب من الزيتون توقفت الوحدة العسكرية عن السير وبأمر من القائد اصطف الرجال صفا واحدا فتقدمت منهم عربة "الخواجا نسيم" وصوّب رشاشها نحو الرجال وتريث لحظة، ينتظر الاوامر، كانت لحظات قصيرة على اثرها جرت عملية حصدهم". ويتابع بشر في كتابه "بعد ان أتمت القوات الاسرائيلية عملياتها وابتعدت عن حدود القرية خرجت النساء الى امكنة المجازر وجمعت الجثث داخل اكياس ونقلت على البهائم الى ساحة المسجد ثم دفنت في القرية المحاذية له. بعد اسبوعين من المجازر عادت القوات الاسرائيلية الى عيلوط بصحبة رجل يهودي يدعى اسكندر شوشاني كان يعمل ناطورا على الاحراش فحاصرت القرية وبدأت اعمال السلب والنهب مثل صناديق النحل والخيل وخزائن ومقاعد المدرسة والابقار. بعد ذلك هرب سكان القرية لاجئين الى اديرة الناصرة وبعض احيائها ولم يبق فيها سوى ثمانية مسنين".

 

هكذا انتهت صفحة من صفحات الحقد الاعمى والنكبات التي لم تشهدها هذه القرية على مرّ العصور. اثر حالة الفزع التي ألمت بالسكان ومعظمهم من النساء والاطفال غادر الاهالي القرية واحتموا بالاديرة في الناصرة وبعضهم سكن في بيوت خاصة لاجئين مهجرين . لكن الكارثة لم تنته عند هذا الحد فبعدها باسبوع دخل جنود الجيش الاسرائيلي إلى القرية والقوا القبض على الرجال الذين عادوا لاخذ بعض الحاجيات من بيوتهم "فاختطفوا عشرين رجلا وساقوهم الى مستعمرة "بيت ليحم". وبعد ان اذاقوهم الذل والهوان لبضعة ايام افرجوا عنهم عدا ثلاثة رجال هم المرحوم عوض علي ابو راس والمرحوم سليم محمد ابو راس والمرحوم علي عودة عبود فقد قتلوهم ولم يعرف مكان قبورهم حتى الآن".

 

الكارثة الثانية

 

لم تنته مأساة عيلوط عند ذاك الحد حيث فجع اهلوها ثانية. وعن ذاك حدثنا الحاج صبري علي ابو راس فقال "بعد اسبوعين من الكارثة الاولى عثر احد الرعاة في احد الاحراش بين صفورية وعيلوط، على 13 جثة هامدة وهياكل عظمية بشرية . فهرع الاهالي وتعرفوا على موتاهم الذين اسروا يوم 10/7/1948 فحمل كل واحد اخاه او ابنه ليدفنه، وياله من منظر رهيب، فقد شاهدت كل هذا بنفسي خاصة مشهد حسن عبود وهو يحمل نجليه اليافعين في عباءته وهما هيكلان عظميان. هكذا قتلوهم بدم بارد وتركوهم طعاما للطيور والوحوش. حتى النساء لم يسلمن من شرهم، فقد اطلق احد الجنود الرصاص على السيدة ذيبة محمد الحمد التي كانت في طريقها من عيلوط الى الناصره فأرداها قتيلة . وبهذا تكون قد لحقت بزوجها طه خليل ابو عياش الذي قتل في ساحة القريه يوم 21/7/1948 ".

 

هذه ملامح من نكبة عيلوط التي فقدت 48 رجلا خلال شهرين في مجزرتين جماعيتين وفي اعمال قتل متفرقة، وفقدت معهم معظم اراضيها التي كانت مصدر رزقها الوحيد. خلال هذه المدة احضر الجيش جميع القبائل التي كانت تسكن اراضي عيلوط وجميع ما تبقى من اهالي صفورية واسكنوهم في عيلوط . وبقي اهالي عيلوط يسكنون في الناصره طيلة 3 سنوات بعدها عادوا الى قريتهم ليبنوها من جديد، اما المشردون منهم فيسكنون الان في سوريا والاردن. وتفيد معطيات المجلس المحلي ان المجزرة اتت على ثلث رجال القرية فيما هجرت الثلث الثالث ليبقى ثلث فقط. "ربما ما يعزينا ان البلدة عاشت وبقيت رغم اعمال القتل البشعة وذلك بفضل اصرار السكان على تكرار محاولات العودة لبيوتهم الى ان نجحوا بذلك وبعد ان كانت القرية تعد بضع مئات باتت تعد اليوم قرابة 6000 نسمة".

ويختتم الحاج ابو الوليد بعد ان انهى فتح صناديق ذاكرته بالقول " استغرب لماذا استنكفت الفضائيات العربية عن التطرق الى مجازر عيلوط ضمن برامجها الكثيرة عن النكبة".

 

شهداء المجزرة

 

فيما يلي قائمة شبه كاملة بأسماء من استشهدوا في مذبحة عيلوط استنادا الى رواية اهالي البلدة:

  1. صالح سعيد ابوراس
  2. طه ابو عياش
  3. محمد عبد العلي عودة الله
  4. سعيد فلاح
  5. محمد مصطفى العيسى
  6. محمد ابراهيم
  7. نمر الدبوري
  8. محمد الفايز
  9. احمد محمد ابراهيم ابو راس
  10. صالح محمد
  11. نايف حسين السلطي
  12. حسن محمد الدرويش
  13. محمود سليم العلي
  14. مرعي حسين محمود
  15. مصطفى سليم ابو تنها
  16. محمد سليم شحادة
  17. صبري علي
  18. محمد يوسف ابو راس
  19. سليم شحادة
  20. ذيب على مصطفى
  21. صالح سليم شحادة
  22. محمد عيسى ياسين
  23. نجيب حسن عبود
  24. محمد حسن عبود
  25. سعيد صالح عبود
  26. قاسم ابو شنينة
  27. ذيبة محمد الحمد
  28. عوض العلي
  29. علي عودة عبود
  30. سليم محمد ابراهيم